شريط جزائري يستهوي الجمهور في لوكارنو
في انتظار قرار لجنة التحكيم، حاز الفيلم العربي المشارك في المنافسة الدولية بمهرجان لوكارنو "البيت الأصفر" للجزائري المقيم في فرنسا عمر حكار، على إقبال وترحيب واسع من جمهور المهرجان.
الفيلم الذي تدور وقائعه في جبال الأوراس الجزائرية استطاع أن يشد الجمهور بما تضمنه من بساطة وعواطف صادقة ولمسة إنسانية حتى في أحلك الأوقات، مثلما يشرح مخرجه عمر حكار في حديث لسويس إنفو.
لاشك أن أول المندهشين للإقبال الكبير الذي حظي به فيلم المخرج الجزائري المقيم في فرنسا عمر حكار “البيت الأصفر” في مهرجان الفيلم الدولي في لوكارنون، هو المخرج نفسه الذي اجهش بالبكاء أثناء الندوة الصحفية عند تقديم الفيلم.
ويعتبر شريط “البيت الأصفر”، وهو إنتاج مشترك جزائري – فرنسي، الفيلم العربي الوحيد من ضمن 19 فيلما مشاركا في المسابقة الدولية لمهرجان لوكارنو في دورته الستين.
أحداث الشريط تدور وقائعها في جبال الأوراس وتروي قصة قروي بسيط أصيب بفقدان ابنه، الذكر الوحيد، الذي كان يؤدي الخدمة العسكرية. وفي محنة استعادة رفاته، يعاني هذا القروي في عزلة تامة من ثقل البيروقراطية القاتلة، ولكنه يكتشف في نفس الوقت طيبة وتضامن أبناء البلد في الأوقات المؤلمة.
قصة من واقع المخرج نفسه
لب قصة الفيلم، كما يقول عمر حكار، مستوحاة من ماضي المخرج نفسه، الذي اضطر لاصطحاب رفاة أبيه من فرنسا ليدفن في بلاد الأوراس، التي غادرها ولم يتجاوز عمره ستة أشهر، إذ يقول “لقد غادرت منطقة الأوراس وعمري ستة أشهر، وأود أن اعترف بأنني نسيت أنني أيضا أبن من أبناء الأوراس، ونسيت أيضا بأن هناك بلدا آخر ما وراء البحر الأبيض المتوسط الذي أنتمي إليه”.
ويضيف “شاءت الأقدار، عند وفاة والدي المرحوم، أن أُضطر لمرافقة جثمانه، وأُجبر على إعادة اكتشاف النصف الآخر من واقعي وشخصيتي التي تسمى الأوراس وتسمى الجزائر، فاكتشفت في هذه الظروف، بمرها وحلوها. ان هذا النصف الثاني من شخصيتي موجود بداخلي وأنني فقط حاولت أن أتجاهله، وهذا الفضول هو الذي دفعني الى العودة الى الجزائر من جديد، حيث قمت بتصوير شريط وثائقي قبل أن أنجز هذا الفيلم الطويل”.
وعن الرسالة التي رغب عمر حكار في إيصالها للجمهور من خلال وقائع هذا الفيلم، الذي جرى تصويره في مناطق خنشلة بجبال الأوراس يقول: “الرسالة بكل بساطة هي للقول بأن السعادة والحب والرقة، كل ذلك موجود، وهذا حتى لو كنا نجتاز أحلك الأوقات مثل فترة فقدان إبن عزيز، وأن استعادة الأمل ممكن وبالإمكان أن نجد حولنا أيادي ممدودة لمساعدتنا، إذا كنا أناسا بسطاء بعيدين عن العنف وليست لنا مطالب”. واستشهد بعبارة للسينمائي فيم فاندرس الذي يقول “يكفي أن تفكر في أن العالم جميل لكي تجد أشياء جميلة”.
إثبات للأصالة وثورة على التقاليد
فيلم عمر حكار استطاع أن ينقل للمشاهد صورا أصيلة من واقع أبسط الفلاحين في أعمق تخوم جبال الأوراس، وقد أفلح في نقل تلك الصور والأحاسيس بالاعتماد على الكاميرا وعلى الموسيقى التصويرية.
يضاف الى ذلك – وهو ما يزيد من أصالة وقائع الفيلم – أن حواراته دارت في أغلبها بـ “الشاوية”، وهي إحدى اللهجات الأمازيغية المنتشرة في جبال الأوراس، و لعلها المرة الأولى التي يكتشف فيها المشاهد، حتى الجزائري منه، فيلما يتحدث باللغة الشاوية.
عن هذا الاختيار يقول عمر حكار: “أنا بربري من الشاوية أبا عن جد، ومن الطبيعي أنه بعد عودتي الى أرض أجدادي أن أصور فيلما ناطقا بلغة المنطقة، والمعروف أيضا عن هذه المنطقة أنها فقيرة ثقافيا، وهذا رغم إنجابها لمثقفين من أمثال كاتب ياسين وغيرهم. وعلى غرار ما يقوم به إخواني من بلاد القبائل، وددت أن أظهر بأنه بالإمكان بالاعتماد على أبناء وبنات المنطقة أن ننجز شريطا قادرا على تجاوز حدود المنطقة، شريط تكون له بكل تواضع أبعاد كونية”.
وقد تعمد عمر حكار عدم احترام بعض التقاليد، مثل التي تجبر المرأة على عدم التعبير عن حزنها لفقدان عزيز بنفس الطريقة التي يعبر بها الرجل بمرافقة الفقيد والوقوف على قبره أثناء عملية الدفن، وهو ما جسمه بالمكانة التي اختارها لابنته الكبرى التي رافقته في مراسيم دفن أخيها ووقفت الى جانبه لتقبل عزاء أهل القرية، وهذا بعد أن أصبحت المرافقة له الى سوق المدينة المجاورة لبيع ما ينتجه من خضروات.
عرض في الجزائر قريبا
الفيلم الذي قدم على أنه إنتاج فرنسي جزائري، ينتظر شروع وزارة الثقافة الجزائرية في تنظيم العرض الأولي له على مستوى الجزائر، ولكن عمر حكار أكد لنا بأن الفيلم سيكون حاضرا في مهرجان الفيلم الأمازيغي، الذي سينظم في منتصف شهر يناير 2008 في مدينة سطيف بالجزائر.
وفي انتظار أن يعرض الفيلم على أهله، تبنى جمهور مهرجان لوكارنو الفيلم لحد أن آخر عرض له جلب أكثر مما تستطيع استيعابه القاعة المخصصة له، وهو ما أرغم المنظمين على برمجة حصة عرض ثانية على الساعة الحادية عشرة ليلا، انتظرها الجمهور بصدر رحب وصفق طويلا عند انتهاء العرض، رغم غياب المخرج.
وإذا كان الجمهور قد رشح مبكرا هذا الفيلم للحصول على إحدى جوائز هذه الدورة في المسابقة الدولية، فإن المخرج عمر حكار يقول بكل تواضع “قد يبدو من الوهلة الأولى أن ما أقوله ديماغوجي، ولكن أكبر جائزة حصلنا عليها هي اختيار الفيلم في هذا المهرجان وعرضه لكي يأخذ طريقه للشهرة. لقد انطلقنا في مغامرة التصوير بدون دار إنتاج كبرى وراءنا وبدون دار توزيع كبرى للتسويق، وبما أننا نكتشف بأنه تم اختيارنا لنشارك في المنافسة الرسمية في احد أكبر المهرجانات الدولية لأفلام المؤلفين، فهذا أمر خارق للعادة، وبالطبع إذا ما توج ذلك بحصول الفيلم على جائزة، فإن ذلك سيغمرنا سعادة، ولكن إذا لم يحصل على جائزة، فإننا نكتفي في سعادة تامة بأننا شاركنا في المهرجان”.
سويس إنفو – محمد شريف – لوكارنو
ولد في عام 1958 في منطقة جبال الأوراس.
غادرت عائلته الجزائر الى فرنسا ولم يتجاوز عمره الشهر السادس.
درس في منطقة بوزونسون بفرنسا العلوم قبل أن يكتشف هواية التصوير السينمائي.
أول فيلم قصير له “علمني الحساب الى ما لا نهاية” 1990)
أول فيلم طويل “وقت قذر لصعلوك” (1992)
2002 بعد عودته الاضطرارية للجزائر لنقل جثمان أبيه، اكتشف منطقة الأوراس التي استلهم منها قصة شريط “البيت الأصفر” الذي يشارك في المسابقة الدولية لدورة مهرجان لوكارنو لهذا العام.
يعتبر عمر حكار – الذي يستعد حاليا لتصوير فيلم روائي طويل بفرنسا – كاتبا في نفس الوقت، حيث حصل في عام 2001 على جائزة مارسيل آيمي عن كتابه “حي النوتات الخاطئة”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.