“صندوق واحد للتأمين الصحي”.. بين الرفض والقبول
قبل أسبوع من التئام مجلس النواب في دورة خاصة سيناقش خلالها المبادرة الشعبية الداعية إلى إنشاء صندوق تأمين صحي واحد، تفجر الجدل بين أنصار ومعارضي المقترح.
فبينما يدين اليسار المنافسة بين عشرات شركات التأمين الصحي في سويسرا ويطالب بتأمين اجتماعي حقيقي، تقول تلك الشركات إن صندوقا موحدا سيؤدي إلى إضعاف جودة الخدمات وتقليص تنوع العروض.
شهدت بداية الأسبوع الجاري في برن عودة الجدل بين مؤيدي ومعارضي المُبادرة الشعبية “من أجل صندوق تأمين صحي موحد واجتماعي” التي يـُفترض أن يصوت عليها الناخبون السويسريون العام القادم، والتي سيناقشها مجلس النواب في دورة خاصة ستتناول جملة من القضايا من 8 إلى 11 مايو الجاري.
وكان اتحاد شركات التأمين الصحي السويسرية (santésuisse) السبـَّاق إلى عرض مُبرراته في مؤتمر صحفي عقده يوم 1 مايو في العاصمة الفدرالية، إذ قدّم دراسة بعنوان “صندوق واحد – نقاش خاطئ”.
وأكدت الدارسة التي أعدها الخبير في الشؤون الاقتصادية المرتبطة بالمجال الصحي ويلي أوغيير أن “صندوق تأمين واحد سيـُضعف نقاط قوة نظام الصحة الحالي وسيزيد من نقاط ضعفه”.
وأمام الصحفيين، استهل الخبير الاقتصادي تحليله بالنقاشات السياسية حول إصلاح أنظمة الصحة في الدول المجاورة لسويسرا مثل ألمانيا وفرنسا وإيطاليا والنمسا، ثم قارنها بالجدل الدائر في الكنفدرالية. واستنتج أن الدول المحاذية للكنفدرالية تميل شيئا فشيئا إلى الابتعاد عن فكرة صندوق التأمين الصحي الواحد. ثم تناول في مرحلة ثانية الانعكاسات التي قد تترتب عن اعتماد صندوق تأمين صحي واحد فيما يتعلق بالتأمين الأساسي الإلزامي.
واعتمادا على دراسة الخبير أوغيير، نوه اتحاد شركات التأمين الصحي السويسرية إلى أن نجاح المبادرة الشعبية لن يحل مشكلة غلاء هذا القطاع في الكنفدرالية، بل قد يؤدي إلى ارتفاع سريع جدا للأسعار، بما أن شركة واحدة ستحتكر السوق ولن تكون لديها أية مصلحة في خفض الأسعار. وبناء على ذلك، يتوقع الاتحاد أن تتراجع جودة الخدمات ووفرة العروض في هذا المجال.
“حل لا يهاجم الضرر من الجذور”
وذكر الخبير الاقتصادي أن النظام الصحي الحالي يضمن للمؤَمّن حرية اختيار شركة التأمين الإلزامي وبالتالي قدرة التعاقد مع أقلها تكلفة، وهو “امتياز” قد يفـقده في حال اعتماد صندوق تأمين صحي واحد. كما أعرب عن اعتقاده أن الحل المُقترح قد لا يُبـْقِي أي تحمس لدى الساهرين على قطاع التأمين الصحي لابتكار خدمات وعروض جديدة.
أما النفقات التي تـُخصصها شركات التأمين للإعلانات، والتي تتعرض مرارا للانتقاد من طرف أنصار الصندوق الوحيد، فوصفتها دراسة أوغيير بـ”الزهيدة”، موضحة أنها تعكس منافسة حقيقية بين شركات التأمين.
وأكد الخبير الاقتصادي أنه على قناعة بوجود حلول أكثر فعالية لخفض النفقات الصحية، وذلك عبر اتخاذ إجراءات لتقليص تكاليف المستشفيات والأدوية.
من جهته، قال مدير اتحاد شركات التأمين الصحي السويسرية مارك أندري غيغر إن مشروع الصندوق الواحد يحارب الأعراض فقط بدل أن “يهاجم الضرر من جذوره”.
“مُنافسة عبثـية”
وغداة استعراض مبررات اتحاد شركات التأمين الصحي، قام الحزب الاشتراكي بـ”هجوم مُضاد” للدفاع عن مبادرة الصندوق الوحيد، إذ أكد في مؤتمر صحفي يوم الثلاثاء 2 مايو في برن أن “التأمين الصحي يجب أن يكون تأمينا اجتماعيا حقيقيا وليس ساحة معارك يخوض فيها أكثر من تسعين صندوقا منافسة عبثية”.
ونوه رئيس الحزب هانس – يورغ فير أمام الصحفيين إلى أن الاستنتاج الوحيد والواضح بعد مضي عشرة أعوام على اعتماد قانون التأمين الصحي الإلزامي (LAMal) هو الآتي: المنافسة “المزعومة” بين شركات التأمين الصحي لم تحُل دون انفجار تكاليف الصحة والأقساط التي يدفعها المؤَمَّنون، بل بالعكس، أدت إلى موجة غلاء مُتزايدة وإلى ما وصفه بـ”اقتناص الأخطار الجيدة” بأساليب “تشارف حدود الشرعية” (في إشارة إلى استقطاب المؤَمَّنين من الشباب الذين يتمتعون بصحة جيدة وبالتالي لا يُكلفون شركات التأمين كثيرا).
ويعتقد الحزب الاشتراكي أن اعتماد الصندوق الوحيد سيضع حدا لـهذا “الزيغ” ولتلك “المنافسة المُفتعلة” بين صناديق التأمين الصحي التي تتجنب تبني أقساط التأمين المُنخفضة التي قد تجلب لها “سيلا من المُؤّمنين الجدد غير المرغوب فيهم”، على حد تعبير الحزب اليساري.
ويرى الاشتراكيون أن إنشاء صندوق تأمين صحي واحد وشفاف سيتيح مراقبة الخدمات الصحية بفعالية أكبر، وسيخفف الأعباء الإدارية بشكل ملموس. ويتوقع الحزب أن يسمح الصندوق الوحيد بتقليص النفقات الإدارية بـ3%، أي أكثر من نصف مليار فرنك سنويا.
“الأقساط الصحية تـُؤلم”
وقد ذكرت النائبة الاشتراكية جاكلين فير، بأن القانون الفدرالي حول التأمين الصحي الإلزامي كان بالفعل بمثابة تقدم كبير، مشيرة في المقابل إلى أنه يعاني من “نقاط ضعف واضحة” من بينها اثنتان رئيسيتان، وهما: هيكلة صناديق التأمين الصحي التي تمزج التأمين الإجباري والتأمين التكميلي، وتمويل المؤَمّنين لأقساط التأمين بشكل فردي (وليس أسري مثلا)، مما دفع النائبة فير إلى القول “إن تكاليف الأقساط تؤلم”.
وأضافت النائبة أن أداء تلك الأقساط والمشاركة العالية للمُؤَمَّنين في التكاليف الصحية (أي خلوص التأمين ونسبة مُشاركتهم في أداء حصص معينة من إجمالي كل فاتورة صحية) يحوِّلان التأمين الصحي السويسري إلى نظام يتعارض مع المبادئ الاجتماعية.
وفي محاولة لتجسيد ذلك “التعارض”، أعطى رئيس الحزب الاشتراكي هانس – يورغ فير مثال بائعة في متجر ممتاز تتمتع بصحة جيدة. وقال إنها تدعم من خلال دفعها لأقساط التأمين الصحي الإجباري مُديرا رفيع المستوى يعاني من داء السكري ويكسب 28 مليون فرنك سنويا.
ويعكس هذا المثال وضع النظام الصحي القائم في سويسرا الذي يتيح للشركات تحديد سعر الأقساط دون الأخذ بعين الاعتبار دخل الفرد. فالبائعة التي تتقاضى ربما 40 ألف فرنك في العام والمدير المصاب بالسكري الذي يكسب 28 مليون فرنك قد يدفعان نفس الأقساط لشركة التأمين الصحي، لكن المليونير المريض يظل عمليا المُستفيد من هذا النظام الصحي.
نموذج التأمين على التقاعد قد يكون الحل..
ولمعالجة هذا الوضع، يدعو الحزب الاشتراكي إلى استلهام الأفكار من نموذج صندوق التأمين على الشيخوخة والتقاعد (المعروف بـAVS) الذي تُقتطعُ أقساطه مباشرة من الراتب مع الأخذ بعين الاعتبار دخل كل فرد.
ويقترح الاشتراكيون أن تواصل الكانتونات تحديد الأقساط لكن مع الأخذ في الاعتبار دخل وثروة المُؤَمَّنين كما تدعو إلى ذلك المبادرة الشعبية التي كان قد أطلقتها “حركة الأسر الشعبية” بدعم أحزاب اليسار والخضر وأوساط الدفاع عن المُستهلكين. وهو اقتراح سيسمح بوضع حد للنظام الأقساط الحالي “غير الاجتماعي”، وبالتالي تخفيف العبء عن الأسر والطبقة المُتوسطة.
ويقترح الحزب الاشتراكي أن يُُجبر دافعو الضرائب فقط على أداء أقساط التأمين الصحي، أي استثناء الأطفال والأحداث الذين يواصلون تكوينهم.
كما يدعو الحزب إلى نقل المساهمات الحالية للكنفدرالية والكانتونات في تمويل أقساط ذوي الدخل الضعيف إلى الصندوق الواحد المُقترح.
رفض سياسي مُتوقع لكن الكلمة تظل للشعب
لكن لا يُتوقع أن تغير مُبررات الحزب الاشتراكي موقف مجلس النواب الذي سيناقش المسألة خلال اليوم الأول من جلسته الخاصة التي ستتواصل من 8 إلى 11 مايو الجاري، إذ يُنتظر أن يرفض النواب المبادرة دون تقديم مشروع مُضاد.
ويذكر أن الحكومة الفدرالية واللجنة التحضيرية للمجلس رفضتا بعد نص المبادرة الذي يدعو إلى إقامة صندوق وطني واحد للتأمين الصحي بدون هدف ربحي. كما يقترح إدارة الصندوق بشكل ثلاثي، من طرف ممثلين عن مزودي الخدمات العلاجية وعن الدول وعن منظمات المُؤَمَّنين.
لكن السياسيين الرافضين للمبادرة لن يستطيعوا دفنها لأنها ستعرض في استفتاء شعبي على الناخبين الذين سيتوجهون إلى صناديق الاقتراع – ربما العام القادم- لحسم مسألة الصندوق الصحي الواحد.
سويس انفو – إصلاح بخات مع الوكالات
تم إيداع المبادرة الشعبية “من أجل صندوق تأمين صحي واحد واجتماعي” في المستشارية الفدرالية في العاصمة برن يوم 9 ديسمبر 2004 بعدما تمكن أصحابها من تجميع 111154 توقيعا.
يتوقع أن يصوت عليها الناخبون السويسريون العام القادم. وتوصي الحكومة الفدرالية الناخبين برفضها.
سيناقش مجلس النواب في في دورته الخاصة (8 إلى 11 مايو الجاري) المبادرة ضمن جملة من الملفات. وعلى غرار لجنته التحضيرية، يتوقع أن يرفض مجلس النواب مقترح صندوق التأمين الواحد.
في سويسرا، يتكفل بإدارة التأمين الصحي أكثر من 90 شركة تعرض خدمات كثيرة ومتنوعة.
يسعى استفتاء شعبي تدعمه أحزاب اليسار إلى اعتماد صندوق واحد للتأمين الصحي الأساسي، الإلزامي بالنسبة لكل مواطن، وتحديد قيمة المساهمات في الصندوق وفقا لدخل المواطن.
تقترح المبادرة أن يتولى إدارة الصندوق من قبل ممثلين عن السلطات العمومية، ومزودي الخدمات، ومنظمات الدفاع عن المُُؤَمَّنين.
تعارض شركات التأمين بشدة النظام المُقترح الذي لن يستطيع، من وجهة نظرها، خفض التكاليف.
في عام 2005، ارتفعت تكاليف الصحة في سويسرا بنسبة 5,4%. ويدفع كل مؤَمن معدل 228 فرنك شهريا لشركة تأمينه الصحي.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.