مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

 هل الشراكة بين سويسرا وتونس في مجال الهجرة مكسب فعلاً لكلا الطرفين؟

سيمونيتا سوماروغا مع وزير الخارجية التونسي السابق رفيق عبد السلام
في شهر أكتوبر 2012، توجهت وزيرة العدل والشرطة السويسرية سيمونيتا سوماروغا (على اليسار) إلى العاصمة التونسية للتوقيع مع وزير الخارجية رفيق عبد السلام على عدد من الاتفاقيات الثنائية تشمل إعادة طالبي.ات اللجوء المرفوضة طلباتهم.ن والتعاون في مجال الهجرة والاستثمار والتكوين المهني والدعم اللوجستي. Keystone

قبل اثني عشر عامًا، وقّعت سويسرا وتونس مذكّرة تفاهم تحدّد سياسات الهجرة بين البلدين. وكان ذلك بهدف السيطرة على تدفق المهاجرين.ات التونسيين.ات إلى سويسرا، مع تدريب المهنيين.ات الشباب من كلا البلدين. وبعد أن تم الترحيب بالشراكة آنذاك باعتبارها "مكسباً للطرفين"، تحلّل سويس إنفو مدى نجاح الشراكة والتحديات التي تطرحها اليوم. تقرير مدفوع بالبيانات.

في عام 2011، دفع الارتفاع الكبير في عدد طالبي.ات اللجوء التونسيين.ات ممّن وصلوا.ن إلى سويسرا، البلدين إلى التوقيع على مذكرة تفاهم، والتي مهّدت الطريق لاتفاقية رسمية للتعاون في مجال الهجرة. وقد قامت هذه الأخيرة على محورين أساسيين: وافقت سويسرا من جهتها، على تبادل المهنيين.ات الشباب بتأشيرات قصيرة الأجل، فيما وافقت تونس من جهة أخرى، على إعادة قبول طالبي.ات اللجوء المرفوضين.ات من حملة جنسيّتها.

وقد جاءت مذكّرة التفاهم حينذاك ردًا على زيادة الهجرة غير النظامية من تونس، في أعقاب ما عُرف بـ”الربيع العربي”، والثورة التي أطاحت بالرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، والذي كان قد تولّى السلطة منذ عام 1987. ففي ظلّ تلك الظروف، لم تعد الدولة التونسية قادرة على تأمين حدودها.

ولم تكن اتفاقيات الهجرة الثنائية هذه جديدة. فبالإضافة إلى تونس، وقّعت سويسرا سبع شراكات مماثلة مع كلّ من البوسنة والهرسك، وجورجيا، وكوسوفو، ومقدونيا الشمالية، ونيجيريا، وصربيا، وسريلانكا. كما أنها أبرمت اتفاقيات إعادة القبول مع حوالي 52 دولة، واتفاقيات تدريب مهني مع 14 دولة.

محتويات خارجية

كانت هذه الاتفاقيات مثيرة للجدل في ذلك الوقت. غير أنها أصبحت أكثر أهمية اليوم، مع تشديد الاتحاد الأوروبي الإجراءات الأمنية لحراسة حدوده واعتماده سياسة “تخريج الحدود”* إلى الدول الثالثة. وقد تعرّضت خطة المملكة المتحدة لإرسال بعض طالبي.ات اللجوء إلى رواندا لمعالجة طلباتهم.ن هناك إلى انتقادات شديدة. كما قضت المحكمة العليا في المملكة المتحدة، العام الماضي، بأن الخطة غير قانونية لانتهاكها الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان.

يقول مجدي كرباعي، الناشط في مجال الهجرة والعضو السابق في البرلمان التونسي، في مقابلة هاتفية مع سويس إنفو (SWI swissinfo.ch) إن إعادة القبول ليست سوى “توصيف قانوني لما هو في الواقع ترحيل قسري”.

ويضيف أنّ “سويسرا، شأنها شأن دول الاتحاد الأوروبي، تجعل تونس تقبل بترحيل مواطنيها ومواطناتها مقابل حصة معيّنة (كوتا) من تأشيرات الدخول النظامية”.

وبعد مرور أكثر من عقد على تنفيذ الاتفاقية السويسرية التونسية، تظهر الأرقام صورة متناقضة لمدى نجاح هذه السياسة. ففي حين تواصل انخفاض الأرقام المتعلقة بإعادة القبول والتونسيين.ات الذين واللواتي دخلوا.ن سويسرا بشكل غير قانوني، وهو الّذي مثّل أحد الأهداف المعلنة للاتفاقية، لم تستفد تونس حتى الآن سوى القليل من تدريب شبابها، وفق الأرقام الصادرة عن السلطات السويسرية المعنيّة.

وفي هذا السياق، أعادت تونس قبول 451 شخصًا بالتنسيق مع سويسرا، بينما عاد، في الوقت نفسه، 402 شخصًا بشكل طوعيّ بين عامي 2014 و2023، وفقا للإحصائيات التي قدّمتها أمانة الدولة للهجرة (SEM) إلى سويس إنفو.

محتويات خارجية

ويرى كرباعي أن الشراكة كانت دائما علاقة “ربح وخسارة”، حيث “هناك العديد من التعقيدات التي تحول دون الاستفادة الكاملة من تلك الحصّة (الكوتا)، مثل إجراءات الحصول على التأشيرة وشروط استيفائها”. ولا يتمّ الإعلان عن عدد الـتأشيرات ضمن هذه الحصّة.

وردًا على سؤال حول تقييمها لنتائج برنامج إعادة القبول، أجابت أمانة الدولة للهجرة في رسالة عبر البريد الإلكتروني لسويس إنفو أنه “لا يزال عدد الأشخاص المعنيين.يات بالعودة الطوعية وغير الطوعية منخفضًا نسبيًا. وبالمثل، فإن هناك عددًا قليلاً نسبياً من طلبات اللجوء ومن الوافدين.ات غير النظاميين.ات إلى سويسرا”.

محتويات خارجية

وبموجب الاتفاقية، تغطي سويسرا تكاليف رحلة العودة في إطار رحلة تجارية وتمنح مبلغًا من المال لم يُكشف عن حجمه لكل طالب.ة لجوء مرفوض.ة، ممّا يسمح، وفق اتفاقية الإعادة، “بتهيئة الظروف المواتية لإعادة إدماجهم.ن اجتماعيًا واقتصاديًا”. وفي المقابل، تتعهد تونس بإعادة قبول طالبي.ات اللجوء المرفوضين.ات.

وبشكل عامّ، غادر ما مجموعه 5742 شخصًا سويسرا العام الماضي، إمّا طوعًا أو قسريًّا. ويمثل ذلك زيادة بنسبة 19% مقارنة بعام 2022.

مخاوف تطرحها سياسة إعادة القبول

يتمثّل أحد خصائص إعادة القبول التي تثير قلق المدافعين.ات عن حقوق الإنسان في أن الدولة يمكنها إعادة قبول أشخاص من غير مواطنيها.تها على أساس عبورهم.ن حدودها في رحلتهم.ن نحو أوروبا.

يعني ذلك أنه من الناحية النظرية، يمكن لتونس إعادة قبول طالبي.ات اللجوء في سويسرا من غير الموثّقين.ات: حيث يقوم العديد ممّن يعبرون.ن الحدود بإتلاف وثائق هويّتهم.ن لجعل الترحيل أكثر صعوبة. لكن، من الناحية العملية، لم يتم تطبيق ذلك. ومع ذلك قد يتغيّر الوضع مع تشديد الاتحاد الأوروبي لموقفه بشأن الهجرة غير النظامية.

يقول كرباعي إن “جميع البلدان تدرس هذا الاحتمال”. ويعني ذلك أنه يمكن إعادة مهاجر ماليّ مثلاً، إلى تونس لكونه قد عبَرَها في طريقه إلى أوروبا. ويطرح هذا الأمر مشكلة لتونس، إذ يجعل منها بلدًا مضيفًا للمهاجرين.ات المرفوضة طلبات لجوئهم.ن، وهو ما لا تريده الدولة الواقعة في جنوب المتوسّط.

سبب آخر للقلق هو أن سويسرا ترفض معظم طلبات اللجوء على أساس أن تونس تعتبر بلدًا آمنًا، وهي حقيقة يرى الناشطون.ات والمنظمات غير الحكومية أنها لم تعد صحيحة. كما يصنّف تقرير الحرية في العالم الصادر عام 2024 تونس على أنها “بلد حرّ جزئيًّا”.

يشرح كرباعي أن ” العنف قد عاد بالفعل إلى تونس: حيث عادت الاعتداءات على الأقليات، بما في ذلك مجتمع المثليين.يات، ووقعت انتهاكات للسلامة الجسدية من خلال الفحص الشرجي”، مضيفًا أنّ ” أوروبا تتجاهل ذلك حتى تتمكن من مواصلة الترحيل من خلال اتفاقيات الهجرة والاستعدادات لجعل تونس بلد إعادة توطين”.

علاوة على ذلك، غالباً ما يحاول طالبو.ات اللجوء والمهاجرون.ات غير الشرعيين.يات، الذين واللواتي أعيد قبولهم.ن، القيامَ برحلة العودة إلى أوروبا من جديد. من بين هؤلاء مهاجر غير نظامي تونسي تواصلت معه سويس إنفو، وكان قد تمّت إعادة قبوله عام 2016، غير أنّه أكّد قيامه بتحضيرات لعبور البحر مرة أخرى، طالبًا عدم كشف هويّته.

تمويل الوظيفة الأولى والتدريب الداخلي

يٌعد السماح لعدد محدود من الشباب المؤهّلين.ات من تونس بالدخول إلى سويسرا لفترة محدودة من الوقت، الجانب الأقلّ إثارة للجدل من الاتفاقية، لكن هناك عدة تساؤلات تُطرح حول هذا الشق. فهل تستفيد تونس فعلاً من هذه البرامج كما هو معلن؟

تنصّ الاتفاقيات المبرمة بين البلدين بوضوح على أن سويسرا ستقوم بتدريب المهنيين.ات الشباب بهدف عودتهم.ن إلى وطنهم.ن بالمهارات المكتسبة خلال التدريب. وتنصّ الاتفاقية على أنه يمكن لنحو 150 من المهنيين.ات الشباب من كلا البلدين الاستفادة من البرنامج كل عام. ولكن ثبت أن تنفيذ هذه الاتفاقية صعب، وأنه لم يستفد منها إلاّ القليل. فبين عامي 2015 و2023، شارك 174 تونسيا.ة فقط في برامج التدريب في سويسرا، بينما لم يستفد سوى شخص سويسري واحد فقط من البرنامج في الفترة ذاتها.

محتويات خارجية

في هذا السياق، توضّح أمانة الدولة للهجرة لـسويس إنفو عبر البريد الإلكتروني أنّ ” سوق العمل السويسري هي، بشكل عامّ، أكثر إثارة للاهتمام بالنسبة للشباب التونسي من سوق العمل التونسي بالنسبة لنظرائهم.ن السويسريين.يات”. وتضيف بأن اتفاقية تبادل الشباب المهنيين.يات بين تونس وسويسرا “هي الاتفاقية الثالثة الأكثر إثارة للاهتمام بعد الاتفاقيات المبرمة مع الولايات المتحدة وكندا”، وذلك على الرغم من ضعف الأرقام المسجّلة.

يمثل “آفاق” أحد المشاريع التي تنفّذها سويسرا وتونس في إطار اتفاقية تبادل المهنيين.يات الشباب.

وتأمل الجهة المنفّذة للبرنامج أن يصل العدد الإجمالي للمهنيين.يات الشباب المنتفعين.ات من البرنامج إلى 200 مهنيّ.ة شابّ.ة بحلول سبتمبر 2026، مع إعادة إدماج 150 منهم.ن في سوق العمل التونسي، وفقًا لما ذكرته تيريس ماير، نائبة مدير شؤون الشركات والاتصالات في “سويس كونتاكت”، المنظمة التي تساعد التونسيين.ات في العثور على برامج تدريبية في سويسرا ضمن برنامج “آفاق”.

وتشمل التحديات التي يواجهها التونسيون.يات، الذين واللواتي يرغبون.ن في الحصول على تدريب أو وظيفة أولى، مجالات الخبرة المستهدفة والعقبات الإدارية.

وتقول ماير إن “آفاق” تسعى إلى “حشد المغتربين.ات التونسيين.يات على المدى الطويل ودعمهم.ن في مجال الاستثمار وخلق فرص العمل والمساهمة في النمو الاجتماعي والاقتصادي في تونس”.

إنصاف نائلي تونسية تدربت في سويسرا ضمن برنامج آفاق
عادت إنصاف نائلي إلى تونس بعد تدريب دام ثمانية أشهر في مكتب هندسة في سويسرا. الصورة بإذن من نائلي

عادت إنصاف نائلي، طالبة الهندسة البالغة من العمر 25 عاماً، مؤخّرًا إلى تونس، بعد أن أنهت تدريبها (تربّص، كما يعرف في تونس) في أحد مكاتب الهندسة المعمارية في سويسرا، والذي استمرّ أكثر من ثمانية أشهر.

تقول نائلي لسويس إنفو: “[كانت هذه] فرصة لتحسين معرفتي ومهاراتي، خاصّة بوجود أشخاص ذوي وذوات خبرة من حولي”.

وتعتقد المهندسة المستقبلية أن الاختلافات في أساليب البناء والتشريعات بين سويسرا وتونس تسمح لها “بطرح المزيد من الأسئلة والتعلّم بشكل أفضل”.

تهدف نائلي الآن إلى إطلاق شركتها الناشئة، وتخطّط للبقاء في تونس على المدى المتوسّط قصد تطوير عملها في مجال ريادة الأعمال. تقول إنها لا تنوي الاستقرار هناك بشكل دائم، ففي نهاية المطاف، تريد الشابّة التونسية العثور على فرص عمل في أوروبا قبل العودة في وقت لاحق إلى تونس لمشاركة خبراتها وتجربتها.

ومن الصعب العثور على إحصائيات حول من استقرّوا.ررن في تونس بعد الاستفادة من برامج التكوين، ومن غادروا.رن البلاد مرة أخرى لخوض تجارب في بلدان أخرى.

وعلى الرغم من الأسئلة التي أثارتها اتفاقيات إعادة القبول هذه وقلّة عدد الشباب التونسيين.يات المستفدين.ات من اتفاقية التبادل المهني للشباب، تؤكّد أمانة الدولة للهجرة لسويس إنفو أن “شراكة الهجرة مع تونس تعمل بشكل جيّد للغاية منذ عام 2012”.

*يستخدم هذا المصطلح لوصف سياسة توسيع نطاق إجراءات مراقبة الحدود والهجرة إلى ما هو أبعد من حدود ما يسمّى بـ”الدول المستقبلة للمهاجرين.ات” في الشمال العالمي لتشمل حدود البلدان المجاورة أو الدول المرسِلة في الجنوب العالمي. ويفيد التخريج بذلك نقلَ إجراءات الحدود والوظائف الحدودية الأخرى إلى أراضي ما يسمّى بالدول الثالثة.

تحرير: فيرجيني مانجين

ترجمة: أمل المكي

مراجعة: مي المهدي

هل نال المقال إعجابك.كِ؟ اشترك.ي في نشراتنا الإخبارية المتنوّعة للحصول على مجموعة مختارة من أفضل محتوياتنا مباشرة عبر البريد الإلكتروني. 

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية