مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

هل يؤثّر منح اللجوء للنساء الأفغانيات على معدّلات الهجرة في سويسرا؟

مواطنات ومواطنين أفغان يطرقون أبواب اللجوء
بلغ عدد طلبات اللجوء التي تلقَّتها سويسرا العام الماضي من مواطنات أفغانيات ومواطنين أفغان 7934 طلبًا، مقارنةً بـ 7054 طلبًا في عام 2022. KEYSTONE

تنتقد بعض الأصوات تحت قبّة البرلمان السويسري، سياسة منح اللجوء للنساء الأفغانيات، بدعوى أنَّ من شأنها تحفيز الهجرة إلى سويسرا. سويس إنفو تحرّت صحّةَ هذه الادّعاءات.

في يوليو 2023، قرَّرت أمانة الدولة للهجرة الشروع في منح صفة اللجوء للنساء والفتيات الأفغانيات، على أساس تقييم كل حالة على حدة. ويُشكِّل هذا القرار نقطة تحوُّل هامة في سياسة اللجوء السويسرية. ففي السابق، كانت غالبية طلبات اللجوء القادمة من أفغانستان تُمنح تصريح الإقامة المؤقتة (Permis F)، وهو تصريح قصير الأجل، وقابل للتجديد، ويهدف إلى الحماية من الترحيل. أمَّا الآن، ومن حيث المبدأ، فقد بات بإمكان الأفغانيات الحصول على تصريح إقامة لفترات أطول.

ولكنَّ هذا القرار لم يلق ترحيب الجميع. فقد أثارت بعض الأصوات السياسية من أحزاب اليمين جدلًا تحت قبة البرلمان السويسري، مدّعية بأن هذا القرار سيؤدي إلى زيادة تدفق طالبي.ات اللجوء إلى البلاد.

وفي بريد إلكتروني إلى سويس إنفو (SWI swissinfo.ch)، كتب غريغور روتز، عضو مجلس النواب من حزب الشعب (يميني محافظ) أنّ: ” [القرار] سيؤدّي إلى توافد المهاجرين.ات من جميع البلدان إلى سويسرا، لأنّ سلطاتها سخيّة”.

ولهذا السبب، عرض روتز في خريف العام الماضي، اقتراحًا في مجلس النواب يُطالب أمانة الدولة للهجرة بإلغاء سياستها تجاه النساء الأفغانيات. بينما ينظر مجلس الشيوخ في اقتراح مشابه قدَّمه الحزب الليبرالي الراديكالي (يميني وسطي).

وقد تعرّض هذان الاقتراحان لانتكاسة في نهاية عام 2023، عندما قضت المحكمة الإدارية الفدرالية بأنه من حق النساء الأفغانيات الحصول على الحماية، لأنهن يواجهن الاضطهاد في بلادهنّ، بما يؤيّد السياسة الجديدة التي أقرَّتها أمانة الدولة للهجرة. ولكنّ قرار المحكمة لم يثن عزم روتز، إذ يواظب، هو وأصوات أخرى مؤيدة للمقترحيْن، على محاولة إقناع الأغلبية في السلطة التشريعية بالوقوف في الصفِّ المعارض لهذه السياسة.

الوضع في أفغانستان لا يحتمل التشكيك

وقد قرّرت أمانة الدولة السويسرية للهجرة تغيير سياستها إثر توجيه غير ملزم، صدر عن وكالة الاتحاد الأوروبي للجوء، في يناير 2023. وجاء في التوجيه أنه لدى النساء الأفغانيات ما يبرّر خوفهنّ من الاضطهاد. وكانت النتيجة التي خلُصت إليها الوكالة قد دفعت العديد من البلدان الأوروبية، بما في ذلك ألمانيا والسويد وفنلندا، إلى البدء في منح اللجوء لهذه الفئة.

حرمان الفتيات من التعليم
فرضت قيادات طالبان قوانين تحظر على الفتيات مواصلة تعليمهن بعد الصف السادس، وتحظر على النساء العمل في غالبية القطاعات، مما أثار موجة احتجاجات كتلك التي حصلت في مدينة مزار شريف، أفغانستان. KEYSTONE KEYSTONE

فمنذ أن استحواذها على السلطة في أغسطس 2021، بدأت حركة طالبان تدريجيًّا في تقويض حقوق النساء والفتيات في أفغانستان، بما في ذلك الحق في التعليم والحق في المشاركة في الكثير من أوجه الحياة العامة. وكانت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان قد قضت مؤخرًا، بأن النساء الأفغانيات يتعرضن للاضطهاد في بلادهن. وهو حكم يؤيد ما قضت به المحكمة الإدارية الفدرالية السويسرية.

وفي الوقت الراهن، نشأت حركة عالمية تدعو إلى تصنيف نهج طالبان في معاملة النساء تحت بند الفصل العنصري. وفي فبراير،وجَّهرابط خارجي فريق من الخبيرات والخبراء في حقوق الإنسان في منظومة الأمم المتحدة، دعوةً إلى مختلف البلدان للاعتراف رسميًّا بالفصل العنصري بين الجنسين بوصفه جريمة ضدّ الإنسانية. واعتبر الفريق أن الوضع في أفغانستان يشكّل “نظامًا مؤسسيًّا للتمييز ضدّ النساء والفتيات وقمعهنّ والسيطرة عليهنّ”. وفي مارس، أعلنت القيادات الأفغانية الحاكمة البدء في تنفيذ تأويلِها للشريعة الإسلامية، وإعادة فرض حدِّ الرجم حتى الموت على النساء المتّهمات بالزنا.

المزيد
حرس حدود سويسري يفتش سيارة قرب الحدود

المزيد

تزايد أعداد المهاجرين الأفغان الواصلين إلى سويسرا

تم نشر هذا المحتوى على سويسرا لا تتوقع مواجهة موجة متواصلة من المهاجرين الأفغان، على الرغم من عبور أعداد كبيرة منهم لحدودها في الأشهر الاخيرة.

طالع المزيدتزايد أعداد المهاجرين الأفغان الواصلين إلى سويسرا

وبعد أن ناقشت لجنة برلمانية المقترح الذي قدَّمه روتز، علَّق جان تشوب، عضو مجلس النواب من الحزب الاشتراكي (يسار) بالقول: “إن لم نمنح [النساء الأفغانيات] حق اللجوء، فلمن نمنحه إذن؟”، وذلك في لقاء مع صحيفة “24 ساعة 4Heures، رابط خارجيالصادرة في لوزان باللغة الفرنسية.

ويدافع روتز عن مقترحه بالقول إنّه لا يُشكك بمأساة النساء الأفغانيات، مضيفًا أن “الوضع في أفغانستان سيئ… لم يكن ذلك أبدًا موضع جدل”. وهو يرى أن سويسرا تقوم بالفعل بما يلزم لحماية الأفغانيات القادمات إلى سويسرا. ويؤكّد أن “ليس هناك امرأة أفغانية تُرَّحل إلى بلادها في الوقت الراهن، بغض النظر عن وضع طلبها”. حث كانت سويسرا قد أوقفت عمليات الترحيل إلى أفغانستان، منذ أن عادت طالبان إلى السلطة.

زيادة حركة اللجوء لم تثبت بعد

يستدلُّ روتز ببيانات اللجوء لشهر فبراير 2024، لإثبات تنامي حركة الهجرة إلى سويسرا. فقد شكَّلت طلبات اللجوء الأفغانية 52٪ من إجمالي الطلبات الجديدة في ذلك الشهر، ممّا يجعلها أكبر جنسية تطلب اللجوء في سويسرا، وهو ما جرى عليه الحال منذ عام 2021.

ويقول روتز إنّ “هذه الأرقام تُغني عن كل بيان. وللأسف، كانت الزيادة ضخمة في الربع الأول من عام 2024”. ولكن الأرقام التي يشير إليها هي لشهر واحد فقط، وليس للربع الأول بأكمله.

والواضح من البيانات هو أن طلبات اللجوء الأفغانية قد زادت بنسبة 45% في فبراير 2024، مقارنةً بنفس الشهر من عام 2023. وتقول آن سيزار، المتحدثة باسم إدارة الهجرة، إن الأغلبية العظمى من هذه الطلبات كانت مرتبطة بتغيير السياسة التي تتّبعها الإدارة.

محتويات خارجية

وأما بالنسبة إلى بيانات عام 2023، فإنه لا يوجد دليل واضح على زيادة حركة اللجوء. بل على العكس، فقد تراجع عدد الطلبات التي قدّمتها نساء أفغانيات في عام 2023 (737)، مقارنةً بعام 2022 (809). وتلقَّت أمانة الدولة السويسرية للهجرة ما مجموعه 7934 طلب لجوء من مواطنات أفغانيات ومواطنين أفغان في العام الماضي، مقارنة بـما عدده 7054 عام 2022.

وكان من بين طلبات اللجوء لعام 3023 نحو 1800 طلب من مواطنات أفغانيات ومواطنين أفغان داخل الأراضي السويسرية، من الحاصلين.ات على تصريح الإقامة مؤقتة. ولكنّ تغيّر السياسة أهَّلهم.ن للتقدم بطلب جديد. ووفقًارابط خارجي لأمانة الدولة للهجرة، فإن هذه الطلبات لا تمثّل عبئًا إضافيًّا على النظام.

وتضيف سيزار: “لا يمكن افتراض أن سويسرا ستكون نقطة تركيز خاص [لهذه المجموعة]”، نظرًا لأن دول الجوار هي أيضًا تمنح اللجوء للنساء الأفغانيات.

حتى بلدان الشمال الأوروبي لم تشهد زيادة في حركة اللجوء

 كانت فنلندا والسويد والدانمرك من أولى الدول الأوروبية التي منحت اللجوء للنساء الأفغانيات، بعد أن فرضت طالبان سيطرتها على البلاد. ووفقًا للينيا سفيدي، من المجلس السويدي للجوء، وهي منظمة غير حكومية، فإن القرار السويدي الذي صدر في يناير 2023 بمنح النساء الأفغانيات حق اللجوء، لم يثر أي نقاش سياسي يُذكر.

ووفقًا للمجلس الدانماركي للاجئين واللاجئات، كانت الردود مشابهة في الدانمارك. فقد جرت مناقشات أوّلية في البرلمان حول ما إذا كانت البلاد ستصبح وجهة “تستقطب” النساء الأفغانيات، ولكن هذه النقاشات تلاشت فيما بعد. ووفقًا للمنظمات غير الحكومية، لم تشهد الدانمارك أو السويد حتى الآن زيادة في حركة اللجوء جرّاء السياسات الجديدة. أما فنلندا، فقد سجَّلت زيادة طفيفة في طلبات اللجوء في عام 2023، لكنّها ليست وجهة هامّة للمواطنات الأفغانيات والمواطنين الأفغان، وفقًا للمجلس الفنلندي للجوء.

أمّا بالنسبة لألمانيا، التي تستضيف أكبر جالية أفغانية في أوروبا، فقد غيرَّت سياستها في ربيع عام 2023. ووفقًا لشتيفان فون بورشتيل، من المكتب الفدرالي لشؤون الهجرة واللجوء، فقد شهدت ألمانيا زيادة في إجمالي عدد طلبات اللجوء منذ نهاية عام 2022، بسبب الضغوط الكبيرة المتزايدة على حدود الاتحاد الأوروبي الخارجية جرَّاء موجات الهجرة.

ففي عام 2023، ارتفعت طلبات اللجوء الجديدة لقادمين وقادمات من أفغانستان، بنسبة 41% مقارنة بعام 2022. ويصف فون بورشتيل هذه الزيادة بأنها دون المتوسّط. فعلى سبيل المثال، شهدت طلبات اللجوء من مواطنات ومواطني تركيا زيادة بنسبة 155%.

مخاوف من “الهجرة الثانوية”

وفي مجلس الشيوخ السويسري، قال داميان مولر، العضو من الحزب الراديكالي الليبرالي، والذي يدافع عن المُقترح المعارض لسياسة أمانة الدولة السويسرية للهجرة، إنه لايزال من المبكّر رؤية الأثر الاستقطابي لهذه السياسة. وكتب مولر في بريد إلكتروني إلى سويس أنفو: “حتى لو لم ينتج أثر استقطابي، فمن الضروري ثني عزم تلك الفئة التي قد تجذبها الظروف الجيدة في سويسرا عن القيام بالرحلة المحفوفة بالمخاطر إلى أوروبا”.

أمَّا ليونيل فالتر، المتحدث باسم المجلس السويسري للجوء، وهي منظمة غير حكومية، فيؤكِّد على أن السفر عبر بلدان البلقان وعبر البحر الأبيض المتوسط ​​”خطير للغاية، فمخاطر التعرُّض للعنف والاستغلال والاعتداء قائمة على طول الطريق”. ويُضيف، مُستدركًا، أنَّ هذه الرحلة الخطرة ممكنة فقط إذا كانت هذه الفئة قادرة أصلًا على مغادرة أفغانستان.

المزيد
سبعة شبان يسيرون في صف الواحد تلو الآخر

المزيد

“غالبية الأفغان من النساء والرجال لا يحصلون على صفة اللاجئ في سويسرا”

تم نشر هذا المحتوى على تتعرض سويسرا لانتقادات بسبب تفسيرها التقييدي للغاية لمتطلبات اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين.

طالع المزيد“غالبية الأفغان من النساء والرجال لا يحصلون على صفة اللاجئ في سويسرا”

ومن منظور النساء الأفغانيات، فإنهن لا يُقيَّمن خياراتهن استنادًا إلى ما توفّره بلدان مثل سويسرا. حيث تشرح أرسو ربّاني، الأفغانية الأصل والمدافعة عن اللاجئات واللاجئين، أن النساء الأفغانيات “ليس لديهن أدنى فكرة عن وجود سياسة جديدة هنا أو سياسة أفضل هناك”. وتُضيف أنّ “العديد منهنّ لا يستطعن القراءة ولا الكتابة بالإنجليزية أو الفارسية أو حتى الدارية. فكل ما يرغبن به هو الهروب من أفغانستان”.

وكانت ربّاني، نفسُها، قد فرَّت من أفغانستان عام 2008، وهي لا تزال طفلة لا تحسن القراءة ولا الكتابة. أمَّا اليوم فهي مواطنة سويسرية، وتتلقى تدريبًا لتصبح قابلة قانونية، وتدعو بدعم من حزبها، الحزب الاشتراكي، إلى تغيير سياسات أمانة الدولة السويسرية للهجرة تجاه طالبات لجوء الأفغانيات. وقد نجحت بالفعل، منذ أغسطس 2021، في مساعدة العديد من الأفغانيات والأفغان على استكمال عملية طلب اللجوء في سويسرا.

وبغضِّ النظر عن عامل الاستقطاب، تتوقع الحكومة أن تتلقّى 33000 طلب لجوء جديد في عام 2024، بعد أن كان عدد الطلبات 30223 في عام 2023، وذلك في إطار الزيادة التدريجية التي تشهدها البلاد منذ عام 2020. وقدَّمت الحكومة إلى البرلمان طلبًا للحصول على تمويل إضافي، قدره 255 مليون فرنك سويسري للتعامل مع هذه الزيادة. ووفقًا لمولر، عضو مجلس الشيوخ المُعارض للسياسة الجديدة، فإن التكلفة ليست وحدها الدافع الرئيسي وراء المُقترح المعارض. حيث يأتي الاعتراض أيضًا في إطار “احترام مبدأ اللجوء”، الذي يقضي بألا يُمنح لمن حصل.ت على الحماية في بلد ثالث، وفق مولر.

وكانت الغالبية العظمى من الأفواج الأفغانية، التي فرَّت من أفغانستان بعد أغسطس 2021، وتمثّل حوالي 1.6 مليون شخص، قد حطَّت رحالها في البلدان الأوروبية المجاورة. ويزعم المُقترح المُعارض أن سياسة أمانة الدولة السويسرية للهجرة ستعزّز “الهجرة الثانوية”، وأن جزءًا من هذه الفئة، المتواجدة في البلدان المجاورة، سيختار الآن التقدم بطلب لجوء في سويسرا.

ووفقًا لسيزار، فإن أمانة الدولة السويسرية للهجرة لا تنظر في طلب من حصل.ت على الحماية في “بلد ثالث آمن”. ويشمل ذلك اليونان، على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، حيث تعترض المواطنات الأفغانيات والمواطنين الأفغان عقبات في الحصول على إجراءات لجوء عادلةرابط خارجي.

تحرير: فيرجيني مانجين

ترجمة: ريم حسونة

مراجعة: عبد الحفيظ العبدلي/أم

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية