“صفعة” غير منتظرة
جاء التحرك الأمريكي الذي أدّى لإقرار مجلس الأمن للمشروع الذي اقترحه جيمس بيكر لتسوية نزاع الصحراء العربية صفعة غير متوقّـعة
فقد كانت الدبلوماسية المغربية تراهن على علاقات الولايات المتحدة مع المملكة التي اعتقد الجميع داخل المغرب وخارجه أنها متميّزة إيجابيا
كان التحرك الأمريكي لإقرار مجلس الأمن الدولي لمشروع تسوية نزاع الصحراء الغربية صفعة غير متوقعة للدبلوماسية المغربية التي كانت تراهن على علاقات، اعتقدت أنها متميزة إيجابيا مع الولايات المتحدة.
فالمشروع الذي تـوّج مشاورات مكثفة أجراها جيمس بيكر، ممثل الأمين العام للأمم المتحدة لمتابعة ملف النزاع الصحراوي، يتضمن، ما يعتقد المغرب أنه مناقض للأعراف التي سنّـتها المنظمة الدولية بإقرار تسويات تقبل بها أطراف النزاعات الدولية، وأن المشروع يؤدي بالسياق الذي وُضع فيه إلى قيام دولة صحراوية مستقلة، وهذا ما يرفضه المغرب بشدة.
ويتمحور مشروع التسوية حول منح الصحراويين حُـكما ذاتيا مؤقتا تحت السيادة المغربية على أن يتبعه بعد 4 أو 5 سنوات استفتاء تجريه الأمم المتحدة يقرر من خلاله الصحراويون مصيرهم في دولة مستقلة أو الاندماج بالمغرب.
“حكم ذاتي مُـؤقّـت”
المشروع ليس وليد الساعة، ولا هو فقط ثمرة مشاروات عرفتها نيويورك أو عواصم الدول المعنية بالنزاع الصحراوي، أو عواصم دول مجلس الأمن خلال الأسابيع الماضية، بل يمثل تطورا لمشاريع تسوية متتالية لنزاع طال أمده، وإن لم يكن مُـلحّـا بالنسبة للعديد من الأطراف حلّـه الآن ما دام لا يهدد الأمن العالمي أو الإقليمي، ولا يُـغيِّـر استمراره ميزان القوى في المنطقة أو أمن واستقرار أطراف النزاع والمعنيين به.
فمنذ أن أدرك كل المعنيين أن مخطط السلام، الذي أقره مجلس الأمن بموافقة كل أطراف النزاع، قد وصل إلى طريق مسدود، تكثّـفت الاتصالات والتحركات، وكانت واشنطن عبر دبلوماسييها في الجزائر والرباط أول من قدم تصورا يتحدث عن حُـكم ذاتي مؤقت، عن دمج أفكار من اتفاق أوسلو الفلسطيني الإسرائيلي، واتفاق دايتون لتسوية النزاع البوسني.
لم تلق الأفكار الأمريكية، دون بلورة وتفاصيل، قبول كل الأطراف، ولأنها لم تكن ملحة، أعيدت إلى الأدراج إلى أن يحين وقتها، وعادت الروح لمخطط 1997 بتكليف وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جيمس بيكر بمهمة ممثل خاص للأمين العام للأمم المتحدة لمتابعة الملف. وقد نجح بيكر في إعادة التفاوض بين الأطراف في اجتماعات عُـقدت في لشبونة ولندن وبرلين والوصول معهم إلى اتفاق هيوستن.
لكن المخطط الذي تضمن إجراءات تُـمهّـد إلى استفتاء تقرير المصير، كان أعجز من أن يخلق ديناميكية تسوية، حتى بالشروط التحسينية. فعادت التسوية إلى مأزقها وأُعيدت الروح إلى الأفكار الأمريكية القديمة، أو ما أطلق عليه فيما بعد بالحل الثالث وما يصفه المغاربة بالحل السياسي، وصاغ جيمس بيكر المشروع وقدّمه إلى مجلس الأمن لأول مرة في خريف 2000، حيث لقي تأييد المغرب وترحيبه، ورفض الجزائر وجبهة البوليزاريو.
إرضاء المغرب وعدم ازعاج الجزائر
كان كل طرف من أطراف النزاع يُـدرك أن واشنطن ستكون المرجع الأول والأخير للتسوية. وواشنطن، المشغولة بقضايا أكثر حساسية بالنسبة لها، اعتمدت تكتيك الترحيل للتسوية، ما دامت لا تلقى قبول جميع الأطراف، وأبقت لجيمس بيكر فرص التحرك ما بين اجتماعات لمجلس الأمن حول النزاع الصحراوي لمواصلة التشاور مع الأطراف، وتقديم أفكار جديدة تلقى قبولها جميعا.
كان منظّـرو النزاع الصحراوي يعيدون الكثير من أسبابه إلى الحرب الباردة بين الشرق والغرب، لكن واشنطن لم تتعاط معه من هذه الزاوية. ففي الوقت الذي لم تول فيه اهتماما متميزا للنزاع، كانت دائما، ومنذ اندلاعه، تحرص على تسوية ترضي المغرب والجزائر، وتطور هذا الحرص إلى تسوية لا تزعج الجزائر بعد تزايد المصالح الأمريكية، خاصة في ميدان النفط والغاز، منذ زيارة الرئيس الجزائري الأسبق الشاذلي بن جديد إلى واشنطن عام 1985 ونجاحه في إيصال ممثلي جبهة البوليزاريو إلى وزارة الخارجية الأمريكية.
موقف واشنطن لم يتغير، وقيادتها لعالم ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي جعلها تتمسّـك برؤيتها للنزاع الصحراوي. كان ممثلوها في مجلس الأمن يتشددون أحيانا ضد المغرب، وأحيانا أخرى يطلبون من الجزائر موقفا أكثر ليونة، وكأن الإدارة الأمريكية تسعى لإدامة النزاع لا لتسويته.
انزعاج ومخاوف مغربية
كان صانع القرار المغربي، يُـبدي في كثير من الأحيان انزعاجه من موقف واشنطن دون أن يقطع معها، لكنه منذ 11 سبتمبر، ذهب بعيدا في الاندماج بالرؤية الأمريكية للعالم لعله يقطف موقفا أمريكيا أكثر اقترابا للرؤية المغربية. فجعل واشنطن وجهته السياسية والأمنية، إقليميا ودوليا، وقلّـص من حميمية علاقته مع باريس حليفته التقليدية، وأسرع لتسوية كل ما علِـق من توتّـر في علاقته مع مدريد، وداخليا شن حملة على التيارات الإسلامية التي تصاعدت منذ صيف 2002 ليكون من المساهمين بفاعلية الحرب الأمريكية على الإرهاب، وحرص على اتخاذ موقف هادئ تجاه العدوان الأمريكي على العراق.
لكن هذه الخدمات – في مجال العلاقات الدولية وخاصة مع واشنطن – لا تكون كافية لوحدها لتبنّـي موقف في نزاع إقليمي لصالح حليف على حساب حليف آخر قد يكون أكثر أهمية لما يخدم الأهداف الاستراتيجية الكبرى. فواشنطن دعمت جيمس بيكر وتبنّـت مشروعه الجديد الذي تعلم أن المغرب أبدى تحفظات كثيرة على مضمونه، بل ذهبت أبعد من ذلك، حيث تقدم ممثلها في الأمم المتحدة بالمشروع ودعا أعضاء المجلس لتبنّـيه وإقراره.
أبدى المغاربة انزعاجهم وخِـشيتهم من تطورات الموقف الأمريكي وانعكاسه على مستقبل رؤيتهم لقضية الصحراء الغربية. فالمشروع، إضافة إلى ما يتضمنه من إلزامية الأطراف بقبوله، وتوسيع صلاحيات سلطات الحكم الذاتي، وتقليص صلاحيات الحكم المركزي، فإنه بصيغته الحالية يحمل في طيّـاته تأسيس الدولة الصحراوية المستقلة، وهو ما يعني بالنسبة للمغرب تهديدا للأمن والاستقرار في منطقة تتحكم في الضفة الجنوبية للبحر المتوسط ومضيق جبل طارق.
الموقف الأمريكي لم يتغيّـر بعد إعلان المغرب لموقفه وملاحظاته، ومجلس الأمن يواصل مناقشاته لمشروع سيؤجل إقراره إلى مرحلة أخرى بعد أن يعيد بيكر اتصالاته للبحث في تعديلات ترضي المغرب ولا تزعج الجزائر وجبهة البوليزاريو، وهو ما لن يحدث ما دامت واشنطن لا ترى إلحاحية تسوية النزاع الآن، وما دامت أطراف النزاع لا تملك رؤية مقبولة للتسوية وغير مقتنعة أن تسويته لا تكون إلا بينها دون تدخل خارجي.
محمود معروف – الرباط
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.