ضمان الأمن وصيانة الحريات: من يحسم الجدل؟
عندما يتردد رئيس المكتب الفدرالي للشرطة في تأييد مطالبة بعض السياسيين بتعزيز ترسانة القوانين الموضوعة لمراقبة السكان، فإن ذلك يعني أن المسألة تحتاج إلى وقفة..
اختارت مجلة “بلايدوايير” أي المرافعة، وهي شهرية سويسرية متخصصة في الشؤون القانونية طرح السؤال الذي يراود الكثيرين منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر الماضي على أهم شخصيتين معنيتّين به على المستوى الفيدرالي: هل تحتاج السلطات للمزيد من إجراءات المراقبة لتعزيز الأمن الداخلي في البلاد؟
السؤال جاء في إطار عدد خاص رصدت فيه المجلة بدقة تحركات الأحزاب السياسية وأعضاء مجلسي النواب والشيوخ منذ الخريف الماضي المتمثلة في تقديم ما لا يقل عن عشر مقترحات أو لوائح تشريعية ترمي إلى منح أجهزة الأمن المزيد من الوسائل القانونية والآليات الإجرائية على حساب الحريات الشخصية.
ويحظى هذا الموضوع بحساسية خاصة في سويسرا التي شهدت قبل عشرة أعوام فحسب ما يعرف بفضيحة الملفات السرية التي كشفت النقاب عن وجود شبكة معلومات سرية غير شرعية أنشئت طيلة فترة الحرب الباردة بتواطئ السلطات الفدرالية والمحلية وعديد المؤسسات العامة من أجل تجميع معلومات شخصية عن مئات الآلاف من المواطنين والأجانب بدون علمهم.
هذه الذكريات الأليمة عن أزمة أدت إلى الإطاحة بوزيرة العدل والشرطة حينها، دفعت العديد من الشخصيات والمنظمات والجهات المعنية بحقوق الإنسان والمتخوفة من تغوّل أجهزة الأمن وإمكانية تجاوزها للصلاحيات المخولة لها إلى الإعراب علنا عن توجّسها من هذه التحركات على الرغم من إقرارها بضرورة أخذ أقصى الإحتياطات المعقولة.
القوانين الحالية.. كافية!
منذ البداية كان السيد هانس بيتر ثور، الموظف الفدرالي المكلف بحماية المعطيات، واضحا في التأكيد على أن التشريعات المتوفرة حاليا كافية تماما لمواجهة أي تهديد يمكن أن تشكله ظاهرة الإرهاب. بل إن المقترحات الجديدة الداعية إلى السماح للشرطة بالتنصّت على المكالمات الهاتفية ومراقبة البريد الألكتروني وتفتيش المنازل الشخصية حتى في صورة عدم وجود أية شكوك أو وقوع جريمة ستكون “مثيرة للكثير من المشاكل” على حد قول السيد ثُور، الذي يقدر أن عدد الأشخاص الذين سيتوجب تسجيلهم ومتابعتهم حينها سيصل إلى ما بين ثلاثمائة وأربعمائة ألف شخص مقابل خمسين (أو ربما مائة ألف شخص حسب بعض المصادر) تتم مراقبتهم حاليا في إطار إجراءات حماية الأمن الداخلي.
السيد جون لوك فيز، مدير المكتب الفدرالي للشرطة، لا يخفي تشككه في وجود ضرورة حقيقية تستدعي زيادة مستوى الأمن الداخلي مثلما يطالب بذلك عدد من البرلمانيين. لكنه يتساءل في المقابل، ” ألا توجد هناك ضرورة لإقرار حق المواطنين في الإطلاع مباشرة على ملفاتهم الشخصية الموجودة لدى أجهزة الأمن المعنية (حتى ولو كان ذلك بشكل محدود) في صورة اعتماد المقترحات المعروضة حاليا على البرلمان؟”..
المحاور الثاني، السيد هانس بيتر ثور، كان حاسما في الردّ على السؤال المتعلق بوجود ضرورة لتوسيع صلاحيات أجهزة حماية أمن الدولة حيث رد بشكل قاطع: “لا ، التشريعات الحالية كافية” مذكرا بأن القوانين المعمول بها الآن تسمح للقاضي باتخاذ العديد من الإجراءات الوقائية مثل الترخيص لأجهزة الشرطة بالتنصّت على أشخاص يشتبه في كونهم إرهابيين يستعدون لارتكاب جريمة! لذا فلا يوجد أي داع لاستنباط المزيد من القوانين الحمائية حسب رأيه.
أجوبة السيد جون لوك فيز الواردة في المقال، لم تكن بمثل هذا الحسم لكنها تضمنت قدرا لا بأس به من التردد. فرئيس المكتب الفدرالي للشرطة يعترف بأن “الشكوك تساوره اليوم حول ما إذا كان من الضروري حقا توفير المزيد من الأمن الداخلي” لكنه يدعو في المقابل إلى البدء بإجراء تقييم معمق لأنشطة “جهاز التحليل” الحالي وإثر ذلك يجب على الحكومة الفدرالية ثم على الشعب في نهاية المطاف “أن يقرر حجم الحرية التي هم على استعداد للتضحية بها من أجل الحصول على المزيد من الأمن” حسب تعبيره.
هذا النقاش الهام الذي دار بين شخص مكلف بحماية الأمن في البلاد وآخر مسؤول على مراقبة حماية المعطيات الشخصية للمواطنين، على صفحات مجلة قانونية متخصصة، أكد مرة أخرى أن المحاولات الجارية لتقليص دائرة الحريات الشخصية وضمانات صيانتها لن تكون مسألة هينة في بلد يلجأ فيه المواطنون دوريا إلى آليات “الديموقراطية المباشرة” وذلك على الرغم من المخاوف الحقيقية التي نجمت عما حدث في نيويورك وواشنطن في الحادي عشر من سبتمبر 2001.
سويس إنفو
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.