مراعاة الفوارق الجنسانية عند تطوير الأدوية: توجّه يزداد الاهتمام به في سويسرا
يختلف تأثير الدواء في النساء عن تأثيره في الرجال، ولكن نادرًا ما يؤخذ الجنس والنوع بعين الاعتبار عند تطوير الأدوية. تنشأ الآن تحركات للتغيير، كما في سويسرا.
حصل عقار ليكانيماب، المعروف تجاريًّا باسم “ليكيمبي” في يوليو 202، على موافقة إدارة الأغذية والدواء الأمريكيّة (FDA)، ليصبح أوَّل عقار لعلاج الزهايمر خلال 20 سنة.
وجاء هذا العقار ثمرة تعاون شركتي بيوجين (Biogen) الأمريكية، وإيساي (Eisai) اليابانية، ليقلّص ترسُّبات البروتينات النشوانية في الدماغ، التي تؤدي إلى تدهور الذاكرة. وتلازم هذه السمة مرض الزهايمر الذي يصيب نحو 55 مليون شخص عالميّا.
ومُنح العقار الموافقة، بعد أن أثبتت الدراسة السريرية المحوريةرابط خارجي مساهمته في إبطاء التدهور المعرفي بنسبة 27% مقارنة بالعلاج الوهمي.
لكن كشفت ملحقات الدراسة الإضافيّة صورة أكثر تعقيدًا؛ إذ يتفاوت تأثير الدواء بين الرجال والنساء. ورغم بلوغ النساء نسبة 51.7% من عينة الدراسة، فقد أبطأ العقار تدهورهنّ المعرفي بنسبة 12% فقط، مقابل 43% بين الرجال.
المزيد
مقالاتنا الأكثر قراءة هذا الأسبوع
وصرّح متحدّث باسم شركة إيساي حصريّا لسويس إنفو (SWI swissinfo.ch)، بصعوبة تفسير هذه النتائج، لأنّ تصميم الدراسة لا يُتيح تحديد فوارق تأثير الدواء بين الجنسين، ولو صُمّمت كذلك، لتطلّبت مزيدا من التفكير في حجم العيّنة، وتطوّر المرض عند تلقّي العلاج الوهمي، بالإضافة إلى عوامل أخرى. وقد أثارت هذه النتائج تساؤلات فرق البحث، خاصة لتشكيل النساء ثلثي مرضى الزهايمر.
وعلَّقت عالمة الأعصاب أنتونيلا سانتوتشيوني تشادا، مؤسِّسة جمعية (Women’s Brain Foundation) في زيورخ، وعملت في برنامج الزهايمر بشركة “بيوجين” لعامين، قائلة: “يُعدّ عقار ليكيمبي تقدّما كبيرًا يُحرزه مرضى الزهايمر، ولكن علينا أن نقرّ باختلاف تأثيره بين الرجال والنساء، ويجب أن نفهم السبب”.
وتُطرح هذه القضية بشدة، وتتناولها بالبحث هيئات إنتاج الدواء، والجهات الرئيسية الممولة لبرامج الصحة. فأعلن الصندوق الوطني السويسري للبحث العلمي، أكبر مموِّل عام للأبحاث الطبية الحيوية في البلاد عام 2023، عن برنامج تبلغ ميزانيته 11 مليون فرنك سويسري (13 مليون دولار أمريكي)، يهدف إلى إيجاد طرق لدمج الفروقات الجنسية (السمات البيولوجية)، والجندرية (الهوية الجنسانية)، في الأبحاث الصحية والدوائية.
المزيد
هيمنة مطلقة للرجال على ميدان البحوث العلمية
وتعكس هذه الخطوة تحولًا يجري في أماكن أخرى من العالم، مثل الولايات المتحدة، وكندا، وأوروبا، يهدف إلى إصلاح نهج البحوث الدوائية السائد، المركّز على الذكور، كي يأخذ النساء في الاعتبار عند تطوير الأدوية.
“طب البكيني”
تحدَّثت سويس إنفو إلى مجموعة خبيرة تعتبر دراسة عقار ليكيمبي السريرية المحورية تقدمًا ملحوظًا. شكَّلت فيها النساء نصف عينة الدراسة، وقُدِّمت بياناتُها ونتائجها مفصلةً حسب الجنس.
يمثّل الذكور عادة، النسبة الأكبر في تجارب سريرية لأمراض تؤثر أكثر في النساء. فرغم أن النساء يمثلنرابط خارجي 70%من إجمالي مرضى الألم المزمن مثلا، فلا تجري 80% من الدراسات المتعلقة به سوى على الرجال، أو ذكور الفئران.
ويتضاعف انتشار مرض التصلب المتعدد (مرض مزمن يصيب الجهاز العصبي)، بين النساء أكثر منه بين الرجال. كما تصاب النساء أكثر من الرجال بالسكتات الدماغية، وأمراض القلب، والأوعية الدموية، واضطرابات المناعة الذاتية مثل الذئبة.
ويندُر تصنيف نتائج الدراسات حسب الجنس والهوية الجندرية، وإعلانها. وحتّى إن حدث، فنادرا ما تؤخذ الفروقات في فعالية العقار، وسلامته بين الرجال والنساء بعين الاعتبار، عند الموافقة على الأدوية، ونادرًا ما تُدرج في الوصفة الطبية. بل لا تمثّل النساء محور البحوث الطبية غالبا، إلَّا عند دراسة الأمراض المؤثرة في أعضائهن التناسلية.
وتقول ستيفاني ساسمان، رئيسة قسم صحة المرأة في شركة جينينتك (Genentech)، الشركة الفرعية التابعة لشركة روش السويسرية: “صحة المرأة أشمل بكثير من مفهوم طب البكيني الضيق هذا”.
وتشير ساسمان إلى عواقب نقص التركيز على الفروقات الجندرية في أبحاث الأدوية الخطيرة على صحة النساء قائلة: “توجد مئات الأمراض التي تحصل فيها النساء على تشخيص متأخر، أو خاطئ تمامًا، أو يتلقين فيها علاجاً، أو جرعة غير فعالة، أو حتى غير آمنة”.
وقد نشر معهد ماكنزي للصحة دراسةرابط خارجي في يناير، أثبتت ارتفاع احتمال سحب الأدوية من الأسواق بسبب مضارّها على النساء، أكثر ب3،5 مرّات من احتمال سحبها لمضارّها على الرجال، على مدى أربعين عاما الماضية.
وحتى في سويسرا، التي يتوفّر فيها أحد أفضل أنظمة الرعاية الصحية في العالم، نُشر تقريررابط خارجي حكومي في مايو الماضي، أثبت تلقّي النساء علاجات لا تلائمهنّ، “فتزداد الآثار الجانبية، ويتطوّر المرض إلى مراحل أسوأ”.
تحيّز منذ البداية
تسهم في استمرار هذه الفجوة في صحة المرأة عوامل أساسيّة منها تأصّل تحيّز النماذج العلمية منذ بداية البحوث، ليمتدَّ حتى مراحل لاحقة من تطوير الأدوية.
وما برحت فرق البحث حتى وقت قريب، تنظر إلى جسم المرأة على أنه نسخة مصغرة من جسم الرجل. وقد توصّلت دراسة أجرتها مجلة إيكونوميست عام 2023، بتكليف من جمعية Women’s Brain Foundation، إلى تواصل ارتفاع عدد الدراسات التي تعتمد حصرًا ذكور الحيوانات، ب5،5 مرّات مقارنة بعدد الدراسات التي تشمل الإناث والذكور معًا.
وتقول كارول كلير، رئيسة وحدة الصحة والجنسانية في مركز الرعاية الأولية والصحة العامة بجامعة لوزانرابط خارجي (Unisanté): “اعتادت بعض فرق البحث اعتماد ذكور الحيوانات، إلى درجة أنها لا تفترض وجود اختلافات في آليات الدماغ بين ذكور الفئران وإناثها”.
ورغم وعي فرق البحث وشركات الأدوية بهذه الاختلافات، تجادل غالبا بأن إدراج النساء في الدراسات معقد ومكلف، خاصةً لما تسببه فترة الحيض من تغيرات هرمونيّة. لكن تشير الدراساترابط خارجي الحديثة إلى إمكانيّة تأثير التغيرات الهرمونية الرجاليّة أيضًا على استجابتهم للأدوية الموصوفة.
تحوّل بطيء
يزداد وعي الحكومات بالفروق الصحية بين الجنسين، غير أنّها تواجه صعوبة في معالجتها دون المسّ بالسلامة، أو زيادة التكاليف، أو فرض قيود مجحفة على الأبحاث.
وقد أصدرت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية عام 1993، توجيهات تنصّ على ضرورة إشراك النساءرابط خارجي في مراحل التجارب السريرية لتطوير الأدوية جميعها.
كما اشترطت المعاهد الصحة الوطنية في الولايات المتحدة، أكبر جهة حكومية لتمويل البحوث الطبية الحيوية في العام ذاته، إشراك النساء في تجارب التمويل الحكومي، وخاصّة منها المرحلة الثالثة من التجارب السريرية، التي يُعتَمد فيها على عيّنات موَسَعة.
وطوّر الاتحاد الأوروبي عام 2014، مجموعة آليات لدمج الجنسين في البحوث التي يموّلها.
وتقول أنتونيلا سانتوتشيوني تشادا: “وجود التوجيه، لا يعني الالتزام به بالضرورة”. إذ تظهررابط خارجي دراسات مختلفة ازدياد أعداد النساء، ونسبهن في التجارب السريرية عموما، ولكن لا يزال التقدم في مراحل البحوث الأولى على الحيوانات محدودًا. كما لا يزال تحليل النتائج حسب الجنس واستخدامها لتطوير أدوية مخصّصة للنساء، يتقدّم ببطء.
ولا يزال تنفيذ كثير من السياسات التي تغلب عليها الصياغة المبهمة ضعيفا، فقد بيّنت مراجعة جرت عام 2018، على 107 تجارب موّلتها معاهد الصحّة الوطنية، أن معدل تسجيلرابط خارجي النساء بلغ 46%، بينما ضمّت نحو 15% من التجارب دون 30%، ولم تبلّغ سوى 26% منها عن نتائج تراعي الجنسين.
المزيد
لا يزال يتعيّن على النساء احتلال المكانة التي تليق بهن في دنيا العلوم
وتباطأت سويسرا كذلك، في تنفيذ متطلبات تجارب الجنسين السريرية. إذ لا تفرض المؤسسة الوطنية السويسرية للعلوم، أكبر مصدر مموِّل للأبحاث الطبية الحيوية فيها، التي تقدر ميزانيّتها السنويّة بمليار فرنك سويسري، أيّ متطلبات للتنوع الجندري.
وتقول كارول كلير: “في سويسرا، تفرض الجهات المموّلة توجيهات صارمة على البحوث بحذر كبير، ظنّا منها أن المسؤولية تقع على عاتق فرق البحث وحدها. ومن المنطقي أن تشمل الدراسة كافّة أفراد المجموعة السكانية المعنيّة دون استثناء، ولكن لا يمكن أن يحدث ذلك إلّا إذا فرضت السلطات طريقة مُلزِمة”.
أمَّا الآن، فقد ازداد الإقبال على هذه الظاهرة، لعلّ من أسبابه جائحة كوفيد-19، التي أظهرت غلبة معاناة النساء على الرجال من آثاراللقاحات الجانبية. وقد عدّلت سويسرا قانون التجارب السريرية الساري فيها. ليدخل حيز التنفيذرابط خارجي في نوفمبر، ويفرض المزيد من التوازن بين الجنسين في الأبحاث.
كما كلَّفت الحكومة السويسرية سويس ميديك (Swissmedic)، بالبحث عن سبل تعزيز دمج متعلّقات الجنس والجندر في تقييم الأدوية الجديدة، ويتوقَّع استكمال هذه التغييرات بحلول عام 2029، كما يُتوقّع أن يكشف برنامج المؤسسة الوطنية السويسرية للعلوم طرق تقليص الفروق بين الجنسين في مراحل البحوث الأولى.
سوق مزدهر
انفتحت شركات الأدوية أكثر على الاستثمار في سوق التكنولوجيا النسائية (Femtech) المتنامية، الخاصّة بالمنتجات المصمّمة خصيصًا للنساء. ويُتوقّع أن تبلغ قيمة منتجات مرحلة انقطاع الطمث وحدها، 24 مليار دولار بحلول عام 2031.
وتقول ساسمان: “عندما نتناول مسار العلاج كاملا من منظور المرأة، تنكشف أمامنا فرص جديدة”. وأطلقت شركة روش عام 2022، مشروع (ProjectX) لتعزيز الاستثمار في صحة المرأة، مع التركيز على تنويع التجارب السريرية، ومراعاة عوامل أخرى مثل الخصوبة، وانقطاع الطمث، لفهم تطور الأمراض والاستجابة للعلاجات.
أمَّا أنتونيلا سانتوتشيوني تشادا، فتعتبر كلّ هذه الخطوات في الاتجاه الصحيح، ولكن لا تزال الفروق بين الجنسين في المقام الثاني من تطوير الأدوية، فتقول: “نحتاج فعلا إلى تغيير طريقة التفكير لاكتشاف الفروق بين الجنسين، ومناقشتها منذ البداية، ما يجعل الأدوية أكثر أمانًا وفعالية للجميع.”
تحرير: فيرجيني مانجان
ترجمة: ريم حسونة (النص)، عبد الحفيظ العبدلي (الرسم البياني)
مراجعة: ماجدة بوعزّة
التدقيق اللغوي: لمياء الواد
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.