“الإعـلام الجيّد عن الهجرة والمهاجرين جزء من الحلّ”
في ذكرى تأسيسها الستين، تحث المنظمة العالمية للهجرة وسائل الإعلام والعاملين فيها على تحسين الصورة المتداولة عن المهاجرين وظاهرة الهجرة عموما.
في الوقت نفسه، حرصت المنظمة على تسليط الأضواء على أوجه استغلال مسألة الهجرة من قبل رجال السياسة والإعلاميين كعنصر تخويف مبالغ فيه، كما دعت إلى إشراك المهاجرين في تحديد معالم السياسة المطبقة في هذا المجال.
وفي مناسبة انعقاد الدورة المائة لمجلس إدارتها، أصدرت المنظمة التي تتخذ من جنيف مقرا لها تقريرا بعنوان “أوضاع الهجرة في العالم لعام 2011: تحسين طريقة الإعلام فيما يتعلق بالهجرة”، تناول بالتحليل طريقة التعاطي مع ظاهرة الهجرة، خصوصا في البلدان المستقبلة للمهاجرين.
تسييس النقاش حول الهجرة
وفي هذا السياق، ترى المنظمة العالمية أن الحكم على موضوع الهجرة مرهون بمدى ما يُروّج لدى الرأي العام عن الموضوع سواء من قبل السياسيين أو من طرف وسائل الإعلام. وحسب التقرير فإن ما يُروّج عن الهجرة عبر وسائل الإعلام وفي النقاش السياسي يؤثر في تشكيل الرأي العام، وهو يتميز بأن “تقديرات الهجرة، وبالأخص الهجرة غير الشرعية، مبالغ فيها”. وقد توصل المحققون إلى أن التقديرات المتداولة إعلاميا تفوق في بعض الحالات بـثلاثة أضعاف (300%) الأرقام الحقيقية. فعلى سبيل المثال، يعتقد البعض في الولايات المتحدة أن نسبة المهاجرين في البلد تصل إلى حوالي 39% من إجمالي السكان في حين أنها لا تتعدى 14%، أما في إيطاليا فيظن كثيرون أن النسبة تصل إلى حوالي 25% في الوقت الذي لا تتعدى فيه 7%.
على الضفة الأخرى، يسود الإعتقاد في البلدان المصدرة للهجرة أن الظاهرة تمثل “استنزافا للقوى البشرية والإطارات”، فيما يتم التغاضي عما يجلبه المهاجرون لأوطانهم من موارد مالية هائلة قدرها البنك العالمي في عام 2011 بحوالي 406 مليار دولار أمريكي، حصلت منها الدول النامية على حوالي 350 مليار. وعلى رأس الدول المستفيدة من تحويلات المهاجرين نجد الهند (58 مليار)، الصين (57 مليار)، المكسيك (24 مليار). أما مصر فكانت أول بلد عربي في الترتيب، متبوعة بلبنان.
ومن خلال الممارسات الحالية في ظل ما يعرف بالأزمة الاقتصادية والمالية في بلدان الشمال خصوصا يستخلص التقرير أن “تسييس النقاش حول الهجرة، وتوظيف موضوع الهجرة للتغطية على مشاكل سياسية واقتصادية واجتماعية، سوف لن يعمل إلا على زيادة تعميق الفجوة”.
وبحكم أن المجتمعات الغنية ستواجه في الفترة المقبلة التداعيات السلبية للنقص المطرد في النمو الديموغرافي، يرى معدو التقرير بأن “هناك حاجة ماسة ستدفع الساسة إلى مواجهة التحدي، وإشراك المهاجرين في تحديد سياسة الهجرة لكي تتحول الهجرة إلى ظاهرة تعيشها كافة مكونات المجتمع بارتياح”.
صورة خاطئة رغم تطور وسائل الاعلام
بالرغم من عدم الجزم بوجود “علاقة مباشرة” بين ما تروّجه وسائل الإعلام عن الهجرة وما يتشكل لدى الرأي العام من أفكار وتصورات وبين ما تنتهجه الدول من سياسات في هذا المجال، يخلص معدو التقرير إلى أن “وسائل الإعلام التي تم تناولها بالتحليل أظهرت بأنها كانت المصدر الرئيسي في مجال الهجرة والمهاجرين من حيث الإحصائيات والتحاليل والتوجهات”.
من جهة أخرى، يعتبر معدو التقرير أن “وسائل الإعلام قد تحرف النقاش حول الهجرة بالتركيز على جانب من الجوانب مثل الهجرة غير الشرعية، أو بالتطرق للهجرة من حين لآخر وفي فترات متقطعة، أو بالمبالغة في التقديرات”. كما يذهبون إلى أن “الخلل في التغطية قد يكون راجعا أيضا إلى طغيان الجانب الإقتصادي على وسائل الإعلام خصوصا خلال العشرين عاما الأخيرة”.
وبالرغم من كثرة التحاليل والدراسات الجامعية التي انكبت على معالجة ظاهرة الهجرة في الآونة الأخيرة، يشير التقرير الصادر عن منظمة الهجرة العالمية إلى وجود “تحريف لاستخدام تلك النتائج من قبل السياسيين ووسائل الإعلام والجمهور عموما”، ويعزو سبب ذلك إلى تركيز الإهتمام على “الجانب السياسي وليس على الوقائع والأرقام”.
تعزيز الحوار وإشراك المهاجرين
من أجل تحسين طريقة معالجة موضوع الهجرة، يُوصي التقرير بضرورة البحث عن “خطاب متطور عن الهجرة يتميز بالإنفتاح والتنوع والشمولية”. وفي سياق التهيئة لهذا الخطاب، يتطلب الأمر الإجابة عن سؤالين: ما الذي يجب القيام به تجاه فئات المهاجرين المتواجدين في البلد؟ وما الذي يجب القيام به تجاه المهاجرين المستقبليين؟ وفي هذا الصدد، يقترح التقرير أن تتم الإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها في إطار نقاش واسع يتعدى الحدود الوطنية ويشمل المنظمة العالمية للهجرة والمنتدى العالمي حول الهجرة والتنمية.
ومن التوصيات أيضا، الدعوة إلى “تجنب تسييس ملف الهجرة والقيام بتحليل موضوعي للظاهرة” تُراعى فيه مصالح المجتمع ككل وليس فقط مصالح فئة معينة. وفي سبيل تحسين الصورة التي يتم الترويج لها عن المهاجرين والهجرة من خلال وسائل الإعلام، يقترح التقرير “تعزيز الحوار والاتصال بوسائل الإعلام، وإدراج مسألة التعددية الثقافية في المجتمعات المستقبلة ضمن اهتمامات وسائل الإعلام الكبرى في البلد”. ونظرا لأن “أفضل من بإمكانه تقديم صورة إيجابية عن الهجرة هو المهاجر نفسه”، يقترح معدو التقرير “تسهيل وصول المهاجرين الى وسائل الإعلام، وإشراكهم في النقاش الدائر حول سياسات الهجرة في الدول المستقبلة” لهم.
هذه التوصيات ستكون محور النقاش في اجتماع مجلس إدارة منظمة الهجرة العالمية الذي ينعقد من 5 إلى 7 ديسمبر 2011 في قصر الأمم المتحدة بجنيف والذي سيخصص جلسة خاصة تحت عنوان “صوت المهاجرين” للتعرف على مساهمة الهجرة في التأثيرات التي شهدتها المجتمعات البشرية في الماضي والتصورات المحتملة لانعكاساتها المستقبلية.
قدر البنك الدولي في تقرير له حجم العائدات التي أرسلها المهاجرون إلى بلدانهم الأصلية بحوالي 406 مليار دولار في عام 2011. وذهبت حوالي 350 مليار دولار من هذا المقدار الى الدول النامية.
في ترتيب الدول المستفيدة من عائدات الهجرة في العالم نجد الهند بحوالي 58 مليار، ثم الصين بحوالي 57 مليار دولار، فالمكسيك بحوالي 24 مليار دولار، ثم الفليبين بحوالي 23 مليار دولار.
أول الدول العربية من حيث عائدات الهجرة هي مصر، يتبعها لبنان.
رغم الكساد الإقتصادي في بلدان الشمال، سجلت نسبة نمو عائدات الهجرة في عام 2011 حوالي 8%. ويتوقع البنك الدولي أن تشهد في عام 2012 حوالي 7،3 % وحوالي 7،9% في العام 2013.
لدى افتتاحها للمنتدى العالمي حول الهجرة يوم الخميس 1 ديسمبر 2011 في جنيف، شددت سيمونيتا صوماروغا، وزيرة العدل والشرطة المعنية بملف الهجرة واللجوء في الحكومة السويسرية على “ضرورة تعزيز التعاون الدولي في مجال اللجوء”.
وقالت الوزيرة أمام المشاركين القادمين من أكثر من 160 دولة ومنظمة غير حكومية إن “سياسة اللجوء التي لا تراعي الجهود الدولية مآلها الفشل”.
وقالت الوزيرة في ندوة صحفية عقدتها بالمناسبة: “إن التعاون مع الدول الأخرى يعتبر عنصرا أساسيا في سياسة اللجوء السويسرية، لأن هذا التعاون والبحث عن الشركاء يُمكِّننا ليس فقط من خدمة المهاجرين، بل هو أيضا في صالح الشعب السويسري”. واستشهدت على ذلك بالإتفاق المبرم مع غينيا.
الوفد السويسري انتهز هذه المناسبة لإجراء العديد من اللقاءات مع ممثلي عدة دول من بينها كينيا وتركيا وجنوب افريقيا والعراق وانغولا والكونغو الديمقراطية وسريلانكا وإندونيسيا.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.