عـرفـتُ السيد دايـــس
قد تتباين الآراء والتقييمات للأداء السياسي للسيد جوزيف دايس الذي ترأس خلال مشواره الحكومي السويسري وزارة الخارجية ثم وزارة الاقتصاد.
لكن جوزيف دايس الرجل والإنسان، فقد لا يعرفه إلا من أتيحت له فرص لقاءه والتقرب منه. شهادة صحفية من توقيع تامر أبوالعينين.
أتيحت لي فرصة لقاء جوزيف دايس أكثر من مرة، أولها في خريف عام 2001، عندما كان وزيرا للخارجية، إذ أجريت معه آنذاك حوارا حول موقف الكنفدرالية من الحرب على الإرهاب ومفهوم الحياد السويسري في النظام العالمي الجديد.
لاحظ دايس ارتباكي الشديد عند دخولي إلى مكتبه، فقد كان أول لقاء لي على انفراد مع وزير فدرالي، ولكنه تبادل معي في البداية كلمات عادية لامتصاص هذا التوتر الذي كان على الأرجح واضحا على قسمات وجهي.
ثم انطلقنا في الحوار، ليكسر بنبرته الهادئة جو الرهبة المحيط بمكتبه، ويعكس بأسلوبه الواضح رؤية ثابتة وقناعة بما يقول، لينتهي الحوار بحديث جانبي حول الفروق الثقافية بين الشرق والغرب، وأتذكر جيدا أنني قضيت معه 10 دقائق أكثر من الوقت المحدد لي، ولم يبد أي ضجر أو يتململ.
بساطة ووضوح وإقناع
ثم إلتقيته في مؤتمر صحفي أثناء المعرض الوطني السويسري “اكسبو 02″، فاكتشفت أنه يتذكرني، رغم عشرات الصحفيين الذين يصادفهم كل يوم، وفي ذلك اليوم انفردت منه بتصريحات لسويس انفو/إذاعة سويسرا العالمة (في فترة البث الإذاعي)، تحدث فيها بنبرة إنسانية لمست فيها صدقا وهو يتكلم عن مشكلات العالم الثالث والدول النامية، وواجب الشمال نحو الجنوب للتغلب على مشكلات الفقر والجوع والمرض.
ثم أتيحت لي الفرصة لحضور كلمة له أمام ندوة حول العلاقة بين سويسرا ودول الجوار، كان يخاطب فيها الشباب، وتملكتني الدهشة وانا أسمعه يتحاور معهم ببساطة شديدة، جمعهم حوله وكأنهم اسرة واحدة، وتحدث معهم بوضوح، واستمع لمخاوفهم وحلق معهم في طموحاتهم، بل كاد في كثير من الأحيان يرسم معهم تصورات المستقبل.
لم تكن كلماته معهم مجرد شعارات أو تحذير أو تخويف، بل كانت أرقام وحقائق، ولم يكن يخجل من الإجابة مستعملا كلمات مثل “ربما” أو انتم جيل المستقبل قد تعرفون أفضل”. واعتقد أن من حضر تلك المناقشة وغيرها مع الشباب خرج مقتنعا بآرائه، إن لم يكن بسبب هدوئه في الحديث، فربما بسبب طريقته في المقارنة والمقارعة بالحجة والبرهان.
“دايـس الإنسان”
رحلتي الأخيرة معه كانت إلى السعودية والكويت في ربيع 2006، كان يتحدث مع الأطراف العربية في الصباح عن مشروعات الطاقة والنفط والكيماويات والأدوية، وفي المساء مع مرافقيه عن مشكلات المزارعين وصغار العمال في سويسرا. وكنت أشعر به عندما يدافع عنهم وكأنه يضع نفسه في مكان أولئك الذين يخشون البطالة والمستقبل المجهول.
عرفت دايس الوزير هادئا واثقا من نفسه، يتكلم بلغة المنطق المدعوم بالقانون والحجج والأسانيد، الحاضر البديهة، رجل دولة بمعنى الكلمة.
لكن الأهم أنني عرفت دايس الإنسان، الذي يسأل عن حال مرافقيه والعاملين معه، ويطمئن على راحتهم ويجلس إليهم على طاولة واحدة للعشاء أو تناول فنجان من القهوة. ففي آخر رحلة لي معه، رأيته يصر على تحية سائقيه العرب بشكل شخصي ومنح كل منهم هدية، وحرص على شكر حارسه الأمني الذي سهر على مرافقته في جولته منذ وصوله وحتى لحظة إقلاع طائرته. وكانت آخر كلماته لي .. “كل عليه أن يسعى ويقوم بواجبه”.
سويس انفو – تامر أبوالعينين
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.