مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

شبح المافيا الإيطالية وراء شغب العمال المهاجرين في روزارنو!

مواجهات المهاجرين غير الشرعيين مع سكان منطقة روزارنو الإيطالية وما تلاها من عمليات مطاردة وصفها مقرران أمميان " بالتصعيد العنصري ضد العمال المهاجرين".أما المنظمة العالمية للهجرة التي سبق لها أن جلبت الانتباه الى الاستغلال الذي يتعرض له عمال أجانب مغاربة وافارقة من قبل مجموعات المافيا الإيطالية فترى أن السلطات الإيطالية لم ترد على مطالبها لحد الآن.

لم يتردد اثنان من الأخصائيين الأممين في حقوق الإنسان في وصف ما تم في بلدة روزارنو الإيطالية من أعمال شغب ومطاردة للعمال المهاجرين غير الشرعيين الأفارقة ” بأنه تعبير خطير عن مشاكل عنصرية عميقة تجاه العمال المهاجرين الأفارقة”.

وحتى البابا بينيدكت السادس عشر ذكّر ” بأن العامل المهاجر إنسان قد يختلف في منشئه وثقافته وعاداته وتقاليده، ولكنه شخص يستحق الاحترام وله حقوق وعليه واجبات”.

لكن حتى السلطات الإيطالية لا تستبعد كون المافيا الإيطالية وراء اندلاع هذه المواجهات التي شهدتها مدينة روزارنو بمقاطعة كالابريا بجنوب إيطاليا والتي قام فيها سكان المنطقة بمطاردة العمال المهاجرين غير الشرعيين الأفارقة الذين كانوا يحتجون على ظروف الاستغلال التي يتعرضون لها من قبل أرباب العمل بالمنطقة والذين غالبيتهم من المافيا.

وضعية استغلال سبق أن ادانتها المنظمة العالمية للهجرة

ما حدث في مدينة روزارنو ما بين يومي الخميس والسبت الماضيين من احتجاج على ظروف العمل لمئات المهاجرين غير الشرعيين الأفارقة وما تلاها من عمليات انتقام ومطاردة من قبل سكان البلدة ، يرى فيه الناطق باسم المنظمة العالمية للهجرة في جنيف جون فيليب شوزي في تصريح لسويس إنفو، “تكرارا لوضعية مماثلة سبق أن حاولت المنظمة العالمية للهجرة جلب انتباه الرأي العام لها في العام الماضي عندما تعرض حوالي 1000 من العمال المهاجرين المغاربة الشبان في منطقة سانت نيكولا دي باركو الإيطالية لعملية استغلال بعد أن تم استدراجهم للمنطقة بوعود الحصول على عقود عمل رسمية. وما إن وصلوا الى المنطقة تراجع أرباب العمل عن ذلك وتركوهم بعد انتهاء مدة صلاحية تأشيرات الدخول في وضعية غير شرعية لكي يتم استغلالهم فيما بعد “.

وحتى ولو أن المنظمة العالمية للهجرة لم تحصل بعد على كل المعطيات المتعلقة بما حدث في مدينة روزارنو حيث أدت المواجهات الى إصابة 61 شخصا من بينهم 31 من العمال المهاجرين الأفارقة، وترحيل حوالي 1100 عامل مهاجر، فإنها ترى حسب السيد شوزي “بأن ظروف الاستغلال مماثلة لما عرفه العمال المغاربة، بحيث يشتغل هؤلاء العمال المهاجرون لمدة 14 او 15 ساعة يوميا ، مقابل حوالي 15 يورو يوميا والذين عليهم دفع مبالغ مقابل الحصول على الماء الصالح للشرب او الإقامة او وسائل النقل حتى مكان العمل وهو ما يعني في النهاية الاشتغال بدون مقابل تقريبا”.

ويرى الناطق باسم المنظمة ” أن سكان المنطقة الذين تحالفوا ضد هؤلاء العمال المهاجرين كان أولى بهم أن يتحالفوا ضد أرباب العمل الذين يستغلونهم في ظروف لا إنسانية”.

شبح المافيا
بدأت تتعالى أصوات حتى من داخل السلطات الإيطالية تشير الى ” احتمال وجود عناصر المافيا المحلية في كالابريا ” لا ندارنغيتا “، وراء إثارة أحداث الشغب والمطاردة في روزارنو”. وهذا ما صرح به أحد قادة قوات الأمن في روزارنو لم يفصح عن إسمه بقوله” هناك عدة محاضر تحقيق مفتوحة حول احتمال تورط المافيا”. وقد ظهرت تقارير إعلامية تشير الى أن أحداث الشغب في روزارنو أتت بعد قرار السلطات إرسال تعزيزات أمنية للمنطقة في أعقاب تفجير قنبلة أمام محكمة عاصمة الإقليم” ريجيو دي كالابريا”، يعتقد أن المافيا هي التي وضعتها. وجاءت تصريحات لبعض المسئولين تشير الى إحتمال أن تكون عناصر المافيا المحلية هي التي أطلقت النار على العمال المهاجرين مما دفعهم للتظاهر في المدينة وحرق بعض السيارات . وهو ما رد عليه سكان المدينة بمطاردة هؤلاء العمال المهاجرين غير الشرعيين.

أما المنظمة العالمية للهجرة التي انكبت على الموضوع من قبل فترى في هذا الصدد على لسان الناطق باسمها جون فيليب شوزي في رد على سؤال لسويس إنفو” أن ما هو معروف هو أن قطاع الخدمات غير الرسمي متطور جدا على مستوى التراب الإيطالي ويسهم في حوالي 21 % من الدخل القومي وأنه من الصعب معرفة من يتحكم فيه بالضبط. لكن ما عرف من الوضع الذي عاشه المهاجرون المغاربة في منطقة سانت نيكولا دي باركو هو أن الوعود التي قطعها أرباب العمل الذين لا ضمير لهم ، لا يتم احترامها وبالتالي يجد العمال المهاجرون أنفسهم في وضعية استغلال رهيبة كثيرا ما تستفيد منها شبكات الإجرام المحلية والدولية “.

عنصرية زادت من حدتها الأزمة الاقتصادية

إذا كانت حملات الغضب التي تنصب على العمال الأجانب ليست بالأمر الجديد وسبق أن عرفتها العديد من الدول الأوربية ، فإن الجديد فيما بحدث في منطقة كالابريا الإيطالية هو حدة الخطاب العنصري المباشر الذي لم يتردد سكان منطقة روزارنو في ترديده على مرأى ومسمع من وسائل الإعلام.

تفسير الناطق باسم المنظمة العالمية للهجرة لهذا التصعيد ” هو بسبب تأثيرات الأزمة الاقتصادية التي أدت الى بطالة في بلدان جنوب اروبا بلغت حوالي 40 % في صفوف الشباب. وهو ما يتم البحث عن إيجاد تفسير له من خلال تحميل العمال المهاجرين مسئولية شغل مناصب الشغل التي من المفروض ان تكون من نصيب ابناء البلد”. لكن حتى هذا التفسير يرى الناطق باسم المنظمة العالمية للهجرة أنه تفسير ” مضلل ” نظرا لكون أبناء المنطقة لا يرغبون في أداء تلك الأشغال التي يقوم بها العمال المهاجرون في تلك الظروف اللا إنسانية.

لماذا التردد في مواجهة المستغلين من أرباب العمل؟

على ضوء أحداث روزارنو بدأت ترتفع أصوات تشير الى ضرورة معاقبة المستغلين من اربابا العمل بدل معاقبة المهاجرين. وحتى بعض وسائل الإعلام اليمينية مثل الجيورنالي أشارت في عنوان مستفز ” لماذا لا يصوب سكان كالابريا نيرانهم في اتجاه المافيا؟”.

وبهذا الصدد يقول الناطق باسم المنظمة العالمية للهجرة جون فيليب شوزي ” بدل استهداف العمال المهاجرين لماذا لا تتم محاسبة أرباب العمل؟.

ويرى أنه بدون شهادة هؤلاء العمال الذين تم التغرير بهم قد يصعب محاسبة أرباب العمل الذين لهم مسئولية فيما يتم . ووفقا لما تم في عام 2009 أثناء أحداث العمال المغاربة وبعد أن قامت المنظمة بنشاط مكثف مع القضاء الإيطالي لمحاولة جلب الانتباه الى تصرف ارباب العمل الذي كان قريبا من ” الاستعباد”، يرى الناطق باسم المنظمة العالمية للهجرة “أن جهود المنظمة لدفع القضاء الإيطالي للاهتمام بتصرفات أرباب العمل بقيت بدون رد فعل، وكل ما حصلنا عليه من السلطات الإيطالية هو أن هؤلاء المهاجرين غير شرعيين وسيتم طردهم الى بلدانهم”.

وهذا ما قد يكون مصير هؤلاء المهاجرين الأفارقة بحيث تم نقل 800 من بين 1128 الذين غادروا منطقة روزارنو الى مخيمات استقبال في كروتوني وباري في انتظار إعادتهم الى بلدانهم.


swissinfo.ch – محمد شريف – جنيف

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية