المساواة بين الجنسين في الأوساط الأكاديمية السويسرية… تقدّم بطيء
أواخر شهر مارس الماضي، عيّن المعهد التقني الفدرالي العالي في لوزان، أوّل رئيسة في تاريخه، الممتدّ طيلة 141 عامًا. ورغم تجاوز عدد النساء الأستاذات في الجامعات السويسرية، عدد الرجال، إلا أن القليل منهن يصلن إلى المراتب العليا في الأوساط الأكاديمية. فيما يلي، نلقي نظرة على بعض البيانات الرئيسية بالخصوص.
تشعر آنا فونتكوبرتا إي مورال، أستاذة علوم وهندسة المواد، والتي تبلغ من العمر 49 عامًا، بسعادة غامرة. وغرّدت إي مورال، في 27 مارس، بالقول: “شكرًا بالفرنسية، شكرًا بالألمانية، شكرًا بالإيطالية [للوزير الحكومي] غي بارمولان، والحكومة الفدرالية، على هذا التعيين وعلى ثقتهما. إنّه لشرف لي. وأنا أتطلع إلى البدء في عملي كرئيسة للمعهد التقني الفدرالي العالي في لوزان (EPFL)، في 1 يناير 2025”.
لقد انتظرت سويسرا طويلاً تولّيَ امرأة قيادة جامعة ذات توجّه تكنولوجي. لكنّ الإسبانية السويسرية، مزدوجة الجنسية، مقتنعة بأن الأمور تسير في الاتجاه الصحيح.
وقالت إي مورال للإذاعة والتلفزة السويسرية الناطقة بالفرنسية (RTS) يوم الخميس 28 مارس: ” كان عدد الأساتذة الإناث، قبل عشرين عاما، لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة. وثلث دارسي ودارسات علوم المواد، هنّ من النساء، ولكن هناك مجالات يوجد فيها عدد أكبر بكثير، مثل الهندسة. لقد بُذلت جهود كبيرة، والآن هناك العديد من الأساتذة الإناث”.
ورغم تفاؤل المديرة المعيّنة حديثًا، يستمرّ التمثيل الناقص للمرأة في الأوساط الأكاديمية السويسرية. حيث تمثّل النساء ما يناهز 45% من طلبة وطالبات الدكتوراه، و53% من جميع طلبة الجامعات في سويسرا. ولكن، وعلى غرار الدول الأوروبية المجاورة، كلّما ارتفع درج السّلم الأكاديمي، قلّ عدد النساء في الأوساط الأكاديمية في سويسرا.
وتشغل النساء 24% فقط من مناصب التدريس العالي، في 12 جامعة سويسرية. ويشكل ذلك أقل من المتوسط للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، البالغ عددها 27 دولة (26٪)، وفقًا لأحدث تقرير صادر عن المفوضية الأوروبية، بعنوان “تقرير الأرقام حول المرأةرابط خارجي” لعام 2021.
ويشير المكتب الاتحادي للإحصاء (FSO) إلى أنه على مدى السنوات الـ 11 الماضية، ارتفعت نسبة النساء بين أعضاء هيئة التدريس في مؤسسات التعليم العالي، المكوّنة من بروفيسورات، وأساتذة وأستاذات: من 24.3% في عام 2012 إلى 30.1% عام 2022. وقد زادت حصة الأساتذة الإناث فقط من 19.3% عام 2013 إلى 28.4% عام 2022. لكنّ التقدم كان بطيئا.
وفي أوروبا، من الأرجح أن تتخرج النساء في تخصصات الفنون، والعلوم الإنسانية، والعلوم الاجتماعية، والصحافة، وإدارة الأعمال، والقانون. ويكون النقص في عدد النساء أكثر حدّة في مجالات العلوم، والتكنولوجيا، والهندسة، والرياضيات، وخاصة في تكنولوجيا المعلومات، والاتصالات، والهندسة، والتصنيع، والبناء. ومع ذلك، يزيد تمثيل النساء في مجال علوم الحياة.
وتوجد في سويسرا، أعلى نسبة من الأستاذات في تخصّص العلوم الإنسانية والاجتماعية (37٪)، وأدنى نسبة في العلوم التقنية والاقتصاد (18٪)، والعلوم الطبيعية (17٪)، وفقًا لرابطة الجامعات السويسرية.
وبصرف النظر عن أعضاء وعضوات هيئة التدريس، تتراوح نسبة النساء العاملات كمديرات، ومسؤولات من درجة عليا، بين 29% في الجامعات العادية، و35% في جامعات العلوم التطبيقية، و39% في جامعات إعداد الأساتذة والأستاذات.
وقال فريق التقرير، الصادر عن المفوضية الأوروبية، بعنوان “الأرقام حول المرأة”، إنّه ” قد تمّ إحراز بعض التقدم [في الاتحاد الأوروبي] في اتجاه تحسين تمثيل المرأة في مناصب صنع القرار، والمناصب القيادية. لكنّ النساء شكّلن، أقل من 25% من رؤساء المؤسسات في قطاع التعليم العالي في عام 2019. وفي عام 2019، كان ما يزيد قليلاً عن 3 من كل 10 أعضاء وعضوات مجالس الإدارة من النساء (31.1%)، فيما كان أقلّ من ربع رؤساء ورئيسات مجالس الإدارة (24.5%) من النساء، على المستوى الأوروبي.”
أمّا في سويسرا، فقد كان 24.4% من رؤساء ورئيسات الجامعات، من النساء في عام 2019.
وأوضح بيير سولبرغر، من المكتب الفدرالي للإحصاء، أنه “نظرًا لقلة عدد المناصب المعنية، يمكن أن تختلف هذه النسبة بعدة نقاط مئوية، عند تعيين شخص واحد، أو شخصين فقط. ونتيجة لذلك، ظلّ المعدل مستقرا نسبيًا، في السنوات الأخيرة عند نسبة تتراوح بين 24-30%”.
“تسرّب الأستاذات”
ترجع الظاهرة، التي تكافح فيها النساء من أجل التقدم في السلم الأكاديمي، جزئيًا، إلى صعوبة الجمع بين الحياة المهنية والأسرة، وهي ظاهرة عالمية، غالبًا ما يشار إليها باسم “تسرّب الإناث”. حيث يتجاوز عدد النساء اللاتي يتركن الأوساط الأكاديمية، معدل المغادرة عند الرجال، رغم تخرج عدد أكبر من النساء من الجامعات.
وفي الاستطلاعات المنجزةرابط خارجي، ربطت النساء مغادرتهنّ بمسائل تتعلق بالتوفيق بين الحياة الأسرية والأكاديمية، ونقص القدوة النسائية، والعلاقات، بالإضافة إلى التحيز الجنسي في عمليات التوظيف، والترقية. وتعاني سويسرا أيضًا، من مشكلات هيكلية محددة في هذا السياق، ذلك أنّ فرص توفير رعاية الأطفال أمر نادر، ومكلف للغاية، مقارنة بالدول الأوروبية الأخرى، بينما توفّر الوظائف ذات الأجر الجيد في الصناعة، بديلاً جذابًا للأكاديميين والأكاديميات.
ولا يتفق الجميع مع مصطلح “تسرّب الأستاذات”. حيث وصف تقريررابط خارجي، أُعد بتكليف من المؤسسة الوطنية السويسرية للعلوم (SNSF) العام الماضي، والذي استعرض تدابير المساواة بين الجنسين في الأوساط الأكاديمية، هذا المصطلح بأنه “مضلّل”.
فقد خلص فريق البحث إلى أن المصطلح “يوحي بأن النساء يتسربن من الأوساط الأكاديمية بشكل غامض، وبالتالي، فهو يخفي الحواجز الهيكلية، والتنظيم الجنساني المتأصل في النظام الأكاديمي، ممّا يلحق الضرر بالتقدم الوظيفي للمرأة”.
وقال التقرير الذي أعده فريق بحث من جامعة بازل، وترأسه الخبيرة في مجال المساواة بين الجنسين، أندريا زيمرمان، إن العديد من الدراسات سجلت تحيزًا بين الجنسين في معايير وإجراءات تقييم الأبحاث، ممّا يؤثر بالضرورة على التوظيف، والترقية، والتمويل.
وكتب فريق البحث أن النساء غالبًا ما يجدن أنّ تكوين أسرة لا يتوافق مع متطلبات الحياة الأكاديمية.
ولزيادة عدد الأساتذة الإناث، وقبل كل شيء، للحفاظ على النساء في الأوساط الأكاديمية، اتخذت المؤسسات والمنظمات البحثية، في سويسرا والاتحاد الأوروبي، المزيد من التدابير، على غرار المنح والتوجيه ودعم رعاية الأطفال (أنظر.ي صندوق المعلومات أدناه).
وقد أدخلت المؤسسة الوطنية السويسرية للعلوم (SNSF)نظام الحصصرابط خارجي، للنساء في لجان التقييم التابعة لها. ويهدف ذلك إلى زيادة إبراز المرأة، في مجال البحوث، وأخذ وجهات نظرها في الاعتبار بشكل أفضل، عند اتخاذ القرارات المتعلقة بسياسة البحث.
وتستند المؤسسة الوطنية السويسرية للعلوم على المراجعة الشاملةرابط خارجي للعام الماضي، في تخطيطها للتدابير المستقبلية، التي تهدف على وجه التحديد، إلى زيادة عدد النساء في مجال البحوث، وتعزيز بيئة عمل متساوية، وشاملة، وإحداث معارف شاملة للجنسين.
المزيد
المجال الأكاديمي في سويسرا: المرأة تقود التغيير
أصبحت خطة المساواة بين الجنسين (GEP) رابط خارجي اعتبارًا من عام 2022، إلزامية للجامعات والمؤسسات البحثية في الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، والدول المرتبطة به، المشاركة في برنامج أفق أوروبا، الذي يشكل البرنامج الرئيسي للاتحاد الأوروبي، في مجالي البحث والابتكار. وقد فقدت سويسرا عضويتها في برنامج أفق أوروبا، عندما انهارت المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي، بشأن إبرام معاهدة سياسية واسعة النطاق، في شهر مايو 2021. وتأمل سويسرا في الانضمام مرة أخرى إلى البرنامج في هذا العام.
تتحدث حوالي 95% من مؤسسات التعليم العالي في سويسرا، بالتفصيل عن استراتيجيات المساواة بين الجنسين، على مواقعها الإلكترونية. وتشمل التدابير، المراقبة الجنسانية، وتقديم المشورة، وعقد ورش عمل حول المهارات الشخصية، والتوجيه، والتواصل، وحلقات عمل بشأن التحيز الجنسي.
وتتوفر في سويسرا سلسلة من المنح التمويلية الموجهة للنساء، خاصة من جانب المؤسسة الوطنية السويسرية للعلوم (SNSFرابط خارجي). وتساعد منحة المرونة، طالبات وطلاب الدكتوراه وما بعد الدكتوراه، الذين واللواتي لديهم.ن أطفال وطفلات، على تغطية تكاليف رعاية الأطفال والطفلات خارج المنزل، أو تكاليف الرواتب للموظفين.ات الداعمين لهم.ن. وتقدم منحة المساواة بين الجنسين، للباحثين والباحثات، مبلغ 1000 فرنك سويسري (1110 دولارات) لكل سنة مشروع، يمكن استخدامها في التوجيه، والتدريب، والدورات، والمؤتمرات، وحلقات العمل.
ويعمل برنامج التمويل “سبيريت” (SPIRIT)، الذي تم إطلاقه في عام 2019، على تعزيز البحوث التعاونية الدولية، مع التركيز على تشجيع العالمات، والمسائل البحثية الخاصة بالجنسين. ويتراوح التمويل ما بين 50 ألف و500 ألف فرنك سويسري على مدار فترة، تمتدّ من عامين، إلى أربعة أعوام. وتدعم منحة برنامج “بريما” (PRIMA) ، التي تم إطلاقها في عام 2017، النساء ذوات الإمكانيات العالية، للحصول على منصب الأستاذية. ويتلقى الناجحون والناجحات في الحصول على المنحة، تمويلاً يصل إلى 1.5 مليون فرنك سويسري، لتغطية رواتبهم. ن وتكاليف المشروع، لمدة خمس سنوات، داخل مؤسسة بحثية سويسرية.
وأخيرًا، هناك برنامج إتش. آي. تي (H.I.Tرابط خارجي)، أي “تدريب مهارات وتعزيز هوية قيادات الجامعات أصحاب وصاحبات الإمكانات العالية)، وهو عبارة عن تعاون بين عشر جامعات في الكانتونات، والمعهدين التقنيين الفدراليين في لوزان وزيورخ. وتستفيد الأستاذات من حزمة تدريبية، والتدريب الفردي، والتواصل المهني، وتوجيه القرينات، ومحاكاة القيادة، لإعدادهن لشغل مناصب قيادية في الأوساط الأكاديمية، ومساعدتهن على تطوير كفاءات في مجال المساواة بين الجنسين والتنوع.
تحرير: فيرجيني مانجان
ترجمة: مصطفى قنفودي
مراجعة: مي المهدي/أم
هل نال المقال إعجابك.كِ؟ اشترك.ي في نشراتنا الإخبارية المتنوّعة للحصول على مجموعة مختارة من أفضل محتوياتنا مباشرة عبر البريد الإلكتروني.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.