صنعاء والرياض: تسوية مشروطة جزئية
وضعت زيارة الرئيس اليمني إلى الرياض حدا للخلافات التي نشبت بين البلدين الجارين على خلفية بناء "جدار" أو "ساتر" عازل على الحدود.
ورغم الارتياح الذي أبداه المسؤولون من الجانبين، إلا أن بعض المراقبين يرون أن احتواء الأزمة لم يحل المشكلة فعلاً.
في الوقت الذي عبر فيه المسؤولون من كلا البلدين عن ارتياحهم لتسوية الخلاف حول “الجدار” العازل وديا، وعلى الرغم من بوادر الانفراج بين الدولتين، إلا أن المراقبين والمحللين يرون أن احتواء هذه المشكلة تحيط به الكثير من التساؤلات وعلامات الاستفهام.
يستند هذا الرأي إلى قناعة بأن نزع فتيل الأزمة جاء مشروطا. كما أن الطابع العام للعلاقات بين صنعاء والرياض يتسم بدرجة كبيرة من التشابك والتداخل، وهو مايتطلب مقاربة شمولية وفاعلة قادرة على تمتين أواصر العلاقة بين الجارتين، والانتقال بها إلى مرحلة الشراكة والتعاون، وليس تسوية جزئية.
القطيعة انتهت.. ولكن!
ويرى المراقبون أن العلاقة بين البلدين كثيرا ما يعترضها مأزق من حين لآخر، إلا أنها تنتهي بإعلان التوافق المعبر عن الرضا بمتانة تلك العلاقة، وفقا لما جرت عليه العادة عند التقاء مسئولي البلدين.
لكن مع ذلك كثيرا ما تنشأ مستجدات تعكر صفو العلاقة بينهما، و خير مثال على ذلك حسب هؤلاء المتابعين والمحللين أنه عندما أعلن عن توقيع اتفاقية جدة الخاصة بحل مشكلة الحدود بينهما عام 2000، أعتبر المسؤولون من كلا البلدين أن الاتفاقية ستطوي صفحة من الخلافات استمرت أكثر من ستة عقود، وأن التعاون بين الدولتين سيشهد دفعة قوية.
بيد أن الذي حصل هو أنه على الرغم من أن توقيع المعاهدة قد وضع حدا للقطيعة التي استمرت منذ حرب الخليج الثانية عام 1991، إلا أن العلاقات لم تعد إلى سابق عهدها كما كان يؤمل.
بين مدٍ وجزر!
فباستثناء العلاقات السياسية والأمنية التي بقيت متينة، عايشت الجارتان حالة من المد والجزر وخاصة حيال انتقال السلع والبضائع والأفراد.
إذ كثيرا ما أوقفت السلطات السعودية السلع اليمنية، واعترضت الأفراد العراقيل والحواجز الحدودية، فضلا عن سريان نظام الكفالة على العاملين اليمنيين في المملكة، واضطرارهم إلى دفع مبالغ طائلة مقابل حصولهم على تأشيرات الدخول.
ولا ترق هذه المعاملة التي يلاقيها العمال هناك إلى مستوى ما كان عليه حالهم في السابق قبل تردي العلاقات بين الدولتين، إثر موقف اليمن المؤيد للعراق في حرب الخليج الثانية.
وفي سياق متصل أعتقد المراقبون أن اليمن عقب توقيعه للاتفاق الحدودي مع السعودية سيتمكن من تأمين مقعده في مجلس التعاون الخليجي، إلا أن ذلك لم يتحقق رغم إعلان انضمامه في عام 2001 إلى بعض مؤسسات المجلس، وبقي واقعياً خارج البوابة الخليجية.
انفراج مشروط!
على ضوء هذه الخلفية، ينظر المراقبون إلى انفراج أزمة “الجدار” العازل بحذر شديد.
وكانت السلطات السعودية قد أقامت الحاجز على طول يتراوح ما بين 50 إلى 70 كيلو في المنطقة الحدودية، وبررت ذلك برغبتها في الحيلولة دون تهريب الأسلحة والمخدرات إلى داخل المملكة.
لكن اللافت أن الرياض عندما وافقت على وقف بناء الحاجز، اشترطت في المقابل اتخاذ السلطات اليمنية لإجراءات وتدابير عملية لمكافحة المتسللين ومحاربة التهريب.
كما اشترطت التنسيق معها لإقامة رقابة مشتركة على الحدود الممتدة بينهما على طول 1300 كم. ولأن تلك المناطق الحدودية تتخللها صحاري وجبال وهضاب وعرة تجعل من عملية المراقبة أشبه بالمستحيلة، فأن الباب يبقى مفتوحا لأي تأويل من شأنه أن يُعتبر إخلال بالتزام أي من الطرفين.
ومن الملاحظ أن الاتهامات الصريحة التي توجه إلى صنعاء بأنها مصدر لتهريب الأسلحة والمخدرات إلى السعودية، تقابله اتهامات مماثلة من قبل الجانب اليمني خاصة الشعبي منه، من أن الرياض مصدر لتصدير الغلو والتطرف إلى اليمن، وأن الأعمال الإرهابية التي نفذها متشددون إسلاميون في الأراضي اليمنية كانت ناتجة عن ما يسميه بعض المحللين بظاهرة تصدير ” إسلام البترو دولار”.
مقاربة أكثر شمولية!
انطلاقا من كل تلك المعطيات، يعتقد المحللون أنه إذا ما أريد فعلاً تجاوز حالة المراوحة التي تعايشها العلاقة بين البلدين، فإن هناك حاجة جدية لمقاربة أكثر فاعلية، تتعامل مع المعطيات الاقتصادية والجغرافية والثقافية والاجتماعية والسياسية.
ومؤدى هذه المقاربة أن يتعاطى المسؤولون مع واقع المرحلة من خلال المعوقات التي تعترض تطوير الشراكة والتعاون، وليس من خلال تلطيف العبارة والثناء المتبادل والمجاملات الدبلوماسية المعتادة، ولا حتى من خلال التذكير بالجيرة والعوامل المشتركة كالدين والتاريخ واللغة.
وحسب هذا المنظور، فإنه لا ينبغي التركيز على عوامل النجاح المساعدة على تطوير التعاون بين البلدين، لأنها ليست عقبة تعترض الدفع بعلاقة التكامل بين الجانبين، وبالتالي فهي لا تمثل مشكلة.
بل يكون التعاطي مع هذا الملف من خلال رصد المعوقات القائمة بين البلدين، على غرار ما حصل في البداية مع إنشاء السوق الأوروبية المشتركة، التي اتجهت في البداية إلى تحديد مواطن الخلافات والتوترات، وتجاوزتها بعد ذلك إلى تأسيس الاتحاد الأوروبي بشكله وفاعليته اليوم .
إجمالا، يمكن القول إن التعبير بالثناء على عمق العلاقات والشراكة بين البلدين لا يمكن أن يؤتي ثماره، لأنه يختزل الإشكاليات القائمة بين البلدين في قضايا محددة، ويتجاهل تداخل مكوناتها وتركيباتها المعقدة. والحصيلة أن التوتر سيظل كامناً يتحين الفرصة للظهور من جديد.
عبد الكريم سلام – صنعاء
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.