شراكة أمريكية خاصة جدا!
من بين مضاعفات أحداث 11 سبتمبر، الترويج في الولايات المتحدة، ولاسيما في أوساط الإدارة، إلى ضرورة إحداث تغييرات جذرية وجوهرية في العالم العربي.
هذه التغييرات التي تتطلع إليها واشنطن لا تشمل فقط أساليب الحكم والممارسة الديموقراطية، بل أيضا أنظمة التعليم والعلاقات الاجتماعية…
تعددت التأويلات والتفسيرات لقرار وزير الخارجية الأمريكي كولن باول، تأجيل حديثه المنتظر عما تسميه الخارجية الأمريكية “مبادرة الشراكة مع الشرق الأوسط”، وما وصفته وسائل الإعلام العربية “بالمشروع الأمريكي للتحول الديمقراطي في العالم العربي”.
لكن، سواء كان التأجيل تحسبا لردود فعل غير مواتية من بعض الأنظمة العربية في وقت تسعى فيه واشنطن لحشد التأييد لموقف دولي موحد إزاء العراق، أم كان التأجيل راجعا لظروف خاصة بالوزير الأمريكي أو بوزارته، فإن إدارة الرئيس بوش لم تُخف عزمها على تنفيذ مبادرة الشراكة مع دول وشعوب الشرق الأوسط.
وتتمحور هذه المبادرة حول أهداف عديدة، مثل تعزيز الديموقراطية، وتحسين مناهج التعليم، والارتقاء بمستوى الأداء الاقتصادي لدول المنطقة…
وكان من المقرر أن يكشف وزير الخارجية الأمريكي كولن باول النقاب في كلمته التي تأجلت عن ملامح “مبادرة الشراكة مع الشرق الأوسط”، والتي تستهدف بشكل أساسي إدخال إصلاحات سياسية واقتصادية وتعليمية على النظم المعمول بها في دول المنطقة. ولا يخفي المسؤولون الأمريكيون أن أحد الأهداف الرئيسية لتلك المبادرة هو تطوير فرص اقتصادية، وتوفير صمامات أمن سياسية في منطقة الشرق الأوسط التي تسودها موجة عارمة من المشاعر المعادية للولايات المتحدة.
وسيتخذ تنفيذ المبادرة شكلا تدريجيا يبدأ بمراجعة لمدى فعالية برنامج المساعدات الخارجية لدول الشرق الأوسط ، والتي تزيد على ألف مليون دولار لضمان توجيهها بشكل يخدم تحقيق الانتعاش الاقتصادي والإصلاح الديموقراطي في العالم العربي.
البدء بالتدريب والتركيز على الشباب والمرأة
وفي طليعة البرامج التنفيذية الأمريكية لمبادرة التحول الديمقراطي في العالم العربي، مشروعات تجريبية لتدريب النشطين السياسيين والصحفيين وزعماء نقابات العمال في المنطقة العربية، وهى مشروعات رصدت لها الخارجية الأمريكية عشرين مليون دولار في العام الحالي.
وقد بدأت وزارة الخارجية الأمريكية بالفعل أحد مشروعات المبادرة لتدريب القيادات النسائية في العالم العربي على الحملات الانتخابية، واستضافت في إطار ذلك البرنامج خمسا وخمسين سيدة من القيادات النسائية العربية لحضور الحملات الانتخابية الأمريكية، للتجديد النصفي للكونجرس الأمريكي والانتخابات المحلية في الولايات المتحدة الأمريكية.
وبدأ برنامج تدريبهن بمحاضرات في واشنطن عن النظام السياسي الأمريكي، ثم جرى توزيعهن على الدوائر الانتخابية للكونجرس. ومن واقع الاهتمام الأمريكي المتزايد بالشباب والمرأة في العالم العربي، ستركز مبادرة الشراكة مع الشرق الأوسط بشكل خاص على احتياجات المرأة العربية والشباب في مجالات التعليم والمشروعات الحرة، والنشطين في مجال العمل من أجل إحداث التغيير السياسي.
ولعل مشاركة وفود نسائية، تمثل القيادات السياسية العربية في تعلم فنون الحملات الانتخابية يصب في هذا الاتجاه. ومن بين مشروعات المبادرة، مشروع لتدريب النشطين في العمل نحو التحول الديمقراطي سيتم تنفيذه في كل من المغرب ولبنان والبحرين. كما سيتم تدريب وفود عربية أخرى على مراقبة سير الانتخابات، وتفعيل القواعد الشعبية، وكيفية تشكيل الأحزاب السياسية.
هجمات سبتمبر غيرت التكتيكات الأمريكية
ومن بين الأهداف المحددة لمبادرة الشراكة مع دول وشعوب الشرق الأوسط، أن تكون بمثابة منتدى يمكن من خلاله تعميق وتوسيع الروابط الثقافية والاقتصادية بين الولايات المتحدة وشعوب وحكومات الشرق الأوسط، ومساندة عملية تطوير مؤسسات المجتمع المدني في الدول العربية، ودعم سيادة القانون فيها.
وعلى عكس القلق والتخوفات التي تسود بعض البلدان العربية تجاه الطروحات الأمريكية، من أن مبادرة واشنطن ستكون محاولة من الولايات المتحدة لفرض الديمقراطية على الأنظمة السياسية في العالم العربي، يقول مسؤولون في وزارة الخارجية الأمريكية أن هناك علاقات استراتيجية هامة تربط الولايات المتحدة بعدد من الحكومات العربية. لذلك، فإن الخط الذي ستتبعه واشنطن في تنفيذ تلك المبادرة، هو العمل مع الحكومات العربية لتشجيع تلك الإصلاحات والتغييرات على أن يكون الحوار أكثر صراحة ووضوحا مما سبق.
ولكن التساؤل المطروح هو: ما الذي دفع واشنطن إلى طرح مبادرة الشراكة مع الشرق الأوسط بهدف التحول الديمقراطي في دول المنطقة؟
يؤكد المحللون السياسيون في واشنطن أن هجمات 11 سبتمبر كانت الدافع وراء تغيير مناهج التفكير الأمريكية في الشرق الأوسط، والتي اعتمدت تقليديا على تجنب الحديث المباشر عن غياب الممارسات والحريات الديموقراطية، واستمرار انتهاكات حقوق الإنسان في معظم الدول العربية، وهو ما أدى في نهاية المطاف إلى استمرار أنظمة قمعية عربية في التمتع بعلاقات وثيقة مع الولايات المتحدة، مما أثار موجة من المشاعر المعادية لأمريكا، خاصة بين الشباب العربي، زادت حدتها بسبب المساندة الأمريكية لإسرائيل، وتدني الأداء الاقتصادي والتعليمي واستمرار الانخفاض في مستوى معيشة الكثير من العرب، كما أظهر التقرير الأخير الصادر عن الأمم المتحدة حول التنمية البشرية في العالم العربي.
التخطيط من جانب واحد!
ويرى بعض هؤلاء المحللين أن مبادرة الشراكة الأمريكية مع الشرق الأوسط ستسعى إلى فتح باب الحوار العام في المنطقة لسماع أصوات المعتدلين في الدول العربية، بعد أن شهدت العقود القليلة الماضية ظاهرة غريبة على المجتمعات العربية، هي أن أصوات المتشددين داخل تيار الإسلام السياسي كانت الأصوات الوحيدة التي سمح لها بالخروج عن الخط العام للأنظمة السياسية العربية، فيما توارت أصوات الليبراليين وأصحاب التوجهات السياسية الأخرى، بينما لم تتطور مؤسسات المجتمع المدني في المنطقة بسبب القيود السياسية، والعراقيل الحكومية، مما أعاق عملية التحول نحو الديمقراطية في العالم العربي.
ولعل أبرز ما يوضح الاهتمام الكبير الذي توليه حكومة الرئيس بوش لهذه المبادرة، هو أن وزير الخارجية الأمريكي كولن باول أسند مهمة تنسيق برامج ومشروعات مبادرة الشراكة الأمريكية مع الشرق الأوسط إلى نائبه ريتشارد آرميتاج على أن يدير مكتب الشرق الأدنى في وزارة الخارجية الأمريكية للمراحل التدريجية لتنفيذ تلك المبادرة. فكيف ستتعامل معها الأنظمة والرأي العام في العالم العربي؟
محمد ماضي – واشنطن
يعتقد المحللون أن فوز الجمهوريين في الانتخابات التشريعية والمحلية وموافقة مجلس الأمن على صيغة قرار أمريكي بشأن العراق سيفتحان الأبواب أمام إدارة الرئيس بوش للشروع في عملية تغيير جذرية تشمل المنطقة العربية، وتروج لها في الولايات المتحدة والعالم العربي أوساط سياسية وأكاديمية عديدة.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.