“الأطفال السّوريون بحاجة إلى إنهاء هذا النزاع الكارثي”
بعد ثلاثة أعوام من القتل والتدمير والإحتراب والمعاناة في سوريا، تواصل المنظمات الإنسانية والأممية إطلاق نداءات الإستغاثة والتحذير والإستنكار وسط تهديدات بتقليص المساعدات بسبب تراجع التمويل، وفي ظل تفاقم الإنتهاكات بشتى أصنافها التي لم يسلم منها الأطفال من تجنيد، وقتل، وتنكيل واغتصاب، ما يعني تهديد مستقبل أجيال بأكملها والمخاطرة بمصير بلد برمته.
عشية دخول الصراع في سوريا عامه الرابع، ومع اشتداد حدة الأزمة الإنسانية المستفحلة في البلاد وتجاهل العالم لمعاناة الشعب السوري بكل طوائفه وأعراقه، شهد الأسبوع الثاني من شهر مارس الجاري تحركا نشطا لعدد من المنظمات الإنسانية والجهات الأممية التي قرعت مجددا أجراس الإنذار مُحذّرة من التداعيات الكارثية لنقص التمويل لأنشطتها ومشاريعها من جهة، ومستنكرة تفاقم الإنتهاكات الخطيرة التي طالت جميع فئات المجتمع بمن فيهم الأطفال.
أجيال كاملة “مُهدّدة بالضياع”
في هذا السياق، اتضح أن نصيب أطفال سوريا (الذين عرفوا في السابق واحدة من أعلى نسب التمدرس في المنطقة)، لم يقتصر على الحرمان من التعليم بسبب استهداف المدارس بالقصف والتفجير، أو نتيجة لاتخاذها مراكز عسكرية أو مراكز اعتقال وتعذيب، بل أيضا جراء التعرض لعمليات القتل والتنكيل والإعتقال والإغتصاب.
هذا الوضع المأساوي ذكّرت به السيدة ليلى زروقي، الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة المكلفة بالأطفال في الصراعات المسلحة لدى عرض تقريرها الدوري أمام مجلس حقوق الإنسان، مُشيرة إلى أن “أوضاع الأطفال في سوريا وفي عدة بلدان أخرى تدهورت كثيرا منذ التقرير السابق قبل عام”.
السيدة زروقي قالت أيضا: “ما الذي يمكنني أن أقوله لكم أكثر مما تعرفون سلفا؟ 10 آلاف طفل قتيل من بين أكثر من 100 ألف ضحية في صراع تعدى سنته الثالثة، وبالرغم من الجهود المبذولة لإيجاد تسوية للصراع، ما زالت عمليات القتل والتنكيل متواصلة ضد الأطفال، وأصبحت الهجمات ضد المدارس والمستشفيات أمرا يوميا، وأصبح الإغتصاب والعنف الجنسي يُستخدم كوسيلة عقاب وإذلال للآخر”.
وفيما أشارت الممثلة الخاصة للأمين العام بوضوح إلى لجوء الجماعات المسلحة إلى تجنيد الأطفال في الصراع، أوضحت في المقابل أن المعطيات المتوفرة في الوقت الحالي “لا تسمح باعتبار أن القوات النظامية تقوم من جهتها بعملية تجنيد الأطفال”.
الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة المكلفة بالأطفال في الصراعات المسلحة ناشدت أيضا كافة الأطراف المشاركة في الصراع السوري “وقف العنف، واتخاذ الإجراءات العملية، قبل تهديد مستقبل أجيال بأكملها والمخاطرة في نفس الوقت بمستقبل سوريا”، مؤكدة على أن “الأطفال السوريين بحاجة إلى إنهاء هذا النزاع الكارثي”.
نقص التمويل يُنذر بمزيد من التعقيد
بدوره، حذر برنامج الغذاء العالمي من خطر عدم إيفاء الدول المانحة بالوعود التي قطعتها على نفسها في مؤتمر الكويت الثاني الذي انعقد في يناير 2014، في الوقت الذي أصبح فيه البرنامج يحتاج لحوالي 40 مليون دولار كل أسبوع لتقديم المساعدات الغذائية لحوالي 6،5 مليون لاجئ ونازح سوري داخل البلاد وفي دول الجوار.
وفي تصريحات لـ swissinfo.ch، قال السيد أمير عبد الله، نائب المدير التنفيذي لبرنامج الغذاء العالمي: “لقد التجأنا إلى تخفيض نسبة المواد الغذائية المقدمة لحوالي 6 مليون نازح داخل سوريا ولاجئ في دول الجوار بنسبة 20% بسبب نقص التمويل”. لذلك، وجّه نداء إلى الدول المانحة يحثها على أن “توفي بوعودها التي قطعتها في المؤتمر الثاني للدول المانحة في الكويت، وبالأخص الدول العربية منها”.
ورغم الإنفراج المحدود الذي عرفته بعض الأنحاء مؤخرا، لا زالت العديد من الجهات في سوريا تعيش تحت الحصار الخانق منذ أكثر من عام من قبل القوات النظامية أو من طرف الجماعات المسلحة، وهي المناطق التي يرغب برنامج الغذاء العالمي في الوصول إليها وإيصال مساعدات غذائية إلى المحاصرين فيها. وفي هذا الصدد، يُلفت نائب المدير التنفيذي لبرنامج الغذاء العالمي إلى أنه “قد تجد في كل المحافظات مناطق يمكن الوصول إليها ومناطق أخرى محاصرة”.
وحسب السيد أمير عبد الله، فقد استطاع برنامج الغذاء العالمي الوصول في الفترة الأخيرة إلى مناطق “دير الزور والرقة والحسكة”، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن “بعضها لم نتمكن من الدخول إليه منذ عامين تقريبا”. أما السبب في حصول هذا الإنفراج، فيعزوه السيد عبد الله إلى “إصدار مجلس الأمن الدولي لقرار يدعو إلى تسهيل إيصال المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة من جهة، واستجابة كل من الحكومة السورية والجماعات المسلحة من جهة أخرى لذلك”.
أنطونيو غوتيريش، رئيس المفوضية السامية لشؤون اللاجئين
يجب عدم ادخار أي جهد من أجل تحقيق السلام وتخفيف معاناة شعب لا ذنب له
كارثة متعددة الأبعاد
في سياق متصل، اعتبرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في بيان أصدرته في جنيف بالإشتراك مع الإتحاد الدولي لجمعيات الهلال والصليب الأحمر وجمعية الهلال الأحمر العربي السوري، أن ما تعرفه سوريا منذ ثلاث سنوات تحول إلى “كارثة إنسانية”.
وبلغة الأرقام، تتجسد هذه الكارثة في “9 ملايين من السوريين المحتاجين اليوم إلى مساعدة طارئة وفي 6،5 مليون من المرحلين داخل بلدهم، و 2،4 مليون من اللاجئين في دول الجوار”، مثلما جاء في نص البيان.
وبحسب الأمم المتحدة، تخطى عدد السوريين الذين اضطروا إلى الفرار من منازلهم بسبب النزاع المستمر منذ ثلاث سنوات في بلدهم تسعة ملايين شخص ما أدى إلى بروز “أكبر مجموعة من النازحين في العالم”. وفي الإجمال فر أكثر من 40% من سكان البلاد بحسب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التي تقدر أن “نصفهم على الأقل هم من الاطفال”.
من جهته، صرح أنطونيو غوتيريش، رئيس المفوضية السامية لشؤون اللاجئين أنه “من غير المقبول أن تحصل كارثة إنسانية بهذا الحجم أمام أعيننا دون أي مؤشر إلى مطلق تقدم من أجل وقف حمام الدم”. وأضاف في بيان أصدره يوم 13 مارس الجاري في جنيف: “يجب عدم ادخار أي جهد من أجل تحقيق السلام وتخفيف معاناة شعب لا ذنب له يُحاصره النزاع ويُرغمه على الرحيل عن بيته وأهله وعمله ومدرسته”.
وتابع رئيس المفوضية السامية لشؤون اللاجئين “تخيّلوا العواقب الاقتصادية والإجتماعية الكارثية لمثل هذه الازمة على لبنان أو الدول الأخرى في المنطقة”، داعيا إلى دعم دولي أكبر للاجئين.
دعوة إلى احترام الشارة
على صعيد آخر، أشار البيان المشترك الصادر عن اللجنة الدولية للصليب الأحمر والإتحاد الدولي لجمعيات الهلال والصليب الأحمر وجمعية الهلال الأحمر العربي السوري أيضا إلى المُعضلة التي وجد فيها عمال الهلال الأحمر السوري أنفسهم بعد تحوّلهم من “منظمة نشطت في حالة السلم لتقديم المساعدة للاجئين عراقيين لجأوا الى سوريا أو كانت تُعدّ نفسها لمواجهة كوارث طبيعية أو لمساعدة جمعيات أخرى في حالات الكوارث، إلى منظمة تشترك مع منظمات حركة الهلال والصليب الأحمر لتقديم مساعدة غير منحازة لملايين السوريين المتضررين في الصراع “، على حد قول رئيس جمعية الهلال الأحمر العربي السوري الدكتور عبد الرحمن عطار.
هذه الوضعية غير المسبوقة أسفرت عن فقدان 34 من أعضاء جمعية الهلال الأحمر العربي السوري ومتطوّعيها الذين سقطوا أثناء تأديتهم لعملهم في محافظات البلاد الأربعة عشر وإلى إصابة العديد منهم بجراح، وهي “حصيلة غير مقبولة لا بالنسبة لعائلات الضحايا ولا بالنسبة للمنظمة”، على حد قول السيد عطار، الذي أكد أيضا على وجود “ضرورة لبذل المزيد من قبل كل الأطراف المشاركة في الصراع من أجل احترام شارة الصليب والهلال الأحمر، ولكي لا يتحول من يُكافحون من أجل إنقاذ الأرواح إلى ضحايا بدورهم”.
بيروت (رويترز) – قال المرصد السوري لحقوق الانسان يوم الخميس 13 مارس 2014 إن ما يربو على 146 ألف شخص أكثر من ثلثهم مدنيون قتلوا في الحرب السورية التي بدأت انتفاضة ثم تحولت الى حرب أهلية والتي تدخل عامها الرابع هذا الشهر.
وكانت آخر أرقام للأمم المتحدة نشرت في يوليو 2013 تشير إلى أن عدد القتلى بلغ مئة ألف على الأقل لكن المنظمة الدولية قالت في يناير 2014 إنها ستتوقف عن تحديث هذه الأرقام بعد أن جعلت الأوضاع على الأرض من المستحيل ذكر تقديرات دقيقة.
ولا تستطيع رويترز التحقق من عدد 146065 الذي ذكره المرصد ومقره بريطانيا وهو جماعة مناهضة للحكومة يستخدم شبكة من المصادر في أنحاء سوريا لتوثيق أعمال العنف هناك.
وقال المرصد إنه أحصى نحو 36 ألف قتيل من مقاتلي المعارضة المسلحة بينهم مقاتلون من جبهة النصرة فرع القاعدة في سوريا ومن الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش) المنبثقة عن القاعدة والتي تضم الكثير من المقاتلين الأجانب.
وأضاف المرصد ان أكثر من 56 ألف شخص ممن قتلوا هم من القوات المؤيدة للأسد بينهم 332 من جماعة حزب الله الشيعية اللبنانية و 459 مقاتلا شيعيا من دول أخرى، لكن المرصد يقول إن العدد الحقيقي للقتلى من الجانبين أعلى من ذلك بكثير على الأرجح .. ربما بأكثر من 60 ألفا.
ويقول المرصد إن الجانبين يُحاولان إخفاء العدد الحقيقي لضحاياهما مما يجعل إحصاء عدد القتلى صعبا للغاية.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 13 مارس 2014)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.