مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

 صيف الكوابيس!

اكد الرئيس جورج بوش عزم الولايات المتحدة على اسقاط النظام العراقي بشتى الوسائل. وقد تكون المنطقة العربية مقبلة على حرب جديدة! Keystone

"الوضع خطير في الشرق الاوسط. خطير حقا". كانت هذه "البشارة" التي زّفها وزير الخارجية الفرنسي دومينيك دوفيلبان للبنانيين، خلال زيارته يوم الاحد الماضي لبيروت في إطار جولته في الشرق الأوسط.

رغم أن الوزير الفرنسي رفض الافصاح اكثر عما يعنيه ب “الوضع الخطير”، الا ان من الواضح أنه كان يلمح الى احتمال العبث بخرائط المنطقة ودُوّلها، فور بدء الحرب الامريكية الوشيكة على العراق.

والحال، ان مصادر وزارية لبنانية واكبت محادثات دوفيلبان مع المسؤولين اللبنانيين، “شعرت (كما قالت لسويس انفو) بأن رئيس الدبلوماسية الفرنسية لم يأت لتحذير الشرق أوسطيين من المصائر الانقلابية التي تنتظرهم، بقدر ما أراد حجز مقعد لفرنسا في هذه الوليمة التاريخية الجديدة”.

وأضافت المصادر أنها بنت انطباعاتها هذه على “ما بين سطور” التعابير التي استخدمها الوزير الفرنسي، الذي قال ان بلاده باتت “مهتمة للغاية” بمطالبة القوى المسيحية اللبنانية بانسحاب الجيش السوري من لبنان وبإعادة نظر شاملة في العلاقات اللبنانية السورية.

كانت هذه المرة الاولى منذ نهاية الحرب اللبنانية عام 1989 التي تُلمّح فيها باريس صراحة الى أنها تريد استعادة نفوذها، او على الاقل بعضه في لبنان؛ وهو النفوذ الذي تعرض الى ضربة قوية بعد أن منحت الولايات المتحدة الضوء الاخضر لسوريا لاجتياح قصر الرئاسة اللبناني في بعبدا في اكتوبر 1990، مكافأة لها على موقفها من حرب الخليج الثانية.

كما لفت إنتباه المصادر اللبنانية أيضا، قول دوفيلبان للرئيس إميل لحود في جلسة مغلقة أنه “اذا ما كان صحيحا ان السلام مستحيل في الشرق الاوسط من دون امريكا، فانه من الصحيح أيضا أن أمريكا لن تكون قادرة على تحقيق السلام وحدها”.

وفسّرت المصادر هذه الجملة بأنها تعبير واضح عن رغبة فرنسا والأوروبيين بلعب دور أساسي في الترتيبات الاقليمية التي قد تلي الحرب الامريكية ضد العراق، ليس فقط في فلسطين بل أيضا في كل انحاء المنطقة.

وعلّق وزير لبناني على تلميحات دوفيلبان هذه بالقول: “من الواضح ان الفرنسيين يشتمّون رائحة الدم في الشرق الاوسط. إنهم يريدون حصة من الغنيمة”.

 تفاصيل الغزو

رائحة الدم هذه قوية حقا هذه الايام في بيروت ودمشق وباقي أنحاء المنطقة. فالمشاريع العسكرية الامريكية لغزو العراق، على كل شفة ولسان. وما نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” مؤخرا عن خطط للقيام بقصف جوي وصاروخي مركّز ضد العراق وعمليات سرية تقوم بها القوات الخاصة و”CIA”، على أن يلي ذلك هجوم بري ينطلق من الاردن وشمال العراق، اكدته معلومات وصلت مؤخرا الى العاصمة اللبنانية، مفادها أن الولايات المتحدة بدأت بالفعل في إقامة قواعد سرية في الاردن، يمكنها استقبال أعداد كبيرة من الطائرات والدبابات الامريكية.

ورغم أن الحكومة الاردنية نفت هذه الانباء، الا ان الدوائر السياسية اللبنانية المطلعة، تبدو واثقة من ان المملكة الهاشمية ستكون بالفعل احدى القواعد الرئيسية التي سينطلق منها الغزو الامريكي، والذي يرجّح الان أن يبدأ في اواخر هذا العام او في بداية 2003 لسببين: اولهما، أن الطوبوغرافيا الجغرافية الاردنية (وعلى عكس التضاريس الجبلية لشمال العراق) مبسطة وصحراوية، مما سيسّهل كثيرا على الدبابات والمدرعات الامريكية، الزحف على بغداد بعد إنتهاء الغارات الجوية والصاروخية.

والثاني، ان الاردن يريد أن يشارك بكثافة في أي عملية جّدية لتغيير النظام في العراق، لانه يطمح، إما الى إعادة سلطة الاسرة الهاشمية في بلاد الرافدين (والتي حكمت العراق منذ العشرينات وحتى عام 1958)، او الى ان يكون احد الاضلاع الرئيسية في النظام الاقليمي الجديد في الشرق الاوسط.

وتشّدد الدوائر اللبنانية على أنها لا تعتبر نشر تفاصيل الخطط العسكرية الامريكية في صدارة اخبار الصحف والتلفزيونات الامريكية، مجرد تهويل او حرب إعلامية، بل هو في الواقع إعداد نفسي للأمريكيين للحرب.

وتعيد هذه الدوائر الى الاذهان ان الصحف الامريكية نشرت ادق التفاصيل عن العمليات العسكرية التي تنوي الولايات المتحدة القيام بها ضد العراق في حرب الخليج الثانية، ثم ضد أفغانستان. وقد تبين لاحقا ان معظم هذه المعلومات كان صحيحا، لا بل أكثر، لم يعد المسؤولون في لبنان وسوريا يتوقفون امام الغزو الامريكي للعراق، لانهم باتوا يعتبرونه “تحصيل حاصل”. ما بات يهمهم الان هو، ماذا بعد؟

التساؤلات هنا، وخاصة في دشمق، مشوبة بالقليل من اليقين وبالكثير من القلق:


1- هل سيكون تغيير النظام في العراق، خطوة اولى نحو تغيير العديد من الانظمة العربية الاخرى؟

 2- اذا ما قُسّم العراق فعليا وبقي موحّدا إسميا في ظل دولة كنفدرالية سنية (في الوسط) وشيعية (في الجنوب) وكردية (في الشمال)، هل يمكن أيضا ان تنتقل حمى التقسيم الى سوريا ولبنان؟

 3- ماذا يمكن ان يحل بنفوذ سوريا الاقليمي الذي بنته طوبة طوبة طيلة العقود الثلاثة الاخيرة، اذا ما بات العراق امريكيا ومتحالفا مع اسرائيل، واذا ما قطعت أمريكا حبل السرة الاستراتيجي الذي يربط سوريا وايران، ثم اذا ما أدّت هذه التغييرات الى خروج الجرم اللبناني عن الفلك السوري؟


هذه الاسئلة “الكابوسية” لا تجد إجابات شافية لها الان لا في منطقة الهلال الخصيب، ولا حتى في منطقة الخليج، التي تعيش دولها الحليفة تقليديا لامريكا، هي الاخرى هاجس تغيير الانظمة وحتى الجغرافيات السياسية فيها.

وبالتأكيد لم تؤد زيارة دوفيلبان الاخيرة للبنان وسوريا وما رافقها من إشارات سرية وتصريحات علنية عن الوضع الخطير جدا في الشرق الاوسط، سوى الى جعل هذه الاسئلة المقضّة للمضاجع، أكثر كابوسية.

سعد محيو- بيروت

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية