“صديق الملك” يؤسس حزبا مغربيا جديدا باسم “الأصالة والمعاصرة”
لم يتوقّـف الجدل حول مُـبتغى فؤاد عالي الهمة، صديق العاهل المغربي الملك محمد السادس من حركته السياسية. ورغم مرور أكثر من عام على إعفائه من مهمّـته الرسمية كوزير منتدب بالداخلية، فإن الأسئلة لا زالت تطرح والإجابات تزداد غموضا مع كل حركة يقوم بها في المشهد السياسي المغربي.
الإعلان عن تشكيل حزب الأصالة والمعاصرة، كانت آخر حركات الهمّـة، وأراحت الكثيرين من الفاعلين السياسيين، الذين أبدوا في الفترة الأخيرة تخوّفات مُـعلنة من الأهداف التي يسعى إليها “صديق الملك”.
فالحزب المُـعلن عنه، كان حصيلة تجميع خمسة أحزاب معروفة بهشاشة وجودِها وتأثيرها السياسي، وبالتأكيد، فإن إضافة الضعيف إلى الضعيف في الفعل السياسي، لا يعطي مولودا قويا، خاصة إذا كان هؤلاء الضعفاء موسومين منذ لحظة وجودِهم بأنهم نتاج السلطة ووزارة الداخلية إبَـان عهد وزير الداخلية الأسبق الراحل إدريس البصري الذي انتهج تأسيس الأحزاب، بهدف بلقنة الخارطة السياسية وزعزعة ثقة المواطن بالعمل الحزبي واعتباره طريقا للوصول إلى موقع بالجهاز الإداري أو لنيل مكاسب رفيعة، كانت السلطة لا تتردد في توزيعها على أتباعها.
وتشكّـل حزب الهمة الجديد، الذي سيعقِـد قادته مؤتمرا نهاية شهر أغسطس الجاري لتوضيح أسباب التشكيل، من الحزب الوطني الديمقراطي وحزب العهد وحزب البيئة والتنمية وحزب رابطة الحريات وحزب مبادرة المواطنة والتنمية، التي قررت أن تندمج داخل تنظيم حزب جديد يحمل اسم حزب الأصالة والمعاصرة، بالإضافة إلى شخصيات سياسية ارتبط بروزها بـ “الحركة من أجل كل الديمقراطيين”، الإطار القانوني الذي شكّـله الهمّـة بعد نجاحه في الانتخابات التشريعية (سبتمبر 2007).
البيان التأسيسي للحزب، الذي صدر في الثامن من أغسطس الجاري، قال إن قرار التأسيس يأتي في “إطار الدينامية الإيجابية التي يعرفها الحقل السياسي الوطني، والتي عرفت تِـباعا تشكيل فريق نيابي داخل مجلس النواب، ثم فريقا ثانيا داخل مجلس المستشارين تحت اسم الأصالة والمعاصرة، انصهرت فيهما فعاليات برلمانية تنتمي إلى مشارب وتنظيمات حزبية مختلفة.. وتجاوبا مع العرض السياسي، الذي تقدّمت به الحركة لكل الديمقراطيين، قصد المساهمة في تأهيل الحقل السياسي الوطني والعمل على تجاوز واقع البلقنة التي يعرفها المشهد الحزبي”.
“مبادرة شجاعة”.. وردود فعل قوية
ووصف المؤسّـسون حزبهم بـ “المبادرة الشُّـجاعة التي تشكّـل تحوّلا مهمّـا في المشهد الحزبي، ينم عن وعي كبير بالمسؤولية ويعطي الدليل على أن الدينامية التي تعرفها الحياة السياسية الوطنية، ماضية لا محالة في الاتجاه الصحيح”.
ولعل تزامن الإعلان مع موسم الصيف هو الذي حال دون بروز ردود فعل قوية من جانب الأحزاب السياسية المغربية، التي كانت مواقفها من الحركة من أجل كل الديمقراطيين، تتّـسِـم بالنقد الشديد والتخوّف من تِـكرار مشهد “خلق الأحزاب” أو مشهد ما كان يُـعرف بالأحزاب الإدارية، الذي عاشه المغرب منذ منتصف الستينات بإعلان جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية، التي تزعمها احمد رضا غديرة، المستشار القوي للعاهل المغربي الراحل الملك الحسن الثاني، وتلاه عام 1977 قِـيام التجمّـع الوطني للأحرار بزعامة أحمد عصمان، نسيب الملك والوزير الأول آنذاك، ثم الاتحاد الدستوري في عام 1983، الذي أسسه المعطي بوعبيد، الوزير الأول آنذاك، بالإضافة طبعا للأحزاب الصغيرة التي انشقّـت عن حزب من أحزاب السلطة، إذا ما استشعر إدريس البصري أن قادة هذا الحزب يُـريدون أن يكونوا حزبا حقيقيا مستقلا.
ولعل القاسم المشترك بين الأحزاب الكبيرة الثلاثة التي تأسست بقرار من القصر، يتمثل في أنها كانت تُعلن عن نفسها قبل أسابيع من موعد التصويت وتكتسِـح الانتخابات باحتلال المرتبة الأولى في البرلمان أو الجماعات المحلية (البلديات).
خندق أمامي لمواجهة التيارات الأصولية
ويربط المحلِّـلون قيام حزب الأصالة والمعاصرة بالانتخابات البلدية المقبلة المقرر إجراؤها عام 2009 والتي أصبحت رهان الفاعل السياسي بعد “مأساوية” انتخابات 7 سبتمبر 2007 ، والعزوف الذي عرفته، إذ بالكاد وصلت نتائج المشاركة بالاقتراع من بين المسجّـلين باللوائح الإنتخابية نسبة 34%، كان 20% منها أصواتا لاغية.
وإن كان بعضها لم يعلن ذلك، فإن الأحزاب السياسية المغربية الأساسية، التي حذرت من المسار الذي اتّـخذته حركة الهمّـة منذ انطلاقتها، فركت يديها فرحا بالحزب الجديد، لأنه يبدّد عمليا، ولو مؤقتا، مخاطر الهمّـة عليها إلى درجة أن الحديث بدأ يتردد عن احتمال قيام تحالُـفات جديدة قد تشهدها الساحة السياسية المغربية بين حزب العدالة والتنمية (أصولي) والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (يسار) لا يجمعها إلا التخوف من حركة الهمّـة والعداء لها.
وإذا كان هدف فؤاد عالي الهمة من ترك مهامِّـه الرسمية كوزير للداخلية ودخول مُـعترك الانتخابات التشريعية، كما أعلن في حينه، تِـكرار تجربة بلدية وبرلمانية خاضها على التوالي بين عامي 1992 و1993، لخدمة ساكِـنة مسقط رأسه (مدينة بن غرير القريبة من مراكش) قد أثار تحفّـظ أحزاب سياسية، إلا أن تشكيله لفريق برلماني (حمل اسم الأصالة والمعاصرة)، احتلّ المرتبة السادسة في مجلس النواب، وحافظ على الأغلبية المسانِـدة للحكومة حوّل تحفظ الأحزاب، إلى قلق تصاعد بعد تشكيله للحركة من أجل كل الديمقراطيين الحاملة في طيّـاتها لحزب جديد، تردّد أنه سيكون، انتخابيا، الحزب الأول في الانتخابات القادمة، وسياسيا سيكون الخندق الأمامي لمواجهة التيارات الأصولية المعتدلة والمتشدّدة، والتي ظهرت ملامِـحها في اللقاء التلفزيوني الذي أجراه الهمّـة بُـعيد الانتخابات البرلمانية وشنّ من خلاله حملة شرسة على حزب العدالة والتنمية، الفائز بالمرتبة الثانية في تلك الانتخابات.
وتبدو هذه المُـهمة منطقية مغربيا. ففي ظل وهن أحزاب اليسار وتحجيم تأثيرها السياسي والمجتمعي وما يمكن أن يشكله الإسلاميون من مخاطر على الوضع المغربي، إذا ما حققوا فوزا كبيرا (كانوا يتوقعونه في انتخابات سبتمبر 2007)، فإن الأطراف المؤمنة داخل مطبخ صناعة القرار بضرورة الحد من نفوذ الإسلاميين ومُـحاصرتهم، تفضل المُـواجهة قبل وقوع “الكارثة” وتِـكرار التجربة الجزائرية الدّامية، وترى أن “الأساليب الديمقراطية” أفضل السبل لذلك.
غياب الليبراليين والليبرالية
وحسب ما كان يردّد الهمّـة، فإن المغرب يعرف غيابا لليبراليين والليبرالية، في ساحة سياسية تعرف حضورا لليسار وللأصولية، وأن التوازن في المجتمع وضمانات استقراره وجود تيار ليبرالي إلى جانب اليسار والأصولية، إلا أنه يصعُـب تخيّـل حزب الأصالة والمُـعاصرة الحديث الولادة، حاضنا للتيار الليبرالي المبشِّـر به، ولا حتى الحركة من أجل كل الديمقراطيين.
فالأحزاب الخمسة، وإن حسبت على اليمين السياسي، فإنها ككل يمين في العالم العربي لم تستطع أن تكون إطارا سياسيا حقيقيا معبِّـرا فعلا عن توجّـه يميني فكري أو عن مصالح طبقة البرجوازية الوطنية.
وإذا كان اليمين السياسي قد ارتبط قبل الاستقلالات العربية بالاستعمار، فإنه بعد الاستقلالات، ارتبط بالنظام السياسي والسلطة وشكّـل دائما عِـبئا عليها بعجزه عن تقديم نموذج فِـكري وسياسي ومجتمعي، يحظى بالاحترام وله امتداد اجتماعي، وبدل من أن يكون حاضِـنا للسلطة ومُـدافعا عنها، كان في حضنها ويرضع من ثديها (انتعاش اقتصاد الريع)، وقبلت به لأنها كانت بحاجة إلى هياكل، ولو شكلية، تسوق من خلالها “ديمقراطيتها” وتأييد الشعب لها.
ويؤكِّـد الدكتور نور الدين العوفي، المفكر الاقتصادي المغربي “استمرار هيمنة اقتصاد الريع مع تحوّل في نوع المستفيدين وأنماط الاستفادة، بما لذلك من تكلفة على الدولة والمجتمع وآثار وخيمة تتجاوز حدود الأداء الاقتصادي، لتطال البنية الثقافية والقيمية، بل إن الوضعية الريعية قد تتشابك وتتقاطع مع الأنماط الهجينة للأنشطة غير المهيكلة، وفي بعض الحالات القصوى، مع الأنشطة غير المشروعة والسرية”.
وقد يكون من الصُّـعوبات التي حالت دون تحقيق تصور الهمة، هو عدم وجود ليبراليين، فتشكلت الحلقة الأساسية لحركته من يساريين متشدّدين سابقين إلى جانب موظفين كِـبار، وكان يدقق جيدا بالحاضرين الذين التقاهم في عدد من المُـدن المغربية ويكتشف الدوافع المشتركة التي دفعتهم لحضور تلك اللقاءات والإعلان فيما بعد، عن تأييدهم له، لذلك، اكتفى بتجميع خمسة أحزاب في حزب واحد وأبقى حركته على مسافة مع هذا الحزب بانتظار خطوة قادمة لتحقيق هدف تأسيس تكتل ليبرالي حقيقي.
محمود معروف – الرباط
تم الإعلان عن تأسيس التشكيلة السياسية الجديدة عبر بلاغ أصدره الحزب وتداولته وكالات الأنباء الدولية ونشرته صحيفة “الصحراء” اليومية يوم 9 أغسطس 2008.
يضم الحزب في صفوفه فعاليات وشخصيات تنتمي إلى “حركة لكل الديمقراطيين”، وخمسة أحزاب صغيرة حلت نفسها وهي “الحزب الوطني الديمقراطي”، و”حزب العهد”، و”حزب البيئة والتنمية”، و”حزب رابطة الحريات”، و”حزب مبادرة المواطنة والتنمية”.
وحسب مؤسسيه فإن هذا الحزب الجديد “يريد التموقع داخل المشهد الحزبي انطلاقا من مبادئ وأهداف واضحة، ويطمح بروح إيجابية بناءة إلى المساهمة في رص صف كل القوى الديمقراطية قصد كسب رهانات التحديث والتنمية البشرية والتنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية”.
تضمن البلاغ أيضا لائحة المسيرين وصفاتهم داخل المكتب الوطني لحزب الأصالة والمعاصرة، حيث أنيطت الأمانة العامة للحزب لحسن بنعدي، ونال أحمد خشيشن منصب نائب الأمين العام المكلف بالعلاقات العامة، أما فؤاد عالي الهمة وعبد الله القادري وأحمد العلمي ونجيب الوزاني وعلي بلحاج ومحمد بنحمو، فجميعهم نواب الأمين العام أعضاء لجنة العلاقات العامة.. وكلف صلاح الوديع بمهمة الناطق باسم الحزب.
(المصدر: صحف مغربية ووكالات أنباء بتاريخ 8 و 9 أغسطس 2008)
الرباط (ا ف ب) – اندمجت خمسة احزاب مغربية صغيرة من الوسط في حزب جديد اطلق عليه اسم “الاصالة والمعاصرة” ويعد بين قيادييه فؤاد عالي الهمة الرجل السياسي المقرب من الملك محمد السادس كما اعلن الحزب الجديد الجمعة في بيان.
وجاء في البيان ان “خمسة تنظيمات حزبية قررت ان تندمج داخل تنظيم حزب جديد يحمل اسم حزب الاصالة والمعاصرة وهي الحزب الوطني الديموقراطي وحزب العهد وحزب البيئة والتنمية وحزب رابطة الحريات وحزب مبادرة المواطنة والتنمية”.
واضاف ان “فعاليات اخرى وشخصيات وطنية انضمت الى هذه المبادرة الشجاعة التي تعتبر تحولا مهما في المشهد الحزبي ينم عن وعي كبير بالمسؤولية ويعطي الدليل على ان الدينامية التي تعرفها الحياة السياسية الوطنية ماضية لا محالة في الاتجاه الصحيح”.
وتولى فؤاد عالي الهمة في الحزب الجديد منصب “نائب الامين العام عضو لجنة العلاقات العامة” في حين تولى منصب الامين العام الناشط الماركسي سابقا حسن بنعدي.
واعلن مسؤول في الحزب ان اول مؤتمر لهذا الحزب سيعقد في تشرين الثاني/نوفمبر.
وكانت نوايا عالي الهمة خلال الاسابيع الاخيرة موضع اهتمام عدة احزاب منها الاتحاد الاشتراكي للقوى الشعبية وحزب العدالة والتنمية الاسلامي اللذين اعربا عن خشيتهما من ان تدعم الدولة التشكيلة الجديدة على حسابهما.
وكان عالي الهمة الذي تخرج مع الملك محمد السادس من المعهد الملكي في الرباط وزير داخلية مفوضا قبل ان يستقيل ليترشح في الانتخابات التشريعية عام 2007 في منطقة الرحامنة شمال مراكش.
واضاف البيان ان الحزب تاسس “تجاوبا مع العرض السياسي الذي تقدمت به حركة (التي يتزعمها عالي الهمة) قصد المساهمة في تاهيل الحقل السياسي الوطني والعمل على تجاوز واقع البلقنة التي يعرفها المشهد الحزبي”.
(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية – أ ف ب – بتاريخ 8 أغسطس 2008)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.