ضمان أمن أوروبا.. بين التعاون والريبة والتنافس
بعد زيارة قاعدة "المرسى الكبير" الجزائرية في فترة سابقة، ترسو يوم 8 سبتمبر أربع قِـطع حربية تابعة للقوة البحرية المتوسطية "أورومارفور" في قاعدة بنزرت التونسية.
ومع أن البلدان الأوروبية توصلت إلى اتفاقات للتعاون العسكري والأمني مع بلدان متوسطية، إلا أنها تبدو غير واثقة إلا بقواتها الخاصة لحماية جنوب القارة الأوروبية.
على رغم اتفاقات التعاون العسكري والأمني الكثيرة التي توصّـلت إليها البلدان الأوروبية مع البلدان المتوسطية، فإنها تبدو غير واثقة إلا بقواتها الخاصة لحماية القارة الأوروبية من الأخطار التي تعتقد أنها قد تأتي من الضفة الجنوبية.
وتُجسِّـد هذه الرؤية، التحرّكات المُـختلفة التي تقوم بها الوحدات البحرية والجوية التي شكّـلتها البلدان الأوروبية الجنوبية، خاصة في الحوض الغربي للمتوسط، والتي تشمل زيارات دورية للقواعد العسكرية المغاربية.
وبعد زيارة القاعدة البحرية “المرسى الكبير” في الجزائر في فترة سابقة، ترسو أربع قِـطع حربية تابعة للقوة البحرية المتوسطية “أورومافور” في قاعدة “الخروبة – سيدي أحمد” في بنزرت شمال العاصمة تونس، اعتبارا من الجمعة 8 سبتمبر الجاري ولمدة أربعة أيام.
وأفاد بيان للسفارة الإسبانية في تونس، تلقّـى موقع سويس انفو نسخة منه بواسطة “الفاكس”، أن الأسطول الزّائر الذي يقوده الأدميرال الإسباني كلاوديو دي لانزوس، يضمّ البارجة الفرنسية “لوار” وكاسحة الألغام الإيطالية “غايتا” والطراد البرتغالي “خواو روبي” وكاسحتي الألغام الإسبانية “دويرو” والفرنسية “تريبارتيت”.
وتأتي هذه الزيارة بعد ثلاثة أشهر من زيارة قام بها قائد القوات الجوية الأمريكية في أوروبا الجنرال وليام هوبينز للمنشآت العسكرية في قاعدة “سيدي أحمد” الجوية القريبة من بنزرت، وأجرى على هامش الزيارة محادثات مع وزير الدفاع التونسي كمال مرجان، وقائد جيش الطيران الجنرال محمود بن محمد ركزها على درس إمكانات تطوير التعاون الثنائي، والذي يشمل تدريب ضبّـاط وصيانة طائرات حربية تونسية من صُـنع أمريكي.
هوية عسكرية أوروبية
وتعُـتبر وحدات “أورومافور” الذراع البحرية والجوية للقوة التي شكّـلتها أربعة بلدان متوسطية، هي إيطاليا وفرنسا وإسبانيا والبرتغال سنة 1995 انسجاما مع مبادئ السياسة الدفاعية التي حدّدتها البلدان الخمسة عشر الأعضاء في الإتحاد الأوروبي (قبل توسعته)، والتي رمَـت لتكوين قوة عسكرية أوروبية مستقلّـة عن حلف شمال الأطلسي.
وقد شكلت في الفترة نفسها ذراعا برية أطلقت عليها اسم “أوروفور” (Eurofor)، يصل تِـعداد أفراد وحداتها إلى 60 ألف جندي في أفُـق سنة 2003.
أما مسرح عمليات القوتين فحُدَد بالمنطقة المتوسطية، ولذلك، لم يكن غريبا أن يوضع مركز قيادتها في قاعدة فلورنسا الإيطالية كي تكون قريبة من نطاق العمليات المُفترض.
وضبطت مهمتها بـ “حفظ الأمن والسلام وتنفيذ عمليات إنسانية”، والمُلاحظ أن قادة أركان البلدان الأعضاء في الإتحاد الأوروبي آنذاك (أي الخمسة عشر) أقرّوا في أول اجتماع تاريخي لهم يوم 11 مايو عام 2000 أهداف تلك القوة ونسَـق عملِـها ودائرة تحرّكها، مع إيضاح استقلاليتها من حيث القيادة والتموين والإستخبارات والرقابة عن القوات المسلحة لكل بلد عضو في الإتحاد.
وشرح وزير الدفاع الفرنسي السابق ألان ريشار في كلمة ألقاها أمام مجلس الشيوخ الفرنسي عام 2000، ضرورة تشكِـيل قيادة عامة ثالثة إلى جانب قيادة القوات الأطلسية المشتركة وقيادة قوة “أوروكوربس” (Eurocorps)، التي شكّـلتها بلدان الإتحاد الأوروبي مع أعضاء الحلف الأطلسي، مشيرا إلى أن القيادة الجديدة ستُـجسِّـد الاستقلالية الأوروبية لكونها تمثل قيادة جيش متكامل أسوة بالقوتين السالفتين.
وفعلا، تقرّر في شهر فبراير 2000 تكوين قيادة عامة يتداول عليها دوريا ضبّـاط سامون من البلدان الأربعة. ويعتبر المسؤولون العسكريون الأوروبيون أن هاتين القوتين، أي “أوروفور” و”أورومافور” تعكِـسان الهوية الدفاعية والأمنية الأوروبية، “التي لم تتح لها الأزمات السابقة في المتوسط، التعبير عن ذاتها”، في إشارة إلى حربي يوغسلافيا السابقة والبوسنة.
وعلى هذا الأساس، ركّـزت البلدان الأربعة خلال العام الماضي، التي صادفت الذكرى العاشرة لإعلان برشلونة على التحرّك في المتوسط “من أجل المساهمة في خِـدمة أهداف مسار برشلونة”.
غير أن التمسّـك بالهوية الدفاعية الأوروبية، لم يكن يعني يوما النأي عن الحِـلف الأطلسي. فوحدات القوتين تقوم بمناورات مُـشتركة مع قوات الحلف أكثر من مرّة في العام، وتشارك معها في عمليات التدريب انطلاقا من رغبة الأوروبيين في رفع المستوى القتالي للقوتين وتحسين قُـدرتهما على مجابهة الأزمات السياسية والكوارث الطبيعية، واستطرادا جعلهما مستجيبتين للمواصفات المطلوبة من وحدات تلعبُ مثل تلك الأدوار الإقليمية.
ولوحظ في هذا السياق أن البلدان الأربعة المشكّـلة لـ “أوروفور” و”أورومافور” عبّـرت عن ارتياحها الشديد، عندما أبدى الأمريكيون والبريطانيون والألمان رِضاهم عن مستوى القوتين، واعتبرت ذلك “تكريسا لمصداقيتهما”.
لكن هذه التقاطعات لا تدُل على نهاية السباق الأوروبي – الأمريكي على النفوذ في المياه الدافئة، إن كان في المتوسط أم في أفريقيا. فالأوروبيون يعتبرون الضفة الجنوبية للمتوسط منطقة نُـفوذ تقليدية لهم، ولا يخْـفون ضيْـقهم من تردّد قِـطع الأساطيل الأمريكية عليها، فيما تبذل واشنطن جهودا كبيرة لتعزيز التعاون العسكري والأمني مع بلدان المنطقة، خصوصا في إطار ما درجت على تسميته بـ “الحرب الدولية على الإرهاب”.
ويجوز القول، إنها سجّـلت نقاطا مهمّـة على أوروبا في هذا المجال، من خلال اتفاقات التعاون العسكري مع كل من تونس والمغرب والجزائر وموريتانيا، والتي لا يُستبعَـد أن تشمل ليبيا في الأمد المنظور، بعدما وصل أخيرا طيارون ومهندسون ليبيون إلى مدينة سياتل الأمريكية للتدريب على قيادة جيل جديد من طائرات “بوينغ 737-800″، ويبدأ والتعاون بالمجالات المدنية ليتوسّـع لاحقا إلى الميادين العسكرية.
منافسة في إفريقيا
وامتدت هذه المنافسة إلى القارة الإفريقية، إذ قرّرت الولايات المتحدة في أواخر الشهر الماضي، تشكيل قيادة عسكرية موحَّـدة لعموم إفريقيا، ويُرجَّـح تعيين الجنرال ويليام وارد على رأسها، وهو منحدر من أصول إفريقية وكان يتولّـى منصب نائب رئيس القيادة الأوروبية التي تُـشرف على العلاقات العسكرية مع 41 بلدا إفريقيا.
وغيرُ خافٍ، الدور الحاسم الذي تلعبه مصادر الطاقة في هذا السباق الشديد بين أمريكا وأوروبا. فمن المتوقع أن تغطّـي واردات الولايات المتحدة من النفط الإفريقي نحو 30% من حاجتها إلى الطاقة مع حلول عام 2020، مقارنة بـ 15% فقط حاليا.
وتشعر البلدان الأوروبية، وخاصة فرنسا، بالحاجة نفسها، لذا، نراها تعزِّز وجودها العسكري في القارة مع الحِـرص على خفض الكُـلفة بالتقليل من الوحدات البرية، والتركيز على القوات المُجوقلة، مثلما أظهر ذلك تقرير نشرته مؤخرا جريدة “لوموند” عن القواعد الفرنسية في القارة الإفريقية.
لكن الظاهر، أن ملف مُـكافحة الهجرة غير المشروعة، أفرز تباعُـدا في مواقف البلدان الأربعة المُشكلة لقوات التدخّـل السريع “أوروفور” و”أورومارفور”، إذ طلبت مدريد وروما من الإتحاد الأوروبي بإلحاح شديد، تقديم العون لهما لمواجهة موجة الهجرة غير الشرعية، التي تتزايد في فصل الصيف، لكنهما لم تجدا التجاوب الكافي.
وأمام تفاقُـم الظاهرة، شكّـلت إسبانيا وإيطاليا وَحَـدات خاصّة لمراقبة المياه الإقليمية وإحباط محاولات الهجرة السرية. وأعلن وزير الداخلية الإيطالي جوليانو أماتو يوم 22 أغسطس الماضي، أن وِحدتين مؤلّـفتين من قُـضاة وحرّاس سواحل وشرطة، سترابطان في ميناءي أغريجانتي وكاتانيا، جنوب صقلية. وقامت إسبانيا بتسيير وحدات بحرية لمراقبة سواحل موريتانيا والسينغال، بالتعاون مع قوات خَـفر السواحل في البلدين.
مع ذلك، يبقى تجمّـع بلدان الضفّـة الشمالية للمتوسط، أي إيطاليا وفرنسا وإسبانيا والبرتغال، مُـتماسكا على الصّـعيدين، السياسي والعسكري، وسيظل موحّـدا، على الأرجُـح، بالنظر للمخاطر التي تتوقّـع حكوماتها أن تأتي من الضفة الجنوبية، والتي تتجاوز ظاهرة الهجرة غير المشروعة لتلامس ملفات أكثر التهابا، تتطابق مع الملفات الموضوعة على الأجندة الأمريكية، وفي مقدمتها ما يسمّـى بخطر انتشار الأسلحة غير التقليدية وخطر الحركات الإرهابية والجريمة المنظمة.
رشيد خشانة – تونس
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.