عـام ثـقـافـي ثـري ومـتـنـوع
شهدت سويسرا في عام 2005 أحداثا ثقافية مختلفة، امتزج فيها التأثر بالبعد الدولي والحدث الداخلي، فكانت في مجملها متفاعلة مع الواقع السياسي والاجتماعي، لتساهم في صنع القرار وتشكيل الرأي العام.
كما اهتمت الحياة الثقافية السويسرية في عام 2005 بالعرب، لاسيما في مجالي السينما والأدب.
كان افتتاح “مركز بول كلي” أحد الأحداث الثقافية الهامة في سويسرا، والتي احتفى بها محبو الفنون التشكيلية بشكل غير عادي، فالمركز، إلى جانب ما يضمه من لوحات ومخطوطات لهذا الفنان السويسري – الألماني، يحتوى على مطبخ ثقافي شامل ، يجمع بين الأدب والموسيقى والرسم والنحت، فضلا على أنه تحفة معمارية وسط طبيعة ريفية جميلة، تحول إلى مزار ثقافي لا تنقطع الرحال إليه من جميع الدول الأوروبية.
أما المؤسسة الثقافية السويسرية “بروهيلفيتسيا”، فهي تستقبل العام الجديد بتحد، بعد تقليص ميزانيتها السنوية في إطار تخلص الدولة من مسؤولياتها والتزاماتها، لكن المؤسسة التي ترعى إلى حد كبير صورة الثقافة السويسرية في الخارج، تواجه الموقف بنوع من النضوج في البرامج .
وكانت مديرتها المستقيلة إيفيت ياغي قالت في حديث سابق إلى سويس انفو، بأن تقليص الدعم الموجه إلى المؤسسة لا يعني بأنها ستتراجع تماما عن برامجها، أي أنه من المتوقع أن يتم تشكيل البرامج بشكل يتناسب مع هذا الوضع المالي الجديد، ومن حسن الحظ أن أغلب العاملين فيها من المقتنعين بدورهم الوظيفي والرسالة التي تحملها.
حضور للسينما العربية
السينما العربية كان لها حضور محترم في المشهد الثقافي السويسري هذا العام. ففي مهرجان فريبورغ الدولي للسينما حصلت المخرجة المغربية – البلجيكية ياسمين القصاري عن شريطها “الراقد” على جائزتين: واحدة خاصة من لجنة التحكم الدولية في المهرجان، والثانية من الفدرالية الدولية للصحافة السينمائية، إلى جانب تنويه خاص يشيد بقيمة الشريط الفنية من الاتحاد الدولي لنوادي السينما، وخصص نفس المهرجان فقرته الإسترجاعية لاشرطة تناقش الصراع العربي الإسرائيلي.
كما خصص مهرجان نيون الدولي للأفلام التسجيلية يوما خارج المسابقة الرسمية للمخرجين الفلسطينيين، قدموا فيه 5 أشرطة، رأى فيها النقاد نضجا كبيرا في عرض مشكلة المدنيين تحت الاحتلال من خلال السينما التسجيلية، وأثار المخرجون الفلسطينيون الشبان الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و 33 عاما إعجاب الجمهور، ظهر واضحا في النقاش الذي أعقب العرض والذي تواصل لمدة 4 ساعات كاملة، رغم أن الوقت المحدد للعرض والمناقشة كان ساعتين فقط.
وفي زيورخ، نظمت إحدى شركات توزيع الأفلام فعالية تحت عنوان “أيام للفيلم العربي”، حرصت فيها على اختيار أشرطة لمخرجين رأت بأنهم يمثلون توجهات جديدة وغير تقليدية، مثل “حكاية الجواهر الثلاث” و”عرس الجليل”، و”الملائكة لا تحلق فوق الدار البيضاء”، و”بطاقة سفر إلى القدس”، ومجموعة من الأفلام القصيرة والتسجيلية لمخرجين من لبنان والإمارات والجزائر وموريتانيا، صاحبتها مجموعة من النقاشات وحلقات الحوار حول تطور صناعة السينما العربية وتأثير الدين والسياسة عليها، ومن المحتمل أن تعاد نفس التجربة مرة أخرى مستقبلا، نظرا للإقبال الشديد على متابعة الأشرطة والمشاركة في الحوارات.
وفي شهر أغسطس، شهد مهرجان لوكارنو الدولي للسينما ميلاد جمعية دولية تحمل اسم “مغرب سينما” لتشجيع التعاون المشترك بين السينمائيين المغاربة وذلك بدعم وتشجيع من الوكالة السويسرية للتعاون والتنمية على هامش أعمال الدورة 58 للمهرجان.
كتاب سويسري وطباعة أجنبية
وفي عالم الأدب والكتب، فازت إريكا بوكهارد (82 عاما) على جائزة مؤسسة شيللر الأدبية السويسرية لعام 2005 عن أعمالها الكاملة، وهي المتخصصة في الكتابات الشعرية والأدبية، وحصل الليبي إبراهيم الكوني (المستشار الثقافي في السفارة الليبية بسويسرا) على جائزة اللجنة الأدبية لكانتون برن عن أعماله المترجمة إلى الألمانية.
في المقابل، انخفضت أعداد الكتب المطبوعة في سويسرا في عام 2005، بنسبة 8% لتخرج المطابع 10128 كتابا جديدا، 10% منها مترجم من لغات أخرى، وربما يكون السبب في ذلك هو ارتفاع تكاليف الطباعة مقارنة مع دول الجوار، لذلك لم يعد من المثير للدهشة أن تجد دور نشر سويسرية معروفة تطبع إنتاجها في النمسا أو فرنسا أو ايطاليا.
بين البحث عن الجذور والإبتكار
وعلى الرغم من أن الرسامين السويسريين ليس لهم نصيب كبير في الشهرة العالمية، إلا أن المتاحف حرصت على تذكير المهتمين بالثقافة والفن، بأعمال بعض منهم، كجزء من الثقافة السويسرية والحركة الفنية في أوروبا، رغم محدودية حضورهم الدولي.
فقد استضاف متحف الفن في جنيف لوحات فرديناند هودلر المعروف بأستاذ فن البورتريه السويسري، واحتفت زيورخ بأعمال يوهان هاينريش فوسلي رائد مدرسة اللاواقعية في سويسرا أثناء القرن التاسع عشر.
كما قدمت سويسرا أكبر تظاهرة دولية للإحتفال بمائوية نظرية النسبية، في فعاليات مختلفة تضمنت بالخصوص معرضا في العاصمة الفدرالية برن (التي قضى بها عدة سنوات) لمتعلقات البرت أينشتاين، وأمسيات تستعرض التطبيقات العملية لنظرياته العلمية حول الطاقة والسرعة والضوء، بشكل مزج بين الفن والعمل بأسلوب فريد من نوعه، لقي إقبالا كبيرا من الجمهور.
ولأن للمهرجانات الموسيقية في سويسرا تقليد عريق لاسيما في فصل الصيف، فقد تميزت في العام 2005 بطابعها الأوروبي. ففي مهرجان لوتسرن للموسيقى الكلاسيكية، تم اختيار أفضل 16 أوركسترا سيمفوني في العالم للمشاركة فيه، في حدث فريد من نوعه، لاسيما وأن المهرجان اختار موضوعات محددة يعالجها من خلال المعزوفات والحفلات الموسيقية.
وفي المحصلة يمكن القول أن سويسرا قدمت – رغم صغر حجمها وسط القارة الأوروبية – حركة ثقافية نشطة في العام 2005، تعد بأن تكون السنة المقبلة بنفس الوتيرة إن لم تكن أكثر نشاطا، فالثقافة جزء أساسي من هذا المجتمع، تتبادل معه همومه وتطرح عليه أفكارها.
تامر أبوالعينين – سويس انفو
من أهم أحداث عام 2005 الثقافية في سويسرا:
افتتاح مركز بول كلي في العاصمة برن.
الإحتفال بالذكرى المائوية لنشر ألبرت إينشتاين لنظرية النسبية.
تقليص ميزانية المؤسسة الثقافية السويسرية “بروهيلفيتسيا” واستقالة مديرتها.
مزيد من الإهتمام بالرسامين السويسريين الراحلين والمعاصرين.
تجديد موضوعات مهرجانات الموسيقى الكلاسيكية.
تراجع طباعة الكتب في سويسرا، في مقابل زيادة في الترجمة وقلة الأعمال المحلية.
اهتمت الثقافة السويسرية في عام 2005 بملفات مختلفة، وكان للعرب حضور ومشاركة جيدين فيها. ورغم الأنشطة المتعددة في مجالات الفنون والمسرح والموسيقى والأدب، تصر الحكومة الفدرالية على تقليص دعمها لمؤسسة “بروهيلفيتسيا” المتخصصة في الترويج للثقافة السويسرية في العالم.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.