صفحة جديدة في الذاكرة الجماعية لسويسرا
افتتح رسميا بعد ظهر يوم الثلاثاء المعرض الوطني السويسري Expo 02 بحفل شارك فيه كل اعضاء الحكومة الفدرالية ورؤساء الغرف البرلمانية وحوالي الفين وثلاث مائة من الضيوف تابعوا الحفل الذي تمثل في عرض فني فاق في حجمه وروعته وبعده الفلسفي كل التصورات.
اصبح المعرض الوطني السويسري السادس Expo.02، الذي أثار الكثير من الجدل منذ عقد من الزمن، حقيقة بعد افتتاحه رسميا من قبل رئيس الكنفدرالية كاسبار فيليغر.
وسعى منظمو حفل الافتتاح الرسمي الذي تم في معرض مدينة نوشاتيل، الى الإبقاء على الطابع الاحتفالي الأسطوري بهدف الابتعاد عن الرسميات الشكلية. لذلك اختار المخرج فرانسوا روشي تحويل مركب التزلج على الجليد في نوشاتيل إلى استوديو ضخم، عرضت فيه مسرحية شعرية تخللتها مقاطع موسيقية وقام فيها المدعوون الألفين بدور الممثلين.
ولكن نظرا للطابع الاستثنائي للحدث، فإن الشخصيات السياسية المختلفة المشاركة في حفل الافتتاح، أبت إلا أن تشيد بالمعرض كل حسب موقعه وتصوره للرسالة التي يجسدها ويرمز اليها المعرض الوطني.
رئيس الكنفدرالية كاسبار فيليغر ذكر في خطابه بشعار اطلقه فنان سويسري في معرض اشبيليا عام 1992، يقول “ان سويسرا لا وجود لها”، مما اثار جدلا داخل البلاد. وقد ذكّر فيليغر بان هذا الشعار كان يعكس نوعا ما واقع بلد عرف العديد من الازمات، آخرها افلاس شركة سويس اير.
الا ان رئيس الكنفدرالية يرى ان معرضا وطنيا مثل Expo 02 سيعزز أواصر التواصل بين مكونات المجتمع بفئاته اللغوية واجياله. واختتم فيليغر خطابه قائلا: “بما ان المعرض موجود فان سويسرا موجودة ايضا”.
اما المديرة العامة للمعرض نيللي فينغر، والتي وصلت الى قاعة الاحتفال على متن مركبة برمائية، فقد توجهت بالشكر الحار لكل الذين ساهموا في انجاز هذا المشروع الضخم واعتبرت ان الجمهور هو الحكم في النهاية وان نجاح المعرض مرهون بمدى اندماج الجميع لتجسيد الافكار المستوحاة من اقامة هذا المعرض. ولم تنسى فينغر في دعوتها الى الجمهور السويسري بزيارة المعرض، دعوة الزوار الاجانب الذين سيجدون كل حفاوة وترحيب.
الأسطورة والواقع
بعد الافتتاح الرسمي، بدأ الاستعداد للعرض الفني الهائل بمشاركة اكثر من 1700 ممثل وفنان وموسيقى، والذي اعتمد فيه المخرج فرانسوا روشي على شخصيات أسطورية. كما لجأ المخرج إلى تجسيد وقائع وأماكن ميثولوجية مثل قلعة بابل او الحصان الطائر “بيغاس” وبمساهمة حواري تتخذن من مياه البحيرات الثلاث خشبة لأداء عروضهن في رشاقة متناهية.
ويشتمل العرض الفني على أحد عشر مشهدا ما بين افتتاحية يجسد فيها الحصان الطائر “بيغاس” شعار الوقت، إلى ما سمي “بلحن الليل” وهو مقطع موسيقى يعزف في نفس الوقت في مناطق العرض الأربعة، نوشاتيل وبيين ومورا وايفيردون، من قبل أربع مجموعات موسيقية، مرورا ببناء “قلعة بابل” التي يرمز بها المخرج إلى بناء الدولة السويسرية.
وتصور المخرج فرانسوا روشي العرض الفني على شكل “تسلسل لمشاهد بهلوانية” تعرض في آن واحد في مناطق العرض الأربعة. وشاركت هيئة الإذاعة والتلفزيون السويسرية في العملية بنقل وقائع العرض على شاشات كبيرة في كل موقع، للسماح لمتفرجي المناطق الأخرى بالتعرف على خصوصيات العرض في كل منطقة. كما أن محطات التلفزيون السويسرية الأربعة تسهر على نقل الحدث مباشرة على الهواء.
التعددية والانفتاح
جاء هذا العرض الأسطوري بمثابة التعبير عن الواقع السويسري بتعدديته. وقد ساهم في إنجازه موسيقيون من مختلف أنحاء سويسرا، كما شارك في تجسيده ممثلون من مختلف المناطق اللغوية تعبيرا عن هذه التعددية التي تتميز بها سويسرا.
لكن الحرص على إظهار التعددية لم يهمل الرغبة القوية في الانفتاح على العالم الخارجي، بحيث أفسح المجال أمام موسيقيين أجانب للمشاركة من أمثال النجم السنغالي يوسو ندور او الموسيقي الغجري من منطقة البلقان غوران بريغوفيتش. ولتوسيع الاقبال الجماهيري على الاحتفال، يختتم العرض بألوان موسيقية شبابية تجمع ما بين الجاز والروك والأغنية العصرية.
ولا يمكن الحديث عن تواجد كل الألوان الفنية بدون ذكر الفكاهة، حيث أبى المنظمون إلا أن يعرضوا مشوار التحضير للمعرض بكل صعوباته بشكل هزلي من خلال مسرحية ساخرة لدمى تجسد شخصيات كان لها دور في إعداد هذا المعرض.
وإذا كان الفنانون قد أنهوا عملهم بتصور معالم المعرض الوطني المعمارية والفنية والموسيقية، فإن الأهم على مدى الاشهر الخمسة المقبلة، هو معرفة مدى استيعاب الزائر للرسالة الفنية الكامنة وراء كل عمل، ومدى تفاعله معها وما الذي سيحتفظ به الزائر عن هذا المعرض الوطني السادس في سويسرا.
محمد شريف – نوشاتيل
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.