مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الثورات العربية تختبر قـدرات اللجنة الدولية للصليب الأحمر على نجدة الضحايا

جاكوب كيلنبيرغر، رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر أثناء تقديمه التقرير السنوي للمنظمة أمام الصحافة في جنيف يوم 26 مايو 2011

عبر رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر جاكوب كيللنبيرغر عن القلق بخصوص الأوضاع السائدة في بؤر اضطرابات جديدة مثل ليبيا وكوت ديفوار، في وقت تعاني فيه المنظمة الإنسانية من تراجع في التمويل بالنسبة للعديد من الأزمات المزمنة.

وفيما يأمل كيللينبرغر أن تلعب المنظمة دورا أكبر في هذه المرحلة من ثورات العالم العربي، فإن الأنظمة القائمة لا زالت تفرض قيودا على عمل المنظمة الإنسانية الدولية أو تتجاهل طلباتها.

وفي مناسبة نشر التقرير السنوي للجنة الدولية للصليب الأحمر لعام 2010، أشار رئيس اللجنة في ندوة صحفية عقدها يوم الخميس 26 مايو في جنيف إلى أن الإحتياجات الإنسانية عرفت زيادة لم يسبق لها مثيل  بسبب تعاقب العديد من الأزمات في العالم. وقد تزامن ذلك مع تراجع مساهمات الدول المانحة مما أجبر اللجنة الدولية للصليب الأحمر على الإستغناء عن 32 موطن شغل من بين 885، وأرغمها على تخفيض حوالي 80 مليون فرنك من الميزانية المخصصة لأنشطتها الميدانية.

وإذا كان جانب من هذا التراجع يعود للإرتفاع المسجل في قيمة صرف الفرنك السويسري، فإن ما يثير المزيد من قلق اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالنسبة لعام 2011 هو أن أزمات جديدة ومُكلفة (مثل ليبيا وكوت ديفوار)، انضافت إلى قائمة الأزمات التي كانت تستحوذ على جانب هام من ميزانية المنظمة مثل باكستان وأفغانستان والعراق والسودان والصومال وجمهورية الكونغو الديمقراطية وإسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة.

أول منظمة إنسانية تدخل ليبيا

وبخصوص نشاطات اللجنة الدولية للصليب الأحمر في ليبيا، قال السيد كيللنبيرغر: “لقد كنا أول منظمة إنسانية الى جانب أطباء بدون حدود تدخل ليبيا في 26 فبراير” الماضي، كما تمكنت المنظمة من افتتاح مكتب لها في مدينتي بنغازي وطبرق.

وبخصوص المنطقة الواقعة تحت إشراف المجلس الوطني الانتقالي في بنغازي، أوضح رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن الأهداف التي حددتها هناك تمثلت في ثلاث نقاط: “أولا: تقديم الدعم الطبي للمستشفيات التي كانت تحتاج إلى دعم رغم  قيامها بنشاطاتها على وجه مقبول. وثانيا: توفير الأمن الإقتصادي بسبب عدم استقرار خطوط المواجهة الى الغرب من أجدابيا، وذلك بتقديم الدعم للنازحين ومساعدة العمال المهاجرين. والنقطة الثالثة تتعلق بزيارة المعتقلين في منطقة بنغازي”، وفي هذا الصدد، أوضح كيللينبرغر أن “السماح بزيارة الأسرى تم لحسن الحظ بسرعة”.

ولدى تطرقه إلى مصراتة، قال رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر: “إننا إذا كنا لم نستطع في البداية إقامة نقطة تواجد في عين المكان نظرا للوضع الأمني واكتفينا بزيارات عبر البحر، فإننا نتوفر اليوم على تواجد دائم في المدينة”. وتتركز المهام التي تقوم بها اللجنة الدولية إلى جانب منظمات إنسانية وأممية اخرى على دعم المستشفيات ومساعدة العمال المهاجرين على مغادرة المدينة. وأكد أن اللجنة الدولية ساهمت في إجلاء حوالي 2500 عامل مهاجر من المنطقة.

وبخصوص الوضع في طرابلس التي لا زالت خاضعة لسيطرة القوات الموالية للعقيد القذافي، قال رئيس الجنة الدولية للصليب الأحمر: “إن الوضع كان أكثر تعقيدا”، ومع أنه اتصل بالسلطات هناك منذ الوهلة الأولى، إلا أنها اعتبرت أنه “لا حاجة لتواجد اللجنة الدولية للصليب الأحمر”. وفي موفى شهر مارس، حصلت اللجنة الدولية للصليب الأحمر على دعوة لزيارة طرابلس حيث قامت بالتفاوض بخصوص شروط ما تنوي القيام به في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة في طرابلس ووقعت مع السلطات الليبية على “اتفاق تفاهم”.        

وإثر ذلك، تمكنت اللجنة الدولية من افتتاح مكتب لها في العاصمة الليبية وعبرت عن رغبتها في تقديم الدعم الطبي وزيارة المعتقلين سواء بسبب الصراعات المسلحة أو الذين أولئك الذين أوقفوا في الإضطرابات الأخيرة. وأفاد رئيس اللجنة الدولية أنه “حصل الأسبوع الماضي على رد بالسماح بزيارة المعتقلين الموجودين تحت إشراف وزارتي العدل والداخلية وتم القيام بأول زيارة  للمعتقلين يوم الأحد الماضي (22 مايو 2011) في ضواحي العاصمة طرابلس”.

وفي هذا السياق، عبر السيد كيللنبيرغر عن “قلق اللجنة الدولية ورغبتها في معرفة المزيد عن الأوضاع الإنسانية في المناطق الغربية والجنوبية من العاصمة طرابلس”.

وفي رد عن تساؤل طرحته swissinfo.ch حول الإدعاءات المتكررة المتعلقة باستهداف سيارات الإسعاف أو استخدامها من قبل  قوات العقيد القذافي لنقل الجنود والذخيرة والدخول الى المدن، أجاب رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر: “لقد توصلنا بمعلومات عن هذه الإدعاءات، ولكننا لم نحصل بعد على أدلة قاطعة”.

وأضاف رئيس اللجنة الدولية بهذا الخصوص أنه “بالنظر الى أحداث مماثلة حدثت في مناطق أخرى ومن بينها افغانستان، أود أن أشير إلى أن اللجنة الدولية ستجعل من هذه النقطة (أي موضوع احترام المهام الطبية في مناطق الصراعات) موضوعا رئيسيا للنقاش في المؤتمر السنوي لحركة الهلال والصليب الأحمر الذي سيعقد في نهاية العام”. وأضاف بأنه “أصبح من الضروري إعادة تذكير الجميع بما تنص عليه بنود القانون الإنساني الدولي من أجل احترام مهام فرق الاغاثة الطبية. وهذا يمس الأفراد العاملين في هذه المهام ولكن أيضا المعدات المستعملة من سيارات إسعاف ومستشفيات وغيرها”. وأكد السيد كيلينبيرغر أن “هذا الموضوع يثير قلقنا حتى ولو بقي مجرد ادعاءات في بعض الحالات”.  

رغبة في القيام بالكثير في سوريا ولكن…

يرى رئيس اللجنة الدولية أن الوضع السوري “يجسد جليا” ما عبرت عنه المنظمة الإنسانية في استراتيجيتها للفترة الممتدة من 2011 إلى 2014  من رغبة وحرص على “توسيع نشاطاتها في المستقبل كي تشمل – إلى جانب الاهتمام بتأثيرات الصراعات المسلحة – باقي الصراعات الأخرى، أي تلك التي لا تبلغ فيها درجة العنف حد تطبيق معايير القانون الانساني الدولي”.

وبعد أن ذكـّر بأن اللجنة الدولية للصليب الأحمر “تعتبر المنظمة الإنسانية الدولية الوحيدة التي تم قبولها في سوريا”، أقـرّ بأن” ما تقوم به لحد الآن متواضع جدا مقارنة بما كنا نرغب القيام به”.

وبشيء من الدقة، أشار السيد كيللنبيرغر إلى أنه “بإمكاننا التوجه الى درعا وتقديم بعض  المساعدة الى جانب الهلال الأحمر السوري ولكن لا يُسمح لنا بالدخول إلى المدن التي نرغب في التوجه لها”. وأضاف رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر: “لقد أوضحنا للحكومة السورية في خطاب بتاريخ 27 مارس باننا نرغب في الحصول على ترخيص بالوصول إلى المعتقلين. ولكن لم نحصل على هذا الترخيص لحد الآن، ولا يمكنني إخفاء أنني قلق جدا لهذا الوضع”.

البحرين واليمن وفلسطين…

بعض الملفات ذات العلاقة بالعالم العربي لم يتم التطرق لها مباشرة من قبل اللجنة الدولية للصليب الأحمر، لكنها أثيرت في الندوة الصحفية في أعقاب تساؤلات الصحفيين عما قامت به (أو لم تقم به) اللجنة الدولية للصليب الأحمر غداة المواجهات التي شهدتها مملكة البحرين.

بهذا الخصوص، أوضح السيد جاكوب كيللنبيرغر، رئيس اللجنة الدولية لصليب الأحمر أنه “عندما تأزمت الأوضاع أرسلنا ممثلا عن اللجنة الدولية بشكل دائم الى البحرين لمتابعة الوضع، وجلبنا انتباه المسؤولين عبر خطاب موجه لهم يشرح بأن الأوضاع السائدة لا تخضع لأحكام القانون الانساني الدولي ولكن لأحكام حقوق الإنسان. كما عبرنا لهم عن الرغبة في زيارة المعتقلين. كما أجريتُ محادثات في جنيف مع وزيرة التنمية الإجتماعية البحرينية، وجددت لها رغبتنا في زيارة الأسرى ولكن لم نحصل لحد الآن على ترخيص بذلك”.

أما بخصوص اليمن فقد أوضح رئيس اللجنة الدولية أن هذا البلد “يُشكل إحدى العمليات الكبرى التي تقوم بها اللجنة الدولية في ثلاث مناطق جغرافية :الشمال في محافظات صعدة وعمران الواقعة تحت إشراف الحوثيين، ومنطقة الجنوب حيث تم فتح مكتب فرعي للجنة الدولية، ثم منطقة  صنعاء”.

ولدى تطرقه إلى نشاطات اللجنة في اليمن، أوضح كيللنبرغر أنها “في غالبيتها نشاطات دعم اقتصادي للنازحين في الشمال. وبعد طلبات متكررة  لزيارة الأسرى منذ خمس سنوات لم نحصل على ترخيص بذلك إلا في العام الماضي. ولكننا قلقون جدا للوضع الإنساني في اليمن نظرا لعدم تواجد الكثير من المنظمات الإنسانية” هناك.

الوضع في الأراضي الفلسطينية لم يكن من بين النقاط التلقائية التي تطرق لها رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر أثناء عرضه لنشاطات المنظمة الانسانية في العام المنقضي، ولدى سؤاله عما إذا كان عدم تناوله للملف يعني أن كل شيء على أحسن مايُرام، رد رئيس اللجنة الدولية بكل تلقائية أنه “قد يجب طرح هذا السؤال على آخرين لماذا لا يتطرقون للموضوع الفلسطيني، وبالأخص للممثلين السياسيين”، وذكّـر السيد كيللنبيرغر بأن “موقفنا القانوني ونشاطاتنا في الأراضي الفلسطينية معروفة”، ومشددا على أن “إسرائيل والأراضي الفلسطينية ظلت منذ سنوات من بين العمليات الكبرى التي تقوم بها اللجنة الدولية للصليب الأحمر” .

وأضاف السيد كيللنبيرغر بأن “عملية الحماية في الاراضي الفلسطينية المحتلة تبقى عملية أكثر تعقيدا حيث نقوم بزيارة ما بين 8000 و 9000 أسير فلسطيني لدى إسرائيل، وحوالي 2000 معتقل فلسطيني لدى السلطات الفلسطينية. كما نبذل مجهودا من أجل نشر مبادئ القانون الانساني الدولي. ولنا نشاطات في بعض المناطق تشمل الدعم الاقتصادي خصوصا في قطاع غزة حيث الأمور أكثر خطورة من الناحية الانسانية، وهي نشاطات تمتد في بعض الأحيان الى قطاعات أبعد مثل بناء محطة لتطهير المياه لحوالي 350 ألف ساكن”.

واختتم رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر تدخله بالقول: “لا شك أنكم تتذكرون ما قلته أثناء زيارتي إلى قطاع غزة (بُعيد الحرب الإسرائيلية ديسمبر 2008 – يناير 2009 – التحرير)، وكنت حينها أول رئيس منظمة دولية يصل للقطاع، عندما عبرت عن الأمل في أن يتم أخيرا انطلاق مسار سلمي فعلي وذي مصداقية. ولم أغيّر رأيي بهذا الخصوص لحد اليوم”.

تقوم اللجنة الدولية للصليب الأحمر بنشاطات في أكثر من 80 دولة

في عام 2010

  

– فاقت ميزانيتها 1،1 مليار دولار وكانت أهم العمليات التي قامت بها (من حيث الميزانية المخصصة): باكستان، ثم أفغانستان، فالعراق، والصومال، والسودان، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وإسرائيل والأراضي الفلسطينية  المحتلة.

بعض النفقات حسب القطاعات: توزيع مواد غذائية لأكثر من 4،9 مليون نسمة. تقديم دعم فلاحي لأكثر من 3،2 مليون نسمة. استفادة أكثر من 10 ملايين نسمة بمشاريع مياه.

استفادة أكثر من 5،2 مليون نسمة من المساعدات الطبية.

زارت اللجنة الدولية في العام 2010 أكثر من 500 الف معتقل في 1783 مكان اعتقال في شتى أنحاء العالم.

توقعات عام 2011

انضافت أزمتان إنسانيتان هامتين من حيث الإحتياجات: ليبيا (حوالي 75 مليون دولار) والكوت ديفوار.

تراجع في دعم الدول المانحة بحوالي 4% لسبب يعود في معظمه لارتفاع قيمة صرف الفرنك السويسري.

بلغت الميزانية الأولية حوالي 1،046 مليار دولار وتم تخفيض ميزانية العمليات الميدانية بحوالي 80 مليون فرنك.

جرى تقليص عدد الموظفين حيث تم إلغاء 32 وظيفة من بين إجمالي 885 موطن عمل.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية