مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

رغم غياب التوافق في قمّة سويسرا: “أوكرانيا أقرب إلى السلام الحقيقي”

هل سنلتقي مرّة أخرى؟ الرئيسة السويسرية، فيولا أمهيرد (منحنية)، وهي محاطة بزعامات الدول يوم السبت 15 يونيو 2024.
هل سنلتقي مرّة أخرى؟ الرئيسة السويسرية، فيولا أمهيرد (منحنية)، وهي محاطة بزعامات الدول يوم السبت 15 يونيو 2024. Keystone Pool / Alessandro Della Valle

قمّة تاريخية أم مخيّبة للآمال؟ أدانت القوى الغربية وحلفاؤها في قمة سويسرا الغزو الروسي لأوكرانيا، لكنها فشلت في إقناع دول عدم الانحياز الكبرى بالانضمام إلى بيانها الختامي، فيما لم تتقدم أي دولة لاستضافة قمة تكميلية.

وقّعت أربع وثمانون دولة، من أصل حوالي 100 دولة ومنظمة شاركت في قمة السلام في أوكرانيا، والتي عقدت في منتجع بورغنشتوك المطلّ على بحيرة لوسيرن، على بيان مشترك. ومع ذلك، فقد أقرّت الرئيسة السويسرية، فيولا أمهيرد، بعدم وجود اتّفاق حول كيف ومتى يجب إشراك روسيا في هذا المسار.

“يرسل البيان الختامي للقمة إشارة قوية بأن هناك حاجة إلى إحداث تغييرات. هناك أفكار مشتركة من أجل سلام عادل ودائم”، هكذا قالت أمهيرد في كلمتها التي ألقتها يوم الأحد، وذلك في ختام المؤتمر الذي استمرّ يومين. وقد ضربت أمثلة على ذلك بتأمين المنشآت النووية، والأمن الغذائي، ووصول أوكرانيا إلى موانئها، والإفراج عن جميع أسرى الحرب، وعودة الأطفال والطفلات المبعدين.ات إلى روسيا.

فيولا أمهيرد، ووزير الخارجية السويسري، إينياتسيو كاسيس (الثاني من اليسار)، يصلان إلى "قمة السلام في أوكرانيا" يوم الجمعة 14 يونيو 2024.
فيولا أمهيرد، ووزير الخارجية السويسري، إينياتسيو كاسيس (الثاني من اليسار)، يصلان إلى “قمة السلام في أوكرانيا” يوم الجمعة 14 يونيو 2024. Cc 3.0 By-Nc-Sa

من جهتها، قالت رئيسة الوزراء الإيطالية، جيورجيا ميلوني، إن هذه المحاور الثلاثة ترقى إلى “الحدّ الأدنى من الشروط” للمفاوضات مع روسيا، في إشارة إلى أنه سيكون من الصعب التغلّب على العديد من نقاط الخلاف الأخرى بين كييف وموسكو.

ومن بين الدول المشاركة، التي لم توقّع على البيان الختاميرابط خارجي، المملكة العربية السعودية والهند، وجنوب أفريقيا، وتايلاند، وإندونيسيا، والمكسيك، والإمارات العربية المتحدة. كما أن البرازيل، التي أُدرجت بصفة “مراقب” في قائمة الحضور، لم تظهر أيضًا في قائمة الدول الموقّعة.

وجاء في الوثيقة الختامية أن ميثاق الأمم المتحدة و”احترام وحدة الأراضي والسيادة… يمكن أن يكونا أساسًا لتحقيق سلام شامل وعادل ودائم في أوكرانيا”.

وقالت أمهيرد إن حقيقة موافقة “الغالبية العظمى” من الجهات المشاركة على الوثيقة الختامية “تُظهر ما يمكن للديبلوماسية أن تحقّقه”.

“مهارات الدبلوماسية السويسرية”

وقد أشادت أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بالجهة المضيفة للقمّة، قائلةً “إنّها شهادة على مهارات الدبلوماسية السويسرية، التي تمكّنت من جمع حوالي 100 دولة ومنظمة دولية على أعلى مستوى”.

كما أشاد الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، بـما أسماه “الخطوات الأولى نحو السلام” في الاجتماع، مؤكدا أن البيان المشترك يبقى “مفتوحًا للانضمام إليه من قبل كل من يحترم ميثاق الأمم المتحدة”.

الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، والرئيس الكيني، ويليام كيبشيرشير روتو، يتّفقان على الرؤية نفسها.
الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، والرئيس الكيني، ويليام كيبشيرشير روتو، يتّفقان على الرؤية نفسها. Keystone Pool / Alessandro Della Valle

ومع ذلك، فقد كانت ردود الفعل الأولية خافتة إلى حد ما. فقد رأى سيباستيان رامسبيك، المراسل الدولي لهيئة الإذاعة والتلفزيون السويسرية العامة (SRF)، أن “التوقعات من الاجتماع مع رؤساء ورئيسات الدول والحكومات الـ 57 كانت متواضعة، بل وكانت مخيبة للآمال بدلاً من أن تكون مبهرة”.

“إنّه من المخيب للآمال بشكل خاص بالنسبة لسويسرا بصفتها الدولة المضيفة أن لا توجد حاليًا قمّة متابعة [تكميلية] في بلد مضيف آخر. وبالتالي، فإنّ مسألة ما إذا كانت قمّة بورغنشتوك قد أطلقت عملية السلام تعدّ أكثر من مشكوك فيها”.

وكانت روسيا، التي لم تتمّ دعوتها وأوضحت أنها لا ترغب في الحضور، قد وصفت القمّة بأنها مضيعة للوقت، وطرحت بدلاً من ذلك مقترحات منافسة. أمّا الصين فكان غيابها هي الأخرى ملفتا للنظر.

يستمع المشاركون والمشاركات إلى كلمة خلال الجلسة العامة الافتتاحية يوم السبت.
يستمع المشاركون والمشاركات إلى كلمة خلال الجلسة العامة الافتتاحية يوم السبت. Keystone Pool / Urs Flueeler

إذن، هل أصبح السلام في أوكرانيا قريبًا؟ نعم، وفقًا لأورسولا فون دير لاين. حيث قالت: “أوكرانيا أقرب إلى السلام الحقيقي”. ومع ذلك، فقد شدّدت على أن السلام الحقيقي لن يتحقق في خطوة واحدة، وأن الطريق إليه يتطلّب الصبر والعزيمة. مضيفةً على إثر المحادثات: ” سيكون الأمر بمثابة رحلة”.

“ليست مفاوضات سلام”

وواصلت فون دير لاين بالقول إن القمّة “لم تكن مفاوضات سلام لأن [الرئيس الروسي فلاديمير] بوتين ليس جادًا في إنهاء الحرب. إنه يصرّ على الاستسلام، وعلى التنازل عن الأراضي الأوكرانية – حتى تلك التي لم تعد محتلّة اليوم”.

من جانبه، قال المستشار النمساوي، كارل نيهامر، إن “الخلاصة المهمة هي أننا جئنا جميعًا إلى هنا، وأننا نتحاور ونتحدث، وأن العديد من الدول والقارات المختلفة تتحدث مع بعضها البعض… هذا هو جوهر هذا المؤتمر. إن عمليات السلام والسلام تستغرق وقتًا طويلاً، والعمل في اتّجاهها يكون خطوة بخطوة”.

اجتمع يوم السبت حوالي 50 لاجئًا ولاجئة أوكرانيًا.ة من جوقات كورال من جميع أنحاء سويسرا، في مدينة لوسيرن، وذلك لغناء "نشيد الفرح" لبيتهوفن، قائلين.ات إنه عمل كورالي قالو إنه يجسّد آمالهم.نّ في السلام والحرية. وقد ارتدى بعض المغنّين والمغنّيات الزي الوطني المطرّز وتيجان الزهور. وكانت سويسرا قد استقبلت أكثر من 65,000 لاجئ.ة أوكراني.ة منذ الغزو الروسي في فبراير 2022.
اجتمع يوم السبت حوالي 50 لاجئًا ولاجئة أوكرانيًا.ة من جوقات كورال من جميع أنحاء سويسرا، في مدينة لوسيرن، وذلك لغناء “نشيد الفرح” لبيتهوفن، قائلين.ات إنه عمل كورالي يجسّد آمالهم.نّ في السلام والحرية. وقد ارتدى بعض المغنّين والمغنّيات الزي الوطني المطرّز وتيجان الزهور. وكانت سويسرا قد استقبلت أكثر من 65,000 لاجئ.ة أوكراني.ة منذ الغزو الروسي في فبراير 2022. Keystone / Walter Bieri

وقد كان تحقيق التوازن في البيان الختامي للقمة، بين الإدانة الصريحة للغزو الروسي لأوكرانيا والصياغة التي تحظى بأوسع دعم ممكن، جزءًا من التجاذبات الدبلوماسية في هذا الحدث.

وقد توقّعت تحليلات أنه لن يكون للمؤتمر، الذي استمر يومين، تأثير ملموس يذكر نحو إنهاء الحرب، لأن الدولة التي تقودها وتستمرّ فيها، وهي روسيا، لم تتم دعوتها، في الوقت الراهن. أما الصين، حليفتها الرئيسية التي لم تحضر القمّة، والبرازيل، فقد سعتا معًا إلى رسم طرق بديلة نحو السلام.

مصادر إلهاء

كما حاولت القمّة أيضًا إعادة تسليط الضوء على الحرب، في الوقت الذي استحوذ فيه الصراع في غزة، والانتخابات الوطنية وغيرها من المخاوف، على الاهتمام العالمي. وبالفعل، كان رئيس الوزراء الكندي، جاستن ترودو، الزعيم الوحيد ضمن مجموعة السبع الذي حضر يومي المؤتمر. بينما كانت نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا من بين الحضور الذين واللواتي غادروا.ن بعد ساعات قليلة. أمّا المستشار الألماني، أولاف شولتس، فقد عاد إلى برلين صباح الأحد. ومع ذلك، فقد واصلت الوفود مناقشاتها.

من اليسار: وزير الخارجية السويسري إينياتسيو كاسيس، والرئيسة السويسرية فيولا أمهيرد، والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، ونائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس، وسكرتير مجلس الأمن في أرمينيا أرمين غريغوريان، والمستشار النمساوي كارل نيهامر. وقد أعلنت هاريس يوم السبت عن تقديم مساعدات لأوكرانيا بأكثر من 1.5 مليار دولار أمريكي (1.3 مليار فرنك سويسري).
من اليسار: وزير الخارجية السويسري إينياتسيو كاسيس، والرئيسة السويسرية فيولا أمهيرد، والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، ونائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس، وسكرتير مجلس الأمن في أرمينيا أرمين غريغوريان، والمستشار النمساوي كارل نيهامر. وقد أعلنت هاريس يوم السبت عن تقديم مساعدات لأوكرانيا بأكثر من 1.5 مليار دولار أمريكي (1.3 مليار فرنك سويسري). Keystone Pool / Urs Flueeler

وقال ترودو يوم الأحد، إن كندا تخطّط لاستضافة اجتماع لوزراء ووزيرات الخارجية في الأشهر المقبلة، وذلك من أجل دفع العمل لمعالجة التكلفة البشرية للحرب في أوكرانيا.

وعلى الرغم من هذه التعليقات الإيجابية، فإنه ما تزال هناك خلافات كبيرة. فقد رفض مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان يوم الأحد، اقتراح السلام الذي قدّمه بوتين، واصفًا إيّاه بغير المعقول. وبيّن أنّ تلبية مطالب موسكو ستجعل كييف أكثر عرضة لمزيد من العدوان.

وأضاف سوليفان: “لن يكون على أوكرانيا فقط أن تتخلّى عن الأراضي التي تحتلّها روسيا حاليًا، ولكن سيكون عليها التخلّي عن أراضٍ أوكرانية إضافية ذات سيادة”. وأشار إلى أن كييف ستكون ملزمة أيضًا بنزع سلاحها بموجب الاقتراح الروسي “بحيث تكون عرضة للعدوان الروسي في المستقبل”.

وقوف رؤساء الدول لالتقاط "الصورة العائلية" التقليدية يوم السبت.
وقوف رؤساء الدول لالتقاط “الصورة العائلية” التقليدية يوم السبت. Keystone Pool / Michael Buholzer

وشدّد على أنه “لا يمكن لأي دولة مسؤولة أن تقول إن ذلك أساس معقول للسلام. إن هذا المقترح يتحدّى ميثاق الأمم المتحدة، والأخلاق الأساسية، والمنطق السليم الأساسي”.

ما هي الخطوة التالية؟ ومن سيَ.تتولّى رفع الحمل الثقيل لمسار السلام؟
ما هي الخطوة التالية؟ ومن سيَ.تتولّى رفع الحمل الثقيل لمسار السلام؟ Keystone Pool / Alessandro Della Valle

من جانبه، لا يستبعد بوتين إجراء محادثات مع أوكرانيا، لكنه يستبعد التحدث إلى الرئيس الأوكراني الحالي. حيث قال المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، إنّ “فولوديمير زيلينسكي ليس الشخص الذي يمكن تسجيل اتفاق كتابيّ معه، لأنّ مثل هذا التسجيل سيكون غير شرعي بحكم القانون. إنه [بوتين] مع ذلك، لا يرفض إمكانية إجراء مفاوضات، كما ينصّ عليه دستور البلاد”، وفقًا لما نقلته وكالة الأنباء الروسية “تاس”، يوم الأحد.

ما هي الخطوة التالية إذن؟ قال زيلينسكي يوم الأحد، إن المؤتمر الذي عُقد في سويسرا يجب أن يعقبه اجتماع ثانٍ قريبًا. وأضاف أن مثل هذه التحضيرات لن تستغرق سوى أشهر وليس سنوات، مشيراً إلى أن بعض الدول قد أبدت بالفعل استعدادها لاستضافة مثل هذه القمة. في المقابل، لم يشر البيان الختامي إلى عقد مؤتمر تكميلي.

تحرير: بالتس ريغندينغر

ترجمة: أمل المكي

مراجعة: عبد الحفيظ العبدلي

المزيد

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية