سويسرا تحطّم الأرقام القياسيّة: من أكثر السّكك الحديدية انحدارًا إلى أكبر كوخ ثلجيّ

يبلغ ميلان النقطة الأشدّ انحدارًا على مسار سكة الحديد المعلقة، في قرية شتوز، 110 %، أي نحو 47 درجة. KEYSTONE/© KEYSTONE / URS FLUEELER

حقَّق قطار سويسري أواخر مارس الماضي، رقمًا قياسيًا عالميًّا جديدًا، عندما قطع قرابة 3000 كيلومتر، دون الحاجة إلى إعادة التزوّد بالوقود. وليس ذلك بالأمر الغريب على سويسرا، فهي موطن لكثير من الأرقام القياسية التكنولوجية الأخرى. فيما يلي بعض من أكثرها إثارةً للإعجاب والدّهشة.

يرتبط الكثير من الأرقام القياسية العالمية في سويسرا بتضاريسها، وتحديدًا الجبال منها. فقد انبرت القدرات الهندسية السويسرية لتذليل مصاعب هذه الطبيعة العنيدة، سواءً بشقّ الطرق عبر التواءاتها أو على مرتفعاتها الشاهقة. وفي عام 2017، افتُتحت في قرية شتوس (Stoos)، وسط سويسرا، السكة الحديدية الأشدُّ انحدارًا في العالم، إذ يبلغ أقصى انحدار لها 110 %، أي بزاوية ميلان تقارب 47 درجة. والعجيب أن العربات، ذات الشكل البرميلي، تدور لكي يبقى سطح مقاعدها مستويًا.

وعلى بُعد 25 كيلومترًا فقط، على الشاطئ المقابل لبحيرة لوتسيرن ذات الجمال البديع، يقع جبل شتانزارهورن (Stanserhorn)، موطن تلفريك كابريو (CabriO)رابط خارجي، وهو أول تلفريك في العالم تتألف مقصوراته من طابقين وسطح مكشوف… إنّ ركوبَه مغامرة تحبس الأنفاس!

مقصورة كابريو ذات الطابقين والسطح المكشوف تتجه نحو جبل شتانزارهورن، المُطلِّ على بحيرة لوتسيرن. KEYSTONE KEYSTONE

أمّا في زيرمات (Zermatt)، المنتجع السياحي الجبلي بغرب سويسرا، فيوجد نظام التلفريك ثلاثي الأسلاك الأعلى في العالم. وهنا ينبغي الحذر على كل من ي.ترهب المرتفعات. حيث يربط هذا النظام بين قمة جبل تروكينر شتيج (Trockener Steg)، على ارتفاع 2939 مترًا، وقمة جبل كلاين ماترهورن (Klein Matterhorn)، على ارتفاع 3883 مترًا. وخلال الرحلة التي تستغرق تسع دقائق، تتدلّى مقصورات الركّاب المعلقة بأسلاك على ارتفاع يناهز 198 مترًا. فيما يتضمن النظام أربع مقصورات، جميعها بأرضيات شفافة، يُمكن للعين الاستمتاع من خلالها بالمناظر الخلابة في الأسفل.

وتضمّ زيرمات أيضًا أكبر كوخ ذي قبة مصنوع من الثلجرابط خارجي، وذلك بقطر داخلي يبلغ 12،9 مترا وارتفاع 10،6 أمتار. وقد تطلّب بناء الكوخ الجليدي عام 2016، ثلاثة أسابيع كاملة، و18 عامل بناء. حيث تمّ إنشاؤه حينها في إطار إحياء الذكرى السنوية العشرين لفندق إيغلو دورفرابط خارجي (قرية الأكواخ الجليدية). وكنتُ قد قضيت ليلة في الفندق المذكور، قبل بضع سنوات (عندما علِقتُ في زيرمات، ولم أستطع مغادرتها على إثر انهيار أرضي، ولكن تلك قصّة أخرى). كان إيغلو دورف مذهلًا للغاية، حيث تنتشر في جميع أركانه منحوتات جليدية جميلة، ولكن الغرفة كانت باردة جدًا. ومع ذلك، فقد كانت الإقامة في الفندق تجربة لن أنساها ما حييت!

وفي كانتون فاليه أيضًا، يقع معلم مهيب آخر، هو سدُّ غراند ديكسانسرابط خارجي، الذي يبلغ ارتفاعه 285 مترًا. وهو أعلى سدّ ثقليرابط خارجي (Gravity dam)* في العالم،وسابع أعلى سدٍّ في العالمرابط خارجي، والأعلى في أوروبا، على اختلاف أنواع السدود.

أمّا في كانتون تيتشينو، فيقع سدُّ فيرزاسكا، (المعروف رسميًّا باسم سدّ كونترا)، والذي دخل موسوعة غينيس للأرقام القياسيةرابط خارجي كونه “أعلى هيكل لممارسة هواية القفز بالحبل المطاطي ظهر في فيلم”. ففي بداية فيلم “العين الذهبية” (GoldenEye)، 1995، تُعرض لقطة تحبس الأنفاس عندما يقفز جيمس بوند، أو بالأحرى الممثل البديل واين مايكلز، من هيكل السدِّ البالغ ارتفاعه 220 مترًا.

وعندما يتعلّق الأمر بشقِّ الطرق المباشرة عبر الجبال، فقد سبقت سويسرا غيرها بأشواط. ففيها النفق الأساسي للغوتهارد (Gotthard Base Tunnel)، وهو أطول نفق حديدي في العالم. وقد استغرق تشييد هذا النفق 17 عامًا، وافتُتح رسميًّا في عام 2016. وهو يتكوّن من نفقين، واحد لقطارات البضائع والآخر لنقل الركّاب والراكبات، وكلاهما بخطٍ واحد وبطول 57،1 كيلومترًا. ويربط النفقان بين قرية إيرستفيلد في كانتون أوري وقرية بوديو في كانتون تيتشينو. ويمثّل النفق الأساسي للغوتهارد أيضًا أعمق نفق حديدي في العالم، إذ يبلغ أقصى عمق له 2450 مترًا، وهو عمق يقارب أعمق المناجم على وجه الأرض. ويخلو هذا النفق من نظام للتهوية، حيث تصل درجة الحرارة داخله إلى 46 درجة مئوية.

ومن الأنفاق السويسرية الأخرى التي حطَّمت الأرقام القياسية، نفق مصادم الهادرونات الكبير (LHC)، الشهير في المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية “سيرن”، قرب جنيف. وقد سجَّل المصادم، وهو نفق حلقي بقطر 27 كيلومترًا، الكثير من الأرقام القياسية في مجال الفيزياء. حيث إنه أقوى مسرِّع جسيمات في العالم، وصاحب أعلى درجة حرارة ناتجة عن الأنشطة البشرية في العالمرابط خارجي. وفي عام 2012، أعلن الفريق العلمي في المصادم عن تسجيل درجات حرارة تزيد عن خمسة تريليونات كلفن، وربما تصل إلى 5،5 تريليونات كلفن.

ويُتوقَّع أن يتفوَّق مصادم آخر على مصادم الهادرونات الكبير، وهو المصادم الدائري المستقبلي. إذ تُخطط الدول الأعضاء في سيرن إلى إنشاء نفق دائري بطول 90 كيلومترًا. وسيصدر القرار النهائي بشأن المشروع بعد عام 2028.

ومن أحدث الأرقام القياسية العالمية التي سُجِّلت بمشاركة سويسرية، هو الرقم القياسي الذي أُعلن عنه في 20 مارس من العام الجاري، حيث قطع قطار يعمل بخلايا وقود الهيدروجين، من صُنع شركة ستادلر السويسرية، مسافة 2803 كيلومترا دون الحاجة للتزوّد بالوقود أو إعادة الشحن. وجرت الرحلة القياسية، التي استغرقت 46 ساعة، في مركز اختبار في ولاية كولورادو الأمريكية. وتُعدُّ هذه هي المرة الثانية التي تدخل فيها شركة ستادلر موسوعة غينيس للأرقام القياسية. ففي عام 2021، سجَّل قطار يعمل بالبطارية الرقم القياسي لأطول رحلة دون إعادة الشحن، عندما قطع مسافة 224 كيلومترًا بشحنة واحدة.

ولا تكتمل قائمة الأرقام القياسية السويسرية هذه دون ذكر إنجاز الطلبة الذي تحقق العام الماضي. وكانت النتيجة تسريع حركة سيارة كهربائية من 0 إلى 100 كيلومتر في الساعة في غضون 0.956 ثانية، وهو رقم قياسي عالمي في تسريع سيارات السباق المصنوعة يدويًّا.

والظاهر أن الهيدروجين هو العنصر المفضل لدى النخبة الرائدة. فها هو المغامر السويسري بيرتران بيكار، الذي أكمل عام 2016 برفقة مساعده أندريه بورشبيرغ أول رحلة حول العالم بطائرة تعمل بالطاقة شمسية، يُعلن عن خطة للدوران حول العالم مرة أخرى في 2028. ويأمل بيكار هذه المرة أن يُكمل الرحلة في تسعة أيام فقط على متن طائرة تعمل بالهيدروجين. وكان المغامر السويسري قد سجَّل بالفعل رقمًا قياسيًّا عالميًّا، عندما قطع مع برايان جونز “أطول مسافة على متن منطادرابط خارجي” (40814 كيلومترًا).

وينحدر بيكار من عائلة تشتهر بتحطيم الارقام القياسية، حيث وصل أسلافه إلى أعماق وارتفاعات لم تطأها أقدام بشر.

ففي عام 1931، صعد جدُّه أوغست بيكار، مصدر إلهام رسام الكاريكاتير البلجيكي هيرجيه عندما ابتكر شخصية البروفيسور كالكولس، برفقة بول كيبفير إلى ارتفاع 15،7 كيلومترا على متن منطاد هيدروجين، ليصبحا السبَّاقيْن في دخول طبقة الستراتوسفير ومشاهدة تقوُّس سطح الأرض. وبعد ثلاث سنوات، صعد التوأم جان، شقيق أوغست، وزوجته جينيت، على متن منطاد هيدروجين إلى ارتفاع 18 كيلومترًا تقريبًا، وأصبحت جينيت أول امرأة تدخل طبقة الستراتوسفير.

أما إبن أوغست (ووالد بيرتران بيكار)، جاك، فأصبح عالم محيطات ومهندسًا، وكان من أوائل من سبروا وسبرن أعماق المحيط المجهولة. ففي عام 1960، وصل جاك برفقة دون والش، الغواص في البحرية الأمريكية، إلى عمق حوالي 10916 مترًا على متن الغواصة تريست 2 (Trieste II)، ليسجّلا الرقم القياسي في الغوص إلى أعمق نقطة داخل غواصة مأهولة. وقد ظلَّ إنجازهما رقمًا قياسيًا دون منازع حتى عام 2019.

وفي حال نجحت خطة بيرتران بيكار بالسفر على متن طائرة تعمل بوقود الهيدروجين، فلربما يحتفل هو وفريقه بفتح أكبر زجاجة نبيذ في العالمرابط خارجي، وهي زجاجة بارتفاع 4،17 مترًا صُنعت في عام 2014، بطلب مستورد سيارات سويسري للاحتفال بافتتاح فرع جديد لشركته. ومع أنَّ الزجاجة تستوعب نظريًا 3094 لترًا (4125 زجاجة نبيذ قياسية)، فإنه ليس من الواضح بعد، إن كانت تحتوي على النبيذ حقًّا.

Well, it's 5pm somewhere…

The largest bottle of wine is 4.17 metres (13 ft 8.17 in) tall and can hold an eye-watering 3,094 litres of wine! 🍷

It was unveiled by André Vogel #OTDرابط خارجي in 2014. pic.twitter.com/LIqszqsqWkرابط خارجي

— Guinness World Records (@GWR) October 20, 2022رابط خارجي

* السد الثقلي، هو السد المشيّد من الخرسانة أو الحجر، والمصمم لاحتواء الماء باستخدام وزن المادة ومقاومتها ضد الأساس لمقاومة الضغط الأفقي للمياه التي تدفع ضدها. يتم تصميم السدود الثقلية بحيث يكون كل جزء من أجزائها مستقرًا ومستقلًا عن أي جزء آخر.

ترجمة: ريم حسونة

مراجعة: عبد الحفيظ العبدلي/أم