صفيح مشتعل على نار “ليلى”…
تسارعت المواجهة بين المغرب واسبانيا حول جزيرة ليلى ونحت بشكل مفاجئ نحو الطابع العسكري بعد اقتحام القوات الاسبانية الجزيرة واعتقال الجنود المغاربة الذين كانوا يرابطون بها.
في الرابعة من فجر يوم الاربعاء، بعيد اداء الجنود المغاربة الستة، المكلفين بواجبات المرابطة في الجزيرة، صلاة الفجر، هبطت طائرات مروحية اسبانية فوق الجزيرة وانزلت عشرات الجنود الاسبان الذين اعتقلوا الجنود المغاربة ونقلوهم الى مدينة سبتة ومن هناك الى نقطة الحدود مع المغرب.
هكذا انتهى فصل من فصول كتاب العلاقات الاسبانية المغربية دون ان تلوح في الافق مؤشرات عن تحويل الازمات التي تملا هذا الكتاب الى تعاون بين بلدين كتبت عليهم الجغرافيا والموقع الاستراتيجي ان يكتبا سويا صفحات في التاريخ، التاريخ المؤرق والتاريخ المشرف!
هناك في قرية بل يونش المغربية على بعد 40 كلم شرق مدينة طنجة، وَقفتُ ظهر الاربعاء مع عشرات الصحفيين، جلّهم من الاسبان، نطل على جزيرة ليلى، او جزيرة بقدونس او حسب التسمية الاسبانية جزيرة برخيل. للوهلة الاولى، حين شاهدت الجزيرة، استحضرت صخرة الروشة على شاطئ العاصمة اللبنانية بيروت، حتى في النفق الذي يعبرها، الذي هو في جزيرة ليلى مشروع نفق لم يكتمل، لكنه حُفر جزء كبير من جانبها الايمن المواجه لقرية بل يونش.
13 هكتارا ونصف، من الصخور الجرداء المكونة لتلة عالية، هي الجزيرة التي تهدد باشتعال مياه البحر المتوسط، على شكل مثلث (500 متر، 600 متر، 700 متر) تبعد عن الشاطئ المغربي ما لا يزيد عن 150 مترا، تقع في خليج طَرفَاه ارض مغربية. كانت جزيرة مجهولة على غرار القرية التي تقع في كنفها، وادخلتها الازمة الاسبانية المغربية المتفاقمة منذ ربيع 2000، في متاهات السياسة الدولية والنزاعات التي قد تصبح مسلحة.
دخلت جزيرة ليلى ميدان السياسة واصبحت اسما متداولا بعد نشر المغرب لجنود عليها، باعتبارها ارض مغربية وليست محل نزاع، ولم يخطر في بال السلطات المحلية في مدينة تطوان انه بنشر الجنود في الجزيرة، تنشر بارودا على العلاقات الاسبانية المغربية المتأرجحة على صفيح مشتعل وان كانت ناره هادئة.
يقول والي تطوان محمد الهرابي ان نشر ستة من رجال الامن المغربي في الجزيرة كان يهدف لتكثيف جهود سلطات ولايته في محاربة ومكافحة التهريب والهجرة السرية، الآفات التي تشكو منها اوروبا، خاصة اسبانيا، معبر التهريب والهجرة من المغرب نحو اوروبا.
قراءات مختلفة للتاريخ
اعتبرت السلطات الاسبانية الاجراء المغربي غزوا وانتهاكا لاتفاق ضمني بأن الجزيرة ارض خلاء لا وجود فيها لاي من قواتهما ولا يرفع عليها علم أي منهما. والمغرب ينفي مثل هذا الاتفاق ويؤكد سيادته التاريخية عليها منذ استقلاله عام 1956، وعدم اعتراض اسبانيا على تواجد دائم لجنود مغاربة في الجزيرة منذ الاستقلال وحتى 1970، حين رأت السلطات المغربية عدم الحاجة اللوجيستيكية لمثل هذا التواجد. ويُذكّر المغرب ان السلطات المركزية الاسبانية اجبرت سلطات بلدية مدينة سبتة 1986 على التراجع عن مخططها لضم الجزيرة للتراب البلدي للمدينة بعد احتجاج رسمي مغربي.
عرف ملف ليلى على مدى الاسبوع الماضي اضافة للتسارع في التداعيات، وغرابة في ردود الفعل، اذ سارعت مدريد الى التلويح بعمل عسكري من خلال حشد قوات في مدينة سبتة البعيدة عن الجزيرة 4 كلم وقامت بتحركات دبلوماسية مكثفة نجحت من خلالها في نيل دعم وتأييد الاتحاد الاوروبي وحلف شمال الاطلسي، فضلا عن حشد الراي العام الاسباني الذي رفع قضية الجزيرة الى قضية وطنية تمس السيادة الاسبانية.
اعتبر المغرب رد فعل مدريد، تهويلا وتضخيما لقضية كان يمكن تسويتها بالحوار والقنوات الدبلوماسية، ودعا الاتحاد الاوروبي الى تفهم الرؤية المغربية للمسألة. وكانت دبلوماسية الهاتف القناة الايسر بين مدريد والرباط وكادت ان تصل الى نتيجة، خاصة وان اقصى ما يطالب به الطرف الاسباني ومن يدعمه، هو جلاء القوات المغربية واعادة الوضع الى ما كان عليه قبل 11 يوليو.
ماذا وراء الرد الاسباني القوي؟
لم تنتظر الحكومة الاسبانية انضاج الاتصالات للتوصل الى اتفاق. وتقول وزارة الخارجية المغربية، ان هذه الاتصالات ادت ليلة الثلاثاء الى اتفاق، اذ بعد ساعات قليلة حركت مدريد قواتها على متن طائرات مروحية وزوارق حربية وانزلتهم فوق الجزيرة، واسرت الجنود المغاربة الستة الذين كانوا مرابطين فيها ونقلتهم الى مدينة سبتة، حيث تركتهم على المعبر بين المدينة المحتلة والاراضي المغربية، ورفعت القوات الاسبانية علمين على اعلى نقطتين في الجزيرة.
وصف المغرب، الذي عقد مجلسا وزاريا استثنائيا برئاسة الملك محمد السادس لاول مرة منذ توليه العرش، الاحتلال الاسباني للجزيرة بإعلان حرب. وفي الوقت نفسه، اكدت الرباط تمسكها بالحوار الجدي والمسؤول لتسوية كل الملفات العالقة بين البلدين، وابلغت مجلس الامن الدولي والجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الاسلامي بتطورات الازمة.
لم تدقّ الحرب طبولها في المغرب، فالطريق الرابط بين مدينة تطوان وقرية بل يونش وهي نفس الطريق التي يعبرها مئات الالاف من العمال المغاربة المهاجرين في اوروبا العائدين الى بلادهم عبر التراب الاسباني، كانت بعد ظهر يوم الاربعاء مزدحمة على عادتها والسائق الذي نقلني الى القرية لم يول أسئلتي عن الجزيرة اهتماما غير عادي.
كان كل شيء على مشارف جزيرة ليلى يشير الى استبعاد حرب قريبة، فلا اثر لوجود عسكري في البحر الى جانب الوجود العسكري البحري الاسباني او في الجبال التي حشدت بمواطنين يحجون الى القرية ليطلوا على جزيرتهم ويرمون بالحجارة الزوارق الحربية الاسبانية التي تجوب بحر الجزيرة، بحر القرية ويرددون هتافات تؤكد على مغربية ليلى ومغربية سبتة ومليلية اللتين تحتلهما اسبانيا منذ خمسة قرون.
ولا شك ان نشر قوات مغربية في جزيرة ليلى قد جعل الاسبان يضعون ايديهم على رؤوسهم خوفا على المدينتين اللتين يؤكد المغرب دائما تمسكه بهما كجزء لا يتجزأ من التراب الوطني.
محمود معروف – قرية بل يونش – شمال المغرب.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.