اختفاء سويس اير..خسارة اقتصادية وصدمة ثقافية
شبه احد علماء الاجتماع السويسريين رمزية النهاية المؤلمة للناقل الجوي الوطني في سويسرا بحدث انهيار برجي مركز التجارة العالمية في نيويورك... وعلى الرغم من بعض المبالغة في هذا التشبيه إلا أن الصدمة التي أحدثها الاعلان عن انهيار سويس اير داخل سويسرا كانت قوية.. لأن الأمر لا يتعلق بافلاس شركة عادية أو بزوال مؤسسة اقتصادية ضخمة وفقدان المئات من الأشخاص لوظائفهم
العلامة التجارية ل “سويس اير” لن تزول نهائيا من السجلات الرسمية لكن الاعلان الرسمي يوم الاثنين عن قرار أكبر مصرفين في سويسرا باقتناء أكثر من سبعين في المائة من رأسمال شركة “كروسير” (التي تملكها سويس اير) وتوليها لثلثي أنشطة سويس اير الجوية بحلول نهاية شهر اكتوبر، نزل كالصاعقة على السويسريين.
فعلى الرغم من ان الحجم الهائل للديون المتراكمة والذي يفوق سبعة عشر مليار فرنك سويسري، كان مبررا كافيا لسقوط أي مؤسسة شبيهة، الا ان الجميع لم يكن يتوقع ان ينهار هذا الرمز الوطني بمثل هذه السرعة.
فشركة الخطوط الجوية السويسرية ليست مجرد ناقل جوي لبلد صغير وسط اوروبا، بل ان هذه المؤسسة ارتبطت منذ ميلادها في عام الف وتسع مائة وواحد وثلاثين، داخل سويسرا وخارجها بالاتقان والامتياز السويسريين.
كما ان اجماع السويسريين على اعتبارها رمزا للنهوض الاقتصادي والحداثة التقنية لبلادهم في القرن العشرين، حول سويس اير الى رمز من الرموز النادرة التي يجد فيها السويسريون صورة موحدة لبلادهم.
فهذا البلد المتعدد الثقافات واللغات والاديان، لم يتحول الى كنفدرالية الا في منتصف القرن التاسع عشر. ولم يدخل العصر الحديث الا بفضل مؤسسات تمكنت من القفز فوق الحواجز القديمة، ووحدت اجزاء بلد متنوع، مثل شركة الخطوط الحديدية الفدرالية ومؤسسة البريد الوطنية.
وفي عام الف وتسع مائة وثلاثين، مثل حدث انشاء شركة الخطوط الجوية السويسرية خطوة اخرى في رسم ملامح الهوية الجامعة لسكان الكانتونات الست والعشرين التي تتالف منها الكنفدرالية. ومن هنا، كان اقبال المواطنين على شراء اسهم الشركة بما لا يقارن مع أي موسسة اقتصادية اخرى في سويسرا.
اذ لا تكاد تخلو قرية او بلدية او كانتون سويسري من امتلاك كمية من الاسهم في راس مال سويس اير، التي كانت الى وقت قريب مثالا على حسن التصرف والاداء الاقتصادي الرابح. لذا لم تتردد صحيفة 24 ساعة الصادرة في لوزان، في القول بان الاقتصاد السويسري قد فقد يوم الاثنين الفاتح من اكتوبر جزءا معتبرا من شرفه.
وذهبت الصحيفة في افتتاحيتها الى القول، بان صورة معينة لسويسرا قد تكسرت جراء انهيار هذا الرمز والقت باللائمة على المسيرين الذين تعاملوا باستعلاء واحتقار مع كل من حاول مساءلتهم حول اساليب التصرف المريبة التي كانت سائدة منذ موفى الثمانينات.
اما صحيفة لوتون، الصادرة في جنيف، فقد اعتبرت ان نهاية سويس اير تمثل خاتمة لمغامرة استمرت عشرات السنين، ولحلم بلد صغير بامتلاك شركة نقل جوي كبيرة. هذه الشركة ارادت ان تتضخم باكثر من امكانياتها، وهو ما ساقها الى حتفها.
ومع اعلان الحكومة الفدرالية انها لن تدفع فلسا واحدا للمساهمة في راس مال الشركة الجديدة وفقدان الاف مواطن الشغل المباشرة وغير المباشرة والاستغناء الفوري عن ثمانية وعشرين طائرة، يتضح ان التفريط في الناقل الجوي الوطني السويسري يمثل في نظر العديد من السياسيين والمواطنين العاديين، كارثة وطنية على حد تعبير السيدة كريستيان برونر، رئيسة الحزب الاشتراكي.
“انه يوم اسود” للاقتصاد السويسري تفتقد معه، النخبة المسيرة في مجالي السياسية والاعمال قدرا كبيرا من الهالة التي رافقتها طيلة نصف القرن الاخير، وتثار فيه في صفوف السويسريين، العديد من الاسئلة الحائرة حول التغييرات الجذرية والمتتالية، التي تتعرض لها الهوية السويسرية بشكل عام.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.