طـُفـولةٌ يـُرثى لها..
زارت موفدة مؤسسة "أرض البشر لوزان" إلى فلسطين ناتالي شوار يوم الخميس مقر "سويس انفو" في برن لتدلي بشهاداتها عن أوضاع الأطفال والأمهات في الأراضي الفلسطينية حيث قضت شهرين مؤخرا.
وأكدت السيدة شوار أن حقوق الطفل هناك تنتهك بقوة، وأن الاحتياجات الطبية والاجتماعية لهؤلاء الأطفال باتت تفوق إمكانيات المؤسسة السويسرية.
لم يكن الحوار مع السيدة ناتالي شوار حديثا صحفيا معتادا، بل كان دردشة عفوية سردت فيها موفدةُ مؤسسة “أرض البشر لوزان” إلى فلسطين انطباعاتها عن أول مهمة دورية لها هناك. فهي قضت شهرين في الأراضي الفلسطينية لدعم الممثلين المحليين للمؤسسة في الضفة الغربية وقطاع غزة، وستعود قريبا للمنطقة في بعثة جديدة ستستغرق شهرين أيضا.
وتُولى المؤسسة السويسرية التي تنشط في فلسطين منذ 30 عاما، عناية خاصة بمجال صحة الأطفال والأمهات ومشاكل سوء التغذية. كما تشرف على عدد من العيادات والمصحات، وتُكون فرقا طبية وصحية محلية تتنقل بين المدن والقرى الفلسطينية لزيارة الأسر بهدف تقديم النصائح للأمهات حول الرضاعة، وفحص المواليد الجدد ووزنهم، وتوعية المرضعات بمخاطر سوء التغذية. وتسهر “أرض البشر لوزان” أيضا على إنجاز مشاريع تربوية في المدارس للترفيه عن الطفل الفلسطيني الذي يعاني في سن مبكر جدا من انعكاسات النزاع الإسرائيلي الفلسطيني.
وقد نقلت السيدة شوار خلال لقاءها مع “سويس انفو” صورة قاتمة جدا عن الحياة اليومية والحالة الصحية والنفسية للأطفال والأمهات في الضفة والقطاع، وعن أجواء الخوف وعدم الاستقرار التي تعمل فيها فرقُ المساعدات الإنسانية من جراء الحصار والسياسة الأمنية الإسرائيلية المتشددة.
المنقذ والضحية في مأزق!
تقول موفدة “أرض البشر لوزان” إلى فلسطين “إنه وضع يُرثى له وحرج جدا، وقد ساء منذ ثلاث سنوات بالنسبة لنا وللمستفيدين من مشاريعنا” والذين يقدر عددهم بعشرة آلاف شخص.
وأوضحت السيدة شوار أن تقديم الدعم لضحايا النزاع، خاصة الأطفال والنساء، يزداد تعقيدا كل يوم ويصبح مستحيلا أحيانا عندما تغلق القوات الإسرائيلية مراكز العبور إلى المدن والقرى التي تنشط فيها مؤسسة أرض البشر. فعلى سبيل المثال، لم تستطع وحدات المؤسسة الوصول إلى أحد المستشفيات بالخليل لمدة عشرة أيام في شهر يونيو الماضي لأن المدينة كانت محاصرة تماما.
وغالبا ما يُضطر أعضاء الفرق الطبية والصحية للمؤسسة السويسرية، في ظل هذه الظروف القاسية، إلى عبور كيلومترات طويلة مشيا على الأقدام، وهم يحملون أدوية ومعدات طبية تزن أحيانا ما بين 18 و20 كيلوغراما. وفضلا عن الصعوبات الجسيمة التي تعترض تنفيذ نشاطات مؤسسة “أرض البشر لوزان” والتخطيط لمهامها مسبقا بسبب الحصار الإسرائيلي، تغامر فرقها بحياتها لإسعاف عشرات آلاف الأسر التي تستفيد من مساعداتها في الضفة والقطاع.
فمؤسسة أرض البشر لم تسلم، مثل باقي وكالات الإغاثة المحلية والدولية في الأراضي الفلسطينية، من رصاص الجنود الإسرائيليين. وتقول السيدة شوار في هذا السياق “عدة أعضاء من منظمة أرض البشر، من زملائي الفلسطينيين أو أنا شخصيا واجهنا مواقف صعبة شعرنا فيها بالخوف، فقد أطلق النار على بعض سياراتنا وتلقينا أوامر عسكرية بالتوقف من قبل جنود إسرائيليين مسلحين”.
الدعم الصحي وحده..لا يكفي
وإن كانت الأوضاع على الميدان تزرع الرعب والخوف في نفوس الفرق الإنسانية، فما بالك بالأطفال الفلسطينيين الذين يرون النور وسط الدبابات وإطلاق النار وتدمير المنازل وإراقة الدماء، بالإضافة إلى الفقر والحرمان من أدنى الحقوق سواء على المستوى الصحي أو المدرسي أو الترفيهي. وهي حقوق تحاول مؤسسة “أرض البشر لوزان” احترامها والحفاظ عليها في فلسطين منذ ثلاثة عقود.
لكن رغم الجهود المتواصلة للمؤسسة في هذا المجال، تقول السيدة شوار إن حقوق الطفل الفلسطيني تُـنتهك بقوة، مشيرة إلى أن حالات سوء التغذية المرتبطة بعوامل نفسية ارتفعت عشرة أضعاف منذ الانتفاضة الثانية في صفوف الأطفال الفلسطينيين، وأن حالات فقر الدم انتشرت كثيرا بين المواليد الجدد. وتضيف السيدة شوار في هذا السياق أن الفرق الطبية باتت تلحظ أن كثيرا من الرضع يولدون بحجم أقل من الحجم الطبيعي نتيجة لسوء تغذية الأمهات وحالة الإرهاق والقلق التي يعشنها في ظل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي المتواصل.
وعلى المستوى النفسي، لاحظت مؤسسة أرض البشر السويسرية أن الأطفال الفلسطينيين يعانون من حالات قلق شديد، فهم يشكون من الكوابيس واضطرابات النوم وسلس البول، ومن ميول متزايد إلى العنف داخل المدارس وساحات الاستراحة.
وقد أدركت مؤسسة أرض البشر مؤخرا أن عملها لا يجب أن يقتصر على تقديم الدعم في المجال الصحي لأن الوضع الصحي مرتبط بالحالة النفسية للأطفال والأمهات، وأن العديد من الأمراض والاضطرابات التي تعاني منها الأسر الفلسطينية هي نتيجة للضغط المتراكم عليها بسبب الاحتلال والفقر والخوف. وقد شرعت المؤسسة منذ شهر مايو الماضي في تطبيق مشروع خاص بتقديم الدعم المعنوي والاجتماعي في كل من الخليل وجنين.
حالة “اكتئاب عام”
وتقول السيدة ناتالي شوار في هذا الصدد إن هنالك حالة “اكتئاب عام” بين السكان الفلسطينيين وخاصة النساء لأن الأوضاع الاقتصادية صعبة جدا، وغالبا ما تتكفل الأم برعاية سبعة إلى عشرة أطفال. ولا تعرف هذه الأمُّ إن كان سيتمكن أبناءها من الذهاب إلى المدرسة في اليوم الموالي، ولا كيف ستستطيع إطعامهم ورب الأسرة مازال عاطلا عن العمل.
ولئن كانت السيدة شوار لا تتوفر على أرقام دقيقة، فإنها حرصت على التأكيد في دردشتها مع “سويس انفو” على تنامي ظاهرة العنف العائلي في البيوت الفلسطينية. فعوامل الأرق والخوف المتعلقة بالاحتلال وحظر التجول والتغذية والتربية تؤثر بشكل ملموس على العلاقة بين أفراد الأسرة التي لم تعد تتوفر على أية وسيلة للترفيه على النفس. وتعتزم “مؤسسة أرض البشر لوزان” إنجاز عدد من المشاريع الهادفة إلى التصدي للعنف العائلي بحلول السنة القادمة.
وتبقى الإشارة في الأخير إلى أن أحد الإنجازات الهامة التي تفخر بها “مؤسسة أرض البشر لوزان” خلال الثلاثين عاما الماضية في فلسطين هو المساهمة في تكوين موظفين محليين فلسطينيين أكفاء ومعترف بهم. ومنذ بداية التسعينات، أسندت المؤسسة مهمة إدارة مشاريعها في الضفة والقطاع لهؤلاء الفلسطينيين حيث لم يعد لمؤسسة أرض البشر لوزان أي ممثل دولي هناك، ما عدا الموفدة ناتالي شوار التي تتفقد المنطقة في بعثات دورية. ويذكر أن الميزانية الإجمالية لمشاريع المؤسسة في فلسطين لعام 2004 تناهز مليون فرنك سويسري.
سويس انفو – إصلاح بخات
انشأت حركة “أرض البشر” عام 1960 في لوزان بسويسرا من قبل ادموند كايزر
كان هدف الحركة في البداية استقبال الأطفال الذين لا يستطيعون تلقي العلاج في بلادهم مثل الجزائر وتونس والفيتنام
في عام 1966، انتظمت مجموعة في جنيف وكانتونات اخرى لتكون “أرض البشر سويسرا” ثم امتدت الحركة في دول اخرى وأنشأت “الفدرالية الدولية لأرض البشر”.
في عام 1972، ونتيجة لخلافات مع كايزر، انشقت الحركة حيث تحولت جمعية لوزان الى مؤسسة تحمل اسم “أرض البشر لوزان” فيما انتظمت “أرض البشر سويسرا” في فرعين احدهما في جنيف والثاني في بازل
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.