سويسريون وسويسريات تجندوا لصالح الثورة الجزائرية (1 من 2)
في منتصف القرن الماضي، شارك عدد من السويسريين وبدوافع مختلفة في دعم الثورة الجزائرية وشكلوا ظاهرة عرفت باسم "حاملي الحقائب" الذين ساعدوا في تمرير الوثائق والأموال بل حتى المناضلين والسجناء الفارين من السجون الفرنسية عبر الحدود الفرنسية - السويسرية.
swissinfo.ch تخصص سلسلة من المقالات لاستعراض شهادات عن هذه الفترة التاريخية مع عدد من هؤلاء السويسريين الذين لا زالوا على قيد الحياة.
إذا عُرف عن الثورة الجزائرية بأن مرحلة هامة من مراحلها قد دارت أطوارها على التراب السويسري أثناء مفاوضات إيفيان بسبب الوساطة السويسرية وبسب مطالبة الوفد المفاوض للحكومة المؤقتة للثورة الجزائرية بالإقامة فوق التراب السويسري لتفادي القبول باستضافة القوة المحتلة فرنسا أثناء هذه المفاوضات، فإن ما هو معروف أقل هو تجند عدد من السويسريين قبل تلك المفاوضات لصالح دعم الثورة الجزائرية.
دوافع هؤلاء السويسريين كانت متباينة وقد تختلف من شخص لآخر ولكنها كانت تلتقي جميعها في اقتناعهم جميعا بواجب نصرة شعب يناضل ضد قوة استعمارية، البعض بدافع الالتزام السياسي اليساري، والبعض الآخر بدافع الواجب الديني الذي يأمر بنصرة المظلوم، وآخرون وبالأحرى أخريات بدافع التعلق بشبان جزائريين شاءت الأقدار أن يحلوا إما كلاجئين أو كطلبة بهذه الربوع فيتحدثوا عن معاناة شعبهم ويتمكنوا من إقناع من حولهم بعدالة قضيتهم.
في المقالات التالية تستعرض swissinfo.ch جملة من شهادات هؤلاء السويسريين والسويسريات مستفسرة عن دوافعهم وقناعاتهم ومعايشتهم لمعاناة أصدقائهم الجزائريين بل حتى عما لحق بهم من نبذ في بعض الأحيان من قبل مجتمعهم أو تعرضهم للعقاب بل السجن في بعض الأحيان.
شارل هنري فافرو.. من الصحافة الى النضال
في عام 1952، كان شارل هنري فافرو الصحفي بجريدة لا غازيت دو لوزان وإذاعة لوزان 1952 في جولة سياحية عبر بلدان حوض البحر الأبيض المتوسط لما حل بالقاهرة حيث كان الملك فاروق يتربع على العرش قبيل ثورة عبد الناصر والضباط الأحرار.
وكانت هذه الزيارة فرصة بالنسبة لهذا الصحفي السويسري الشاب لكي يتعرف على الزعيم المغاربي عبد الكريم الخطابي الذي كان ضيفا على الملك فاروق. ويتذكر شارل هنري فافرو أن “الزعيم عبد الكريم الخطابي كان محاطا بخيرة زعماء بلدان المغرب العربي مثل صالح بن يوسف التونسي وعلال الفاسي المغربي وبعض القادة الجزائريين الذين لم يكونوا مشهورين آنذاك بل أصبحوا فيما بعد مثل حسين آيت أحمد وصهره محمد خيدر”.
وأثناء التوقف في الجزائر ورغم كل ما كان يعرفه من الفرنسيين عن تواجدهم في الجزائر، اكتشف شارل هنري فافرو واقعا مغايرا لما حل بالبلد خصوصا ما رُوي له عن مجازر سطيف وقالمة (المجازر التي ارتكبها الجيش الفرنسي في سطيف وخراطة لما أطلق النار في 8 مايو 1945 على جموع الجزائريين الذين خرجوا في احتفالات النصر ضد النازية للمطالبة باستقلال الجزائر وأدت إلى مقتل آلاف السكان) وهي الأحداث التي “لم اجد لها أثرا في صحف تلك الفترة”، مثلما يتذكر اليوم.
قد تكون الأقدار هي التي جعلت شارل هنري فافرو يُصادف أثناء مروره بالجزائر قوافل الجنود الجزائريين الذين كانوا يستعدون للإبحار في صفوف الجيش الفرنسي للقتال في الهند الصينية. وبما أن اهتمامه كصحفي في عامي 1952 و 1953 كان منصبا على حرب الهند الصينية، توجه إلى عين المكان لكي يجد أمامه هؤلاء المقاتلين الجزائريين مرة أخرى “والذين يؤطرهم قادة من اللفيف الأجنبي الفرنسي غالبيتهم من الجنود الألمان السابقين الذين تم الزج بهم بالقوة في هذه المهام”.
عودة شارل هنري فافرو من الهند الصينية بعد الهزيمة النكراء التي تعرضت لها فرنسا في ديان بيان فو في جعلته يهتم بالتواجد الإستعماري في إفريقيا السوداء. ولكن اندلاع الثورة الجزائرية في الفاتح من نوفمبر 1954 جعله يحول اهتمامه لكي يركز على هذه الثورة الناشئة.
بداية الاهتمام بالثورة الجزائرية
يمكن القول أن علاقة الثورة الجزائرية بالأراضي السويسرية تعود إلى صيف العام 1954 بسبب اختيار الرؤوس المدبرة للثورة الجزائرية انتهاز تنظيم مباريات كأس العالم في كرة القدم بالعاصمة السويسرية برن لعقد اجتماع في ملعب “فانكدورف” (يُسمى اليوم ملعب سويسرا بعد تجديده) للإفلات من رقابة المخابرات الفرنسية. وهو الاجتماع الذي، يُقال أنه تم فيه تحديد موعد اندلاع الثورة الجزائرية المسلحة في غرة نوفمبر 1954.
لكن أول لقاء لشارل هنري فافرو بقيادات الثورة الجزائرية حدث في صيف 1955 على الرغم كما يقول “من صعوبة وصول صحفي إلى قيادات ثورية بدون أن يعرضهم ذلك للخطر”. وقد اكتفى شارل هنري فافرو بالاتصال بمناضلي “فدرالية الجزائريين في فرنسا” الذين كما قال “مكنوني من الاطلاع على التفاصيل الأولية للثورة الجزائرية، وهي التفاصيل التي سمحت لي بكتابة أول مؤلف لي عن الثورة الجزائرية كان من المفروض أن يتم نشره في عام 1957 أو 1958 ولكن الناشر الفرنسي رفض نشر كتاب يحمل عنوان “الثورة الجزائرية” لأنه لا يمكن الحديث في مفهومه إلا عن “انتفاضة جزائرية”.
ولكن شارل هنري فافرو يرى أن الأمور “أصبحت أقل صعوبة بعد إقامة مكتب اتصال للثورة الجزائرية في لوزان في عام 1956”. وقد سمح له هذا المكتب بالإلتقاء من جديد مع شخصية تحولت تاليا إلى وسيلة اتصاله بفدرالية الجزائريين في فرنسا وهو الطيب بولحروف المشرف على هذا المكتب.
أول مكتب اتصال.. وأول “حاملة حقائب”
تأسيس مكتب اتصال الثورة الجزائرية في لوزان بسويسرا وتنصيب الطيب بولحروف على رأسه كان لإبعاده عن المضايقات التي كان يتعرض لها في فرنسا بوصفه عضوا في الفدرالية الجزائرية في فرنسا.
ويتذكر شارل هنري فافرو أن “أول سويسرية تجندت فيما عُرف فيما بعد بـ “حاملي الحقائب” هي إيفلين سيلرو التي أصبحت فيما بعد مشهورة بعضويتها في المجلس الدستوري، والتي بدأت بتهريب وإيواء الطيب بولحروف نفسه قبل أن تسهم في النضال الى جانبه بصحبة آخرين”.
افتتاح هذا المكتب في لوزان يعتبره شارل هنري فافرو “قرارا تم لإبعاد الطيب بولحروف وتجنيبه أن يتعرض للاعتقال ككثيرين ممن نشطوا في الفدرالية الجزائرية بفرنسا، ولكي يكون همزة وصل بالنسبة للنشطاء الراغبين في للالتحاق بروما قبل التوجه للمغرب أو تونس، وفي وقت بدأت تتشكل فيه جالية جزائرية من حوالي 500 طالب ممن حصلوا على منح في الجامعات السويسرية أو في المعهد الفدرالي العالي المتعدد التقنيات”.
ويتذكر فافرو “أن هذا المكتب تم تنصيبه في فندق من الدرجة البسيطة يسمى فندق الشرق Hotel Orient في شارع أوشي بلوزان الذي لم تكن تسكنه سوى سيدات عوانس. وهو ما جعل هذا الشاب الوسيم الذي كان يطلق على نفسه اسم بابلو ويدعي أنه إسباني يصبح محط إعجاب الجميع، وهو ما سمح له بممارسة نشاطه بعيدا عن الشكوك”.
وكان يساعد الطيب بولحروف في هذا النشاط فرنسيان، أحدهما يدعى سيرج ميشيل المقرب من فرحات عباس، والثاني هو شاب من طلبة المعاهد الدينية يدعى جاك بيرتولي.
ونظرا لكثرة لقاء شارل هنري فافرو بالطيب بولحروف ومعاونيه في مكتب لوزان، أصبح الطيب صديقا لعائلة فافرو لدرجة أنه أصبح متبنيا لإبنه الأكبر وأن زوجة فافرو هي التي علمته سياقة السيارات.
وقد بقيت علاقة شارل هنري فافرو بالطيب بولحروف وثيقة إلى أن تم نقله إلى مكتب روما في عام 1957. وقد قام مكتب اتصال الثورة الجزائرية في لوزان بدور فعال في شبكات ما أطلق عليهم اسم “حاملي الحقائب”، أي أولئك السويسريين والفرنسيين الذين تجندوا >لنصرة الثورة الجزائرية.
ويتذكر شارل هنري فافرو “كيف إن إيفلين سيلرو كانت تجتاز الحدود الفرنسية السويسرية بسهولة على متن سيارتها المكشوفة وهي تحمل حقائب مملوءة بالأموال لصالح الثورة الجزائرية”.
كما يتذكر أنه “استضاف في بيته في لوزان، مرات عديدة، فرنسيس جونسون، رئيس شبكة حاملي الحقائب والذي كانت تربطه به علاقات صداقة”. ويتذكر بالخصوص “أن فرانسيس جونسون تلقى مرة مكالمة هاتفية، ولما صعد للغرفة لإخباره بذلك وجده يعد الأوراق المالية قبل إيداعها في مصرف “كريدي سويس” لتشكل ما عُرف فيما بعد بأموال جبهة التحرير الجزائرية”.
عن هؤلاء الفرنسيين والسويسريين الذين تجندوا لصالح الثورة الجزائرية وأصبح يُطلق عليه إسم “حاملي الحقائب” يقول شارل هنري فافرو “إنهم شباب فرنسيون أو سويسريون مثاليون كانوا يقومون بذلك بدون أية منفعة مادية وفي تحد لمخاطر كبيرة”.
ويقول أيضا “إنهم كانوا في أغلبهم من ذوي المظهر الوسيم واللباس المحترم لتمكينهم من اجتياز الحدود بدون إثارة الشكوك”. ولكنه يتذكر أيضا “أن آخرين من أمثال جون مايرا لم يحالفه الحظ لما القي القبض عليه وهو يمرر نسخا من جريدة الثورة “المجاهد” من سويسرا الى فرنسا ومنشورات “ميثاق الصومام”.
ميثاق الصومام يُطبع في إيفردون
تغلغل شبكات إسناد الثورة الجزائرية في المجتمع السويسري ، سمح لهذه الثورة بأن تستعين بالعديد من المرافق السويسرية لحد أن ميثاق الثورة الجزائرية او ما ُعرف بميثاق الصومام ، كان يُطبع في سويسرا وينقل عبر شبكات حاملي الحقائب الي التراب الفرنسي للترويج لأهداف الثورة الجزائرية.
فكرة طبع ميثاق الصومام أتت من معاون الطيب بولحروف رئيس مكتب اتصال الثورة الجزائرية في لوزان، سيرج ميشيل الذي كان يبحث عن مطبعة في لوزان. ويقول شارل هنري فافرو ” نظرا لعدم إدراكنا لمدى أهمية ميثاق الصومام بالنسبة للثورة الجزائرية، اقترحت البحث عن مطبعة صغيرة خارج لوزان واهتدينا الى مطبعة في إيفردون لصديق يدعى كورناس كان يهتم بطبع أطروحات الطلبة وما شابه ذلك”.
وقد تعرضت هذه المطبعة لمراقبة الشرطة عندما تم اكتشاف أن كورناس يشتري كميات من الورق والحبر تفوق بكثير ما كان يتوصل به من أعمال طباعة . ولما حاول تبرير ذلك بأنه لطباعة أطروحة اكتشفت الشرطة السويسرية طبيعة هذه الأطروحة التي لم تكن غير ميثاق الصومام مما عرضه لغرامة مالية لا غير”.
وهكذا سمحت جهود هؤلاء السويسريين لأعداد جريدة الثورة ” المجاهد” و لميثاق الصومام ان يعبرا حدودا ” يقول عنها شارل هنري فافرو ” أنها كانت مثلما كانت أثناء الحرب العالمية الثانية مسامية وغير محكمة المراقبة” مما سمح بوصول تلك المطبوعات حتى الى داخل السجون الفرنسية حيث كان يقبع عدد من المناضلين الجزائريين .
ومن هذه الشبكات التي اشتهرت يقول شارل هنري فافرو ” شبكة رومان موتيي التي كانت تسهر على إيصال الفارين الجزائريين وإيوائهم إما لدى الشخص المشرف على التهريب او في كنيسة القرية. كما عُرفت على مستوى جنيف شخصية معروفة هي الصحفية إيزابيل فيشنياك التي كانت من أوثق أصدقاء الجزائر والتي عملت دوما على تعزيز شبكات الاستقبال عبر أصدقائها ومعارفها”.
ولكن المناضلين المارين عبر جنيف كانوا يدركون جيدا بأن الرقابة محكمة على هذه المدينة من قبل المخابرات الفرنسية لذلك كانت مجرد نقطة عبور. ويقول شارل هنري فافرو ” كان رئيس الشرطة الفرنسية المعروف أوساريس يحكم الرقابة على جنيف بل حتى أنه سمح بعمليات اغتيال في المدينة وهذا ليس غريبا عنه”.
علاقة شارل هنري فافرو الوثيقة بقيادات الثورة الجزائرية وتوليه عدة مهام حساسة جعلته يعيش فترات حرجة تتجاذب فيها الرغبة في القيام بدوره كصحفي همه نشر المعلومات التي يحصل عليها والثقة التي وضعت فيه لنقل بعض الرسائل والاتصال ببعض المسؤولين.
ويعترف الصحفي والكاتب السويسري أنه بدون صداقته مع الطيب بولحروف ما كان ليتابع تطورات الثورة الجزائرية من هذه المكانة المقربة ويتعرف على أسرار في غاية الأهمية، حرص على مراعاة عدم البوح بها لتجنيب المشاركين فيها ويلات الإغتيال.
فقد تمكن شارل هنري فافرو من الاقتراب من قيادات الثورة الجزائرية منذ شهر أكتوبر 1956 أمثال بوسوف او كريم بلقاسم في القاهرة أو فرحات عباس وبومنجل في لوزان وفي تونس. ويقول في حواره الطويل مع swissinfo.ch “لحد أنني طورت علاقات وثيقة مع شخصية مرموقة في الثورة الجزائرية وهو أوعمران الذي كان مسؤولا في القاهرة عن تمرير الأسلحة، والذي دعاني لمرافقته في رحلة عبر البر من القاهرة إلى تونس مرورا بليبيا على متن سيارة فخمة أهدتها السعودية للثورة الجزائرية”.
ومن علامات الثقة التي وضعتها قيادات الثورة الجزائرية في هذا الصحفي السويسري، يذكر شارل هنري فافرو بأنهم “سمحوا لي بالدخول الى مقر جبهة التحرير في القاهرة مرفوقا بمصور التقط لأول مرة صورا لهذه القيادات وهي الصور التي تناقلتها وسائل الإعلام فيما بعد”، ويضيف أنه “الحادث الذي أثار اهتمام الفرنسيين لحد أن بعضا من الأصدقاء الفرنسيين في محيط رئيس الوزراء الفرنسي ميشلي، بدأ يُطلب مني نقل رسائل بين الطرفين”.
ويقول شارل هنري فافرو عن مهمته هذه “لقد كانت تمثل الأسلوب السري والمباشر الذي سمح بالوصول الى فتح ملفات هامة والتحدث بلغة مفهومة من الطرفين”، لكن فافرو الذي واصل القيام بهذه المهمة بدون آمال كبرى في البداية يرى “أن الراغبين في تدويل الصراع الجزائري الفرنسي، بعد أن حصلوا على تدويل عبر الاعتراف بجمعية الهلال الأحمر الجزائري قادوا إلى فشل محاولة مفاوضات إيفيان الأولى القائمة على أساس حلول غير قابلة للتطبيق وتسمح بإبقاء التواجد الفرنسي في الجزائري”. وهو ما أدى إلى إضاعة سنة كاملة شهدت حدوث أعنف المواجهات مع المنظمة السرية OAS ولكنها أبطلت في نفس الوقت أي إمكانية للتمسك بالمطالب الداعية إلى إبقاء التواجد العسكري الفرنسي في الجزائر.
بعد هذا الفشل، حاول شارل هنري فافرو تفعيل مسار مفاوضات سري هو المسار الذي أدى فيما بعد إلى مفاوضات إيفيان ثم الى استقلال الجزائر في عام 1962.
ويتذكر شارل هنري فافرو كيف” أن شخصيات فرنسية من أمثال بيار جوكس كانت معارضة في حين ان شارل دي غول وميشال دوبري كانا متحمسين لذلك”. ولعدم إثارة الانتباه لشخصية فرنسية تتردد بكثرة على جنيف، تم اختيار كلود شايي الذي كان يشغل في نفس الوقت منصب ممثل فرنسا لدى المقر الأوربي لمنظمة الأمم المتحدة. وهكذا تمكن شارل هنري فافرو من عقد لقاء أولي بين كلود شايي وسعد دحلب اللذان قال عنهما ” أنهما تمكنا من التفاهم بسرعة وبفضلهما تم تحضير ملف مفاوضات إيفيان طوال العام 1961 الذي ادى في عام 1962 الى الاستقلال”.
وأتعس ما عاشه كصحفي هو معايشته لأحداث تعد سبقا إعلاميا، وعدم التجرؤ على نشر ذلك. لكن فافرو يدرك ” بأن الإفشاء ببعض من تلك الأسرار كان ليعرض مئات من الأشخاص للهلاك في حرب بشعة حولتني الى مناضل همه الوحيد هو وضع حد لتلك المآسي التي ترهق الطرفيين”.
وأحسن مثال على هذه الأسرار التي لم يتمكن الصحفي شارل هنري فافرو من نشرها حفاظا علي سير المفاوضات الجزائرية الفرنسية ” الرسالة التي كلفه بها رئيس الوزراء الفرنسي ميشال دوبري في العام 1960 الذي كان يُتهم من بعض القيادات في الطرف الجزائري بأنه يرغب في تقسيم الجزائر والحفاظ على جيوب للاستعمار. والرسالة عبارة عن شريط فيديو يتحدث فيه ميشال دوبري للقيادات الجزائرية عن رغبته في التوصل الى حل لتبديد كل تلك الشكوك”.
وهذا ما سمح بتمهيد الطريق لتدخل سويسرا الرسمية كمسهل لتلك المفاوضات بين الجزائر وفرنسا فيما عرف بمفاوضات إيفيان. وحتى في هذه المرحلة ُكلف شارل هنري فافرو بإبلاغ فرحات عباس ومحمد يزيد في الدار البيضاء ” بأن شارل دي غول موافق على الوساطة السويسرية”.
ولكن الخطأ الذي ارتكبته سويسرا بإصدار بيان صحفي عن وساطتها في هذه المفاوضات بدل الاحتفاظ بذلك سريا، أدى حسب شارل هنري فافرو ” الى اغتيال رئيس بلدية إيفيان وتهديد رئيس بلدية لوزان بيار اندري شوفالا بالقتل لإيوائه الوفد الجزائري المفاوض على ترابه”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.