صمود العرب الأمريكيين .. يتعزز
بعد مرور حوالي أربعة أعوام من استهدافهم في أعقاب هجمات سبتمبر الإرهابية، يواصل العرب الأمريكيون صمودهم بوجه محاولات استهدافهم وإقصائهم.
سويس إنفو حضرت مؤخرا المؤتمر التأسيسي الذي تشكّـل خلاله المجلس التنفيذي للمجلس الوطني للعرب الأمريكيين الذي يسعى ليكون إطارا توحيديا جامعا للجالية العربية الأمريكية.
مساكين هؤلاء العرب الأمريكيون، فلا حكام دولهم العربية يعتبرونهم جسرا يربط بين وطنهم المختار على أرض الغربة، ولا رصيدا سياسيا يمكن التأثير به في أمريكا لصالح القضايا العربية، ولا حكومتهم الأمريكية تقدّر إسهاماتهم السخية في ميادين السياسة والاقتصاد والعلوم والطب، بل والرياضة والفن في الولايات المتحدة.
ولكن العرب الأمريكيين لم يفقدوا صمودهم حتى بعد مرور حوالي أربعة أعوام من استهدافهم في أعقاب هجمات سبتمبر الإرهابية، بل أظهروا خلال الشهر الحالي صحوة قوية، وإن لم تكن مفاجئة، حيث واصلوا صمودهم ضد محاولات استهدافهم وإقصائهم من الحياة السياسية والثقافية على الأرض الأمريكية.
واتخذت الصحوة عدة أشكال رئيسية، كان أبرزها تشكيل المجلس الوطني للعرب الأمريكيين ليكون إطارا توحيديا جامعا للجالية العربية الأمريكية يصون وينشط قواها، ويأخذ بيدها للمساهمة بنشاط ووعي في العملية السياسية الأمريكية على الصعيدين، المحلي والقومي، ويجابه كل جهود الكراهية والعنصرية وكل الإجراءات والقوانين التي تستهدف العرب الأمريكيين ويدافع عن حقوقهم المدنية والسياسية.
سويس إنفو حضرت المؤتمر التأسيسي الذي تشكّـل خلاله المجلس التنفيذي للمنظمة الجديدة، وسألنا الدكتور منذر سليمان، أحد الأعضاء المؤسسين لها عن السبب الذي دفع زعامات عربية أمريكية لإنشاء المجلس الوطني للعرب الأمريكيين، رغم تعدّد منظمات العرب الأمريكيين خلال السنوات الثلاثين الماضية فقال:
“إن دور الجاليات العربية والإسلامية في الولايات المتحدة يكتسب أهمية قصوى في اللحظة السياسية الراهنة، بعد أن تحولت إدارة بوش إلى إستراتيجية هجومية للهيمنة على الوطن العربي، ولم تعد معركة العرب الأمريكيين تقتصر على إسداء النُّـصح والمشورة أو توجيه الانتقاد على استحياء للسياسة الأمريكية المنحازة للمشروع الصهيوني، بل أصبح من الأهمية بمكان أن تنخرط الجالية العربية الأمريكية بشكل بالغ الجدية مع التيارات الأمريكية الداخلية المناهضة للهيمنة، والتي تسعى لمواجهة دولة الحرب تحت ستار الأمن القومي، والتي تنتهك الحريات المدنية في الداخل الأمريكي”
أما الدكتور كمال الطويل، الناشط السياسي وعضو لجنة تأسيس المجلس الوطني للعرب الأمريكيين فأرجع سبب التأسيس إلى أنه، نظرا للتراجع الواضح لدور المنظمات العربية الأمريكية القائمة، وتدنّـي قدراتها على تمثيل مصالح العرب الأمريكيين في أعقاب أحداث سبتمبر عام 2001 بشكل خلق صَـدعا بين مُـعظم تلك المنظمات وأبناء الجالية، تعيّـن البحث عن آلية جديدة تعبّـر بشكل أصدق عن مصالح وطموحات العرب الأمريكيين.
المجلس الوطني للعرب الأمريكيين
من جهته، يرى الدكتور منذر سليمان أنه مع صدور قانون الوطنية رقم 1، والذي استهدف بصورة خاصة أبناء الجالية العربية والإسلامية وصدور قانون مكافحة الإرهاب جمع بين الاثنين هدف مُـصادرة الحقوق المدنية التي كفلها الدستور لجميع الأمريكيين، وبذلك تحولت أمريكا من دولة القانون والدستور إلى دولة للقمع تستهدف بشكل خاص العرب والمسلمين. كما تم تحريض المواطنين الأمريكيين على فتح عيونهم وأذانهم على جيرانهم بالإيحاء لهم بأن العرب والمسلمين في أمريكا خلايا نائمة للإرهاب على الأرض الأمريكية.
وتجري محاولات حثيثة لسن قانون إضافي يُـعرف باسم قانون الوطنية الثاني، فإذا وافق الكونغرس على صدوره فلن يبق أي ضمان دستوري للمواطنين الأمريكيين، خاصة للعرب والمسلمين، لذلك، يقول الدكتور منذر سليمان “إن الحاجة دعت إلى الخروج من مرحلة طغت فيها مشاعر الخوف والرهبة وعدم الطمأنينة بين أفراد ومنظمات العرب والمسلمين الأمريكيين، بحيث باشرت مُـعظم قياداتها تقديم مراسم الطاعة والولاء للإدارة، اعتقادا منهم بأن الانحِـناء أمام العاصفة سيؤدّي إلى حماية الجالية، ويجنب العرب الأمريكيين الاعتقالات العشوائية، ويخفّـف من غلواء الكراهية والعداء والتمييز ضدهم”.
وخلص الدكتور منذر سليمان، أحد الأعضاء المؤسسين للمجلس الوطني للعرب الأمريكيين إلى أن المجلس الذي أعلِـن عن تأسيسه في 15 مايو الجاري، يستهدف تجاوز الارتباك والشلل الذي أصاب الكثير من المنظمات العربية الأمريكية وتعميق الوعي بحقيقة أن تفعيل الحضور السياسي والإعلامي المنظم للجالية العربية والإسلامية لا يمكن أن يتم إلا عبر الانخراط الجدي في مختلف جوانب الحياة الأمريكية وتعزيز التحالفات مع الأقليات الأخرى، وتطوير سُـبل التنسيق مع المنظمات الأمريكية المناهضة لمشروع دولة الحرب والمغامرات العسكرية.
إلا انه نفى أن يكون مؤسسو المجلس الوطني للعرب الأمريكيين يهدفون إلى منافسة المنظمات القائمة، وقال “إن المجلس يستهدف تحفيزها على العمل معا وصولا إلى رؤية مستقبلية لمنظمة تجمع كل نشاطات العرب الأمريكيين وتنسق بينها”.
على صعيد آخر، يعتزم المجلس الوطني للعرب الأمريكيين القيام بتنفيذ عدة مقترحات عملية من بينها: إقامة مركز عربي للدراسات الأمريكية، ومركز إعلامي عربي أمريكي يرافقه موقع مماثل على شبكة الإنترنت تصب فيه الكفاءات الإعلامية العربية الأمريكية، وكذلك إنشاء مركز عربي أمريكي للدفاع القانوني عن العرب، وتأسيس السجل التاريخي للتراث الجمعي لأبناء الجالية العربية الأمريكية.
كما شرع المجلس في تشكيل لجنة للدفاع عن الحريات الأكاديمية للعرب الأمريكيين بالنظر إلى الانتهاكات التي تعرّضت لها تلك الحريات من جرّاء ملاحقة لجنة صهيونية لكل ما يكتبه الأكاديميون، خاصة في الجامعات الأمريكية، إذا تطرقوا لانتقاد العدوان الإسرائيلي على الحقوق والممتلكات العربية، وهناك مشروع آخر للمجلس الوطني للعرب الأمريكيين لمراجعة الكتب المدرسية الأمريكية، وضمان رفع أي مضامين عنصرية معادية للعرب في برامج التعليم الأمريكي.
المتحف القومي للعرب الأمريكيين
وجه آخر للصّـحوة التي شهدها شهر مايو في أوساط العرب الأمريكيين كان افتتاح أول متحف قومي للعرب الأمريكيين في الولايات المتحدة، التي تضم فوق أراضيها حوالي خمسة عشر ألف متحف مُـنوّع.
حضرت سويس إنفو افتتاح المتحف في مدينة ديربورن بولاية ميشيغان، حيث قص السيد عمرو موسى، الأمين العام للجامعة العربية الشريط بحضور عدد من أعضاء الكونغرس وكبار مسؤولي الإدارة المحلية في الولاية وعدد من سفراء الدول العربية، فيما احتشد الآلاف من العرب الأمريكيين خارج المتحف تعبيرا عن فخرهم بلحظة تاريخية طال انتظارهم لها.
وصرح السيد عمرو موسى لسويس إنفو بأن لافتتاح المتحف أهمية كبرى في إزالة كثير من الجهل عن حقيقة إسهام العرب الأمريكيين في المجتمع الأمريكي، وتقدم الولايات المتحدة في كثير من المجالات من الفضاء والعلوم والطب والفن والرياضة والأدب وغيرها. وقال الأمين العام لجامعة الدول العربية: “إن أي زائر للمتحف سيُـدرك أن العرب والمسلمين قدّموا للحضارة الإنسانية الكثير، وأنه يجب ألا يتمّ تشويه صورة العرب والمسلمين لمجرد تورّط حفنة قليلة في أعمال إرهابية”.
أما فريد عبود، السفير اللبناني في واشنطن فيرى أن المتحف جاء في وقته تماما، لأن الصور السلبية التي باتت تُـرافق العرب في الإعلام الأمريكي وفي المواقف الأمريكية النابعة من الانحياز ومن الجهل أيضا، تحتاج إلى ردّ يدحضها بالمعلومات الموثقة التي تثبت أن العرب جاءوا إلى أمريكا وأصبحوا جزءا لا يتجزأ من نسيج المجتمع الأمريكي، وأسهموا على مدى عشرات السنين بشكل إيجابي وفي كافة المجالات ولا يستحقون الاستهداف الحالي، وخاصة منذ أحداث سبتمبر.
من جانبها، تشير الدكتورة عنان العامري، مديرة المتحف القومي للعرب الأمريكيين إلى أن المتحف الذي زادت تكاليف إنشائه على 15 مليون دولار، يضم في الطابق الأول بانوراما من المعروضات التي تُـعرِّف الأمريكيين على تاريخ عريق للعرب والمسلمين في انتشال الغرب من عصور الظلام، بما قدمته الأمة الإسلامية والوطن العربي من مساهمات في الرياضيات والفلك والطب والصيدلة والبصريات والكيمياء والجبر وصناعة الورق والفنون المعمارية وغيرها، وما أن يصعد الزائر إلى الطابق الثاني حتى يتعرّف في الجناح الأول، الذي يحمل عنوان “القدوم إلى أمريكا”، على تاريخ المهاجرين العرب الأوائل إلى أمريكا ومن أين جاءوا.
وفي الجناح الثاني، بعنوان “الحياة في أمريكا”، يتعرف الزائر الأمريكي على تفاصيل حياة العرب في أمريكا وملامح الثقافة العربية، وكيف أن أكثر من نصف الجالية العربية الأمريكية هم من المسيحيين بحُـكم موجات الهجرة الأولى، كما يتعرف على الأكلات الشهيرة في المطبخ العربي والشيشة والطاولة، ومن خلال فيلم تسجيلي يمكنه تعلم رقصة الدبكة.
أما الجناح الثالث، الذي وضع تحت عنوان “تأثير العرب في أمريكا” فيتيح للزائر إدراك أن للعرب الأمريكيين إسهامات عديدة في السياسة كأعضاء مجلس الشيوخ، جيمس أبو رزق، وجورج ميتشل، ومرشح الرئاسة رالف نادر، والوزراء دونا شلالا، وسبنسر إبراهام، والتعرف على ما للعرب الأمريكيين من إسهام في الأدب بأعمال جبران خليل جبران، والفضاء من خلال فاروق الباز، والصحافة من خلال عميدة المراسلين في البيت الأبيض هيلين توماس.
كما تضم قائمة المشاهير من العرب الأمريكيين في المتحف العالم أحمد زويل، الحائز على جائزة نوبل في الفيزياء، وفنانين لمعوا في هوليوود من أمثال توني شلهوب، وكاثي نجمي، وكيسي قاسم، ومصطفى العقاد، مخرج فيلم الرسالة، بالإضافة إلى نجوم الرياضة مثل، دوج فلوتي لاعب كرة القدم الأمريكية.
استهداف المواطنين العرب
ولم يخل المتحف القومي للعرب الأمريكيين من قسم لإبراز استهداف العرب الأمريكيين في أعقاب هجمات سبتمبر الإرهابية، حيث تمّ تكبير الخطاب الرسمي الذي وجّـهه مكتب المباحث الفدرالية الأمريكية إلى خمسة آلاف طالب عربي لاستجوابهم، على أساس أنهم قدِموا من دول يُـمكن أن يكون لتنظيم القاعدة وجود بها أو مدرجة على القائمة الأمريكية للدول التي ترعى الإرهاب.
كما يشرح قسم آخر في المتحف الصور السلبية النمطية عن العرب، كبشر يجرون وراء المتع والمال بسبب ثرائهم البترولي قبل أحداث سبتمبر، وتحول الصور السلبية بعدها إلى دمغ العرب والمسلمين بالإرهاب.
وتأمَـل مديرة المتحف أن يقدم المتحف لشباب العرب الأمريكيين أسلحة من المعلومات يمكنهم استخدامها في الرد على كل تلك الحملات التي تستهدف كل ما هو عربي ومسلم، وتأمل أيضا في أن يسهم المتحف في تعريف الأمريكيين بحقيقة العرب والمسلمين، بعيدا عن تلك الصور المغلوطة التي يُـروِّج لها أعداؤهم، وتعج بها وسائل الإعلام الأمريكية وأفلام هوليوود.
وعن تقييم وضع الجالية العربية الأمريكية بعد هجمات سبتمبر، قالت الدكتورة إيلين هاجوبيان، أستاذة الاجتماع السياسي بجامعة بوسطن: “إنهم صامدون، رغم شراسة الاستهداف، حيث تجمع كل الذئاب للنّـيل منهم. فمن ناحية، هناك اللوبي الإسرائيلي والمؤسسات التي يعمل من خلالها على الترويج لحملات مناوئة لكل ما هو عربي ومسلم في أمريكا، وبدعم من المسيحيين الصهاينة الذين يضعون نصب أعينهم شيطنة العرب والمسلمين للترويج لتحقيق مزاعمهم التوراتية في أرض الميعاد”.
وأضافت الدكتورة هاكوبيان: “وجاءت أحداث سبتمبر لتُـعيد تجربة استهداف اليابانيين الأمريكيين بعد هجوم بيرل هاربور، ولكن هذه المرة مع العرب والمسلمين في أمريكا، وبوصول اليمين المحافظ الجديد إلى مواقع أمكنهم منها تمرير سياسات أمريكية تستهدف الهيمنة على العرب والمسلمين، انعكست بدورها في استهداف المواطنين العرب والمسلمين في الولايات المتحدة”.
محمد ماضي – واشنطن
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.