شرق أوسط كبير.. نعم، لكن بدون صداع!
ما الذي تبقى من مبادرة الشرق الأوسط الكبير واستراتيجية الولايات المتحدة لدفع مسيرة الديمقراطية في العالم العربي والإسلامي؟
سؤال وجهته سويس إنفو إلى الدكتورة مارينا أوتاوي، كبيرة الباحثين بمؤسسة كارنيجي للسلام الدولي والمشرفة على برنامج دعم التحول الديمقراطي في العالم العربي في نفس المؤسسة.
ما الذي تبقى من مبادرة الشرق الأوسط الكبير واستراتيجية الولايات المتحدة لدفع مسيرة الديمقراطية في العالم العربي والإسلامي بعد أن حصدت واشنطن ثمار تقدم الإسلاميين في كل انتخابات عربية أجريت في عامي 2005 و 2006 وبدأت تتراجع عن رفع لواء نشر الديمقراطية وتكتفي بخطوات محسوبة لا تسبب الصداع لأصدقائها من حكام العالم العربي غير المنتخبين؟
وجهت سويس إنفو هذا السؤال في بداية اللقاء مع الدكتورة مارينا أوتاوي، كبيرة الباحثين بمؤسسة كارنيجي للسلام الدولي والمشرفة على برنامج دعم التحول الديمقراطي في العالم العربي فقالت: “إن مبادرة الشرق الأوسط الكبير التي أطلقها الرئيس بوش مع زعماء الدول الثماني الكبري قبل عامين لا تزال حية من حيث ان أحدا لم يتقدم بإشهار وفاتها أوإقامة مراسم دفنها ولكنها أصبحت مبادرة لا تحظى بأي اهتمام أو مساندة من أي طرف. فالبرامج التي انطوت عليها المبادرة لدفع مسيرة التحول الديمقراطي والإصلاح السياسي والاقتصادي في المنطقة سرعان ما تحولت إلى برامج ثنائية بين الولايات المتحدة وكل دولة على حدة ولم تستخدم اعتمادات تلك البرامج في شكل جهد جماعي للنهوض بالديمقراطية في المنطقة”.
وترى الدكتورة مارينا أن هناك ثلاثة عناصر يمكن من خلالها رصد ما الذي تبقى من تلك المبادرة:
أولا: الطنطنة: بقيت عالية فالرئيس بوش ينتهز كل فرصة للتأكيد على استمرار دعم الولايات المتحدة لجهود التحول نحو الديمقراطية في الشرق الأوسط الكبير. وبالتالي فليس هناك إقرار رسمي بأن الولايات المتحدة تراجعت عن ضغطها باتجاه دفع مسيرة الحرية والديمقراطية في المنطقة.
ثانيا: نشاطات متواضعة لدعم الديمقراطية: لم تتغير كثيرا البرامج المتواضعة التي تمولها الحكومة الأمريكية من خلال مبادرة الشراكة والتعاون مع حكومات وشعوب الشرق الأوسط مثل برنامج دعم حقوق المرأة، إصلاح نظم التعليم، الإصلاح الاقتصادي والإصلاح السياسي. وهنا نلاحظ تركيزا أمريكيا واضحا على برامج مثل مساعدة رجال الأعمال الصغار على بدء مشروعاتهم الخاصة الصغيرة، و دعم تعليم البنات في الشرق الأوسط الكبير أو مساعدة المنظمات غير الحكومية العاملة في مجال الدفاع عن حقوق المرأة، وحتى داخل هذا النطاق الضيق تجنبت الولايات المتحدة الضغط من أجل تحسين وضع حقوق المرأة في المملكة العربية السعودية. وظهر جليا عدم رغبة واشنطن في الدفع القوي باتجاه التحول الديمقراطي والإصلاح السياسي والاقتصار على توفير التدريب للأحزاب السياسية، وتدريب الكوادر النسائية السياسية على تنظيم حملات انتخابية فعالة. ونلاحظ كذلك حرص الولايات المتحدة على تجنب الدفع في المجالات التي قد تشكل تهديدا لعلاقات واشنطن الودية مع زعماء الدول الصديقة لها في المنطقة.
ثالثا: مقدار الضغط الدبلوماسي الأمريكي على الحكومات العربية من أجل تغيير حقيقي: وهو المقياس الأكثر وضوحا في رصد ما تبقى من مبادرة الشرق الأوسط الكبير وهنا سنلاحظ انحدارا متواصلا في مستوى الضغط الأمريكي مع التسليم بأنه لم يكن ضغطا قويا من الأساس ولكن بوسعنا التنبؤ باستمرار التناقص في ذلك النوع من الضغط في المستقبل.
الطنطنة خدعت شعوب المنطقة
وتنبه الخبيرة الأمريكية إلى أن الطنطنة الأمريكية وتكرار الحديث عن تغير السياسة الأمريكية ورفع لواء نشر الحرية والديمقراطية في المنطقة أدت إلى رواج اعتقاد خاطئ لدي الكثيرين في العالم العربي والإسلامي بأن الولايات المتحدة مستعدة لعمل الكثير من أجل التحول نحو الديمقراطية في الشرق الأوسط الكبير بينما يدرك الخبراء المتابعون أن ما قدمته الولايات المتحدة في هذا الشأن هو قدر يسير من العمل وكم كبير من الطنطنة على لسان الرئيس بوش ومن حوله.
وقللت الدكتورة مارينا أوتاوي من شأن الحديث الأمريكي المتكرر عن استبدال سياسة السكوت على الاستبداد في المنطقة مقابل استمرار الاستقرار بسياسة جديدة للتحول الديمقراطي ونشر الحرية.
وقالت إن الولايات المتحدة تواجه معضلات عدم الاستقرار في العراق وأفغانستان ومواجهة متفجرة مع إيران حول برنامجها النووي كما أنها تخشى دائما من أن عدم الاستقرار قد يدفع بقوى أكثر استبدادا من النظم الحالية إلى كراسي الحكم في دول المنطقة ناهيك عن أنها قد تكون معادية للولايات المتحدة، ولعل العنصر الأكثر تثبيطا لهمة واشنطن المتواضعة أصلا في دعم التحول نحو الديمقراطية هو نجاح الإسلاميين في الانتخابات التي أجريت في عدد من الدول العربية بدءا بالعراق ومرورا بالإخوان المسلمين في الانتخابات المصرية وانتهاء بحماس في الأراضي الفلسطينية.
وأقرت بأن عدم قبول الولايات المتحدة بتنائج الانتخابات الفلسطينية ومحاولتها زعزعة حكومة شكلها إسلاميو حركة حماس، وتمنع واشنطن عن التعامل مع الإخوان المسلمين في مصر حتى بعدما احتلوا عشرين في المائة من مقاعد البرلمان المصري يلقي بظلال بل بسحب من الشكوك حول مصداقية الولايات المتحدة في دعم عملية تحول الشرق الأوسط الكبير إلى الديمقراطية.
أمريكا خذلت الإصلاحيين
وترى الدكتورة أوتاوي أن الولايات المتحدة لم تبذل كل ما كان بوسعها من ضغوط لحماية إصلاحيين ليبراليين مثل المعارض المصري الدكتور أيمن نور الذي ألقاه النظام المصري في غياهب السجون، ولم تبد القدر اللازم من القلق إزاء الإجراءات البوليسية التي اتخذتها سلطات الأمن المصرية مع النشطاء المصريين عندما أظهروا تضامنهم مع استقلال القضاء وتعرضوا للضرب والاعتقال لمشاركتهم في مظاهرات سلمية.
ولا يخفى على أحد أنه في الحالة المصرية فإن لأمريكا مصالح استراتيجية أعلى بكثير على سلم أولوياتها من دفع عملية التحول نحو الديمقراطية مثل التسهيلات العسكرية وتأمين مواقف متمشية مع السياسة الأمريكية في عملية السلام والوضع في العراق والبرنامج النووي الإيراني.
وربما اكتشفت واشنطن أيضا مدى ضعف قوى الإصلاح داخل دول الشرق الأوسط وضعف المستوى التنظيمي للحركات الليبرالية والعلمانية بالمقارنة مع تغلغل وحسن تنظيم الإسلاميين ففضلت استمرار الأنظمة الحالية إلى حين تنامي قوى الإصلاحيين الليبراليين في المستقبل.
ونبهت الخبيرة الأمريكية إلى أوجه القصور المتأصلة في مبادرة الشرق الأوسط الكبير والتي اتضحت من خلال دراسات أجرتها وتوصلت منها إلى عدم وجود علاقات اوتوماتيكية بين تنمية وتعزيز مؤسسات المجتمع المدني ، وتوفير حقوق للمرأة، وتحقيق الإصلاح الاقتصادي وبين التحول نحو الديمقراطية، ودللت على ذلك بأن هناك عددا كبيرا من دول العالم التي مرت بالكثير من الإصلاح الاقتصادي الناجح ووفرت حقوقا متساوية للمرأة ومع ذلك واصلت انتهاج الحكم بسبل بعيدة تماما عن الديمقراطية.
وتضيف الدكتورة أوتاوي: “لعل الدرس الذي يجب أن تتعلمه الولايات المتحدة إذا كانت ستسعى بصدق في المستقبل لمساعدة طموحات شعوب الشرق الأوسط الكبير في التحول نحو الديمقراطية أن تساعد على إطلاق طاقات الأحزاب والقوى السياسية واللاعبين السياسيين لأن في أيديهم تكمن النتائج المحتملة للعملية السياسية في دول المنطقة، وأن تتعرف على كافة ألوان الطيف السياسي في دول المنطقة ما بين الإسلاميين والقوى العلمانية وجماعات الإصلاحيين خاصة تلك التي تحاول إطلاق دعوات الإصلاح من داخل أنظمة الحكم أو الأحزاب الحاكمة ومعرفة حقيقة البرامج والأهداف التي تسعى كل منها لتحقيقها”.
المفتاح بيد الشعوب
من جهة أخرى، أشارت كبيرة الخبراء بمؤسسة كارنيجي للسلام العالمي إلى وجه آخر من أوجه القصور في مبادرة الشرق الأوسط الكبير وهو الاعتقاد بأن قلة الفرص الاقتصادية في المنطقة وليس الشعور بمظالم سياسية معينة هو السبب في لجوء الشباب إلى العنف والإرهاب وأن من شأن الإصلاح الاقتصادي أن يقضي على تلك الظاهرة.
فقالت في هذا الصدد: “لا أعتقد أن لجوء البعض إلى أعمال الإرهاب هو نتيجة للفقر أو ندرة الفرص الاقتصادية، فالشباب الذي تورط في هجمات سبتمبر الإرهابية على الولايات المتحدة لم يكونوا فقراء بل حظى معظمهم بمستوى طيب من التعليم وجاء عدد منهم من أسر ميسورة الحال.”
وخلصت إلى أن الرئيس بوش هو الذي طرح المبادرة ووفر لها كل تلك الطنطنة في كل مؤتمر صحفي وفي كل فرصة تحدث فيها عن المنطقة، ولكن عندما يسدل الستار على فترته الرئاسية الثانية فليس من المتوقع أن يواصل الرئيس القادم بعده رفع لواء نشر الديمقراطية في الشرق الأوسط الكبير.
وقبل ختام لقائها مع سويس إنفو وجهت الدكتورة مارينا أوتاوي هذه النصيحة إلى شعوب المنطقة: “لم يحدث أن نعم شعب في العالم بنعمة الديمقراطية نتيجة لكفاح وجهود أطراف خارجية وصحيح أن الولايات المتحدة تروج لزعمها أن لها الفضل في سقوط أنظمة شيوعية دكتاتورية في الاتحاد السوفييتي أو رومانيا أو غيرها، ولكن يجب ان يدرك الجميع أن التحول الديمقراطي هو عملية تحدث من الداخل ومفتاح تحول الشرق الأوسط إلى الديمقراطية بيد شعوب دول تلك المنطقة وما يمكنهم أن يبذلوا من جهد وعمل وضغط وتنظيم سياسي لتحقيق آمالهم في الحرية والديمقراطية ولن يكون بوسعهم ذلك طالما بقي الاستقطاب الحالي بين أنظمة شمولية واستبدادية من جهة وبين قوى إسلامية فقط دون وجود حقيقي لألوان الطيف السياسي العديدة الأخرى اللازمة للتحول الديمقراطي”.
محمد ماضي – واشنطن
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.