عشر سنوات من الكفاح ضد العنصرية
عشر سنوات هو عمر اللجنة الفدرالية لمناهضة العنصرية، سعت خلالها جاهدة إلى تحقيق ما وصفه رئيسها جورج كرايز ب"خسائر محدودة دائمة".
تلك الجهود لم تنجح رغم ذلك في القضاء على العنصرية أو عداوة الأجنبي. فالعنصريون على حد رأي السيد كرايز أصبحوا أكثر ذكاء ومهارة، وقادرين على تفادي القضاء.
عمرها لا يزيد عن عشر سنوات. لكن اللجنة الفدرالية لمناهضة العنصرية تبدو سعيدة باحتفالها يوم الخميس 15 سبتمبر بالذكرى العاشرة على تأسيسها. فنضارة عمرها إنما تدل على الإدراك الحديث، إن لم يكن المتأخر، بأهمية دورها في مكافحة ظاهرة تواجدت منذ وجود الإنسانية في حد ذاتها، لكنها تضرب أسس هذه الإنسانية في صميمها: العنصرية وكراهية الآخر.
كانت الحكومة الفدرالية قد حددت مهام واختصاص اللجنة في 23 أغسطس من عام 1995، وذلك بعد سنة واحدة من تصويت الناخبين السويسريين على مبادرة تدرج مادة قانونية تحظر التمييز العنصري، وتجرمه.
غير أن قرار الحكومة الفدرالية بإنشاء اللجنة الفدرالية لمناهضة العنصرية كان مرده الإلتزام بمتطلبات انضمامها إلى المعاهدة الأممية لمكافحة العنصرية، وهي المعاهدة التي يعود تاريخها إلى عام 1965.
“المشكلة زادت، لكنها تؤخذ بجدية”
“لدي إنطباع أنه خلال هذه العشر سنوات زادت مشكلة العنصرية من جانب، ولكنها من جانب أخر تؤخذ من قبل العامة بجدية”، هكذا صرح البروفيسور جورج كرايز، رئيس اللجنة الفدرالية لمناهضة العنصرية، في حديث مع سويس انفو.
عمل اللجنة أدى إلى المزيد من التوعية والإدراك لدى الجمهور بهذه المشكلة، يكمل السيد كرايز، ولذلك أصبح ضحايا التمييز العنصري أكثر استعدادا من قبل للحصول على الحماية المنصوص عليها.
ويشارك أستاذ العلوم السياسية أندرياس لادنر رأي السيد كرايز، فهو يقول في حديث مع سويس انفو “لقد أصبح هناك إقرار بوجود قابلية للتوجهات العنصرية أو بإمكانية قيامها، ولذلك هناك سعي لفعل شيء ضد هذه التوجهات”.
مشكلة اللاجئين في الصدارة
يعتبر الخبير لادنر أن مشكلة اللاجئين شكلت عنصراً هاماً ساهمت في زيادة مشاعر العنصرية في سويسرا. ويقول “حتى لو لم ينطبق أن الناس تفد كالزرافات على سويسرا، فقد نجحت بعض الدوائر السياسية في نشر الخوف، وإعطاء الانطباع أن سويسرا لن تستطيع أن تتخذ موقفاً ضد فيضان من طالبي اللجوء”.
في نهاية الثمانينات وبداية التسعينات ظهر الشعور أن هناك نزعة إلى التقليل من شأن توافد الأشخاص من ثقافات غريبة، أو على الأقل لم يتم أخذ هذا الموضوع بالجدية المطلوبة. ولذلك، يكمل السيد لادنر قائلاً “أدى ذلك إلى أن حزباً كحزب الشعب السويسري تمكن من استثمار هذا الموضوع بنجاح كبير، والفوز بأصوات أعداد كبيرة من الناخبين”.
انتقادات من اليمين السياسي..
تعرضت اللجنة إلى انتقادات متواصلة من تيارات اليمين السياسي في سويسرا، وخاصة من قبل حزب الشعب السويسري، وتركزت أوجه الانتقاد في التالي: إن عملها زائد أو مكرر، “هي سلطة رقابة غير سويسرية”، أو هي “كمامة” للسويسريين والسويسريات.
لكن السيد لادنر يرد على هذه الانتقادات قائلاً “إنه من المفيد وجود مثل هذه اللجنة، التي تتبنى هذه القضية وتلفت الانتباه إليها، كي تمنع من تطورها إلى انتهاكات. ذلك أنها قضية سياسية حساسة إلى حد ما، التي يمكن أن تتفاعل فيها العواطف والبيانات الخاطئة بسرعة”.
ووفقا لرئيس اللجنة السيد كرايز فإن شيئاً ما قد تغير على جانب المقدمين على الفعل العنصري. فبعض العنصريين أصبحوا أكثر ذكاء ومهارة. هم يشكلون المشاهد (التي يتقدمون بها إلى العامة) بصورة يمكن أن يكون مضمونها عنصري، لكن يضعونها في قالب يصعب ملاحقتها قانونيا من قبل القضاء.
ومن الأمثلة على ذلك الملصق الدعائي الذي استخدمته “اللجنة المضادة ضد منح الجنسية بالجملة”. فقد استخدمت العام الماضي، ضمن أساليب أخرى، شعار “المسلمون سيصبحون أغلبية؟”، في حملتها لدفع الناخبين للتصويت بلا على مبادرتي تسهيل إجراءات التجنيس للجيلين الثاني والثالث من المهاجرين.
دفاع عن حقوق الأقلية المسلمة
هذه النزعة إلى التخويف من الآخر، أخذت منحاً جديداً منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية، إذ عمدت بعض الدوائر السياسية اليمينية المتطرفة إلى استغلال الخوف من الإسلام أو عدم فهمه واستثماره في بعض حملاتها السياسية.
وقد أخذت اللجنة الفدرالية لمناهضة العنصرية على عاتقها مهمة مواجهة هذه النزعة، ونبهت في أكثر من مناسبة إلى ضرورة عدم تحميل جالية كاملة مسؤولية أعمال فئة صغيرة من المتطرفين. فقد أصدرت على سبيل المثال بياناً في 26 نوفمبر عام 2004 طالبت فيه بفتح نقاش محايد مع المسلمين حول الإسلام، وبصورة تصون كرامة المسلمين.
وأكدت في بيانها على أن المسلمات والمسلمين يتمتعون بنفس حقوق الإنسان ونظم الحماية كغيرهم ممن يعيشون في سويسرا، وحذرت بلهجة شديدة من مخاطر التعميم السلبي والتمييز ضد الأقلية المسلمة.
“عمل لا نهاية له”
مناهضة العنصرية بالنسبة لرئيس اللجنة كايزر تبدو له كعمل لا نهاية له، تشبه عمل سيزيف الذي حكمت عليه الآلهة في الأسطورة اليونانية بدحرجة حجر إلى أعلى جبل إلى الأبد. فهو يقول إن العنصرية لا يمكن القضاء عليها تماماً، ولذلك فإنه يصف عمل اللجنة بدور العمل المرافق، الذي لا غنى عنه.
بنفس النسق، يقول الخبير لادنر إنه لا يمكن إنهاء العنصرية وعداوة الأجنبي في العالم، ويوضح قائلاً “إن الخوف مما هو غريب هو خوف أصلي بدائي، وهو سيبقى متواجداً، وسيعود دائماً. لذلك من المهم أن يتم الإعلان بوضوح عما لا يمكن التسامح معه، وعما لا يتماشى مع مجتمع متنور”.
الإندماج هو الحاسم
ولأن القوانين والمعايير السياسية لم تعد كافية لاستئصال العنصرية، فإن العامل الإجتماعي أصبح ألأكثر أهمية، كما يقول السيد لادنر.
ويقول “لا يمكن حل المشكلة بين ليلة وضحاها. يجب أن يتم العمل على طرح المشكلة والحديث عنها. وبالتحديد، يجب أن يتم تنظيم العلاقة بين المقيمين والوافدين بصورة ترضي الطرفين، وتتم ضمن إطار قوانيننا وحقوق الإنسان”.
ما هو حاسم بالنسبة للخبير في العلوم السياسية لادنر هي جهود الإندماج… للطرفين معاً. ويفسر قوله “اليوم يتم التأكيد بصورة قوية على أن على الناس التي ترغب في الإقامة هنا أن تظهر قدراً من الرغبة في الإندماج. وهنا يجب إذن القبول بهؤلاء الراغبين في الإندماج. وأنا اعتقد أن هذا هو الطريق الصحيح”.
سويس انفو
25 سبتمبر 1994: صوت الناخبون السويسريون بنعم على مادة قانونية تعاقب التمييز العنصري
مكنت هذه المبادرة الشعبية من انضمام سويسرا إلى المعاهدة الأممية لمناهضة التمييز العنصري التي يعود تاريخها إلى 1965.
23 أغسطس 1995: أسست الحكومة اللجنة الفدرالية لمناهضة العنصرية.
ميزانية اللجنة: 186 ألف فرنك سويسري.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.