طبول دبلوماسية بين واشنطن وطهران..
قالت إيران إنها مستعدة لدراسة قبول وجود دبلوماسي للولايات المتحدة في طهران ودعت الى تسيير رحلات جوية مباشرة بين البلدين بعد مرور ثلاثة عقود على قطع واشنطن الروابط مع الجمهورية الإسلامية.
وفي حديثه للصحفيين اثناء زيارة للامم المتحدة في نيويورك يوم الاربعاء 2 يوليو اتهم وزير الخارجية الإيراني مانوشهر متكي واشنطن ايضا بفرض قيود جائرة على ممثلي اجهزة الإعلام الإيرانية الذين يريدون العمل في الولايات المتحدة، وقال “اقترحت الجمهورية الاسلامية في إيران العام الماضي تسيير رحلات جوية مباشرة بين إيران والولايات المتحدة”.
واضاف الوزير الإيراني قوله “وهذا العام أثار الامريكيون فكرة قسم لرعاية المصالح في إيران مماثل للقسم الذي لدينا في واشنطن العاصمة. ويبدو لي انه يمكن للبلدين دارسة الاقتراحين كليهما”.
وكانت قد ترددت انباء غير مؤكدة مفادها أن وزارة الخارجية الأمريكية تدرس فتح ما يسمى قسم رعاية المصالح -وهم في العادة بضعة دبلوماسيين يعملون تحت علم بلد آخر- في طهران، غير ان مسؤولين امريكيين قالوا إنه لا توجد خطط ملموسة لتسيير رحلات مباشرة أو فتح مكتب لرعاية المصالح في طهران مماثل للمكتب الذي لها في هافانا بكوبا. وتجدر الإشارة إلى أن مكتب رعاية المصالح في هافانا هو رسميا جزء من السفارة السويسرية هناك، لكنه في الواقع مستقل تماما.
للفشل الأمريكي.. تبعات
تأتي هذه التصريحات الإيرانية في وقت يرى فيه مراقبون في الشرق الأوسط أنه ليس مهما اليوم أن ينتصر الجمهوريون، أو يخسروا في الانتخابات الرئاسية القادمة في الولايات المتحدة، ماداموا قد خسروا بالفعل الكثير من أدائهم السياسي في العديد من بقاع المعمورة وخاصة في المنطقة العربية والعالم الاسلامي.
فعلى مدى السنوات الأخيرة، لم يكن مجمل هذا الأداء، إلا سيئا للغاية، مثلما أكدته التقارير الأمريكية نفسها. فقد تحدث تقرير للكونغرس الأمريكي صدر يوم 11 يونيو الماضي عن انتشار مشاعر مناهضة لأمريكا في العالم بمستويات غير مسبوقة بسبب الحرب على العراق، وأشار أيضا الى إضفاء صفة “النفاق” على واشنطن بصدد احترام قيم الديمقراطية التي تنادي بها.
وفي العراق أيضا لاتزال إدارة الرئيس جورج دبليو بوش تتخبط وهي تبحث عن انتصارات وهمية، على الرغم من أن تقريرا جديدا للجيش الأمريكي – نشر الاثنين 30 يونيو – اعترف بشكل واضح بالفشل في العراق، وبشكل خاص في الثمانية عشر شهرا التي تلت اعلان بوش في مايو 2003 أن العمليات العسكرية توقفت، وأن الحرب لاسقاط نظام صدام حسين.. انتهت!.
هذا الفشل والتخبط يُوجد أيضا في أفغانستان، وليست هناك حاجة للاستشهاد مرة أخرى بالتقارير الأمريكية، فالمطلوب رقم واحد للولايات المتحدة (أي أسامة بن لادن) مايزال طليقا ينشر روائح الموت في أي مكان يريده وبشكل خاص في أفغانستان، وفي باكستان التي تئن اليوم أكثر من أي وقت مضى من ضربات القاعدة.
ايران .. فشل آخر!
أما في ايران الماضية بقوة وبخط بياني تصاعدي نحو إكمال برنامجها النووي – ولو بلغ ما بلغ- فان التخبط الأمريكي أصبح أكثر من مكشوف إزاء المسألة الايرانية بعد طلب واشنطن من عدوتها اللدود طهران السماح لها بافتتاح مكتب لرعاية المصالح الأمريكية يديره دبلوماسيون أمريكيون شبيه بشعبة افتتحتها واشنطن في كوبا منذ العام 1977، مع فارق واحد، وهو أن الأمريكيين يخططون – كما يرى دبلوماسيون ايرانيون – للخروج من سيطرة العلم السويسري المرفوع على مكتبهم في طهران تعبيرا – حسبما يبدو – عن الانزعاج من خطوة سويسرية بدت معقولة لكنها أثارت انتقادات أمريكية واسرائيلية، عندما قامت وزيرة الخارجية السويسرية ميشلين كالمي ري بزيارة إلى طهران في شهر مايو الماضي حيث تم التوقيع بحضورها ووزير الخارجية الايراني منوشهر متكي على اتفاقية ستقوم بموجبها ايران بمد سويسرا بنحو 6 مليارات متر مكعب من الغاز سنويا اعتبارا من عام 2011.
وأشارت وزيرة الخارجية السويسرية في مؤتمر صحافي مشترك عقد حينها مع نظيرها الايراني منوشهر متكي، الى أن الاتفاق وقع بين شركتي أي.جي.أل السويسرية والشركة الوطنية الايرانية لتصدير الغاز. وقد التقت كالمي ري خلال الزيارة بعدد من المسؤولين الايرانيين، على رأسهم الرئيس محمود احمدي نجاد، حيث تم التأكيد على ضرورة توسيع علاقات الصداقة والتعاون بين ايران وسويسرا، لاسيما في مجال الطاقة والتجارة والبحث العلمي، والتبادل الاقتصادي، وأكدت الوزيرة أن بلادها تُقر بحق ايران في استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية، وأشادت بتعاون طهران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، كما أنها تدعم جهود الوكالة والآليات المتعددة الجوانب لحل القضية.
ودافعت سويسرا عن موقفها، ورأت في الوقت نفسه أن من حق واشنطن أن يكون لها وجود دبلوماسي مباشر في ايران كخطوة قد تسبق استئناف العلاقات، أو على الأقل، تساهم في تعزيز قنوات الاتصال والحوار بين واشنطن وطهران والذي تقوم به – في الغالب – السفارة السويسرية.
“ايران غيت” جديدة؟
لكن ماذا عن ايران التي طالما سمت الولايات المتحدة بـ “الشيطان الأكبر”، وسعت خلال سنوات حكم الرئيس الاصلاحي السابق سيد محمد خاتمي الى التخلص من “عبء” هذه التسمية وشعارات مثل “الموت لأمريكا” وممارسات كاحراق العلم الأمريكي، لكنها – أي حكومة خاتمي – جوبهت بعدائية أمريكية ومضايقات وضغوط – غير مسبوقة – تركت آثارا بينة على الاقتصاد الايراني، وبالتالي أثقلت كاهل الناخب الايراني الذي أدار ظهره للاصلاحيين في الانتخابات العديدة التي جرت منذ عام 1980 وعززت نفوذ المحافظين.
ويتذكر الايرانيون كيف أن واشنطن خدعتهم أثناء الحرب العراقية الايرانية، وكيف كانت تدعم نظام صدام، ودعمتهم أيضا من خلال صفقة “ايران غيت” التي كشف النقاب عنها في نوفمبر 1986، وتم بموجبها ارسال إدارة الرئيس رونالد ريغان الأسلحة إلى إيران “مقابل الافراج في لبنان عن رهائن غربيين”، واقتطاع جزء من الربح لتمويل متمردين الكونترا في نيكاراغوا.
ويحق للايرانيين أن يتساءلوا على غرار عدد من كتاب الأعمدة في صحفهم مؤخرا: إذا وافقت طهران على الطلب الأمريكي.. ماذا سنفعل بالذاكرة التي تحتفظ منذ انتصار الثورة الاسلامية في فبراير 1979، بتسمية “وكر الجاسوسية” الذي أطلقته طهران على السفارة الأمريكية؟ وهل هي صفقة جديدة تقضي بأن تضغط واشنطن على الكيان الاسرائيلي ليتخلى عن النية -القديمة- ولو الى حين، بضرب منشآت ايران النووية، مقابل استمرار التهدئة مع حماس…مثلا!؟.
وبالفعل فان الخارجية الايرانية التي وصفت اقتراح واشنطن بفتح مكتب للمصالح في طهران بأنه مجرد “دعاية اعلامية”، أبلغ مسؤول فيها سويس انفو أن ايران “لم ترفض الفكرة من حيث المبدأ، وتفضل أن تتريث في الرد عليها اذا وصلها اقتراح رسمي عبر السفارة السويسرية”، مشددا على أن المرشد خامنئي، هو من سيقرر في النهاية الرفض أو الموافقة على اقتراح استقبله الحرس الثوري بالشروع بحفر 320 ألف قبر في المناطق الحدودية.. للقتلى من أعداء ايران إذا ما شنوا “الحرب المؤجلة” على بلادهم.
نصيحة بالتمنع..
هنا يجدر التذكير أن الطلب الأمريكي بفتح مكتب لرعاية المصالح في طهران لم يكن الأول من نوعه لأن واشنطن كانت قدمت طلبا مماثلا العام 1999 ورفضه المرشد الأعلى للجمهورية الاسلامية آية الله علي خامنئي الذي ربط بين التصعيد الغربي – تلك الأيام – مع بلاده وبين طلب مماثل بفتح مكتب للمخابرات والنشاطات السياسية، وإقامة علاقات مع “مرتزقة واشنطن” على حد تعبيره وهو يشن في فترة رئاسة الاصلاحي محمد خاتمي، هجوما غير مباشر على أنصاره وكل من تدثر تحت عباءة الاصلاح ممن كان ينادي بحوار مباشر مع واشنطن لاستئناف العلاقات المقطوعة بين البلدين منذ أبريل 1980.
وقارنت صحيفة “جمهوري اسلامي” القريبة جدا من خامنئي (الذي كان يملك امتيازها قبل أن يصبح الولي الفقيه) بين ظروف 1999 والضغوط الجديدة على ايران حيث أضاف الاتحاد الأوروبي بدفع أمريكي مباشر 35 شخصية ومؤسسة ايرانية (منها بنك ملي) إلى القائمة السوداء، ورفع البرلمان البريطاني اسم منظمة مجاهدي خلق المعارضة من قائمة المنظمات الارهابية، وتدريبات اسرائيلية على ضرب المنشآت النووية الايرانية – لتحذر، كما فعلت صحيفة كيهان (الخاضعة تماما لاشراف خامنئي)، مما وصفتها “خديعة أمريكية جديدة، تريد التأثير على الرأي العام الايراني وتمزقه من الداخل”.
وليس هناك أدنى شك أن الكثير من الايرانيين يرغب بشدة في إعادة العلاقات الدبلوماسية مع واشنطن، لتذليل الكثير من الصعوبات التي تعترض طريقهم نحو “الحلم الأمريكي” والحصول على تاشيرات دخول الى الولايات المتحدة حيث يقدر عدد المهاجرين الإيرانيين بمئات الآلاف.
هذا الأمر ناقشه البرلمان الإيراني بشكل مفصل في جلسة مغلقة عقدتها لجنة العلاقات الخارجية والأمن القومي، التي وضعت أمامها الروزنامة الأمريكية، وقرب موعد الانتخابات الرئاسية في نوفمبر القادم لتخلص الى الراي القائل بأن على ايران أن لاتسمح بنجاح الجمهوريين، وأن لاتقدم لهم “نصرا” على طبق من ذهب يخفف الخناق عليهم بسبب أزماتهم المتلاحقة في العراق وأفغانستان، وايران.
وطالب أعضاء في اللجنة أن “تتمنّع” الحكومة الايرانية في اتخاذ موقف من الاقتراح الأمريكي، بل ودعا البعض الى تأخير البت به الى ما بعد الانتخابات الرئاسية، مطالبين واشنطن باجراءات ملموسة على الأرض لصالح تخفيف التوتر منها “العمل على إعادة ملف ايران النووي من مجلس الأمن الى الوكالة الدولية للطاقة الذرية”..!
نجاح محمد علي – دبي
واشنطن (رويترز) – هون دبلوماسيون أمريكيون وايرانيون وغربيون يوم الثلاثاء 1 يوليو 2008 من المخاوف بشأن هجوم عسكري اسرائيلي وشيك على المنشآت النووية لايران بعدما تسببت الانباء بشأن تصاعد التوترات في اثارة القلق وساعدت في ارتفاع اسعار النفط الى مستويات شبه قياسية.
وقال دبلوماسي غربي في تل ابيب “الخيار العسكري هو اخر شيء يتعين علينا استخدامه ولن يستخدم بسهولة. لا أعتقد أنه سيكون هناك هجوم في الشهور الستة المقبلة.”
وجاءت المساعي لتهدئة المخاوف من مواجهة محتملة بين اسرائيل وايران بعد أكثر من أسبوع من التكهنات التي بدأت بتقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز الامريكية أفاد أن مسؤولين أمريكيين يعتقدون أن اسرائيل تدربت على توجيه ضربة عسكرية الى الجمهورية الاسلامية.
وثارت المخاوف بشأن المواجهة مجددا يوم الثلاثاء 1 يوليو عندما أفادت شبكة ايه. بي.سي نيوز أن مسؤولا دفاعيا أمريكيا كبيرا لم يذكر اسمه قال ان هناك احتمالا متزايدا بأن تهاجم اسرائيل ايران بسبب برنامجها النووي وهو ما قد يدفع طهران للانتقام من الولايات المتحدة واسرائيل.
وأثارت الانباء القلق وساعدت على ارتفاع اسعار النفط دولارين للبرميل مقتربة من مستواها القياسي 143.67 دولار للبرميل الذي بلغته يوم الاثنين بسبب مخاوف من أن طهران قد تتحرك لعرقلة حركة الشحن عبر مضيق هرمز الذي يمر من خلاله نحو 40 بالمئة من تجارة النفط البحرية العالمية. وايران رابع أكبر مصدر للنفط في العالم.
ونفى مسؤولون أمريكيون بشدة تقرير ايه.بي.سي نيوز. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الامريكية توم كيسي “ليست عندي معلومات تدعم ذلك.
وأضاف “الرد الرسمي لوزارة الخارجية هو .. الضحك .. وقول .. اخرج أيها الجبان وتحدث عن ذلك دون اخفاء اسمك اذا كان لديك فعلا شئ ما لتقوله” مشيرا الى المسؤول الذي نقل عنه التقرير النبأ دون أن يذكر اسمه.
وابلغ وزير الخارجية الايراني منوشهر متكي ان.بي.سي نيوز أنه لا يعتقد أن اسرائيل ستهاجم ايران. وقال “ما تمر به اسرائيل اليوم … سيمنعها من الانخراط في مغامرة اقليمية.. اسرائيل لاتزال تواجه أعراض ما بعد صدمة الهجوم على لبنان في عام 2006. لذلك لا نعتقد أن اسرائيل … في وضع يمكنها من الانخراط في هجوم اخر بالمنطقة.”
لكن ان.بي.سي نيوز ذكرت أن متكي قال ان ايران لن تفرق بين هجوم من جانب اسرائيل وهجوم من جانب الولايات المتحدة وسترد على نطاق واسع. وقال “ينبغي أن يكون مفهوما أنه ينبغي بذل كل الجهود من أجل أن تتجنب اسرائيل القيام بأي تحرك عسكري في المنطقة.”
وصرح الدبلوماسي الغربي في اسرائيل بأنه لا يوجد اجماع في اسرائيل يؤيد شن هجوم وان الولايات المتحدة ليس من المرجح ان تتخذ اجراء لانها ترى ان البرنامج النووي الايراني لن يصل الى مرحلة اللاعودة قبل نحو عامين.
وتتهم الولايات المتحدة وقوى غربية أخرى ايران بالسعي لاكتساب أسلحة نووية لكن ايران تقول ان برنامجها النووي سلمي ويهدف لتوليد الكهرباء. ويعتقد على نطاق واسع أن اسرائيل تمتلك الترسانة النووية الوحيدة بالشرق الاوسط على الرغم من أنها لم تقل أبدا انها تملك سلاحا نوويا. ورغم المساعي لتهدئة المخاوف بشأن صدام وشيك واصلت الولايات المتحدة الضغوط على ايران لتعليق برنامجها لتخصيب اليورانيوم.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 1 يوليو 2008)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.