عامُ الخلافات لدول مجلس التعاون الخليجي
تعيش دول مجلس التعاون الخليجي الست في أواخر عام 2004 على هاجس الإرهاب الذي ضرب بقوة في المملكة العربية السعودية، وبرزت مضاعفاته في بقية دول المنطقة.
وبرز هذا الهاجس من خلال التهديدات بعمليات إرهابية تستهدف مصالح أو رعايا غربيين، أو تحذير دول أوروبية أو الولايات المتحدة لمواطنيها من السفر إلى أكثر من دولة من هذه الدول.
يبدو أن النفط الذي شكّـل إلى حد الآن نعمة لدول المجلس، أو لنقل لأغلبها، قد يتحول إلى نقمة في ظل التهديد الذي أصدره في شهر ديسمبر أسامة بن لادن، زعيم تنظيم القاعدة – في رسالة عبر شبكة الإنترنت – بالتعرض إلى منشآت النفط في دول المنطقة.
يأتي هذا التهديد في الوقت الذي تمكنت فيه تلك الدول من تحقيق فوائض استثنائية في موازناتها فاقت كل التقديرات، نتيجة للارتفاع الكبير في أسعار النفط، بما جعل هذه البلدان تحقق أعلى ناتج قومي خام يُقدر بأكثر من 421 مليار دولار، في منطقة لا يزيد عدد سكانها عن 35 مليون نسمة، معظمهم من الوافدين.
وكانت المملكة العربية السعودية، التي تواجه منذ مايو 2003 موجة من الإرهاب، حصدت العشرات واستهدفت أساسا الرعايا الغربيين، من أكثر دول المجلس تأثرا بهذه الظاهرة الدخيلة على المنطقة، والتي يرى بعض المحللين أنها ازدادت حدة مع الحرب الأمريكية على العراق.
و قد أحدثت الاعتداءات على المجمّـعات، التي يقطنها أجانب، أو البيوت، أو مراكز العمل، ذعرا كبيرا في عديد المناسبات، وخاصة عند مهاجمة مجموعة مسلحة تضم مطلوبين أمنيين، فندقا خاصا يقطنه أجانب في 29 مايو في مدينة الخُـبر، التي تُـعتبر مركزا لإمدادات النفط ومشتقات البترول في المملكة.
غير أن هذه الاعتداءات اتّـخذت طابعا أكثر خطورة عندما استهدفت مجموعة مسلحة القنصلية الأمريكية في جدة يوم 6 من الشهر الحالي، في أول عملية من نوعها تستهدف بعثة دبلوماسية في المملكة، وذلك بالرغم من كل التحصينات الأمنية، السعودية والأمريكية.
ولم تسلم باقي دول المنطقة من الإرهاب، لا سيما مع التحذيرات التي تُـطلقها السفارات الغربية، وخاصة البريطانية والأمريكية، تباعا وعلى امتداد العام من احتمال وقوع اعتداءات إرهابية، وكذلك اكتشاف شبكات أو عناصر تُعد لعمل تخريبي، كما هو الحال في الكويت.
وبذلك، تعيش دول مجلس التعاون في حالة من التأهب والترقب، يزيدها ضبابية الوضعُ المتأزم في العراق.
الخطر الداهم من العراق
عاشت دول مجلس التعاون الخليجي الست العام الماضي على وقع التطورات في العراق، والتي أثرت وما تزال لحد الآن في دول الجوار، سلبا أو إيجابا.
ولئن ساعدت قوات الاحتلال الأمريكي – البريطاني للعراق في لجم أية تطورات أمنية غير محسوبة خارج العراق، فإن نتائج الانتخابات التي يجري الإعداد لها في أواخر العام، قد تُـؤجّـج الموقف إقليميا إذا ما فازت الأغلبية الشيعية في العراق في تلك الانتخابات، بما سيُـعطي دفعا أكبر للنفوذ الشيعي الإيراني في المنطقة، التي حافظت حتى الآن على توازن طائفي بين الشيعة بزعامة طهران، والسنة بقيادة المملكة العربية السعودية التي تأوي الأماكن المقدسة في مكة والمدينة.
تنامي دور البحرين وقطر على حساب السعودية
يبدو أن المملكة العربية السعودية بدأت مع نهاية العام تشهد تجسيما لتراجع دورها وانحصارها تدريجيا في المنطقة، حيث كانت إلى وقت غير بعيد تُـعتبر بمثابة الأخت الكبرى داخل العائلة الخليجية الواحدة.
وقد بدا هذا الانحسار مع أحداث الحادي من سبتمبر الإرهابية، وبتأثير من الولايات المتحدة التي اعتبرت أن وجود 15 سعوديا من منفذي الاعتداءات على بُـرجي مركز التجارة العالمية في نيويورك من أصل 19، دلالة على أن المملكة ارض خصبة لتنامي التيارات المتطرفة، والتي تحث أو تمارس الإرهاب.
وبالرغم من الإجراءات المختلفة، التي اتخذتها المملكة لدرء هذه الشبهة عنها، منها متابعة مصادر تمويل الجماعات الإرهابية وتجفيفها، إلى جانب حل بعض المؤسسات الخيرية، ومنها مؤسسة الحرمين الخيرية والتي يعيّـن المسؤول الأول عنها من قبل الملك، بالرغم من ذلك فإن بلدانا صغيرة – مثل قطر والبحرين – بدأت بدفع وإيعاز أمريكي في البروز على الساحة الخليجية كمراكز نفوذ بديلة، بإعلانها وانتهاجها سياسات انفتاحية والانضواء تحت المظلة الأمريكية.
فالبحرين التي تأوي الأسطول الخامس الأمريكي، أبرمت اتفاقية للتبادل التجاري الحر مع الولايات المتحدة، وهو ما أثار حفيظة المملكة العربية السعودية التي أوقفت هذا العام إمدادات نفطية مقدارها 50 ألف برميل يوميا، كانت تقدّمها مجانا إلى مملكة البحرين.
في المقابل، احتضنت قطر منذ العام الماضي القيادة العامة للقوات الجوية الأمريكية في منطقة الخليج، التي كانت تتمركز في المملكة العربية السعودية لسنوات طويلة، والتي مكّـنت أيضا الولايات المتحدة من إقامة قاعدتين عسكريتين ساهمتا في قيادة العمليات العسكرية لغزو العراق.
وأصبحت هذه الدولة الخليجية الصغيرة تطمح في لعب الأدوار الأولى إقليميا من خلال عرض وساطتها، على غرار ما قامت به الدوحة هذه السنة من عرض مساعيها الحميدة لدى لبنان وسوريا بعد صدور القرار الأممي 1559 حول سحب القوات السورية من لبنان، أو في الأزمة السودانية، أو الصراعات في القرن الإفريقي.
وقد طعمت قطر عملها الدبلوماسي هذا العام بالإشعاع الذي تتمتّـع به قناة الجزيرة، التي أصبحت اليوم محور خلافات بين أفراد العائلة الخليجية. فالجزيرة ممنوعة في البحرين والكويت والسعودية، لاتهامها من قبل هذه الدول بالتحريض على العنف، وفتح المجال أمام حركات معارضة تُـحرّض على العصيان المدني والتمرد على الأنظمة القائمة، وهي الاتهامات ذاتها التي توجهها لها الولايات المتحدة والحكومة الانتقالية في العراق.
دول الخليج ومشروع الشرق الأوسط الكبير
كل هذه التطورات لم تمنع دول مجلس التعاون الخليجي من توقيع أول معاهدة لمكافحة الإرهاب في اجتماعٍ، عقده وزراء داخلية المنطقة في موفى شهر مايو الماضي في الكويت.
كما أن تلك الدول بدأت، على الرغم من خلافاتها حول المبادرة الأمريكية التي تُـعرف بمشروع الشرق الأوسط الكبير الهادف إلى إدخال إصلاحات جوهرية على الأنظمة في المنطقة العربية خاصة، وجعلها أكثر ديمقراطية، بدأت في اتخاذ خطوات فرضتها ضرورة التعاطي مع الواقع ومسايرته في اتجاه الانفتاح، وآخرها ما قرّرته المملكة العربية السعودية من إجراء انتخابات بلدية جزئية وعلى مراحل، اعتبارا من شهر فبراير المقبل في منطقة الرياض.
هذا، فيما انضمت ثلاث نساء إلى الحكومة العُـمانية في خطوة اعتُـبرت سابقة في تاريخ السلطنة، والمنطقة عموما، وتبعتها في ذلك دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث دخلت امرأة إلى الحكومة لأول مرة ضمن تعديل وزاري أجري قبل بضعة أيام فقط من وفاة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رئيس الدولة ومؤسس الاتحاد.
ومع غياب الشيخ زايد، تواترت الأنباء عن احتمال حدوث تغييرات في الكويت في ضوء المتاعب الصحية التي يشهدها كل من أمير البلاد، الشيخ جابر الصباح، وولي العهد، الشيخ سعد العبد الله الصباح.
وبذلك يكون 2004 عام المتاعب الأمنية والخلافات بين أفراد العائلة الواحدة، وهي الخلافات التي كانت قبل فترة تُـحَـل داخليا دون الإعلان عنها، إلا أن طرح الخلاف الأخير بين السعودية والبحرين علَـناً، ومقاطعة ولي العهد السعودي الأمير عبد الله بن عبد العزيز قمة مجلس التعاون، فاجأ الجميع، إذ كان بالإمكان حلّ الخلاف عن طريق قانوني صامت، خاصة وأن البحرين، كما يرى المحللون، من حقها الدفاع عن مصالحها، حتى وإن كان الثمن إغضاب الشقيقة الكبرى.
رفيقة محجوب – دبــي
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.