صوماروغا: “تحديات هائلة في مجال نزع الألغام خلال العشرية القادمة”
احتفل مركز جنيف الدولي للعمليات الإنسانية في مجال نزع الألغام، الذي أنشئ بدعم من الحكومة السويسرية في عام 1998، بمرور عشر سنوات على بداية نشاطه.
ويُواجه المركز الذي له نشاطات عديدة في المنطقة العربية في مجال التكوين في مجال نزع الألغام والتوعية بمخاطرها، تحديا كبيرا يتمثل في انتشار القنابل العنقودية، مثلما يشرح رئيس مجلس إدارته كورنيليو صوماروغا في حديث خص به سويس إنفو.
في موفى أبريل الماضي، احتفل مركز جنيف الدولي للعمليات الإنسانية في مجال نزع الألغام الذي أسس بمبادرة من سويسرا يوم 28 أبريل 1998، بمرور عشرة أعوام على انطلاق أنشطته بحضور وزير الدفاع السويسري صامويل شميت.
في الحديث التالي الذي خصنا به رئيس مجلس إدارة المركز والرئيس السابق للجنة الدولية للصليب الأحمر كورنيليو صوماروغا، نستعرض أهم الانجازات التي تحققت خلال العقد المنقضي، كما نلقي نظرة على تحديات المستقبل في مجال نزع الألغام وموقف السلطات السويسرية من ذلك، وبالأخص تحديات التوصل الى معاهدة لمنع استعمال الأسلحة التي تفتك بدون تمييز.
سويس إنفو: يحتفل مركزكم بذكرى مرور 10 سنوات على تأسيسه. هل تم ترسيخ نشاطه على المستوى الدولي في مجال نزع الألغام؟
كورنيليو صوماروغا: لقد قلت في خطاب الاحتفال بهذه المناسبة أنه لو لم تقم سويسرا قبل عشر سنوات بتأسيس هذا المركز فإن علينا ابتكار ذلك اليوم، لأنه ضروري كمركز تخصص لكل العمليات التي تمس نزع الألغام انطلاقا من جنيف ولكافة أنحاء العالم لأننا اقتنعنا بأن جنيف أصبحت المركز العالمي لكافة المشاورات المتعلقة بنشاطات نزع الألغام في العالم.
سويس إنفو: وإذا أردنا تلخيص نشاطات هذا المركز ماذا يمكن قوله؟
كورنيليو صوماروغا: إذا كنا لا نقوم بعمليات نزع الألغام بأنفسنا، فإننا نقدم دعما لكافة الهيئات الساهرة على نزع الألغام سواء الحكومية منها أو غير الحكومية. كما ندعم كل ما من شأنه الحد من مخاطر بقايا الذخيرة الحربية وهذا عبر تقديم النصح والاستشارة حول الوسائل المستعملة في عملية إبطال مفعول هذه الذخيرة. كما ندعم عبر برنامج الكتروني ترويج المعلومات عن عملية نزع الألغام مما يسمح برسم خرائط توضح المناطق الخطيرة وتلك التي تم تأمينها. ونعمل مع منظمة الأمم المتحدة على تحديد المعايير لكي تصبح عملية نزع الألغام أكثر أمانا، وأكثر نجاعة، وأقل تكلفة. ونستخدم أساليب لتنظيف الأراضي من الألغام وإعادتها الى أصحابها الفلاحين للاستفادة منها خصوصا في هذه الفترة المتميزة بتفاقم أزمة المواد الغذائية. يضاف الى ذلك أننا نقوم بدور سكرتارية معاهدة أوتاوا الخاصة بنزع الألغام والتي تم اعتمادها قبل أكثر من عشر سنوات.
سويس إنفو: إذن تهتمون بالتكوين وبالتوعية في مجال نزع الألغام؟
كورنيليو صوماروغا: نعم نقوم بالكثير من التكوين والتوعية، كما ندعم الساهرين على إنجاز برامج نزع الألغام في المناطق المتضررة وبالأخص في منطقة الشرق الأوسط حيث يوجد مبعوث بمركزنا في بيروت يتنقل بين بلدان المنطقة لإطلاعها على البرامج التي نعدها للمنطقة ومحاولة حل المشاكل الطارئة.
سويس إنفو: وما هي الدول التي تستفيد أكثر في منطقة الشرق الأوسط من برامج نزع الألغام؟
كورنيليو صوماروغا: هناك الأردن ولبنان بالدرجة الأولى، ثم العراق عندما تسمح لنا ظروف العمل هناك والذي تربطنا به اتصالات مكثفة. وإذا ما نظرنا الى الشرق الأوسط بشكل موسع فإننا ندرج أفغانستان حيث لنا نشاطات مكثفة. وقد ربطنا اتصالا مؤخرا بإيران ومن الممكن الشروع قريبا في انجاز برامج نزع الألغام هناك.
سويس إنفو: وما هي أهم العمليات والبرامج التي تقومون بها في دول الشرق الأوسط؟
كورنيليو صوماروغا: إحدى أهم العمليات تمثلت عقب حرب إسرائيل ضد حزب الله (صيف 2006) في حل المشاكل الناجمة عن استخدام القنابل العنقودية. وقد ساهمنا في هذا المجال في تقييم حجم المشاكل الناجمة عن ذلك. وما يجب مراعاته في مثل هذه الحالات هو أولا التحكم في طرق اكتشاف الألغام وباقي أنواع الذخيرة التي لم تنفجر. وتتم عملية الاكتشاف إما عبر طرق تقليدية باستخدام آليات وأشعة ليزر أو باستخدام حيوانات مثل الفئران أو الكلاب التي لها قدرة عالية في اكتشاف الألغام عبر حاسة الشم. وبعد عملية الاكتشاف هناك وسائل لإبطال مفعول هذه الألغام ولكن تدخل الإنسان يبقى ضروريا.
ولنا خبرة في هذا الميدان منذ أكثر من عشر سنوات في منطقة كردستان العراق حيث رافقنا ودعمنا المنظمات العاملة هناك وقدمنا تكوينا مكثفا للعمال الساهرين على عملية إبطال مفعول الألغام لأنها عملية ليست فقط بطيئة ومكلفة بل أيضا خطيرة.
سويس إنفو: استخدام الحيوانات في اكتشاف الألغام هل لا زال في مرحلة تجريبية أم بدأ العمل به فعلا؟
كورنيليو صوماروغا: إنه نظام معمول به منذ مدة. ففي أفغانستان لنا تجربة قائمة منذ فترة باستخدام الكلاب. ولكن استخدام الفئران هي تجربة حديثة تم تطويرها قبل حوالي 5 سنوات من قبل جامعة لوفان ببلجيكا.
سويس إنفو: كان الخبراء على وشك التحكم في مخاطر الألغام عندما كان الأمر مقتصرا على الألغام التقليدية. اليوم مع الإرتفاع المسجل في استخدام القنابل العنقودية مثلما حدث في العراق وفي لبنان، ألا ترون أن مهمتكم أصبحت أكثر تعقيدا؟
كورنيليو صوماروغا: بالفعل لقد أصبحت مهمتنا أكثر تعقيدا. لأنه حتى وإن كنا عل المستوى القانوني قد تمكنا من فرض حظر على استخدام الألغام بالرغم من عدم تصديق دول هامة على معاهدة أوتاوا، فإن العالم يفتقر للقواعد القانونية لفرض حظر في مجال القنابل العنقودية وغيرها من الذخائر. لذلك نرافق عملية تحضير معاهدة جديدة من المفروض أن تكون جاهزة للتصديق من هنا حتى نهاية العام في مجال حظر استخدام القنابل العنقودية. فعندما نتحدث عن القواعد القانونية قد تظهر بعض الفوارق ولكن عندما ننظر الى التأثيرات على أرض الواقع نجد أن العواقب واحدة. وهذا ما يُطرح بقوة في منطقة الشرق الأوسط سواء في أفغانستان او في العراق أو في لبنان. وفي الأردن يتعلق الأمر بالدرجة الأولى بألغام لأن الأمر يعود الى المواجهات الحدودية مع إسرائيل.
ولنا اتصالات مع عدد من دول المنطقة العربية في كل من موريتانيا والجزائر وليبيا كما لنا مفاوضات مع مصر بخصوص ذخيرة لم تنفجر تعود الى مرحلة الحرب العالمية الثانية. ونشاطنا هذا يتم بتعاون وثيق مع منظمة الأمم المتحدة وفي جوانب قد تكون غير قادرة على تغطيتها إما لنقص في الخبرة أو لنقص في التمويل. وهذا في الوقت الذي نتمتع فيه نحن بخبرة وتخصص (بفضل تمويل سخي من سويسرا) حوالي 8 مليون فرنك إضافة الى ضعف المبلغ من قبل دول أخرى أغلبها غربية من ضمنها الولايات المتحدة الأمريكية.
سويس إنفو: على ذكر الولايات المتحدة التي مازالت مترددة بخصوص معاهدة أوتاوا حول الألغام، هل لديكم أمل في رؤيتها تنظم يوما ما الى المعاهدة الجديدة الخاصة بحظر القنابل العنقودية؟
كورنيليو صوماروغا: ما يمكن قوله هو أنها ليست نشيطة في مجال المفوضات الجارية بخصوص القنابل العنقودية، وهذا ما يمكن النظر له على أنه أشارة سلبية. ولكن بالإمكان أن تتغير الأمور كثيرا في المستقبل خصوصا بالنظر الى الانتخابات الرئاسية.
أما فيما يتعلق بمعاهدة أوتاوا حول الألغام، فإن الولايات المتحدة الأمريكية رغم عدم مصادقتها على المعاهدة فإنها تطبق عددا من بنودها بشكل طوعي، مثل حظر تصدير الألغام إلا إذا كانت موجهة للاستعمال من قبل قواتها العاملة في الخارج.
ولكن يمكن القول أن الولايات المتحدة سخية في تمويل برامج إبطال مفعول الألغام في العديد من بلدان العالم وفي إعادة تأهيل ضحايا الألغام وإدماجهم في المجتمع.
سويس إنفو: إذا كانت العشرية السابقة قد رسخت عمل المركز على المستوى العالمي في مجال نزع الألغام، كيف تنظرون الى تحديات العشرية القادمة؟
كورنيليو صوماروغا: ما يلاحظ اليوم على مستوى المجتمع الدولي هو أن هناك تراجعا في اهتمام الرأي العام بموضوع الألغام مقارنة ما كان عليه قبل عشرة أعوام. ومن هنا فإن التحدي الأول يتمثل في الحفاظ على التزام الدول المانحة بتمويل برامج إبطال مفعول هذه الألغام.
والتحدي الثاني يتمثل في مرافقة الجهود المبذولة من اجل التوصل الى معاهدة جديدة في مجال القنابل العنقودية وفي مجالات أخرى تهتم بالذخيرة التي لم تنفجر. وهذا قد يدفع مركزنا في حال توفر الإرادة لدى الدول من أجل إبرام هذه المعاهدة الجديدة لكي يقوم بنفس الدور الذي يقوم به في مجال معاهدة أوتاوا حول الألغام أي تأمين أشغال الأمانة العامة لهذه المعاهدة الجديدة بشكل محايد وفي خدمة كل الأطراف الأعضاء. والتحدي الرئيسي يتمثل كما قلت في استرجاع أراضي زراعية بعد تطهيرها من الألغام ووضعها من جديد تحت تصرف الفلاحين للزراعة او الأطفال للعب بدل لافتات ” احترس ألغام! ” التي مع الأسف مازالت موجودة حتى في بعض المناطق الأوروبية مثل منطقة البلقان.
ولربما أن التحدي الأخير يتمثل في ضرورة معالجة هذه المشكلة بطريقة شاملة تشمل الجانب الإنساني والاقتصادي والاجتماعي للضحايا الذين يتطلب الأمر الوقوف الى جانبهم في مرحلة العلاج و تعويض الأطراف المفقودة ودعمهم في عملية أعادة الاندماج في الحياة الاجتماعية والاقتصادية. وهذا ما قدم المركز العديد من الدراسات بشأنه والتي يمكن التعرف عليها من خلال موقع المركز على الإنترنت أو مجانا عبر طلبها بالبريد.
سويس إنفو – محمد شريف – جنيف
إضافة الى تمويل المركز في حدود 8 مليون فرنك سنويا، يرى السيد كورنيليو صوماروغا ان الالتزام السويسري تجاه المركز ” خارق للعادة وهذا ما تجلى من خلال مشاركة وزير الدفاع المستشار الفدرالية صامويل شميت في إحياء الذكرى العاشرة للمركز.
أما فيما يخص موقف سويسرا من المعاهدتين، فيقول السيد صوماروغا: “يمكن القول أن سويسرا التحقت متأخرة بالمفاوضات التي كانت تهدف لإبرام معاهدة أوتاوا حول الألغام الفردية. وقد بذلت جهدا كبيرا لما كنت على رأس اللجنة الدولية للصليب الأحمر من أجل دفع المسؤولين آنذاك على رأس وزارة الدفاع السويسرية لكي يلتزموا أكثر، وهذا ما قام به الوزير أدولف أوغي في عام 1996. ومن المؤسف جدا أنها لم تلتزم منذ البداية ويقرن اسمها بهذا الانجاز.
ويمكن القول أن نفس الشيء يتم اليوم بخصوص المعاهدة الجديدة الخاصة بفرض حظر على استعمال القنابل العنقودية. وحتى ولو شددنا على أن الأمر يتعلق بأمرين مختلفين تماما فإنه من الصعب الاتفاق بخصوص فرض حظر على استعمال سلاح قبل الإتفاق على تحديد مفهومه بالضبط. إذ هناك دول تصنع هذا النوع من الذخيرة ترغب في فرض مفهوم يستثني منتجاتها من الحظر.
وسويسرا توجد نوعا ما في خانة هذه الفئة من الدول. ومع أن ما أقوله هو تقييم شخصي، فإنني اعتبر أن سويسرا لا تقدم أحسن مثال في الوقت الحالي في مجال محاربة استخدام القنابل العنقودية.
من الواضح ان سويسرا ترغب في أن يُنظر لهذه القنابل العنقودية فقط كأسلحة دفاعية وأنها سوف لن تستعملها إلا في داخل حدودها. وفي هذه الحالة على سويسرا ان تتعهد بعدم استخدام هذه القنابل العنقودية خارج حدودها. وبهذا الموقف يمكنها التحرك في اتجاه من شأنه أن يحدث تقدما في مواقف دول لا ترغب في اللحاق بركب حركية هي في تعاظم اليوم، والتي من شأنها ان تقود إلى إبرام معاهدة خصوصا وان هناك جدولا لعقد مؤتمر دبلوماسي في دبلن في نهاية شهر مايو 2008. وهو المؤتمر الذي من المفروض إجراء المفاوضات فيه بخصوص بنود المعاهدة التي من المنتظر أن يتم التوقيع عليها في أوسلو في نهاية العام الحالي”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.