The Swiss voice in the world since 1935

قواعد جديدة لخفض التوتر في الفضاء… وسويسرا تتطلع للعب دور الوسيط

الفضاء
تم إطلاق صاروخ سبيس إكس في كيب كانافيرال بولاية فلوريدا في سبتمبر 2024، حاملاً خمسة أقمار صناعية تجارية إلى مدار أرضي منخفض. وعلى مدار العشرين عامًا الماضية، ارتفع عدد عمليات إطلاق الأقمار الصناعية بنسبة 50%، بينما انخفضت تكاليف الإطلاق عشرة أضعاف، وفقًا للمنتدى الاقتصادي العالمي. Keystone

يتزايد التنافس السياسي بين القوى العالمية الكبرى في مجال الفضاء، مما يجعل وضع قواعد واضحة للسلوك في هذا المجال ضروريًّا أكثر من أي وقت مضى. ومن أجل ذلك، تهدف سويسرا إلى لعب دور "بانية الجسور" في الفضاء، كما تفعل على الأرض. 

في نوفمبر 2021، دمّرت روسيا قمرا صناعيا قديما من طراز “كوسموس” عن طريق إطلاق صاروخ إلى ارتفاع 480 كيلومترًا في الفضاءرابط خارجي. وعند انفجار هذا القمر الصناعي الذي يعود إلى الحقبة السوفياتية، توزّعت مئات الآلاف من قطع الحُطَام في المدار الأرضي المنخفض، مما شكّل خطرًا مباشرًا، واضطر طاقم محطة الفضاء الدولية (ISS) إلى اتخاذ تدابير لحماية أنفسهم. 

وبالنسبة إلى سكان الكوكب الأزرق، يعتبر هذا الاختبار على الأرض تذكيرًا بوجود حوالي 10 آلاف قمر صناعي نشط (وعددها في تزايد) يدور فوق رؤوسنا، مما يشكل تهديدًا كبيرًا للبنية التحتية الفضائية ويعرضها لأضرار خطيرة، سواء نتيجة استهداف متعمّد أو تصادم غير مقصود. 

وتقول كليمانس بوارييه، الباحثة في مجال الدفاع السيبراني لدى مركز الدراسات الأمنية بالمعهد الفدرالي العالي للتقنية بزيورخ (ETH Zurich): “ينبغي تقاسُم البيئة المدارية بين جميع الأطراف الفاعلة في الفضاء”. وأوضحت أنّ قطعة حُطَام واحدة، لا يتجاوز قطرها سنتيمترًا واحدًا، يمكنها أن تدمر قمرًا صناعيًّا تبلغ كتلته بضعة أطنان، بسبب السرعة الهائلة. وأضافت: “في نهاية المطاف، إن أيّ حادث مادي يمكن أن يؤثر علينا جميعًا”. 

الحطام في الفضاء
Kai. Swissinfo

وبصرف النظر عن حجمها، باتت جميع البلدان التي تمارس أنشطة في الفضاء تسعى إلى مواجهة هذه الحقيقة. لذلك، بادرت سويسرا، التي تصف نفسها (استنادًا إلى حجم استثماراتها الحكومية في هذا المجال) بأنها “واحدة من أكثر 20 بلدًا نشاطًا في مجال الفضاء”، إلى إعداد أول قانون لها بشأن الأنشطة الفضائيةرابط خارجي، وهو حاليًا قيد التشاور العام. 

ولا تقتصر طموحات سويسرا على تحقيق الأهداف الاقتصادية والعلمية فحسب؛ بل تسعى، مع ازدياد ازدحام الفضاء بالجهات الفاعلة التجارية والحكومية على حدٍّ سواء، إلى “تعزيز الممارسات المسؤولة في الفضاء، وأن تصبح طرفًا وسيطًا، وبانيًا للجسور حيثما أمكن”.  

الفضاء… مجال عملياتيّ 

لم تعد ملامح العمل الفضائي تتحدد بالمنافسة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، التي هيمنت على بدايات عصر الفضاء قبل 65 عامًا. إذ يبلغ اليوم عدد البلدان التي تمتلكرابط خارجي وكالات فضائية أكثر من 70 بلدًا، من بينها 16 بلدًا قادرًا على إطلاق المركبات إلى الفضاء. 

وعلاوةً على ذلك، يُطلَق اليوم عددٌ غير مسبوق من الأقمار الصناعية، فتشغّل شركة “ستارلينك” المملوكة للملياردير إيلون ماسك بمفردها نحو 7000 قمرٍ صناعي. ووفقًا لتقريررابط خارجي المنتدى الاقتصادي العالمي، بلغت الاستثمارات في مجال الفضاء رقمًا قياسيًا قدره 70 مليار دولار (62 مليار فرنك سويسري)، في عامي 2021 و2022. ويُقدّر المنتدى أن تصل قيمة اقتصاد الفضاء بحلول عام 2035 إلى نحو 1،8 تريليون دولار. 

وتسعى سويسرا إلى الحصول على نصيب من هذا القطاع الواعد. فرغمَ أنها لا تمتلك وكالة فضاء خاصة بها، فهي عضو مؤسِّس في وكالة الفضاء الأوروبية (ESA)، وترغب في المساهمة في تحديد معالم الأنشطة الفضائية الأوروبية والدولية. ولهذا السبب، تعمل حاليًا على إنشاء إطار قانوني لنحو 250 كيانًا؛ بين شركات ناشئة، وشركات قائمة، وجامعات تنشط في هذا القطاع. 

وتستثمر الحكومة السويسرية حوالي 305 ملايين فرنك سويسري (345 مليون دولار) في الأنشطة الفضائية سنويّا. ويشمل ذلك المساهمات في وكالة الفضاء الأوروبية (ESA) (بإجمالي 600 مليون فرنك على مدى ثلاث سنوات)، والمنظمة الأوروبية لاستغلال الأقمار الصناعية في مجال الأرصاد الجوية، وبرنامج “هورايزن يوروب” (Horizon Europe) للبحوث والابتكار، إضافة إلى الأنشطة الوطنية في قطاع الفضاء. وتفيد سياسة الفضاء عام 2023رابط خارجي بأن هذه الاستثمارات تعود بالنفع على الاقتصاد المحلي، بما في ذلك توفير نحو 1500 وظيفة في قطاع التِقَانَة المتقدمة. 

وفي الوقت ذاته، تحرص سويسرا على دعم تطوير حوكمة الفضاء. فبالفعل، هناك مبادئ دولية أساسية تحكم النشاط في الفضاء الخارجي، تتضمنها معاهدة الأمم المتحدة للفضاء الخارجيرابط خارجي لعام 1966، التي تنصّ على تمتّع جميع الدول بحرية استكشاف الفضاء للأغراض السلمية، ولا يحقّ لأي دولة ادعاء السيادة عليه، أو وضع أسلحة دمار شامل في مدارٍ حول الأجرام السماوية. 

بيد أنّ الدول الناشطة في مجال الفضاء، أدركت في السنوات الأخيرة الحاجة الملحّة إلى سنّ قواعد إضافية لمواجهة التهديدات المستجدة. ويُعدّ الحُطَام الفضائي أحد أبرز هذه التهديدات. ويعتبر حلف شمال الأطلسي (الناتو) الفضاء “مجالًا عملياتيًّا”، في ظلّ امتلاك بعض الجيوش القدرة على استهداف البنية التحتية الفضائية، كما هو الحال في الصواريخ المضادة للأقمار الصناعية. 

وقالت بوارييه إن القُوَى الفضائية الكبرى تطوّر أيضًا تكنولوجيا ذات استخدام مزدوج؛ فعلى سبيل المثال، يمكن استخدام الأذرع الروبوتية المصمَّمة لإزالة الحُطَام الفضائي (وهي مهمة مدنية) لأغراض عسكرية، كتدمير قمر صناعي تابع لبلد خَصْم. وأشارت كذلك إلى أنّ الهجمات الإلكترونية تُعدّ تهديدًا متزايدًا، إذ يُشتبه في تنفيذ روسيا إحداها في مستهلّ غزوها لأوكرانيا في عام 2022، عندما استهدفت شبكة أقمار صناعية تُوفّر خدمة الإنترنت في أوروبا. 

ومع ذلك، أخفقت العديد من المحاولات رفيعة المستوى للتوافق على قواعد جديدة. فمنذ أكثر من عقد، طرح الاتحاد الأوروبي مدوَّنة دولية لقواعد السلوك في الفضاء، إلا أنّها في نهاية المطاف، لم تنجح في إقناع البلدان الرئيسية، منها الولايات المتحدة، بالانضمام إليها. وفي الآونة الأخيرة، عقب إسقاط روسيا أحد أقمارها الصناعية، تبنّت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارًا يدعو إلى وقف مؤقت لاختبارات الأسلحة التدميرية المضادة للأقمار الصناعية التي تُطلق من الأرض مباشرةً. ولم يؤيّد ذلك القرار، من بين البلدان التي أظهرت امتلاكها هذه القدرة (روسيا والصين والولايات المتحدة والهند)، سوى الولايات المتحدة. 

ويُعتبر الامتناع عن إجراء اختبارات صاروخية تدميرية مثالًا على ما تصفه سويسرا “سلوكًا مسؤولًا”، وفقًا لناتاليا أرشينار، المسؤولة عن مِلَفّ الفضاء في وزارة الخارجية السويسرية. غير أنّ القرار الأممي يُظهر غياب التوافق العالمي حول هذه المسألة، وهو أمرٌ ترى أرشينار أنه يكشف تباين المصالح الوطنية الأمنية، والتجارية لدى كبريات الجهات الفاعلة، بشكل خاص. 

برنامج فضاء مدني أم عسكري؟ 

وعند الحديث عن كبريات الجهات الفاعلة، فإن أوّل ما يتبادر إلى الذهن الصين والولايات المتحدة، الخصمان الاستراتيجيان على الأرض، اللذان أصبحا الآن منخرطَيْن في منافسة في الفضاء. وفي هذا السياق، صرَّحرابط خارجي بيل نيلسون، رئيس وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا)، بأن البلدين يخوضان سباقًا إلى الفضاء”. 

المزيد عن مدارات نفوذ الولايات المتحدة والصين على الأرض:

المزيد
أعلام صينية وأمريكية في البيت الأبيض

المزيد

ما الذي يُمكن لسويسرا أن تفعله حيال التنافس بين الولايات المتحدة والصين؟

تم نشر هذا المحتوى على تشكل التوترات المُتصاعدة بين القوتين تحديًا للدول الأصغر المتموقعة على الهامش التي تريد تجنّب الوقوع في شراك خلافاتهما.

طالع المزيدما الذي يُمكن لسويسرا أن تفعله حيال التنافس بين الولايات المتحدة والصين؟

وتكثّف وكالة ناسا العمل في برنامجها «أرتيميس» الذي يهدف إلى العودة إلى القمر، كما تستعد لإطلاق مهمة مأهولة نحو المريخ. وقد وقّعت أكثر من 50 دولة، بينها سويسرا، على اتفاقيات أرتيميسرابط خارجي التي تقودها الولايات المتحدة، التي تعزّز الالتزام بالأنشطة الفضائية التعاونية للأغراض السلمية، وفقًا لما تنصّ عليه معاهدة الفضاء الخارجي. 

أما الصين، التي تهدف إلى أن تصبح قوة عظمى في الفضاء بحلول عام 2045، فهي تجمع حاليًا عينات من جانب القمر البعيد. وتُطوَّر بالاشتراك مع روسيا، محطة بحوث قمرية دولية تضم نحو 13 دولة شريكة، من بينها جنوب أفريقيا، وفنزويلا، وتايلاند. كما أنها بنت محطتها الفضائية الخاصة «تيانقونغ»، بعد أن قرَّر الكونغرس الأمريكي استبعادها من محطة الفضاء الدولية لأسباب أمنية. 

وكان رئيس ناسا قد شكَّك في أهداف برنامج الفضاء الصيني، مشيرًا إلى أنه لا يُستخدم لأغراض مدنية فقط، بل لأغراض عسكرية أيضًا. وتزعم وكالات الاستخبارات الأمريكية أنّ من أصل 700 قمر صناعي صيني عامل، هناك 245 تُستخدم لأغراض عسكرية. لكن يؤكدرابط خارجي الجانب الصينيّ أن طموحاته الفضائية سلمية، وأنه ملتزم بتطوير حوكمة دولية للفضاء. 

الصين
أطلقت إدارة الفضاء الوطنية الصينية (CNSA) بنجاح مهمة تسمى Chang’e-6 في يونيو 2024 لجمع عينات من الجانب البعيد من القمر. وتخطط الصين للانتهاء من بناء نظام الرصد الفضائي الدولي الروبوتي الأساسي بحلول عام 2035 مع شبكة ستمتد إلى الجانب البعيد بحلول عام 2050. Keystone/CSNA

وترى فيكتوريا سامسون، خبيرة في أمن الفضاء لدى مؤسسة عالم آمن (Secure World)، المنظمة غير الحكومية التي تتخذ من واشنطن مقرًا لها وتعنى باستدامة الفضاء، أن هذه المشروعات الفضائية يمكن أن تُكمِّل بعضها البعض بدلًا من أن تكون في حالة تنافس. وترجِّح أن تمارس الصين، بوصفها دولة موقّعة على معاهدة الفضاء الخارجي، أنشطتها القمرية وفق مبادئ مشابهة لتلك الواردة في اتفاقيات أرتيميس. وترى سامسون أنّه من أجل تبديد الشكوك في هذا الصدد، يجب على الصين الإفصاح عن هذه المبادئ ونشرها بوضوح. 

توسيع خبرات سويسرا في مجال الوساطة 

وفي خضمّ هذه التوترات، ترغب سويسرا في الاضطلاع بمهمة «بناء الجسور» في الفضاء الخارجي، وهو دور تقول أرشينار إنه “يتماشى مع دور البلاد التقليديّ في الدبلوماسية متعددة الأطراف، إلى حدّ بعيد”. وفعلا، تنشط سويسرا في عدة مناقشات تقودها الأمم المتحدة حول حوكمة الفضاء. وهناك، يعمل الوفد السويسري بنهج براغماتي “خطوة بخطوة”، على وضع مبادئ جديدة بعضها ملزم قانونًا، وبعضها غير ملزم، من شأنها أن تحول دون اندلاع نزاعات مسلحة في الفضاء. 

ففي إطار لجنة الأمم المتحدة المعنية باستخدام الفضاء الخارجي في الأغراض السلمية (COPUOS)، حيث ترأس أرشينار الوفد السويسري، ساعدت سويسرا في اعتماد 21 توجيهًارابط خارجي بشأن استدامة أنشطة الفضاء على المدى الطويل. كما ساهمت في صياغة التوجيه الثاني (D2)، الذي يشجّع الحلول التكنولوجية لإدارة الحُطَام الفضائي والحدّ من مخاطر التصادم. 

تعرف على المزيد حول دور المساعي الحميدة لسويسرا في المجال الدبلوماسي:

وقالت أرشينار: “يمكن لسويسرا، بصفتها بانية جسور، أن تساعد في تيسير الحوار، وبناء تفاهم مشترك حول مواضيع معينة… [أو] تقديم مقترحات نعتقد أنها قد تحظى بالتأييد من جميع الأطراف”. 

وتتفق بوارييه على قدرة سويسرا على “توسيع خبرتها المعترف بها في مجال الوساطة لتشمل مجالات أخرى”. وترى أن سويسرا قادرة على الاضطلاع بدور في تطوير إدارة حركة المرور الفضائية (أي إقامة نظام عالمي لتنسيق عمليات الأقمار الصناعية، على غرار مراقبة الحركة الجوية) للمساعدة في تفادي التصادمات.

وقالت بوارييه: “إن سويسرا دولة محايدة لا تمتلك أقمارًا صناعية عسكرية أو أسلحة مضادة للأقمار الصناعية، ولذلك ليست لديها مصلحة في تفضيل جهة مشغِّلة على أخرى. لذا، يمكن أن يكون لها دور وساطة يتمثل في جمع الجهات المشغِّلة معًا لنزع فتيل الخلافات، خاصة بين دولتين مثل الولايات المتحدة والصين، اللتين ترغبان في تجنب التصادم لكنهما تواجهان صعوبة في التواصل”. 

كما تعتقد سامسون أنّ الدول إذا تصرّفت بحسن نية، فيمكنها التوصل إلى اتفاق بشأن حوكمة الفضاء في نهاية المطاف. وتختم قائلة: “إن مواصلة هذه المناقشات هي الأهمّ”. 

تحرير: لونساي جونسون

ترجمة: ريم حسونة

مراجعة: عبد الحفيظ العبدلي

التدقيق اللغوي: لمياء الواد

المزيد

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية