عراق 2007: رضا نسبي عمّا مضى .. في انتظار ما سيأتي
كانت أواخر العام الذي مضى أفضل حالا من كل الأعوام التي أعقبت سقوط النظام السابق. فالعراقيون حققوا في الشهور القليلة الماضية إنجازين مهمين.
أولوما إدخال الفرحة إلى المنازل بفوز المنتخب الوطني للمرة الأولى بالكأس الآسيوية لكرة القدم في العاصمة الأندونيسية جاكارتا يوم 29 يوليو 2007، ثم إيجاد نوع من الاستقرار في العاصمة بغداد.
لقد أدخل العراقيون الفرح إلى المنازل، التي عانت كثيرا من الإرهاب بكل أشكاله، حتى المدعوم من قِـبل أجهزة حكومية، حين فازت كتيبة هوار وصحبه من شبان يلعبون وأيديهم على جروحهم، بكأس أمم آسيا، وابتسموا لأول مرة وهم يبكون كعاداتهم.
وأوجد العراقيون كذلك نوعا من الاستقرار الأمني في العاصمة بغداد، ما ترك تداعِـياته المباشرة على عموم المِـلف الأمني في العراق، خصوصا في الطُّـرق الموصلة إلى بغداد من المحافظات الوسطى والجنوبية والغربية.
في الانتصار الكُـروي، وجَّـه العراقيون رسالة قوية إلى كل من يعنيه الأمر، داخل العراق وخارجه، مفادها أنهم يرفضون المحاصصة الطائفية والعِـرقية، عندما اختاروا تشكيلة المنتخب الوطني باعتماد الكفاءة والخبرة، وجاء المنتخب يضم – كما هو العراق – خارطة موحّـدة من شماله إلى جنوبه، وشكَّـل حبّ العراقيين لنجومه وأبطاله، معيارا قويا لحب العراق ووِحدته وسيادته، بعيدا عن العُـنف الطائفي الأعمى، الذي يُـغذيه في الغالب سياسيون ينتمون إلى كتيبة المُـقاولين في العراق الجديد.
وإذ يتعرض هذا الإنجاز الكُـروي إلى هزّات وعَـقبات يضعها المقاولون السياسيون، الذين يبحثون عن أمجادهم فوق جُـثث القتلى من ضحايا السيارات المفخخة والاغتيالات المُـبرمجة وعمليات الخطف، التي تسجَّـل ضدّ مجهول، رغم أنها معلومة المنشأ دائما، فإن الإصرار على تطبيق نظام المُـحاصصة بذرائع واهية، منها “التوافق وإيجاد تحالفات جديدة”، يُـهدد الإنجاز الأهم للعام الذي مضى، وهو الاستقرار النِّـسبي والتقدم الملحوظ في الملف الأمني، خصوصا في محافظات الغرب وبغداد، وعموم ما كانت تُـعرف بالمناطق الساخنة…
التطوّر الأمني في بغداد وبروز مجالس الصَّـحوة في عددٍ مُـهم جدا من المناطق الساخنة، التي كانت مسرحا لعمليات تطهير طائفي، أكَّـد حقيقة مهمَّـة كادت تغِـيب وسط صِـراع المقاولين السياسيين على مراكز السلطة والنفوذ، وهي أن العراقيين قادرون على وأدِ الفِـتنة الطائفية، التي ساهمت شخصيات معروفة في إذكائها دون جدوى، للحصول على مكاسب شخصية أو لتنفيذ أجندة خارجية.
وكان العام الذي مضى، الأكثر ألَـما والأعمق جُـرحا في نِـسبة الجريمة وزيادة أعداد الضحايا الأبرياء، وفي بروز اصطفافات وتحالفات جديدة، تقِـف خلفها قِـوى إقليمية معروفة، وفي ظهور انشقاقات وخلافات داخل الكتل المعروفة، أبرزها في الائتلاف العراقي الموحَّـد وجبهة التوافق .. غير أن ما حصل في الرّمادي من “ثورة” سُـنية ضد تنظيم القاعدة وباقي الجماعات الإسلامية المتطرّفة ترك أصداء قوية على مُـجمل المناطق “السُـنية”، التي كانت مُـلتهبة، وترك بصمة من الاستقرار الأمني “النِّـسبي” على مُـختلف مناطق العراق، ما شجَّـع أيضا على هجرة عكسية إلى الديار.
صحوة أم كبوة؟!
مجالس الصحوة يُـمكن أن تتحول إلى مشكلة أمنية وليس حلا للمعضلة الأمنية في المناطق السُـنية، وقد تُـنافَـس الحكومة في قوتها وتتحول إلى ميليشيات من طراز “عشائري”، إذا لم تتَّـفق القِـوى السياسية العراقية على آلية لاستيعاب الأعداد الكبيرة من مقاتليها، إما من خلال دمجها في الأجهزة الأمنية، وهذا ما ينادي به قادتها، أم عبر احتوائهم ماليا أو عن طريق تعيينهم في أعمال إدارية بعد الانتهاء نهائيا من القاعدة، وهذا الرأي يطالِـب به أنصار حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي.
ويرى البعض أن على الحكومة دمج عدد من مقاتلي الصَّـحوة في الأجهزة الأمنية وتعيين البقية في مؤسسات مدنية، لتفادي تِـكرار تجربة دمج عناصر من ميليشيات وأحزاب إسلامية في الأجهزة الأمنية، وما يقال، أن معظم الجرائم وعمليات الاغتيال السياسي في البصرة مثلا، نفذت بواسطة عناصر الشرطة الذين كانوا في الأحزاب الإسلامية.
البصرة!
وعلى صعيد الإنجاز في الملف الأمني، يمكن الإشارة أيضا إلى تسليم القوات البريطانية مسؤولية الاضطلاع بمهام حِـفظ الأمن في البصرة إلى السلطات المحلية، وسط محاولات جدّية يبذُلها الفريق أول ركن موحان الفريجي، قائد العمليات، وقائد الشرطة اللواء عبد الجليل خلف، لإعادة الأمن إلى هذه المدينة الجميلة الفقيرة المهمَّـشة، التي يعيش كل العراق من خيراتها ومن مينائها الوحيد.
وفي هذا السياق، ومع نهاية عام 2007 وتحديدا في شهر نوفمبر، شرع الفريجي في تنفيذ خطَّـة أمنية جديدة للقضاء على الجريمة المنظمة وعمليات الاغتيال، تقوم أساسا على “الترغيب والترهيب”، لحضّ الأحزاب الإسلامية المسيطرة على البصرة، على التعاون من أجل نزع سلاح الميليشيات التابعة لها وضبط عناصر جيش المهدي – الجناح العسكري للتيار الصدري، وتفريغه من تيارات الجريمة، التي تُـنفَّـذ باسمه.
واستفادت القوى السياسية في البصرة من مبادرة مهمَّـة، أطلقها زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر، بتجميد جيش المهدي ستة شهور بعد أحداث دامية شهدتها مدينة كربلاء خلال زيارة النصف من شعبان، لتوسّـع من دائرة مجلس إسناد القانون تمهيدا لنزع سلاح الميليشيات، خصوصا جيش المهدي، الذي يُـصر قادته أنه مجرد كِـيان عقائدي!
غير أن بعض قادة ما يُـسمى “حركة 17/3، التابعة أو المُـوالية لجيش المهدي، قرّرت رفض أي قرار من مُـقتدى الصدر يقضي بتسليم أسلحتهم الثقيلة، التي يتم تهريبها من إيران، في وقت يُـشدد فيه القادة الأمنيون في البصرة على أهمية “إظهار العَـين الحمراء”، عبر القيام بسلسلة عمليات هجومية مُـباغتة، تستهدف مقار ومستودعات أسلحة تابعة لجيش المهدي، على غرار ما حصل يوم 28 ديسمبر الماضي وما أعقبها من مواجهات عنيفة، أثارت بعض الأسئلة الصَّـعبة حول قُـدرة قائد العمليات، الفريق أول موحان الفريجي على الصُّـمود في تنفيذ برنامجه المشفوع باستخدام القوة بوجه المطالبين – من قادة الأحزاب الإسلامية – بتغييره!
عموما، فإن العراقيين يبدُون راضين عن العام الذي مضى، لكنهم يبقون يتساءلون: وماذا عن العام الجديد؟!
نجاح محمد علي – دبي
بغداد (رويترز) – قال برهم صالح، نائب رئيس الوزراء العراقي يوم الخميس 3 يناير 2008، إن الفساد الإداري الذي تُـواجهه الحكومة، هو التحدّي الأكبر والخطير، الذي يهدّد الجميع وينذِر بضياع ما تحقَّـق في العراق منذ عام 2003.
وكان صالح يتحدث في مؤتمر للحكومة العراقية، عقد في بغداد وحضره مسؤولون عراقيون وبرلمانيون وسفراء وممثلو سفارات عاملة في العراق، وخصص لمناقشة تفشي ظاهرة الفساد الإداري والمالي، وإيجاد السبل لمحاربتها. وقال صالح، إن الفساد الإداري المستشري واحد “من أكبر التحدّيات الخطيرة، التي تواجهنا كعراقيين. وتهدّد بفقدان ما نسعى لتحقيقه من مستقبل حُـرّ مزدهر”، وأضاف أن الحكومة العراقية أرادت من هذا المؤتمر أن يكون بداية “حملة تعبِـئة وطنية هادفة لاستئصال هذه الآفة، التي إن لم نُـواجهها بحزم وجدّية ستنال منا جميعا.”
وقال صالح إن الحكومة العراقية شخَّـصت، ومنذ وقت، مسببات الفساد المالي والإداري “والتي تكمُـن أساسا في عدم رسوخ المؤسسات وسلطة القانون وفي التحديات الأمنية وغياب المساءلة والشفافية الحقيقيتين”، وأنحى باللائمة على الوضع السياسي في البلاد، وقال إنه وبسبب التجاذبات السياسية التي شكلت الانقسامات الطائفية، العامل الرئيسي فيه شكل مناخا لتفشي ظاهرة الفساد المالي والإداري.
وقال إن من جملة التحديات “التي تواجه المؤسسات الرقابية أيضا، التجاذبات السياسية ومحاولات تسييس هذا الملف من قِـبل مراكز الثقل السياسي… والاختلالات، التي يشهدها الوضع السياسي في البلد، والمتمثلة بمعايير المحاصصة والمحسوبية الحِـزبية وتحويل الوزارات والمؤسسات إلى ضيعة لهذه الجماعة أو تلك.”
وكانت ظاهرة الفساد الإداري والمالي قد تفشَّـت بشكل كبير في العراق في الفترة الأخيرة، وخاصة عقب دخول قوات التحالف إلى بغداد في عام 2003، بسبب انهيار المؤسسات الحكومية، وبشكل خاص، الرقابية وضعف سلطة القانون.
وقال صالح، إن الحكومة العراقية مُـطالبة باتِّـخاذ جملة من التدابير، للحد من هذه الظاهرة “وفي مقدّمتها، اعتماد سياسة الشفافية والمساءلة وبما يعزِّز كل منهما الأخر”، وأضاف، أن الحكومة العراقية توصَّـلت غلى جملة من المقترحات، تهدف إلى الحد من هذه الظاهرة، من أهمها دعوة المؤسسات الحكومية إلى “وضع نظام توفير البيانات والمعلومات الضرورية، للكشف عن إدارة المال العام.. وتمكين الإعلام والمواطنين من الإطلاع عليها، على أن يبدأ تطبيق هذا النظام من الأول من شهر أبريل القادم”، وأعلن صالح عن وجود نية في “تنفيذ مشروع الحكومة الإلكترونية وتشكيل لجنة.. لمتابعة إنجاز هذا المشروع في موعد أقصاه نهاية العام الحالي، كما ذكر أن اللجنة الاقتصادية التابعة للحكومة العراقية ستُـطلق بعد أسبوع موقعها الإلكتروني على الشبكة الدولية “والذي ننوي فيها نشر كل قراراتنا، بما فيها قرارات لجنة العقود.”
ومن بين التوصيات التي طرحت في المؤتمر “تفعيل العمل باتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد الإداري، والتي تمت الموافقة على انضمام العراق إليها من قِـبل مجلس النواب”، ودعا المؤتمر إلى “تشريع قانون وطني خاص بمكافحة الفساد… وضرورة التنسيق مع المجتمع الدولي في هذا المجال.”
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 3 يناير 2008)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.