عرفات بين الحصار والمساومات
رفضت إسرائيل الانصياع لقرار مجلس الأمن الدولي، الذي دعاها إلى رفع الحصار عن مقرّ الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في رام الله.
وأكّـدت حكومة أرييل شارون أنها ستواصل حصارها “للمقاطعة” رغم النداء الذي وجّـهه الرئيس جورج بوش لوضع حدّ لهذه العملية، التي قال إنها لا تخدم السلام.
كشفت مصادر فلسطينية مطلعة لسويس انفو “النقاب عن أن الحصار الإسرائيلي الجديد للرئيس ياسر عرفات في رام الله، “له أبعاد تتخطى بكثير الوضع الأمني ومسألة العمليات الانتحارية”.
وأوضحت المصادر، التي تعتبر “محايدة” بين أطراف السلطة الوطنية الفلسطينية، أن العملية العسكرية الإسرائيلية في منطقة المقاطعة (مقر الرئاسة الفلسطيني)، تستهدف في الواقع تشجيع الصراع على السلطة بين الفلسطينيين في الدرجة الأولى، وتلبية رغبة الإسرائيليين في الانتقام من العمليتين الانتحاريتين الأخيرتين في أم الفحم وتل أبيب، في الدرجة الثانية.
وأضافت المصادر أن الحسابات الإسرائيلية تقوم على الاعتبارات التالية:
·بعد أن نجح المجلس التشريعي الفلسطيني في إسقاط الحكومة الفلسطينية، بات الباب مفتوحا أمام إمكانية تحّرك قادة فلسطينيين لمحاولة خلافة الرئيس عرفات.
·عزل عرفات عسكريا قد يشجّع هؤلاء القادة أكثر على المُضي قُدما في معركة الصّراع على السلطة، الأمر الذي قد يريح الدولة العبرية من ضغط الانتفاضة عليها .
·كما أن التحّرك الإسرائيلي قد يساهم في تعزيز مواقع القوى الفلسطينية التي تحظى برضى تل أبيب.
وتطرح المصادر هنا إسم محمود عباس أبو مازن، أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وفريقه في كل من الحكومة والبرلمان الفلسطينيين، كأحد الأطراف التي لا تعترض إسرائيل على صعودهما السياسي، كما أنها تعزز تحليلها هذا بالقول، إن إسرائيل تُدرك أن عرفات لا علاقة له من قريب أو بعيد بالعمليتين الانتحاريتين الأخيرتين، اللّـتين أشار العديد من القادة الإسرائيليين إلى أنهما تمتا بطلب من الرئيس العراقي صدام حسين. وبرغم ذلك، قررت التحرك ضد الرئيس الفلسطيني لتسهيل تفاقم الصراعات الداخلية الفلسطينية.
لعبة أمريكية
ما موقف الولايات المتحدة، وهي الحكم الأول والأخير في كل ما هو شأن داخلي فلسطيني في الضفة الغربية وغزة هذه الأيام؟
يعتقد المراقبون في بيروت أن واشنطن تُمارس لعبة مزدوجة. فهي من جهة تضبط الدولة العبرية لمنعها من تصعيد الأمور إلى الدرجة التي قد تربك التخطيطات الأمريكية لضرب العراق. ومن جهة ثانية، لا تُمانع في الجهود الإسرائيلية الراهنة لتسريع سقوط عرفات واستبداله بقيادة جديدة. ويضيفون أن عرفات، أدرك هذه اللعبة مبكرا وشعُر بخطرها الشديد على مواقعه. لذا، بادر إلى الإيعاز بإنزال أنصاره إلى شوارع غزة والقدس لإجهاض أية محاولة لإنزاله عن عرش الرئاسة.
ويشير المراقبون إلى أنهم يتوقعون أن تتفاقم لعبة شد الحبال حول السلطة الفلسطينية من الآن وحتى بدء الحرب الأمريكية الوشيكة ضد العراق، بشرط أن يتم ذلك بدون “ضجيج كبير”، لئلا تتحول أنظار الأسرة الدولية من العراق إلى فلسطين.
وهذا توقُّـع تُـوافق عليه المصادر الفلسطينية، وتضيف إليه توقعا آخر هو عدم استبعاد قيام إسرائيل، إما بإبعاد عرفات أو عزله فترة غير قصيرة عن كل التطورات الفلسطينية. وهذا قد يطلق يد الطموحين في الحكومة والبرلمان وأجهزة الأمن لإطلاق العنان لتنافساتهم السلطوية، وربما حتى أيضا لاحتمال نشوب مواجهات وصدامات بين الأطراف الفلسطينية.
ومعروف أن الرئيس الأمريكي جورج بوش أعلن مرارا أنه “لم يعد يثق بعرفات”، فيما كان العديد من المسؤولين الأمريكيين يتحدثون علنا عن رغبتهم في رؤية الرئيس الفلسطيني خارج حلية الانتخابات المقررة في بداية العام القادم.
وتقول المصادر الفلسطينية، إنها تعتقد أن الولايات المتحدة تفضّل التخلص من عرفات “قبل الحرب على العراق إن أمكن”، لأن ذلك قد يسهل “تهدئة” الجبهة الفلسطينية وتحييدها عن التطورات الخطيرة التي ستجري قريبا في الشرق الأوسط.
وإذا ما صح هذا الاعتقاد، فإنه سيعني أن الأيام والأسابيع القليلة المقبلة ستكون ساخنة للغاية، خاصة ما يتعلق بمصير الرئيس عرفات ومستقبله السياسي.
سعد محيو – بيروت
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.