شكوك حول أهداف “منتدى المستقبل”
تضمن البيان الختامي لمؤتمر منظمات المجتمع المدني الذي انعقد مؤخرا في المنامة عددا واسعا من المطالب والمواقف التي رفعوها إلى حكومات المنطقة وبقية أعضاء منتدى المستقبل.
لكن السؤال الذي تجدد طرحه في البحرين من قِـبل النشطاء، يتعلق بمصير مطالبهم السابقة والحالية.
إذا كان منتدى المستقبل الذي التأم بعاصمة البحرين وجمع وزراء خارجية مجموعة الثمانية مع نظرائهم في دول المنطقة (الشرق الأوسط الكبير) قد انتهى بدون التوصل إلى إصدار بيان ختامي مشترك، فإن المؤتمر الموازي الذي تنادت إليه منظمات المجتمع المدني وعقد بالمنامة يومي 7 و8 نوفمبر، أي قبل أربعة أيام من الاجتماع الرسمي، كان حظه أفضل، حيث تمكن المجتمعون من التوصل في نهايته إلى أرضية جامعة.
وقد تضمن بيانهم الختامي عددا واسعا من المطالب والمواقف التي رفعوها إلى حكومات المنطقة وبقية أعضاء منتدى المستقبل. لكن السؤال الذي تجدد طرحه في البحرين من قِـبل النشطاء، يتعلق بمصير مطالبهم السابقة والحالية.
فقد سبق للمؤتمر الموازي الأول في الرباط في شهر ديسمبر 2004، أن سمح لوفد ممثل للجمعيات المشاركة أن تلقي أمام وزراء الخارجية وجهة نظر المجتمع المدني ومطالبه، لكن بعد مرور سنة على ذلك، لم تتلق هذه الجمعيات أي رد أو تعليق على التوصيات التي رفعتها، مما عمق الشكوك ودفع البعض إلى التأكيد على أن منتدى المستقبل ليس سوى “واجهة لإستراتيجية خفية”.
انقسام الفعاليات السياسية
لا يزال الخلاف حول الموقف من منتدى المستقبل يشق قوى المجتمع المدني في كل البلاد العربية.
ففي البحرين، تشكلت لجنة تحضيرية من ستة عشر جمعية مستقلة تولت الإعداد المادي، ووجهت الدعوات للعشرات من المنظمات غير الحكومية العربية، إلى جانب منظمات شرق أوسطية وغربية وأخرى دولية، وقد استجاب للدعوة ممثلون عن أربعين منظمة، وعدد من الشخصيات قدموا من لبنان ومصر واليمن وتونس وسوريا والعراق والسودان والأردن والسعودية وفلسطين، إلى جانب تركيا وإيران وأذربيجان.
ورغم أن المشاركين انتقدوا بشدة السياسات الأمريكية بالخصوص، والغربية عموما، إلا أن بعض الجمعيات البحرينية انتقدت المؤتمر، كما انقسمت الفعاليات السياسية في البحرين بين مؤيد ومقاطع، ويعود ذلك إلى استمرار الشكوك في أهداف منتدى المستقبل، وهل هو إطار داعم للديمقراطية في المنطقة، أم هو أداة لتنفيذ الإستراتيجية الأمريكية الهادفة، حسب اعتقاد الكثيرين، إلى الهيمنة وإعادة هيكلة المنطقة.
من جهة أخرى، شهد المنتدى نقاشا، اتسم بالحدة أحيانا، حول إشكالية العامل الخارجي في تغيير الأوضاع السياسية المحكومة بالاستبداد. وفيما رفع رئيس الجمعية اللبنانية لحقوق الإنسان شعار “لا يأتينا من الغرب ما يفرح القلب”، اعتبر الدكتور سعد الدين إبراهيم أن التاريخ الحديث للمنطقة يكشف بوضوح، ومنذ مائتي سنة، أن الصدمة “كانت دائما تبدأ من الخارج”.
وتحدث سعد الدين إبراهيم عما سماه بمثلث الأزمة: الطغاة الذين أنتجوا الغلاة، فقدم من جراء ذلك الغزاة. لكن صادق الحسيني من إيران، هاجم بعنف رئيس مركز ابن خلدون، ووصفه بأنه من “مثقفي المارينز” الذين يعملون، حسب اعتقـاده، على أن “تصبح منظمات المجتمع المدني رديفا لسياسات الغزاة”.
ترسيخ مبادئ الحكم الصالح
لم يكن مؤتمر البحرين، الاجتماع الموازي الوحيد للمنتدى الرسمي، حيث شهدت العاصمة القطرية المجاورة مؤتمرا مماثلا، رشح بدوره خمسة من النشطاء انتقلوا إلى المنامة لرفع عدد من التوصيات الخاصة بإزالة القيود التشريعية والأمنية على الجمعيات.
كما تم الإعلان في الدوحة عن إنشاء “شبكة منتدى المستقبل لمنظمات المجتمع المدني في المنطقة”، وفي حين اعتبر البعض أن هذا المؤتمر قد يندرج ضمن تنافس قطري – بحريني، إلا أنه قد يؤشر، من جهة أخرى، على احتمال توزع مثل هذه التجمعات على أكثر من بلد عربي في المناسبات القادمة، مما يعكس بعدا آخر من حالة الاختلاف التي تشق المجتمع المدني العربي.
لكن مع ذلك، أصبحت هذه المنتديات تشكل إطارا سنويا يلتقي فيه النشطاء من مختلف البلاد العربية لتبادل المعلومات والخبرات، وتنسيق الجهود فيما بينها في مجال التضامن وتنظيم الحملات، دفاعا عن الحريات والحقوق المهدورة.
كما أن الأنظمة العربية أصبحت بدورها تأخذ بعين الاعتبار هذه الحركية، فيتخذ بعضها من حين لآخر عددا من الإجراءات، من أجل إظهار حسن نواياه في مجال الإصلاح السياسي، وهو ما تحاول منظمات المجتمع المدني أن تستغله لرفع سقف مطالبها وتوسيع دائرة الحريات.
لهذا، دعا المؤتمر الموازي الحكومات العربية إلى “تقديم برنامج عمل مشفوع بجدول زمني محدد، فيه خطوات الإصلاحات التي تعتزم تنفيذها لترسيخ مبادئ الحكم الصالح”.
انفراط عقد “الحلف المقدس”
كما طالب البيان الحكومات بتوسيع المشاركة الشعبية، والسماح بإنشاء الجمعيات، وإصلاح القضاء، ووضع حد للفساد، وضمان الحق في الوصول إلى المعلومة، وحل مشكلة البطالة، وتمت دعوة الأنظمة إلى التصالح مع شعوبها وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وسجناء الرأي، واحترام مبدأ التداول السلمي على السلطة.
وبالرغم من اختلال موازين القوى بين أنظمة الحكم والمنظمات غير الحكومية العربية، إلا أن هذه الأخيرة أصبحت تستثمر الظرف الإقليمي والدولي الجديد لتصعِّـد من جرأتها، وترفع من سقف احتجاجها.
وقد بدا ذلك واضحا في مداخلات عدد من الجمعيات البحرينية التي هاجمت بقوة نظام الحكم، رغم بعض الإصلاحات التي أقدم عليها وإخلاء السجون من معتقلي الرأي.
أصبحت هذه الأصوات العالية تزعج بعض الأنظمة التي تخشى من أن تقع بين كفَّـتي كماشة، طرفها الأول في الداخل، وطرفها الآخر في الخارج. لهذا، لم يكن مفاجئــا أن تعترض هذه الأنظمــــة (خاصة مصر وتونس) على المقترح الخاص بإنشاء مؤسسة عربية مستقلة تتولى تقديم الدعم المالي لمنظمات المجتمع المدني في العالم العربي، وتشارك الحكومات، إلى جانب القطاع الخاص، في تمويلها.
فبعض هذه الحكومات حريص على إبقاء عدد من آليات الضغط والتحكم في منظماتها المحلية، ومن بينها ملف التمويل، بيديه. لكن هذا المقترح الذي دافعت عنه بعض الجهات، كشف عن وجود تقييمات مختلفة لدى الأنظمة العربية.
ففي اختتام المؤتمر الموازي لمنتدى المستقبل، أعلن السفير القطري أمام ممثلي المنظمات غير الحكومية أن بلاده ستدعم هذه المؤسسة، وستضع على ذمتها وقفية (بقيمة عشرة مليون دولار)، وهي على استعداد لاستضافة مقرها بالدوحة، مع الالتزام باحترام استقلاليتها.
بعد ذلك، تشجعت حكومات أخرى وأعلنت بدورها عن دعمها لهذه المؤسسة، وهذا التباين في المواقف الرسمية، جعل المراقبين يتأكدون من أن “الحلف المقدس” الذي كان يوحِّـد الأنظمة العربية ضد مجتمعاتها المدنية قد بدأ ينفرط عقده، بعد أن أدرك العديد منها بأن الاستمرار في التصدي للمجتمعات المدنية المحلية ليس سوى معركة خاسرة، وأن مصلحتها الحيوية تكمن في تغيير أسلوب التعامل مع المنظمات غير الحكومية، سواء منها المحلية أو الدولية.
صلاح الدين الجورشي – المنامة
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.