عزوف الأغلبية عن التصويت يثير القلق في المغرب
لم تحمل الانتخابات التشريعية المغربية معها أي مفاجأة ولم تمنح أي ثقة للناخبين المغاربة من جديد للمسار الذي اتخذته البلاد منذ عشر سنوات في ظل الاستمرارية وتغيير الأشخاص في نفس الإطار.
فالرسالة الواضحة التي تلقاها الساسة المغاربة من الانتخابات البرلمانية، هي أنهم لا زالوا بعيدين عن الناخبين العاديين الذين أحجموا عن التصويت بأعداد قياسية.
كان مغرب ما بعد السابع من سبتمبر، يرسم بصورة مختلفة عن مغرب ما قبله، واستطلاعات الرأي والمراقبون والمحللون، خططت ملامح الصورة التي رسمت واستنسخوا بـ “عناية” صورة تركيا في جماليتها وهدوئها أو صورة فلسطين التي أعطتها انتخابات يناير 2006 في صخبها أو صورة الجزائر وما أفرزته تشريعيات ديسمبر 1991 من بشاعة الدم.
وجهت صناديق الاقتراع – بالنتائج التي أعطتها – رسالة لمن استند في رسم الصورة الاستباقية على أن الأحزاب “التقليدية” التي تدبّـر الشأن العام منذ عام 1998، ابتعدت عن المواطنين وأن هؤلاء المواطنين سيأتون كعِـقاب لها (كما عاقب الجزائريون عام 1991 جبهة التحرير الوطني والفلسطينيون عام 2006 حركة فتح) بالإسلاميين، مفادها أن من رسم الصورة الجديدة لا يعرف مزاج المواطن المغربي ولا الآليات التي تتحكّـم في تدبير شؤونه ولا يعرف أيضا حتى ما يمكن أن يفرزه القانون المنظم للانتخابات.
عمليا، أعاد الناخبون المغاربة رسم الخارطة البرلمانية مع تعديلات بسيطة في حجم حضور كل مُـكوّن من مكوناتها وترتيبها في لائحة الأحزاب التي تحتَـل مقاعد في مجلس النواب، ومنحوا الأغلبية الحكومية (بقيادة حزب الاستقلال هذه المرة بدل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية)، ثِـقتهم من جديد لخمس سنوات أخرى.
مفاجـــآت
كانت المفاجأة الأولى، التي وعد بها المحللون والمراقبون ورسموا صورتها، أن حزب العدالة والتنمية سيكتسِـح ويُـغيّـر بصورة جِـذرية المشهد السياسي المغربي، بل ذهب البعض لوضع سيناريو ما بعد الانتخابات (إما الجزائر والانقلاب على نتائج الاقتراع أو فلسطين ومعاقبتها بالحصار وإما تركيا ومقاومة العسكر)، وذهب الحزب إلى تصديق ذلك، إلى حد أن صحيفة “التجديد” القريبة منه نشرت يوم الاقتراع احتمالات تركيبة الحكومة القادمة والتحالفات التي ستفرزها الانتخابات وتمحوَرت كل الاحتمالات على أن حزب العدالة والتنمية سيكون قائد الحكومة الجديدة أو عمودها الفقري، ومنى الحزب نفسه بـ 80 مقعدا، وهو حجم لم يصِـله أي حزب من الأحزاب في تاريخ المغرب المستقل.
وكانت “المفاجأة” في أنها لم تقع وأن ما حصل عليه حزب العدالة والتنمية لم يتجاوز 47 مقعدا، ما أهّـله لاحتلال المرتبة الثانية وثبّـته على ضوء ردود الفعل الأولى، التي صدرت عن قياداته بمقاعد المعارضة، والتي حرص طِـوال السنوات الخمس الماضية على إبقائها باردة ليُـطمئن صانع القرار والأطراف الدولية والإقليمية، التي تراقب تصاعد نفوذ التيارات الأصولية وتُـحذر منها.
وقد ذهب الحزب إلى أبعد من ذلك في تبريد مقاعده ليُـضيفها في كثير من الأحيان إلى مقاعد الأغلبية في مفاصل ساخنة من الحياة البرلمانية (في الدورة الأخيرة التي امتدت من عام 2002 إلى 2007)، مثل مفصل وضعية المرأة وحقوقها أو ما عُـرف بخطة إدماج المرأة بالتنمية، التي عارضها بشدّة ثم وافق عليها، وأيضا قانون مكافحة الإرهاب، الذي عارضه ثم عاد ووافق عليه.
وكانت هجمات انتحارية شنَّـت بالدار البيضاء في شهر مايو 2003 وسلسلة هجمات عرفّـتها البلاد خلال عام 2007 الجاري، وتحميل الحزب مسؤولية مَـعنوية عنها والحملة الدولية على الإرهاب الأصولي، أحد أبرز عوامل التبريد والتَّـليين والتماهي مع التوجه العام لصانِـع القرار، وهو ما أدى به إلى أن يكون حزبا يجلس في مقاعد المعارضة، لكنه مُـستنسخ عن أحزاب الأغلبية، ولم يعُـد يجد به الناخب المغربي ما يميِّـزه عن الآخرين.
المفاجأة الثانية، التي مَـنت بها السلطات والأحزاب نفسها بوقوعها، إن كان من خلال ما أعدته من قوانين منظمة للانتخابات أو حملات التّـعبئة للتوعية والتحذير، هي منع استخدام المال في شراء الأصوات، لكن المفاجأة تمثلت في أن المال استُـخدم وبشكل مكثّـف، ليكون هو الفائز الأول بعد أن تفنن أصحاب المال في الوصول إلى الأحزاب لنَـيل ثقتها وضمِّـهم إلى لوائح مرشحيهم أو عملية شراء الأصوات بالاتفاق مع المسؤولين المحلِّـيين، لغض النظر وبعيدا عن أعين السلطات المركزية المُـشرفة على الانتخابات.
والمفاجأة الثالثة، هي النسبة المرتفعة للامتناع عن التصويت، والتي بلغت 63%، وما كشف عنه الفرز من أن 19% (حوالي مليون صوت) من أصوات المشاركين كانت ملغية لعيب في عملية التصويت، وليطرح سؤال حول ما إذا كان العيب متعمّـدا ونتيجة سبْـق إصرار أو ناجما عن جهل بعملية الاقتراع.
عوامل العزوف
وقد عُـزي العزوف الملفت عن التصويت إلى عوامل متعدّدة، من بينها تعقيدات نظام الاقتراع النِّـسبي القائم على اللائحة المحلية مع احتساب أكبر بقية، وهو نظام يزاوج بين الاقتراع الفردي واللائحي، نظرا للعدد المحدود لمقاعد القائمة والتركيز على وكيلها.
ومن عوامل العُـزوف، نجاح التعبئة ضدّ الحكومة ومكوّناتها الحزبية على أدائها خلال السنوات العشر الماضية وضعف أداء المعارضة، وأساسا حزب العدالة والتنمية، حيث افتقد النّـاقم على ما هو قائم، بديلا يذهب من أجله لوضع صوته في صندوق الاقتراع.
وبدا واضحا جدا في القراءات التي تصدت لمحاولة فهم ظاهرة العزوف عن التصويت، أن المواطن المغربي لم يلمـس دورا حقيقيا للمؤسسات الدستورية (برلمان وحكومة) في ظل الحديث الدائم على أن كل السُّـلط وكل القرارات بِـيد القصر، وهو ما أقنع قطاعا عريضا من الناخبين بأن تصويتهم لن يُـحدث تغييرا في الخارطة البرلمانية، كما أن أصواتهم لن يكون لها دور مؤثر في رسم مستقبل البلاد أو تدبير الشأن العام.
الأحزاب والسلطات الرسمية دعت إلى قراءة معمّـقة لظاهرة العزوف واستخلاص نتائجها، لأن الظاهرة قد تُـؤدي في حال استمرارها وتعميق مفاهيمها، إلى نزوع الشباب المغربي نحو التشدّد والعدمية والعدوانية أو اللامبالاة وعدم المسؤولية تُـجاه أي شيء.
النّـخبة السياسية المغربية لن تنشغل خلال الأيام القادمة بتحليل الانتخابات بكل مراحلها، لأنها ستكون مشغولة بالحكومة الجديدة التي – وإن كانت تصريحات زعماء الأحزاب تشير إلى أنها لن تعرف تغييرا في تركيبتها السياسية عن الحكومات المتعاقبة منذ 1998 (والمكوّنة من الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب الاستقلال والتجمع الوطني للأحرار والحركة الشعبية وحزب التقدم والاشتراكية)، فإن طبيعة تركيبتها ستختلف من حيث عدَد الحقائِـب الوزارية، التي ستُـعطى لكل حزب وطبيعة هذه الحقائب والشخصيات التي ستحملها.
هذه الأمور تحتاج من الوزير الأول، الذي سيختاره الملك محمد السادس من بين شخصيات أحزاب الأغلبية للتفاوض مع كل حزب، وكل حزب يحتاج إلى مفاوضات متعدّدة الأطراف، مفاوضات مع حلفائه وشركائه بالحكومة الجديدة ومفاوضات داخل حزبه، خاصة وأن الكثيرين يطمحون لحمل حقيبة وزارية، أما تعويضا عن خسارة مُـني بها أو مكافأة على نجاح حقّـقه.
محمود معروف – الرباط
الرباط (رويترز) – أوضحت النتائج النهائية التي أصدرتها الحكومة المغربية يوم الاثنين 10 سبتمبر أن حزب الاستقلال المغربي المحافظ فاز بمُـعظم المقاعد في الانتخابات البرلمانية، مما يُمهد الطريق أمام قيامه بدور بارز في الحكومة المقبلة. وحزب الاستقلال عضو في الائتلاف الحاكم السابق، وقالت وزارة الداخلية إنه حصل على 52 مقعدا متقدما على حزب العدالة والتنمية الإسلامي المعارض، الذي جاء في المركز الثاني بحصوله على 46 مقعدا، ولم تتغير النتائج كثيرا عن النتائج الأولية، التي صدرت يوم السبت 8 سبتمبر.
وحصل حزب الحركة الشعبية اليميني على 41 مقعدا، في حين حصل حزب التجمع الوطني للأحرار على 39 مقعدا وحصل حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، شريك حزب الاستقلال الرئيسي في الائتلاف، على 38 مقعدا. وهذه هي ثاني انتخابات برلمانية في عهد العاهل المغربي الملك محمد السادس، وشهدت منافسة بين 33 حزبا وعشرات المستقلين على مقاعد البرلمان المؤلف من 325 مقعدا.
وكان حزب العدالة والتنمية الإسلامي يأمل أن يحصل على المركز الأول والقيام بدور في الحكومة المقبلة، وعندما أصبح واضحا أن الحزب سيأتي في المرتبة الثانية، اتهم معارضين دون أن يحدّدهم بالاسم، بشراء أصوات لتحريف النتائج، ورفضت الحكومة المزاعم، ولكن قالت أنها ستُـحقق. وقال مسؤول بارز بحزب العدالة والتنمية، إن الحزب في انتظار تعيين رئيس جديد للوزراء ومقترحاته، مضيفا أنه إذا دعا رئيس الوزراء الجديد الحزب إلى الحكومة المقبلة، فسيناقش الحزب الأمر وسيقرر ما إذا كان سينضم إلى الحكومة أم سيبقى في المعارضة، وأجاب ردّا على سؤال لرويترز عما سيفعله الحزب بخصوص النتائج، قائلا إنه إذا كانت هناك شكاوى، فسيلجأ الحزب للمحاكم، إذ أنه حزب يحترم القانون والشرعية ويرفض اللجوء للشغب.
والنظام الانتخابي المغربي المعقّـد يجعل فوز أي جماعة بأغلبية مطلقة أمرا شِـبه مستحيل، وبصرف النظر عن النتيجة، فستظل القوة الحقيقية بيد العاهل المغربي الذي يجمع بين منصبَـي رئيس السلطة التنفيذية وقائد الجيش. وفاز تحالف كتلة حزب الاستقلال وحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب التقدم والاشتراكية الأصغر، بأغلبية تسمح لهم بالبقاء معا وتشكيل الحكومة المقبلة. وذكرت مصادر سياسية أنه من المقرر أن يجتمع زعماء الكتلة الأسبوع الحالي لدراسة الخطوة المقبلة.
وقال عباس الفاسي، زعيم حزب الاستقلال، إن الشعب المغربي قدّر انجازات الحكومة المنتهية ولايتها وجدّد مساندته لها، وأضاف أن الحزب في انتظار قرار العاهل المغربي بخصوص من سيشغل منصب رئيس الوزراء وأنه سيتشاور مع حلفائه في الكتلة. وأشارت مصادر سياسية إلى أن الملك المغربي قد يعيِّـن رئيسا للوزراء من صفوف حزب الاستقلال، ولكنها استبعدت أن يكون الفاسي هو خيار الملك محمد السادس. وقال مصدر “إذا اختار الملك رئيسا للوزراء من حزب الاستقلال، فلن يكون الفاسي، وإنما زعيم أصغر من هذا الحزب”. وتكهّـنت مصادر أخرى بأن الملك قد يعيِّـن أيضا رئيسا للوزراء من خارج الأحزاب السياسية، كما فعل عام 2002 عندما عيّـن رجل الأعمال إدريس جطو ليرأس الحكومة.
وقال مصدر غربي بارز لرويترز يوم الأحد “المؤشرات التي نحصل عليها من القصر والأحزاب السياسية، هي أن شكل الحكومة المقبلة لن يختلف كثيرا عن الحالية. المجهول الوحيد هو، من سيرأس الحكومة سواء كان من حزب سياسي أو شخص دون انتماء سياسي واضح”. وأوضحت الأرقام النهائية للانتخابات البرلمانية المغربية نسبة إقبال متدنية بشكل قياسي وتبلغ 37% في تجاهل فيما يبدو لنظام سياسي ينظر إلى زعمائه بشكل كبير على أنهم بعيدون عن الناخبين.
وقال مراقبو الانتخابات الأجانب إن الانتخابات البرلمانية كانت منظمة وأجريت بمهنية، ولكن شابتها تجاوزات فردية. وقال بيان لفريق متعدّد الجنسيات، نشره المعهد الوطني الديمقراطي للشؤون الدولية ومقره الولايات المتحدة، “بوجه عام، أجريت الانتخابات بشكل منظم رغم أن أعضاء في الوفد شهدوا أو أبلغوا عن وقوع حالات منعزلة من التجاوزات يوم الانتخابات”، وأضاف في البيان الأولي الصادر يوم السبت، أن الانتخابات التي جرت يوم الجمعة اتّـسمت “بالشفافية والمهنية البالغة”، لكن فتور الإقبال على المشاركة، أظهر ضرورة زيادة العمل على ترسيخ ديمقراطية تمثيلية. وهذه هي أول انتخابات تُـجرى في المغرب ويتابعها مراقبون أجانب.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 10 سبتمبر 2007)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.