لماذا يراهن حزب البديل من أجل ألمانيا على الديمقراطية المباشرة السويسرية؟

لطالما دعا حزب البديل من أجل ألمانيا، اليميني المتطرف، الذي حقق أمس أفضل نتيجة انتخابية له حتى الآن، إلى المزيد من الديمقراطية المباشرة ”على الطريقة السويسرية“. فما الذي يأمل الحزب في تحقيقه من وراء ذلك؟
فاز حزب البديل من أجل ألمانيا (AfD)، كما تنبّأت استطلاعات الرأي، بأكثر من خُمس الأصوات في الانتخابات التي جرت في ألمانيا يوم الأحد 23 فبراير 2025.
لكن لا تزال تداعيات هذه النتيجة الفعلية غير واضحة؛ فرغم صعوده المطّرد ليُصبح ثاني أكبر حزب في البلاد، تبقى مشاركته في الحكومة احتمالًا ضعيفًا. ففي بلدٍ يعي جيدًا دروس الماضي، تواصل الأحزاب الأخرى رفضها التعاون مع حزب يُعتبر جزئيا على أقصى يمين المشهد السياسي الالماني، ويلجأ بعض أعضائه إلى استخدام شعارات نازية بشكل متكرر.
ورغم العزلة السياسية، يُعدّ تجاهل هذا الحزب وسياساته أمرا غير ممكن، ما بدا واضحًا في التغطية الإعلامية الواسعة التي حظي بها الحزب وزعيمته المشاركة، أليس فايدل، في الأشهر الماضية.
وبينما ركَّزت عناوين الصحف على دعوات الحزب إلى تشديد قوانين اللجوء وتنفيذ عمليات ترحيل جماعي للاجئين واللاجئات، لا يحظى بند في برنامجه، في علاقة بجارته الجنوبية سويسرا، بنفس الاهتمام؛ فيُواصل حزب البديل المطالبة بتعزيز الديمقراطيّة المباشرة، على غرار الجماعات الشعبوية اليمينية الأخرى، لا سيَّما في النمسا، مستلهمًا أفكاره من النموذج السويسري.

المزيد
أيّ دور للبرلمان في الديمقراطية المباشرة السويسرية؟
عين على ‘الجارة الغنية والمحافظة’
وقد جاء في بيان حزب البديل الانتخابي لعام 2025، أن “السيادة غير المقيّدة للشعب” قد ضمنت لسويسرا “الرخاء، والسلام، والحرية، على مدى 200 عام تقريبًا”.
ويضيف البيان ايضا “أظهرت التجربة [السويسرية] أن قرارات المواطنات والمواطنين تمتاز بقدر أكبر من بعد النظر، والسلمية، والتركيز على الصالح العام، مقارنة بالقرارات التي تتخذها النخب السياسية المحترفة”. ويدعو البرنامج إلى تمكين الشعب من اقتراح تعديلات دستورية، والطعن في القوانين الصادرة عن البرلمان، تمامًا كما هو الحال في سويسرا.
لكن، الأمثلة التي يسوقها حزب البديل لمثل هذه الاستفتاءات الشعبية لا تمتّ لسويسرا بصلة. فقد أشار إلى الاستفتاء الشعبي الذي جرى في بريطانيا بشأن الانسحاب من الاتحاد الأوروبي (Brexit) عام 2016، وإلى رفض الشعب الفرنسي لدستور جديد اقترحه الاتحاد الأوروبي في عام 2005، وتُعد اقتراعات مهمة واستثنائية في مجتمعات غير معتادة على الاستفتاءات المنتظمة. كما لا يوضّح الحزب الصلات بين الحكومة والبرلمان والاقتراعات الشعبية في النظام السويسري، الذي يوصف غالبًا بأنه “ديمقراطية شبه مباشرة” وليس ديمقراطية مباشرة بالكامل.
ويقول مانيس فايسكيرشر، عالم سياسة في جامعة دريسدن للتكنولوجيا، لا ينبغي المبالغة في تفسير دعوات حزب البديل إلى اعتماد الديمقراطية المباشرة ‘السويسرية’، وذلك، على حدّ قوله، لأن فهم آلية عمل النظام السياسي السويسري، وخاصة العلاقة بين الديمقراطية المباشرة والتوافق الحكومي، ليس شائعًا في ألمانيا. ويضيف: “يكرر حزب البديل ذكر سويسرا لأن أدوات الديمقراطية المباشرة فيها قوية بشكل خاص. ومن جهة أخرى، لأن سويسرا بلد ثري ومحافظ يتمتع بصورة إيجابية، تمامًا كما تستشهد الأحزاب اليسارية بالدول الإسكندنافية، باعتبارها نموذجًا للرفاه والتقدم الاجتماعي”.
دعوات خجولة من جماعات أخرى
لم يكن حزب البديل الجهة الوحيدة التي طالبت بمزيد من الديمقراطية المباشرة في ألمانيا خلال السنوات الماضية، فقد عبّرت معظم الأحزاب الأخرى، من حزب الخضر اليساري إلى الحزب الديمقراطي الحر الليبرالي، عن رغبة في توسيع هذه الحقوق على الأقلّ. وقد قال أحد ممثلي حزب اليسار خلال مناظرة انتخابية عام 2021رابط خارجي: “لقد كنا ننادي بالديمقراطية المباشرة حتى من قبل أن يتشكَّل حزب البديل، وسنواصل فعل ذلك بعد زواله”.

لكن ما يلفت الانتباه، وفقًا لفايسكيرشر، هو تأثير موقف حزب البديل في مواقف الأحزاب الأخرى.
وكتب عالم السياسة في دراسة نشرت عام 2023رابط خارجي، أن دعم الحزب للديمقراطية المباشرة دفع مجموعات أخرى، مثل حزب الخضر، إلى التراجع عن مطالبها بالإصلاح أو تخفيف حدّة طرحها، على الأقلّ.
ويشير فايسكيرشر إلى أن تزايد الربط بين الدعوات إلى المزيد من الاستفتاءات من جهة، والشعبوية واليمين المتطرف من جهة أخرى، قد ساهم في تغيير الخطاب، وليس هذا في ألمانيا فحسب.
لكن قضيّة الديمقراطيّة المباشرة في الحملة الانتخابية الحالية لم تحظ باهتمام يُذكر، ويقول عالم السياسة: “كان الاستثناء الأبرز هو دعوة تحالف سارة فاغنكنشت، اليساري المحافظ، إلى إجراء استفتاء حول الهجرة، لكن بدا ذلك أشبه بمحاولة يائسة لجذب الاهتمام الإعلامي لحملة متعثرة”. وفي النهاية، أخفق تحالف سارة فاغنكنشت في الفوز بمقاعد تحت قبة البرلمان.
وفي نهاية المطاف، ومع تراجع اهتمام الحزب الأكبر بعد انتخابات يوم الأحد، حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي/الاتحاد الاجتماعي المسيحي المحافظ، بتوسيع نطاق الديمقراطية المباشرة على المستوى الوطني، فمن ”غير المرجح“ أن يكون هناك أي تحرك في البرلمان المقبل في هذا الاتجاه، كما يقول فايسكيرشر.
خطاب جيه دي فانس في ميونيخ
ويظلُّ الجدل السياسي قائمًا حول إمكانيّة تعزيز آليات الديمقراطية المباشرة، مثل الاستفتاءات والمبادرات الشعبية، وفاعلية العملية الديمقراطية في ألمانيا أو غيرها من دول الديمقراطية التمثيلية. ولكن، ليس حزب البديل الوحيد الذي يدعو إلى اعتماد تلك الآليات، أوما شابهها. ففي خطاب أمام مؤتمر ميونيخ للأمن في شهر فبراير، وجَّه نائب الرئيس الأمريكي جيه. دي. فانس انتقادات حادة للسياسة الألمانية التي تبني ‘جدارًا عازلًا’ لمحاصرة حزب البديل. وقال إنّ هذه السياسة بمثابة “إعلان لملايين الناخبين والناخبات بأن ما يراودهم، نساء ورجالا، من أفكار، ومخاوف، وتطلعات، ومناشدات في سبيل التخفيف من المعاناة، غير مبرر أو لا يستحق حتى أن يؤخذ بعين الاعتبار”.

المزيد
الديمقراطية المثالية؟ لا مجال للعثور عليها حتى في سويسرا!
ومع أن تصريحات فانس لاقت انتقادات كثيرة، ترى فيها وزيرة المالية السويسرية، كارين كيلر سوتر، وإن جزئيا، “دعوة إلى تعزيز الديمقراطية المباشرة” وزيادة “إشراك الشعب في عملية صنع القرار السياسي”، وفقًا لتصريحاتها لصحيفة “لوتون” (Le Temps). وفي لقاء على شاشة تلفزيون القناة العمومية السويسرية الناطقة بالفرنسية (RTS)، قالت كيلر سوتر: “إن وجود حكومة تضم أربعة أحزاب، وإمكانية إجراء استفتاءات شعبية، وحرية النقد، حتى إن كان موجها إليَّ شخصيًّا، دليل على عمل حرية الرأي [التي عبّر فانس عن قلقه بشأنها] بشكل جيد في سويسرا”.
وهذا ما أكَّدته بالفعل دراسة حديثة أجرتها مجموعة أبحاث سوتومو (Sotomo)، التي خلصت إلى أن الديمقراطية المباشرة هي العامل الأهم في تعزيز التماسك الاجتماعي في سويسرا؛ فقد قالت نسبة 71% من المجموعة التي شملها الاستطلاع إنها عنصر أساسي يحافظ على تماسك البلاد.
في سويسرا الديمقراطية المباشرة والتمثيلية تسيران جنبًا إلى جنب
يقول جاكوب تانر، أستاذ تاريخ متقاعد من جامعة زيورخ، في حديث إلى سويس إنفو (SWI swissinfo.ch)، إنه يرى أنّ “الديمقراطية المباشرة، في ظروف معينة، النظام الأفضل أداءً”. لكنه حذّر من جانب آخر من الاستخفاف به، فتبدو سويسرا على حدّ قوله: “جاذبة للراغبين والراغبات في تقويض الحقوق الأساسية”.
وغالبًا ما تُبدي الأحزاب اليمينية إعجابها بسويسرا لأنها ليست عضوًا في الاتحاد الأوروبي، وكان لاستفتاء شعبي شهير دور في هذا الوضع وإن جزئيا، فتميل هذه الأحزاب غالبًا إلى رفض المؤسسات فوق الوطنية. كما يوضح تانر أن التيارات اليمينية تُمجّد الشعب باعتباره «مجتمعًا وطنيًا» وتسمو إرادته على أي اعتبارات أخرى، بما فيها الحقوق الأساسية والمعاهدات الدولية. ويربط هذا التوجه أيضًا بمحاولة التقليل من دور النظام البرلماني؛ ففي سويسرا نفسها، وصف تيار «فرونتن» اليميني المتطرف في ثلاثينات القرن الماضي البرلمان بأنه “متجر أو دكان للكلام”، لا أكثر.
“الديمقراطية المباشرة في سويسرا، لم تُستخدم قط كأداة لمهاجمة النظام التمثيلي”
جاكوب تانّر
ولكن بالنسبة لتانر، ينبع حماس “الأحزاب اليمينية المتطرفة في جميع أنحاء أوروبا” إلى النموذج السويسري من سوء فهم جوهري. وفي الحقيقة، لم تكن الديمقراطية المباشرة يومًا نظامًا قائمًا بمعزل عن المؤسسات التمثيلية، بل قائمة على التكامل بين البرلمان وحقوق الشعب في سويسرا. ويؤكد تانر أن “الديمقراطية المباشرة في سويسرا، لم تُستخدم قط كأداة لمهاجمة النظام التمثيلي”. ورغم إدراج المبادرات الشعبية الناجحة في الدستور الفدرالي، فإنّ البرلمان هو الذي يتولى تنفيذها القانوني، وبالتالي يحدد كيفية تطبيقها. ويضيف أن النتيجة إذًا لا تؤثر في القوانين مباشرة فقط، بل تؤثر في المشهد السياسي أيضًا بطرق غير مباشرة، وتعزز مناخ التسوية والتوافق.
ويتابع تانر قائلا: «يختلف هذا عن حالة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، على سبيل المثال، حيث أدى ثوران مشاعر السخط السياسي المتراكمة إلى قرار متسرع يفتقر إلى المعلومات الكافية”. لكنه يحذر من أن ينتهي الأمر بسويسرا إلى نفس المنزلق، كما حدث بالفعل عدة مرات في القرن الحادي والعشرين، ويقول: “تكمن القضايا الرئيسية في الحماية من التمييز، والانفتاح على الاتحاد الأوروبي، وتعزيز القانون الدولي”.
لم تعد ضمن الأولويات
أما حزب البديل نفسه، فتشير العديد من التقييمات إلى أنه انجرف أكثر نحو اليمين في السنوات الأخيرة، مما قد يفسر تركيزه على قضايا جديدة، فلم تعد الديمقراطية المباشر ضمن الأولويات. فلا يظهر المطلب المتعلّق بالديمقراطيّة في برنامج الحزب الانتخابي لعام 2025 “على النموذج السويسري”، إلا في الصفحة 130، أي بعد مواضيع مثل “روح العصر اليسارية”، والعملة الرقمية بيتكوين، وتصوير ألمانيا على أنها “جنّة لطالبي اللجوء وطالباته”. أما في برنامجه السياسي لعام 2016، فقد كانت الديمقراطية المباشرة البند الأول على جدول الأعمال؛ وشُرحت أيضًا بصورة أكثر تفصيلًا.
فهل تراجع اهتمام الحزب بهذه القضية إذًا؟ يبدو أن عالم السياسة، فايسكيرشر، لا يوافق على ذلك. ويشير إلى تركيز البرامج الانتخابية بطبيعتها، على القضايا الأكثر أهمية في الحملات. ولم تكن الديمقراطية المباشرة إحداها هذه المرّة، رغم تأييد غالبية الشعب الألماني توسيع الحقوق الشعبية. ورغم أن حزب البديل “لا يملك تصورًا واضحًا حول كيفية تنفيذ الديمقراطية المباشرة بالضبط”، فقد مثّلت هذه القضية على حدّ قوله: “جزءًا من مطالبه منذ تأسيسه”.
تحرير: مارك ليفينغستون
ترجمة: ريم حسونة
مراجعة: عبد الحفيظ العبدلي
التدقيق اللغوي: لمياء الواد

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.