“علاقات سويسرا مع العالم العربي جيدة”
يختتم السيد فرانتس فون دانيكون في موفي شهر يناير مسيرة نشاطه في صفوف السلك الدبلوماسي ككاتب دولة في وزارة الخارجية السويسرية.
سويس انفو تنفرد بآخر حديث رسمي له، يستعرض فيه العلاقات القائمة بين سويسرا والعالم العربي، وانطباعاته عن المنطقة في أعقاب مسيرة مهنية طويلة وثرية.
ولد فرانتس فون دانيكن في عام 1949 بمدينة فينترتور شمال شرق سويسرا، ودرس القانون في جامعة زيورخ، حيث حصل على درجة الدكتوراه، ثم بدأ حياته في السلك الدبلوماسي عام 1979 من خلال المشاركة في برامج التنمية والتعاون الدولي بين سويسرا ودول الجنوب، ثم عمل في البعثة الدبلوماسية السويسرية لدى الإتحاد الاوروبي، قبل أن يشغل منصب سفير الكنفدرالية لدى بروكسل ثم في بريطانيا.
في عام 1989 عاد السيد فون دانيكن إلى مقر وزارة الخارجية السويسرية في برن، ليشغل مناصب مختلفة في إدارة القانون الإنساني الدولي ثم بالدائرة السياسية الأولى المعنية بالشؤون السويسرية الأوروبية وشمال أمريكا، كما قام برسم محاور السياسة الخارجية السويسرية مع دول شرق أوروبا بعد انهيار أنظمتها الشيوعية.
تولى منذ عام 1999 منصب كاتب الدولة للشؤون الخارجية، وركز اهتماماته على السياسة الخارجية الامريكية ومسيرة السلام في الشرق الأوسط وتطوير علاقة سويسرا مع الدول العربية.
يختتم حياته في السلك الديبلوماسي اعتبارا من 31 يناير 2005 بناء على رغبته، من أجل التفرغ لإدارة مؤسسة خيرية سويسرية.
سويس انفو: ما هي أولويات السياسة الخارجية السويسرية تجاه العالم العربي؟
فرانتس فون دانيكن: تهتم السياسة السويسرية الخارجية في علاقتها مع العالم العربي بنقطتين:
الأولى؛ اهتمامنا بأن تكون علاقاتنا جيدة مع جميع الدول العربية، بغض النظر عن تطورات الصراع في المنطقة. ولا يمكن أن ترتبط علاقاتنا مع الدول العربية بمدى مساهمتنا في مساعي السلام، حيث لا يمكننا أن نقلل من أهمية بعض الدول على حساب البعض الآخر.
الثانية؛ مدى استطاعتنا على الدخول في حل مشكلة الشرق الأوسط، مثلا قدمنا مبادرة جنيف، وهناك أيضا مشاركات في الحفاظ السلام، مثل وجودنا في الخليل ومساعداتنا للاجئين الفلسطينيين من خلال الأونروا (UNRWA) ودورنا كمراقبين على هضبة الجولان.
سويس انفو: حسب رأيكم، ما هو الدور الذي تلعبه “مبادرة جنيف” في مفاوضات السلام في الشرق الأوسط؟
فرانتس فون دانيكن: لم تكن “مبادرة جنيف” تهدف على الإطلاق إلى أن تكون بديلا عن “خارطة الطريق”، بل هي أقرب ما تكون إلى مصدر للأفكار في اليوم الذي تصل فيه خارطة الطريق إلى مرحلة التطبيق.
سويس انفو: هل تعتقدون بأن الموقف قد تغير بعد وفاة ياسر عرفات؟
فرانتس فون دانيكن: لقد أظهرت وفاة عرفات حجم شخصيته بين الفلسطينيين. صور جنازته في رام الله أظهرت أنه كان رئيسا لشعبه، على الرغم من كل الاحتياطات الأمنية والتساؤلات السياسية، ولقد تأثرت شخصيا بهذا المشهد.
أما ترتيبات ما بعد تلك المرحلة لإختيار رئيس جديد فكانت فرصة، لأن تمنح للحوار فرصة جديدة، وأتمنى أن يتم استخدام تلك الفرصة لدفع مفاوضات السلام، فالفلسطينيون والاسرائيليون وحدهم لن يتمكنوا من الوصول إليها، ويحتاجون إلى دعم قوي من المجتمع الدولي، وبصفة خاصة من الولايات المتحدة.
سويس انفو: إلى أي مدى يلعب ملف حقوق الانسان والديموقراطية دورا في سياسة سويسرا في الشرق الأوسط؟
فرانتس فون دانيكن: لا تعرف سياستنا في الشرق الأوسط هاذين الملفين، فالنسبة لنا تشمل علاقتنا مع الدول العربية أعمق وأشمل منهما، نحن نسعى للوصول إلى علاقات سياسية جيدة ونراعي العلاقات الاقتصادية أيضا، فبعض الدول العربية هي شريك تجاري هام بالنسبة لنا، ولنا أيضا مشروعات متميزة في الجانب الثقافي، مع دول أخرى.
ونطرح دائما في حوارنا السياسي مشكلة كيفية تحسين ومراقبة القواعد الرئيسية لحقوق الإنسان، وهي ثوابت في سياستنا، ولكنها ليست الوحيدة، وأعتقد بأن الديموقراطية أصبحت الآن تقليدا راسخا في العديد من الدول العربية.
من ناحية أخرى اقول دائما ، ليس فقط للأصدقاء العرب بل أيضا للأمريكيين بأن الديموقراطية لا تعني فقط اجراء انتخابات كل 4 سنوات.
هناك الكثير الذي يمكن عمله لجعل الديموقراطية تتغلل في موازين القوى، وأعتبر أن ترحيب بعض الدول العربية لنا كشريك في الحديث عن الديموقراطية شيء جدير بالاهتمام، لكن ليس في دور المعلم، لأن الديموقراطية السويسرية لا يمكن تصديرها، فلكل دولة مقوماتها وخصوصياتها في التعايش مع الديموقراطية.
سويس انفو: كيف تنظرون إلى الأفكار الأمريكية المتعلقة بالشرق الأوسط الكبير؟
فرانتس فون دانيكن: لقد اطلعنا باهتمام على الافكار الأمريكية المتعلقة بهذا الشأن، ولكن من ناحية أخرى توجد الكثير من العناصر الهامة بالنسبة لسياستنا، مثل رعاية العلاقات المباشرة مع الدول العربية، ثم إنني أفكر في دورنا في الأمم المتحدة، كما أن سويسرا تدعم العديد من مشاريع التنمية مثل تلك المتعلقة بدور المرأة في المجتمع، وتسهيل التحاقها بالتعليم، والتمتع بممارسة الحقوق السياسية، وهذه هي المبادئ التي نحرص على تشجيع الاستمرار فيها.
سويس انفو: ما هي خبرتكم الشخصية التي اكتسبتموها خلال زياراتكم المتكررة للدول العربية ككاتب للدولة في وزارة الخارجية السويسرية؟
فرانتس فون دانيكن: بداية تعرفي على العالم العربي كانت اثناء دراستي الجامعية، عندما ذهبت إلى جنوب اسبانيا ورأيت الآثار الكثيرة التي قدمها العرب إلى أوروبا وأثرت ثقافتنا، وأعجبتني الثقافة العربية الكبيرة والواسعة التي حملها العرب إلينا من مختلف المناطق.
ولقد زرت بعض الدول العربية أكثر من مرة من خلال عملي ككاتب للدولة، ومن خلال مناقشاتي مع الزملاء والديبلوماسيين حول المرحلة الانتقالية التي تمر بها المنطقة العربية، وجدت أن هناك فرصة للتعرف بشكل أعمق على العالم العربي من خلال تبادل الآراء والمناقشات.
فعندما أتحدث مع زملائي العرب أكتشف ثراء شخصياتهم، ومدى الكفاءة الديبلوماسية التي يتمتعون بها، والتي تغير من الصور النمطية عن العالم العربي.
الدول العربية تمتد من العراق إلى المغرب، ولكل دولة ثقلها المتميز ونقاط ضعفها أيضا، واعتقد أنه لا يجب النظر إلى العالم العربي على أنه وحدة متجانسة، وإنما كدول لها خصوصياتها التي تميز كل منها عن الآخر، ولذا فإنه من الأفضل أن نتعامل مع كل دولة عربية من خلال تحسين العلاقات الثنائية وتوطيدها.
سويس انفو: ما هو السبب في قلة برامج الوكالة السويسرية للتعاون والتنمية في المنطقة العربية؟
فرانتس فون دانيكن: تتوجه مشاريع الوكالة للتعاون والتنمية بالدرجة الأولى إلى الدول الأكثر فقرا في العالم، وأغلب الدول العربية ليست مصنفة ضمن تلك المجموعة، ولكن يوجد فقر في بعض الدول العربية، وهنا يجب علينا أن نفكر، كيف يمكن المساهمة بمشروعات الوكالة بشكل أكثر فعالية.
سويس انفو: تنظر الدول العربية على سويسرا على أنها حارس لحقوق الانسان والدولة الضامنة لاتفاقيات جنيف، فما تعليقكم على تلك الرؤية؟
فرانتس فون دانيكن: لا يفرض دورنا كدولة ضامنة لإتفاقيات جنيف الدولية التزاما إضافيا على سياستنا الخارجية، فالسعي نحو السلام ومراقبة أوضاع حقوق الانسان والإلتزام بالقانون الإنساني الدولي من مهام سياستنا الخارجية دائما.
ونحرص دائما في بياناتنا وتصريحاتنا على التأكيد على أهمية القانون الإنساني الدولي، ونطالب باحترامه والتأكيد على ذلك ليس فقط من الجانب الإسرائيلي، بل من الطرف الفلسطيني أيضا.
سويس انفو: كيف ترون مستقبل المنطقة ودور سويسرا في دفع عملية السلام؟
فرانتس فون دانيكن: عندما تفكر سويسرا في عملية السلام في الشرق الأوسط، فهي لا تبتعد عن المساعي التي تقوم بها الامم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، والأوضاع الراهنة بعد انتخاب رئيس فلسطيني جديد وعلى الرغم من التوترات الكثيرة في المنطقة إلا أنها تعطي نظرة مستقبلية مشوبة بالتفاؤل الحذر.
أجرى الحوار في برن تامر أبو العينين – سويس انفو
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.