مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

صورة سويسرا بين واقع الحاضر وتحديات المُستقبل

ترى وزيرة الخارجية ميشلين كالمي ري أنه على سويسرا ان تقوم بنشاط أكبر لصالح دعم السلم والأمن الدوليين Keystone Archive

هل السياسة ام الاقتصاد ام الثقافة ام العمل الإنساني، أو كل هذه العوامل مشتركة هي التي تعمل على صقل الصورة المعطاة عن سويسرا في الخارج؟

سؤال حاولت الإجابة عنه عدة شخصيات سويسرية في مائدة مستديرة تم تنظيمها في جنيف من قبل معهد السويسريين في العالم والمنتدى السويسري للسياسة الدولية.

حاولت الندوة التي شاركت فيها وزيرة الخارجية السويسرية ميشلين كالمي ري في جنيف يوم السبت 29 ابريل 2006، إلى جانب شخصيات سويسرية تقلدت مناصب عليا في العمل الإنساني والثقافي والاقتصادي، الإجابة على التساؤل التالي “ما العلاقة بين الصورة المعطاة عن بلد من البلدان ودور الجهود المبذولة من قبل مؤسسات رسمية وغير رسمية في تحسين تلك الصورة؟”.

الجواب على هذا التساؤل اتخذ منحنيات تختلف باختلاف الجهة التي ينتمي إليها المحاضر او المحاضرة.

أهمية الصورة في السياسة الخارجية

وزيرة الخارجية السويسرية ميشلين كالمي ري تعترف بأن المنافسة الدولية في عالم معولم تتطلب المزيد من الجهود لتعزيز نفوذ بلد من البلدان، ولجلب الأدمغة او رؤوس الأموال.

وترى ان حظوظ سويسرا في هذا الميدان جيدة، وفقا لدراسة نُشرت في نهاية عام 2005 حول الصورة المعطاة عن بلدان العالم والتي تبوأت فيها سويسرا المرتبة الثانية، بعد بريطانيا، وقبل كندا وإيطاليا.

وبصفتها مسؤولة سياسية، تعتقد الوزيرة أن نقاط القوة التي تتميز بها سويسرا تتمثل في كيفية احترامها لحقوق مواطنيها، ونظام الحكم فيها، ومدى تجندها لصالح قضايا السلم في العالم. فضلا عن المكانة البارزة التي حصلت عليها الكنفدرالية في مجال محاربة الفقر وحماية البيئة وتوفير مؤسسات تكوين عالية.

ومن خلال استشهادها بالمشاكل التي عرفتها الدنمرك بسبب الرسوم الكاريكاتورية، وبالأخص تحميل الدولة الدنمركية المسؤولية بدل الصحيفة التي نشرت الصور، ترى السيدة كالمي ري “أن السياسة الخارجية لها دور هام في بلورة صورة سويسرا في العالم”.

في المقابل، تعتقد الوزيرة أن تناقضات السياسة الداخلية قد تكون لها تأثيرات سلبية على صورة البلاد في الخارج، إذ عبرت السيدة كالمي ري عن “المخاوف من تطورات وقعت مؤخرا في قوانين اللجوء وقوانين استقبال الأجانب والتي ستكون لها تأثيرات لا محالة على المستوى الداخلي ومصداقيتنا وصورتنا في الخارج”.

وبما أن الصورة المعطاة عن بلد ما هي حصيلة تداخل عدة عوامل عبر الحقب التاريخية المتتالية، فإن الوزيرة السويسرية اختارت التركيز على الحياد -إحدى هذه القيم التاريخية- والذي قالت عنه “إنه المثل الحي عن تحول واقع معاش الى عنصر هام من قيمنا”.

“الحياد لا يعني الصمت”

وفي رد على انتقادات الذين يرون في مواقف الوزيرة او مواقف الحكومة السويسرية من بعض القضايا الساخنة خرقا للحياد، قالت ميشلين كالمي ري “لأن هؤلاء يعتبرون أن أحسن سياسة خارجية هي عدم تبني أية سياسة، وأن احسن وزيرة خارجية هي التي تلتزم الصمت باللغات الوطنية الأربع”، وذلك في إشارة إلى الانتقادات التي صدرت بخصوص موقف الحكومة السويسرية من كيفية تعامل المجتمع الدولي وخاصة الاتحاد الأوروبي مع حركة حماس.

وقد سارع المدير العام للأمم المتحدة في جنيف الروسي سيرغاي اروزونيكيدزي الى الإشادة بالدور المتعاظم لسويسرا منذ انضمامها الى منظمة الأمم المتحدة، إذ أوضح في كلمة مختصرة أمام الحضور بأن “الحياد لا يعني عدم اتخاذ مواقف سياسية” مضيفا “إن سويسرا، مقارنة مع دول محايدة أخرى، لها سياسة خارجية أكثر ديناميكية”.

وفي هذا الإطار، شددت وزيرة الخارجية على الدور الذي تقوم به سويسرا من أجل إقامة مجلس لحقوق الإنسان، كفكرة سويسرية، والنشاط المكثف الذي قامت به لصالح لجنة دعم السلم في العالم.

واختتمت الوزيرة تدخلها بتوضيح أن الركيزة التي تقوم عليها السياسة الخارجية “لا تتمثل فقط في الدفاع عن المصالح الوطنية بل أيضا في تأمين الأمن الإنساني وتعزيز القانون الدولي من خلال العمل المشروع المشترك والمتعدد الأطراف”.

وفي هذا الإطار، ترى السيدة كالمي ري أن لسويسرا، بحكم تقاليدها، اوراقا رابحة مثل “سياسة المساعي الحميدة والحياد النشيط التي تعد من دعائم الهوية الوطنية من جهة، وعوامل صقل للصورة المعطاة عن سويسرا في الخارج من جهة أخرى”.

أية صورة بدون قيم او ثقافة اوعلم؟

كورنيليو صوماروغا، كاتب الدولة السابق للشؤون الخارجية، والرئيس السابق للجنة الدولية للصليب الأحمر والرئيس الحالي لجمعية “كو” الدولية – “مبادرات وتغيير” (Caux) تساءل في تدخله “هل سويسرا بلد يحترم القيم؟”، موضحا أن ما يتبقى لدى الرأي العام على خلاف النخبة هو “هل هذا البلد يطبق سياسة قيم في تعامله مع الناس وفي الحياة اليومية؟”.

وفي انتقاده لبعض الانحرافات التي حدثت في مجال سياستي اللجوء والأجانب في هذا البلد، أشار السيد صوماروغا الى أن اول سؤال يوجهه إليك سائق سيارة الأجرة “طاكسي” عندما يعلم أنك سويسري: “ما معنى العلامة الموضوعة في جوازات اللاجئين أو الحملة المعادية للأجانب التي رفعت شعار “الباخرة مليئة”؟”.

وإذا كانت سويسرا واللجنة الدولية للصليب الأحمر تتقاسمان المسؤولية حول رعاية القانون الإنساني الدولي، ويقع خلط في بعض الأحيان بينهما، فإن السيد صوماروغا طالب الحكومة السويسرية بالتدخل أكثر وبالأخص في اتجاه القوى العظمى من أجل تحويل “البروتوكولين الإضافيين لمعاهدات جنيف الى قوانين دولية”.

كما أشاد بما تقوم به سويسرا في إطار تطوير القانون الإنساني الدولي وبالأخص البروتوكول الثالث او الشارة الثالثة.

أما إيفيت ياغي، المسؤولة السابقة عن المؤسسة السويسرية بروهليفتسيا التي تعنى بالترويج للثقافة في الخارج، فترى “انه لحسن الحظ أن سويسرا لا تملك ثقافة واحدة وهو ما يسمح لها بمزيد من الحرية في الانفتاح على باقي التيارات الثقافية الأخرى”. وتعتقد أيضا أنه من حسن الحظ أيضا أن مؤسسة بروهيلفيتسيا تُعنى بالترويج للثقافة عموما وليس للثقافة السويسرية فحسب.

من جانبه، أعرب البروفسور ريمي شويرر، العميد بجامعة نوشاتل، عن اعتقاده أن البحث العلمي له دور أيضا في صقل الصورة المعطاة عن سويسرا في الخارج، خصوصا من خلال استمرار التواصل مع طلبة تلقوا دراستهم في المعاهد العليا السويسرية وعادوا الى بلدانهم لشغل مناصب قيادية. كما حث على ضرورة تطوير استقطاب الطلبة الأجانب في المستقبل وتدعيم نظام التعليم عن بعد مثل ما هو مقام حاليا في مجال الطب بين جامعتي جنيف وباماكو بمالي.

من في حاجة للأخر؟

بيرنار رويغر، المدير العام للشركة التي تحمل نفس الاسم ونائب رئيس الغرفة التجارية بدويلة فو، تساءل عمن في حاجة للآخر، هل الدولة ام القطاع الخاص؟

ويرى أن سويسرا معروفة في الخارج بمؤسساتها التجارية والاقتصادية أكثر مما تشتهر بمؤسساتها السياسية ونظامها الفدرالي. ويستشهد على ذلك بقوله “عندما نتحدث في الخارج عن سويسرا كبلد، يتم الخلط بينها وبين السويد وسوازيلندا. ولكن عندما نتحدث عن الشكولاطة او عن البنوك، فإن الأنظار تتجه مباشرة الى تحديد سويسرا”.

واستطرد السيد رويغر قائلا: “حتى السلطات السويسرية عندما ترغب في تقديم نفسها تلجأ الى التوضيح بأنها البلد المصنف في المرتبة الفلانية اقتصاديا، علما بأن الاقتصاد بين أيدي الخواص”.

وذهب الى حد انتقاد السلطات بأنها لم تعمل في الماضي على دعم المؤسسات، مما دفع هذه الأخيرة الى تطوير قنواتها الخاصة للتعامل مع الخارج. وبما أن السوق الداخلية السويسرية صغيرة، توجه معظمها الى التصدير. وحتى في هذا الإطار، يرى السيد رويغر ان السلطات لا تقوم بما يكفي لدعم الصادرات مقارنة مع دول أوربية مجاورة مثل النمسا او ألمانيا.

مع ذلك، يعتقد أنه من مصلحة الشركات السويسرية إبقاء مقراتها الرئيسية في سويسرا في زمن يسهل فيه الاستقرار في أي بقعة من بقاع العالم، وهذا بفضل الاستقرار السياسي السائد.

وهو ما يوحي بأن هذه الصورة المعطاة عن سويسرا في الخارج ليست وليدة جهود قطاع بحاله، بل هي حصيلة هذه الجهود السياسية والإنسانية والثقافية والعلمية والاقتصادية مجتمعة.

سويس انفو – محمد شريف – جنيف

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية