مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

البقوليّات… السلاح السريّ للزراعة السويسريّة في وجه التغيّرات المناخيّة

العدس في سويسرا
يعود العدس إلى الحقول والأطباق السويسرية، لما يبديه من مقاومة للبرد والحرارة، وما يتوفّر عليه من البروتينات. Keystone / Gaetan Bally

تركّز جهود بعض المجموعات الزراعية، على إنتاج العدس والحمص، وبقية البقوليات، كجزء من الحلّ لمواجهة التغيرات المناخية في سويسرا، باعتبارها مقاومة للجفاف، وغنية بالبروتينات. ورغم أنّها تساعد على التخفيف من آثار تغيّر المناخ، والتكيّف معه، فإنّ زراعتها، ليست سهلة على الإطلاق.

يزداد الإقبال على زراعة البقوليات في سويسرا، مع ارتفاع درجات الحرارة. فيستفيد العدس، والحمص، والترمس، من فصل الصيف الجاف، والحار، الملائم لزراعتها، على عكس النباتات التي تحتاج إلى المياه، مثل البطاطا، والشمندر، والذرة، التي تتسبّب هذه الظروف المناخيّة في ارتفاعرابط خارجي رابط خارجيأسعارهارابط خارجي في السوق.

وقد باتت زراعة البقوليات مستحبّة، في جميع أنحاء العالم: ارتفع الإنتاج العالمي للبقوليات بنسبة 60٪رابط خارجي بين عامي 2000 و2001، حتى في بلدان الجنوب العالمي، حيث تُعدّ أطباقا تقليديّة أكثر. وتعتبر البقوليّات في كندا، “طعام المستقبل”، ممّا أدّى إلى زيادة زراعتها بشكل كبير، منذ عام 2015. فأصبحت كندا،ثاني أكبر منتج للبقوليات في العالمرابط خارجي، بعد الهند. ومن المتوقع أن يصبح شمال أوروبارابط خارجي، أكثر ملاءمة لإنتاج البقوليات مقارنة بالجنوب، بسبب التغير المناخي. وتقود بعض الدول مثل الدنمارك، وهولندا، والمملكة المتحدة، هذه العملية الانتقالية.

المزيد

كما بدأ جزء من القطاع الزراعيّ في سويسرا، التركيز على زراعة البقوليات. فيقول ستيفان جيسي وهو يرينا حقوله الغنية بالعدس، والحمص: “للبقوليات فوائد كثيرة”.

يعمل جيسي في مزرعة عضوية، في أعالي زيورخ. وتختبر هذه المزرعة زراعات مختلفة، بما في ذلك البقوليّات. ويعتقد عالم الأحياء، أنّ هذه النباتات، مثالية لمساعدة المزارع على مواجهة التغير المناخي، بما أنها تحتاج إلى القليل من الماء.

قد تساعد زراعة المزيد من البقوليات، على تلبية الطلب السويسري على البروتينات، لأنّ صناعة اللحوم، والألبان، والبيض، وإن كانت تلبّي هذا الطلب حالياً، فإنّها مصدر كبير لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون. وتشير دراسةرابط خارجي، أجراها المعهد التقني الفدرالي العالي، في زيورخ (ETH Zurich)، إلى أن زراعة البقوليات في الأراضي المخصّصة لتغذية الحيوانات، يمكن أن تطعم المزيد من الناس، وتحدّ من التكاليف البيئية. وتقرّ الدراسة، “وجود فرص زراعيّة كبيرة، لم يقع استغلالها بعد”.

تغذّي التربة وتوفّر البروتينات

يبدو جيسي مقتنعا تماماً، بما في البقوليات، من إمكانات. وهو فخور جداً بحقوله، رغم أنّ مزرعته بدأت بإنتاج البقوليات فقط. منذ عامين، قد نجا نبات العدس من الشتاء، وهو ينمو بشكل جيد، معتمداً على سيقان الشعير الطويلة، والمنتصبة

ويشرح جيسي ذلك قائلا: “غالباً ما يُزرَع العدس، بالقرب من نبات آخر، أقوى، بسبب ساقه الرفيعة”. وتساعد النباتات بعضها البعض، فيتغذّى الشعير من النيتروجين الذي يمتصّه العدس من الهواء، ثمّ يفرزه فيما بعد في التربة. فتُخصب البقوليّات التربة، بشكل طبيعيّ، وتقلّل من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، الناتجة عن الأسمدة الكيميائية. ويعتبر جيسي العدس “هبة السماء للفلاحة”، وخاصة تلك العضوية، التي لا تستطيع استخدام الأسمدة الاصطناعية.

العدس والشعير
حقل العدس والشعير في المزرعة التي يعمل فيها ستيفان جيسي. SWI swissinfo.ch / Sara Ibrahim

ويقول: “تخصب البقولياّت التربة، وتحضّرها لزراعة المحاصيل التالية”. كما أنّ العدس مقاوم للصقيع، مما يجعل زراعته ممكنة في فصل الخريف. ويعتبر جيسي، أن هذه المواصفات تسمح للعدس بمقاومة الأعشاب الضارة، التي تنمو في فصل الربيع.

في شهر يوليو، سيكون بإمكانه حصاد العدس، وبيع الكيلو غرام، بسعر يتراوح بين 15 و20 فرنكا سويسريا، بينما يتراوح سعر الكيلو غرام من العدس العضويّ المستورد، بين 5 و10 فرنكات. ورغم ارتفاع هذا السعر، بالنسبة إلى الزبائن، يبقى سعر اللحوم أعلى، بينما يوفّران الكميّة نفسها من البروتين. إذ تحتوي مئة غرام من العدس الخام، على حوالي 22 غراماً منه، بينما توفّر مئة غرام من لحم البقر، 20 غراما.

المزيد
خنزيران مقيدان

المزيد

سويسرا: نحو استهلاك كميات أقلّ من اللّحوم بحلول 2050؟

تم نشر هذا المحتوى على لا تزال اللحوم تُستهلك بكثرة في سويسرا. ولكن يجب أن يتغيّر ذلك بحلول عام 2050 من أجل تحقيق الأهداف المناخية. عرض للحلول المتاحة.

طالع المزيدسويسرا: نحو استهلاك كميات أقلّ من اللّحوم بحلول 2050؟

الحمص والترمس، الأقلّ تكيّفا

يقول جيسي، إنّ العدس من أكثر البقولياّت سهلة الزراعة، وجودا في سويسرا. ولطالما شاعت زراعة العدس البنيّ، المعروف ب”الجبلي”، قبل اعتماد تربية الحيوانات المكثّفة، بعد الحرب العالمية الثانية.

ويختلف الوضع تماماً، في ما يتعلّق بزراعة الحمص والترمس. إذ تُعدّ هذه المحاصيل جديدة في سويسرا، فلم تختبر هذه الزراعةَ، سوى بعضُ المزارع القليلة، على مدى السنوات العشرين الماضية. ثمّ بدأ الوضع يتغيّر. فخصّصت مزرعة هوف ريندربرونين (Hof Rinderbrunnen)، المزرعة التي يعمل بها جيسي، مساحات صغيرة، للزراعة التجريبيّة، التي تشمل أنواعا مختلفة من الحمص، وتهدف إلى تحديد أفضل التقنيات للزراعة، واختيار النوع الأنسب منه، لطبيعة التربة والمناخ السويسريّ. ويقول جيسي: “نحن نقترب من تحقيق أهدافنا”.

زراعة الحمص في سويسرا
يُعد الحمص من بين البقوليات الأكثر شعبية، لكن العثور على الصنف الأنسب منه للتربة والمناخ في سويسرا ليس بالأمر السهل. صورة متاحة

في العامين الماضيين، تم اعتبار الحمص الأسود، صنفا واعدا، رغم قلّته، بسبب لونه الداكن. فيقول سيباستيان كوسمان (Sebastian Kussmann)، المسؤول عن اختيار البقوليات الصالحة للزراعة، في المنظّمة غير التجارية (Gzpk)، التي تُعنى بتطوير المحاصيل: “لا يُقبِل مُعظم الناس، على تناول حمص رماديّ اللون، حتى وإن كان الطعم نفسه”. ويبيّن كوسمان، دور الحمص الأسود مقاوم الفطريات، مما يجعله مميزاً للغاية، في المزارع التي تحاول الاستغناء عن المبيدات.

وتتبيّن صعوبة تحديد النوع المناسب للزراعة، من الترمس، النبات الذي يتمتّع بشعبيّة كبيرة، في منطقة البحر الأبيض المتوسّط، بسبب عدة عوامل؛ منها أنّ التربة التي يُزرع فيها، يجب أن تحتوي على نسبة منخفضة من كربونات الكالسيوم، لتجنّب مرض الكلوروسيس، المسبِّب لسقوط الأوراق في وقت مبكّر. كما يمكن أن تسبّب الموادّ القلويّة الموجودة في الترمس، طعمه المرّ. وهي مواد دفاعيةّ بالنسبة إلى النبات، ويمكنها أن تصبح سامّة للإنسان والحيوان، إذا تمّ تناول كميّات كبيرة منها.

تقول كريستين أرنكن، عالمة متخصّصة في زراعة الترمس، في معهد الأبحاث للزراعة العضويّة: “نحاول اختيار أنواع من البقوليّات أكثر حلاوة، وأقلّ موادّ قلويّة، مع أنّه يصعب جدّا، تحديد أنواع، قليلة المواد القلويّة، ومقاومة للأمراض الفطرية التي تصيب محاصيل الترمس في سويسرا، بسبب المناخ الرطب”.

حقل ترمس
تعرض كريستين أرنكن حقل ترمس تجريبي. وتحاول هذه المهندسة الزراعية اختيار صنف من البقوليات الاكثر حلاوة والاقل مواد نباتية سامة. SWI swissinfo.ch / Sara Ibrahim

تحدّي المناخ والمحصول

واجهت البقوليات مشكلة المناخ الربيعي، غير المستقرّ، هذا العام، الذي شهد أيّاما حارة جداً، وأيّاما باردة وممطرة. فتأخّر محصول الحمص في المزرعة، حيث يعمل جيسي أسبوعين، وكان يُفترض أن يزهر في يونيو. وقد تأخر الإنبات، بسبب البرد غير المتوقع، وأمطار أفريل الغزيرة، بعد الزراعة.

وفي ذلك يقول سيباستيان كوسمان: ” نتّبع عادة، توقيتا معيّنا، وآمنا، للزراعة في فصل الربيع. ولكن، يصبح الأمر أكثر صعوبة، بسبب التغيّر المناخيّ، لذلك نحن في حاجة أحيانا، إلى نباتات مقاومة للجفاف والحرّ، وأحيانا، إلى نباتات تتحمّل الماء والبرد”. ولهذا السبب، لا يمكن تقديم النصيحة بزراعة نوع واحد فقط، من البقوليات

يشكّل الحصاد أحد أكبر التحديات في زراعة البقوليات. فغالباً ما تكون نسبة البذور التي تنتجها المحاصيل، منخفضة جداً، وغير كافية، لتُجمَع بواسطة الآلات الحاصدة. ويشرح جيسي ذلك قائلاً: “يبقى نصف المحصول في الحقل، إذا لم يُجمع”. فجمع المحصول يتطلّب عمليات عديدة؛ منها حصاد النباتات، وجمعها فيما بعد، بواسطة الحصّادات.

ويجب تجفيف العدس والمحاصيل الأخرى، وتنظيفها بعد ساعات قليلة من جمعها. ويعتبر جيسي، أن التجفيف عملية “حاسمة” وضروريّة للحفاظ على البقوليات، وتجنب خسارة كلّ المحصول، لكن معظم معدّات التجفيف في سويسرا مصمّمة لمحاصيل تزيد عن خمسة أطنان. ويقول جيسي: “إن بلغت محاصيلنا أربعة أطنان، فنحن محظوظون”. 

البقوليات القصيرة
غالبا ما تكون نباتات البقوليات قصيرة من حيث الطول، ولابد من حصادها قبل حصاد النبات الأخرى المزروعة معها في نفس المساحة. صورة متاحة

إقناع الجهات المستهلكة

قرّرت بعض المزارع الانتقال من زراعة المحاصيل الآمنة والشائعة، مثل الذرة والقمح، إلى زراعة البقوليات. ولا تزال هذه المزارع القليلة، في المرحلة التجريبية. ويعترف جيسي بأنه سيكون من الصعب تغيير العادات الزراعيّة، التي تعتبر البقوليات خطيرة جدّا. فيقول: “رفض تغيير العادات الزراعيّة، يسانده رفض تغيير النظام الغذائيّ أيضا”. وقد أشارت الأبحاثرابط خارجي إلى أن استبدال اللحوم بالبقوليات أمر صعب للغاية بالنسبة إلى معظم الناس.

وعند تفضيل البقوليّات على اللحوم، عادة ما يقع الاختيار على الأطعمة المصنّعة، سهلة الطهي، مثل العدس الأحمر، البنيّ المقشّر. وبدائل اللّحوم، المكوّنة غالباً، من البازلاء. ومع ذلك، من النادر أن تتكون هذه المنتجات من مواد أولية سويسرية، بسبب ارتفاع تكلفة إنتاجها. فتقول ميلاني ريديجر (Melanie Rediger)، خبيرة تسويق البقوليات، في التعاونية العضوية، بيوفارم (Biofarm): “أسعارنا مرتفعة جدا، مقارنة بأسعار منافسينا الأجانب، لقلّة إنتاجنا، عديم الجدوى أحيانا”.

المزيد

نقاش
يدير/ تدير الحوار: سارة إبراهيم

كيف تغيّرت عاداتك الغذائية؟

لأسباب شتى، يختار عدد متزايد من الأشخاص في سويسرا الآن اتباع نظام غذائي نباتي. هل لديك تجربة أو خبرات في هذا المجال؟

17 إعجاب
91 تعليق
عرض المناقشة

وكي لا يفقد الأمل، ساهم جيسي، منذ بضعة أشهر، في إطلاق مشروع تعاونيرابط خارجي، يُعنى بالمحاصيل الخاصّة في منطقته. ويهدف هذا المشروع إلى إنشاء شبكة من العلاقات، وتبادل الخبرات، والتقنيات، لجمع البقوليّات، وتجفيفها. ويعتمد جيسي وزملاؤه، على البيع المباشر، بهدف تحفيز التواصل مع الزبائن. ويقول، بكلّ اقتناع، رغم ما يواجهه من تحدّيات: “علينا تناول كمية أقل من اللحوم، والمزيد من البروتينات النباتية، الموجودة بكثرة في البقوليات، فهي الخيار الأمثل، من كلّ النواحي”.

*  البقوليات: تشمل جميع أصناف الفاصولياء المجفَّفة، مثل الفاصولياء الحمراء، وفاصولياء ليما، والفاصولياء البيضاء، والفول. كما تشمل أيضاً الحُمص، واللوبياء السوداء العين، والبازلاء الهندية، وكذلك جميع أصناف العدس.

تحرير: صبرينا فايس وفيرونيكا دي فوري 

ترجمة: إيفون صعيبي

مراجعة: عبد الحفيظ العبدلي/ أم

التدقيق اللغوي: لمياء الواد

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية