ضمان الأمـن في سويسرا: بيد الشرطة أم الجيش؟
اهتم منتدى أوروبا لوتسرن في دورة هذا العام بالمخاوف الأمنية التي يمكن أن يكون لها انعكاسات سلبية على الإقتصاد الأوروبي، ودور سويسرا في الحلول المقترحة واستراتيجياتها في التعامل مع هذا الملف.
ورغم ثناء وإطراء الخبراء الأوروبيين على الإستراتيجية السويسرية وسيناريوهات التعامل مع المشكلات الأمنية المحتملة، إلا أن مناقشات المنتدى كشفت عن وجود اختلاف في وجهات النظر بين الكانتونات والفدرالية في كيفية التعامل مع الملف الأمني.
يجمع خبراء الأمن السويسريون على أن المخاوف التي تهدد الكنفدرالية اليوم ليست نشوب حرب بالمفهوم الكلاسيكي، وانما مخاطر متعددة، اوضح قائد الجيش السويسري كريستوف كيكايس في كلمته أمام المنتدى أنها تتمثل في انتشار أنشطة عصابات الجريمة المنظمة بشكل غير مسبوق واتساع دائرة الفقر في افريقيا وعدم الإستقرار في الشرق الأوسط، مؤكدا على أن “هذه المشكلات وإن كانت بعيدة عن أوروبا إلا أنها تلقي بظلالها على القارة بأسرها”.
ويرى كيكايس أن “النزاعات والصراعات في العالم قد زادت بصورة غير طبيعية منذ انتهاء الحرب الباردة 1989 وانهيار جدار برلين، ولم يتمكن العالم من التعامل مع هذا الوضع الجديد بالأسلوب المناسب، فاصبحت المشكلات متداخلة، ولم تفلح الحلول العسكرية في تقديم أي نتيجة ايجابية، لأنها لم تعالج جوهر المشكلة، وضرب مثلا على ذلك بالأوضاع في العراق وافغانستان”، حسب قوله.
وقد حدد في كلمته مثال المسار الأمني السويسري الناجح في 4 اتجاهات: أولها جاهزية القوى الأمنية للتحرك السريع لحماية المدنيين من توابع الكوارث الطبيعية والبيئية، والثاني كفاءة الأجهزة الأمنية للإستعداد لمواجهة التحديات الإقليمية والدولية بجميع الوسائل، لاسيما في مجال مكافحة الجريمة المنظمة، بما تشمله من تجارة المخدرات والبشر والتهريب والفساد المالي.
ثم وضع الإتجاه الثالث في القيام بجميع المساعي للحيلولة دون انفجار الصراعات، وذلك من خلال الإستفادة من الدراسات والتحاليل التي تقوم بها مراكز البحوث والتحاليل وتقارير الخبراء، شريطة أن تكون هذه الجهود مبنية على قناعة بأهمية هذا الدور الذي وصفه بأنه يدخل في إطار السياسة الوقائية المصحوبة بدعم تنموي هادف ومستديم، لأن الفقر هو التربة الخصبة التي تتوالد فيها جميع أعمال العنف والإضطرابات، التي تتجاوز حدودها الجغرافية.
في حين جاء الإتجاه الرابع والأخير في الوقوف على آخر تطورات التقنيات الدفاعية والمساهمة في صناعتها من خلال دعم البحث العلمي وتبادل الخبرا، ولخض مجمل هذه الخطوات في أنها “عولمة المسؤوليات وتقاسم الأدوار”.
نحو وزارة أمنية متخصصة؟
يرى الخبراء السويسريون أن هذه الصورة الجميلة التي رسمها الجيش واثنى عليها الخبراء الأوروبيون يشوبها نقص التعاون بين الشرطة والقوات المسلحة؛ إذ يمنح النظام الفدرالي سلطات مطلقة للشرطة وقوات الأمن في كل كانتون. كما أن هذه السلطات لا تجتمع تحت مظلة الشرطة الفدرالية نظرا لإختلاف المهام والواجبات من كانتون إلى آخر، مما يجعل تعاون الجيش مع الشرطة في مواجهة التحديات الأمنية أمرا معقدا يحتاج إلى تنسيق متعدد الأطراف وكأن “جيش سويسرا يتفاوض مع 26 دولة”، حسب قول كيكايس.
من ناحيتها اعترفت كارين كيلر سوتر، نائبة رئيس مؤتمر مديرات ومدراء العدل والشرطة في الكانتونات السويسرية، بأن “العلاقة بين الشرطة على مستوى الكانتونات والجيش معقدة، وإن كان الطرفان لا يتشككان في نويا التعاون للمصلحة العامة، إلا أن قوانين الكانتونات تكون حائلا أحيانا أمام المزيد من التعاون”، حسب قولها.
ودعت كيلر سوتر إلى إجراء دراسة تحليلية حول دور الشرطة والجيش في الدولة الفدرالية لتكون تمهيدا لقيام شبكة من الأمن الداخلي تتألف من الجيش والشرطة الفدرالية والكانتونات وفرق الدفاع الشعبي، وهو ما رأى فيه بعض المعلقين تمهيدا لإستحداث وزارة متخصصة للأمن والشرطة أو على الأقل مكتب فدرالي يفصل بين مهام الجهاز القضائي وأجهزة الشرطة، لتتمكن تلك الأجهزة من وضع استراتيجية خاصة بها.
ويرى خبراء الأمن الإجتماعي المشاركين في منتدى أوروبا لوتسرن أن الجرائم اليومية هي التي تخيف المواطن العادي وليس التهديد الإرهابي الذي يتحدث عنه خبراء الأمن، وذلك استنادا إلى استطلاعات للرأي أكدت مخاوف الرأي العام من العنف الذي طال فئات واسعة من المجتمع، من بينها الشباب وطلبة المدارس، وهو ما يضع تحديات أمام الشرطة، لا يمكنها مواجهته على صعيد الكانتونات فقط.
وينصح الخبراء بأن يكون التعامل مع هذه الظاهرة على رأس الأولويات لتأمين الإستقرار الداخلي الذي تتميز به سويسرا مقارنة مع دول الجوار، بدلا من التركيز على الإرهاب الذي لا يعرف أحدا تفسيرا واضحا له، حسب قول أحد المتدخلين.
ثغرات قائمة وحلول مطلوبة
في المقابل يرى المسؤولون عن الملف الأمني على الصعيد الفدرالي أن الإرهاب هو التهديد الأول الذي تواجهه سويسرا مثل غيرها من دول أوروبا، وقال جان لوك فيز رئيس جهاز الشرطة الفدرالية، “إن المخاطر التي تهدد أوروبا مشتركة وتأتي إما من اقصى شرق القارة أو من جنوبها”، مشيرا إلى أن حدود أوروبا شرقا وجنوبا “مليئة بالثغرات التي تتسلل منها المخاطر إلى القارة”.
وطالب أرفع مسؤول أمني في الكنفدرالية بوضع آليات للتعامل مع هذه المخاطر، تشمل التفكير جديا في انشاء فرقة لمراقبة حدود أوروبا الشرقية والجنوبية للقضاء على الثغرات التي يتسلل منها المهاجرون غير الشرعيين، وتعزيز التعاون بين الشرطة الأوروبية (ايروبول) ونظريتها الدولية (انتربول) والتنسيق بين القيادات الأمنية لتبادل المعلومات بصورة أسرع مما هي عليه الآن.
كما طالب جان لوك فيز، بتنسيق التعاون الأمني مع دول الجنوب ودعمها لمواجهة المشكلات التي يمكنها التعامل معها بشكل حاسم، دون أن يلقي مزيدا من الضوء على هذه الأفكار، لأنها في حيز الدراسة، حسب قوله.
إلا أن هذه المقترحات لم تلق استحسانا من الحضور، لأنها بعيدة عن المشكلات الأمنية التي يعاني منها الشارع السويسري ذلك أن الرأي العام لا يهتم كثيرا إذا كان الجيش أم الشرطة هي التي تتولى المهام الأمنية في البلاد، فالمهم أن يشعر المواطنون بالإستقرار، حسب قول أحد الحضور في مداخلته.
وتساءل آخر عن استعدادات الأجهزة الأمنية الفدرالية لمواجهة انتشار وباء مثل انفلونزا الطيور أو أي مرض فيروسي آخر يمكن أن يظهر فجأة بسبب المتغيرات البيئية التي تعيشها أوروبا نتيجة لارتفاع درجات الحرارة هذا العام.
هذا السؤال كشف عن وجود ثغرة كبيرة، فإذا كانت لدى الجيش خطط تدخل استراتيجية في هذه الحالات حسبما أكد قائده كيكايس، فإن الشرطة الفدرالية لم تتوصل إلى الآن إلى تنسيق برامجها فيما بينها، وتترك الأمر لكل كانتون حسب امكانياته أو اتفاقيات التعاون الثنائية بين الكانتونات، وهو ما رأى فيه بعض الحضور عدم تنسيق كاف، يمكن أن يتسبب في أزمة حقيقية، إذ تبقى مسؤولية الخسائر الإقتصادية الناجمة عن هذا التردد وضياع الوقت غير محددة، وهو ما يؤثر على ساحة سويسرا المالية والإقتصادية، حسبما شرح أحد خبراء الإقتصاد.
وضعت هذه الأسئلة وما كشفت عنه من ثغرات قائمة والمخاوف من وقوع خسائر اقتصادية، علامات استفهام كبيرة أمام المتخصصين، من المؤكد أنهم سيعكفون على دراستها، إذ أن نتيجة القصور في التعاون بين شرطة الكانتونات وما وصفه البعض بـ “إهتمامات الشرطة الفدرالية غير الواقعية” أبانت عن وجود نقائص لا تتطابق مع ما تشتهر به سويسرا من عدم تهاون في كل ما يتعلق بالأمن. لذلك تساءل البعض كيف يمكن أن تلقن الكنفدرالية جيرانها دروسا في الأمن ومقوماته، وهي لم تتمكن بعد من ترميم بيتها من الداخل؟.
سويس انفو – تامر أبوالعينين – لوتسرن.
ركز منتدى أوروبا لوتسرن أحد محاوره على دور سويسرا الأمني في التعاون مع دول الجوار، وماذا يمكن أن تقوم به، وشارك في النقاش كريستوف كيكايس القائد العام للقوات المسلحة السويسرية، وآن ماري هوبر هوتس مستشارة المجلس الفدرالي، وكارين كيلر سوتر نائبة مدير مؤتمر مديرات ودراء الشرطة في الكانتونات، وباربارا هيرينغ رئيسية لجنة شؤون الدفاع التابعة للبرلمان، وجان لوك فيز رئيس جهاز الشرطة الفدرالية.
كشفت المناقشات والحوارات عن وجود ثغرات في التعاون بين شرطة الكانتونات وأن الشرطة الفدرالية لا تقوم بالتنسيق الكافي فيما بينها، في حين يقوم الجيش السويسري بمهامه كاملة في الداخل والخارج.
من المحتمل ان تقوم لجنة متخصصة بدراسة فكرة إنشاء مكتب فدرالي متخصص للأمن والشرطة (أو ربما وزارة للأمن) للتعامل مع هذا الملف من منظور يختلف تماما عن النظم المعمول بها حاليا، لضمان الأداء الأمثل لجهاز الشرطة بما يكون مناسبا للتعامل مع المشكلات الملحة والتعاطي مع مخاوف الرأي العام.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.