شيراك مغربي أم مغاربي؟
تُـولي فرنسا أهمية كبيرة للزيارة التي يقوم بها الرئيس شيراك إلى المغرب، وتعتبرها رسالة تضامن مع الملك محمد السادس.
وتأتي هذه الزيارة التي لها أبعاد ثنائية وإقليمية قُـبيل بضعة أسابيع على قمة 5+5 المغاربية الأوروبية التي تستضيفها تونس في ديسمبر.
يجول الرئيس الفرنسي جاك شيراك في عدد من المدن المغربية في أول زيارة دولة يقوم بها للمغرب منذ تولي الملك محمد السادس مقاليد الحكم في البلاد خلفا لوالده الراحل الحسن الثاني عام 1999، ولتسبق بأسابيع قمة مغاربية أوروبية تُـراهن عليها باريس لتعزيز المكانة الفرنسية في حوض البحر المتوسط.
الرئيس شيراك الذي وصل يوم الخميس 9 أكتوبر إلى فاس، التي عرفته جنديا في عقود ماضية، وأجرى فيها مباحثات رسمية مع العاهل المغربي، ثم خاطب شبابا مغربيا في طنجة قبل أن يحلّ في الرباط لإلقاء خطاب أمام البرلمان.
وهكذا تكتمل بالنسبة لرئيس فرنسا، الدولة المستعمرة السابقة للمغرب، فئات المجتمع المغربي الذي يَـودّ مخاطبته والتواصل معه، وليبلغه الرسالة “الحضارية” التي تحمل باريس في بداية القرن الحادي والعشرين مشعلها في مواجهة حملة شرسة تشنها الولايات المتحدة التي لا ينظر المغرب غير الرسمي لها بارتياح وينظر لها المغرب الرسمي بارتياب.
على الصعيد الثنائي، كانت الرباط بحاجة إلى هذه الزيارة كما هي باريس بحاجة لها. فالرباط التي تَـعرّض أمنها لهزة لم تتوقعها في متصف مايو الماضي، وجدت نفسها في تلاطم أمواج محيط ما بين القارة العجوز والقارة الفتية.
وإذا كانت قد انحازت بالشعور أو اللا شعور نحو القارة الفتية خوفا وخشية، فإنها دفعت ثمنا باهظا لانحيازها كاد أن يصل في نزاع الصحراء الغربية، قضيتها المركزية، إلى عزلة سياسية وخسارة مكاسب سياسية كانت تعتقد أنها باتت مصونة.
والمهدد لخسارة الرباط كانت واشنطن التي تحفزت منذ بدء الحملة الأمريكية ضد الإرهاب، لتكون فاعلا نشطا في هذه الحرب. ففتحت معارك مع تيارات أصولية كان يُـعتقد أنها في حالة وئام مع الدولة، وتبنّـت في الحرب على العراق موقفا كثير القرب مما تريده واشنطن، وكثير البعد مما تريده باريس.
وباريس بحاجة للرباط، لأنها ركن من أركان آخر مناطق النفوذ الفرنكوفوني، ليس في إفريقا فحسب، بل في العالم تقريبا. فرغم التباينات والمتانة في علاقات باريس مع كل من الجزائر والرباط وتونس، فإن القطيعة لم تحدُث في العلاقات، وبقيت باريس لكل من الدول الثلاث الشريك التجاري الأول والقِـبلة لنخبتها ومثقفيها.
باريس أم واشنطن؟
كانت باريس تُـدرك أن الرباط تبتعد عنها باتجاه واشنطن دون أن تفهم الأسباب. فالتقارب مع واشنطن لا يُـلزم تبريد العلاقات مع باريس، وما قد تسعى إليه الرباط من ذهابها عبر المحيط الأطلسي، الدعم الأمريكي في قضية الصحراء، تبقى باريس بالتجربة والرؤية حليفا أقرب وأضمن للوجدان المغربي.
كان الرئيس جاك شيراك، ومنذ وفاة الملك الحسن الثاني عام 1999، وفيا برعاية الملك محمد السادس. وفي عام 2000 خاض مع الجزائر وأوروبا وإفريقيا حربا شرسة لعقد القمة الإفريقية الأوروبية بحضور المغرب، ودون حضور جبهة البوليزاريو، وحرص على عدم ملازمة الملك الشاب في كل خطواته ولقاءاته، حتى البروتوكولية.
لكن شيراك رئيس دولة غير عادية، ونزعته الديغولية تحمله عبء الشعور بمسؤوليات عالمية تقع على كاهل بلاده. ولإنجاز هذه المهمة التي يعتقد أن بلاده في عهده نذر عليها حملها، لابد من تأمين محيط متعاون ومتوائم، وهو بعد أوروبا، الشمال الإفريقي، الذي على كل دولة فيه أن تُـدرك طبيعة ومسؤوليات الدولة الكبرى وعدم “الامتعاض” من رفض باريس احتكار قلبها لأي منها، وهو الاحتكار الذي رفضته باريس حتى في زمن الحرب الباردة وانقسام العالم بين الشرق والغرب، وتبعات هذا الانقسام على دول المنطقة المغاربية.
كانت زيارة الرئيس شيراك التاريخية للجزائر بداية العام الحالي قد أثارت الكثير من المخاوف بالرباط. وكان على الرئيس شيراك أن يبدد هذه المخاوف التي اعتقد أنها غير مبررة. لكن الانشغالات الفرنسية بعالم ما قبل الحرب على العراق وما بعدها، جعل الرباط تذهب بعيدا وترمي كل بيض علاقاتها الخارجية ثمنا لموقف من نزاع الصحراء الغربية في السلة الأمريكية، ولولا التدخل الفرنسي الحازم، لكان كل هذا البيض قد تكسّـر.
فرنسا تريد مغربا عربيا متماسكا، ودوله عاجزة!
الهموم المغاربية هي أيضا هموم فرنسية، لان الوئام المغاربي ضرورة لاستقرار دول المنطقة ونزاع الصحراء لازال يحول دون هذا الوئام. وفرنسا التي تبنّـت في سنوات النزاع الأولى الموقف المغربي بالكامل، تغيّـرت في عهد فرانسوا ميتران (1981- 1995) حرصت على موقف حيادي يذهب باتجاه الجزائر. ومنذ تولي الرئيس شيراك مقاليد السلطة عام 1995، واصل حياد بلاده تجاه النزاع وإن كان الميل باتجاه المغرب.
وفرنسا التي تعرف حساسية النزاع الصحراوي بالنسبة للرباط والجزائر، لا تريد أن تكون طرفا فيه، بل طرفا في تسويته إذا ما لمست أن أطرافه يذهبون نحو ذلك، أو تخفيف العدائية، إذا كانوا يذهبون في اتجاهات متنافرة. لذلك، أعلن الرئيس شيراك قبل وصوله إلى الرباط عن ضرورة التوصّـل إلى حل سياسي تفاوضي يُـرضي الأطراف ويحافظ على مصالح المغرب واستقرار المنطقة.
لكن الجزائر منشغلة حتى الفوضى في هموم رئاسياتها، والرباط مهوسة بملاحقة التيارات الأصولية المتشددة، سيتركان الرئيس شيراك لوحده يبني آمالا لمنطقة مغاربية مستقرة، وعلاقات حميمية بين دولها. ولن يولي أي منهما اهتماما حقيقيا لهذه الآمال التي لو كانت جزءً من رؤية كل منهما لمستقبله ومستقبل منطقته، لما كان كل منهما بحاجة للرئيس شيراك لتحفيزها.
محمود معروف – الرباط
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.