مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الذكاء الاصطناعي في سويسرا … ما الذي يخبئه عام 2025؟ 

الذكاء الاصطناعي
تعد القواعد الأكثر صرامة للمنصات الاجتماعية، التي تستخدم خوارزميات الذكاء الاصطناعي بكثافة، من بين التغييرات التي ستشهدها سويسرا في عام 2025. Keystone / Urs Flueeler

يُعد عام 2025 نقطة تحول بارزة في تطور الذكاء الاصطناعي في سويسرا، بصدور تشريعات جديدة، وتطوير تطبيق سويسري مشابه لـ "تشات جي بي تي"، بالإضافة إلى اعتماد المركبات ذاتية القيادة. 

المزيد
نشرتنا الإخبارية حول التغطية السويسرية للشؤون العربية

المزيد

نشرتنا الإخبارية حول التغطية السويسرية للشؤون العربية

اشترك.ي في النشرة الإخبارية لدينا، واحصل.ي على بريد إلكتروني كل يوم جمعة يحتوي على أخبار من الدول الناطقة بالعربية تم جمعها بواسطة وسائل الإعلام السويسرية. معلومات من منظور سويسري خصّيصًا من أجلك.

طالع المزيدنشرتنا الإخبارية حول التغطية السويسرية للشؤون العربية

حققت سويسرا في العام الماضي تقدماً ملحوظاً على صعيد تطوير الذكاء الاصطناعي، وأكدت الحكومة خلال المنتدى الاقتصادي العالمي (WEF) الذي عقد في يناير 2024، التزامها بجعل البلاد رائدة في مجال الذكاء الاصطناعي المسؤول، والشفاف، والشامل. وتماشياً مع المبادرات الأوروبية، وخاصة قانون الاتحاد الأوروبي الخاص بالذكاء الاصطناعي (EU’s AI Act)، أعلنت السلطات السويسرية عزمها الكشف عن إطار تنظيمي جديد هذا العام، يهدف إلى معالجة قضايا مثل التمييز والمراقبة، رغم التأخير الذي واجه المشروع. 

كما تعتزم سويسرا سن قانون جديد يهدف إلى تنظيم عمل المنصات الرقمية، لمكافحة الأخبار الزائفة، والمحتوى العنيف، وتقنيات التزييف العميق (Deepfakes) على منصات مثل فيسبوك، وإكس ( X )(تويتر سابقاً) ، وإنستغرام، وتيك توك. ويسعى هذا القانون إلى تعزيز حقوق المستخدمين والمستخدمات، وضمان مزيد من الشفافية حول المحتوى المعروض على هذه المنصات. 

ومن منظور قانونيّ، يشهد هذا العام أيضا السماح باستخدام المركبات ذاتية القيادة على الطرق السويسرية لأوّل مرّة. فهل تسير سويسرا بخطى ثابتة نحو عهد السيارات ذاتية التحكم؟ 

وتعمل الحكومة على الصعيد التكنولوجي، بالتعاون مع المعاهد الفدرالية السويسرية للتكنولوجيا بزيورخ (ETH) وبلوزان (EPFL)، على تطوير نماذج لغوية متخصصة تخدم القطاعات الاستراتيجية، في خطوة ترسم ملامح نسخة سويسرية موجهة من تقنيات الذكاء الاصطناعي، أشبه بـ”تشات جي بي تي”، سويسري.  

ويعلّق مايكل ويد، الأستاذ في المعهد الدولي للتنمية الإدارية (IMD) ومدير مركز TONOMUS العالمي للتحول الرقمي والابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي، من خلال النقاط التالية، على هذه التحولات الجوهرية التي تشهدها منظومة الذكاء الاصطناعي في سويسرا هذا العام، مسلطاً الضوء على أبعادها وتأثيراتها المستقبلية على المجتمع، والاقتصاد، والتكنولوجيا. 

1- نحو تنظيم سويسري للذكاء الاصطناعي  

أكدت الحكومة السويسرية بوضوح أن تنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي، سيكون محوراً رئيسياً ضمن أولويات عملها في العام الجديد. فشدّدت في استراتيجيتها الرقمية لعام 2025رابط خارجي، على أهمية وضع قواعد تحمي الحقوق الأساسية والديمقراطية من المخاطر المحتملة لاستخدام الذكاء الاصطناعي، مع تعزيز الابتكار، ودعم تنافسية سويسرا على الساحة العالمية. 

ولا تعد سويسرا حديثة العهد في إيلاء الاهتمام لتنظيم التقنيات الحديثة، إذ يُعدّ قانون العملات المشفرةرابط خارجي في البلاد من بين الأكثر تطوراً على المستوى العالمي. ومع ذلك، تأخرت السلطات السويسرية في اتخاذ خطوات بشأن تنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي، لكنها حسمت الأمر مع نهاية عام 2023، استعدادا لدخول قانون الاتحاد الأوروبي الخاص بالذكاء الاصطناعي حيّز التنفيذ. 

ويُتوقع نشر اقتراح تشريعي لتنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي في وقت مبكر من هذا العام، وفقا رابط خارجيلتصريحات وزير الاتصالات ألبرت روشتي، رغم التأخير الذي شهده المشروع مقارنة بالجدول الزمني المعلن سابقاً. ويرى مايكل ويد أن هذا التنظيم ضرورة لا يمكن تجاهلها، وأن “تشريعاً متأخراً خير من غيابه تماماً”، قائلاً: “إن عدم تنظيم الذكاء الاصطناعي يشبه السماح لشركات الأدوية بتطوير علاجات جديدة وطرحها في السوق، دون اختبار سلامة استخدامها”.  

 2- قوانين أكثر صرامة للمنصّات الرقميّة 

من جهة أخرى، تستعد سويسرا لفرض قوانين جديدة تنظم عمل المنصات الاجتماعية الكبرى مثل غوغل، وفيسبوك، ويوتيوب، وتويتر، يُتوقع الكشف عنها هذا العام، وفقاً لأنجيلا مولر وإستيل باناتيير من منظمة “ألغوريتم واتش” السويسرية (AlgorithmWatch CH)، وتتابعان تطورات هذا الملف عن كثب. وتؤكد الناشطتان أهمية هذه الخطوة بالقول: “يجب وضع قواعد واضحة لهذه المنصات لضمان بيئة نقاش عامة بناءة تخدم المجتمع، وتعزّز القيم الديمقراطية.” 

وتضطلع المنصات الاجتماعية الكبرى بدورٍ محوريٍ في صياغة المشهد الرقمي، فتجمع بين نشر المحتوى الترفيهي والإخباري من جهة، وتُحمّل عبء مسؤولية انتشار الأخبار الزائفة، والصور والفيديوهات المضللة (Deepfakes)، والمحتوى المحرّض على الكراهية والعنف من جهة أخرى. ومع تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي، ازدادت قدرة هذه المنصات على استقطاب الاهتمام والتأثير في تشكيل الرأي العام، بينما تواصل العمل في كثير من الأحيان ضمن قواعد مبهمة تضعها الشركات المالكة وفقاً لمصالحها. 

وقد استجاب الاتحاد الأوروبي لهذا التحدي عبر إصدار قانون الخدمات الرقمية، وقانون الأسواق الرقمية (DMA)، مما يمنح الدول الأعضاء صلاحيات إلزام المنصات الاجتماعية باتخاذ إجراءات فعالة للحد من المحتوى الضار أو غير المناسب، مثل الأخبار المضللة، والتحريض على الكراهية، والعنف، والمحتوى الذي ينتهك القيم المجتمعية أو الأخلاقيات العامة. 

وعندما أعلنت شركة “ميتا” (المالكة لفيسبوك وإنستغرام) مثلا، عن خطط لإنهاء برنامج التحقق من المعلومات في الولايات المتحدة، سارعرابط خارجي الاتحاد الأوروبي إلى التحذير من أنّ أي خطوة مماثلة في أوروبا، ستستلزم قبل تنفيذها، تقديم تقييم للمخاطر إلى المفوضية الأوروبية. 

ويرى مايكل ويد أن على الشركات الالتزام بوضع إرشادات أخلاقية تضمن الاستخدام الآمن والمسؤول للذكاء الاصطناعي، ويعقب قائلاً: “للأسف، تتبنى العديد من شركات وادي السيليكون نهجاً معاكساً تماماً”.  

>> لهذا السبب يجب على سويسرا تنظيم برامج الذكاء الاصطناعي في أقرب وقت ممكن:

المزيد
تنظيم الذكاء الاصطناعي

المزيد

لوائح الذكاء الاصطناعي … التوازن المنشود بين الابتكار والسلامة 

تم نشر هذا المحتوى على ما هي المخاطر التي يواجهها المواطنون والمواطنات في البلدان التي لا يخضع فيها الذكاء الاصطناعي للتنظيم، مثل سويسرا؟

طالع المزيدلوائح الذكاء الاصطناعي … التوازن المنشود بين الابتكار والسلامة 

3- الضوء الأخضر للمركبات ذاتية القيادة 

كما يشهد عام 2025 خطوة مهمة في مجال المركبات ذاتية القيادة، حيث سيتم السماح باستخدامها على مقاطع طرق تحددها الكانتونات، بدءاً من الأول من مارس 2025. وسيكون تفعيل خصائص القيادة الذاتيّة على الطرق السريعة ممكنا، شرط بقاء السائق البشري موجودا خلف عجلة القيادة، ومستعداً للتدخل عند الحاجة. 

وتعتمد القيادة ذاتية التحكم بشكل كبير على تكامل تقنيات الذكاء الاصطناعي، فتعمل الخوارزميات كعيني المركبة، وعقلها، وذراعيها، ورجليها، مما يمكّنها من الرؤية، والملاحظة، والتفاعل مع أوضاع الطريق المختلفة، مثل التغيرات المفاجئة أو العقبات غير المتوقعة. ومع ذلك، لن يُسمح لهذه المركبات بالاستقلاليّة الكاملة؛ إذ سيُقتصر السماح على المركبات التي تخضع لمراقبة مشغل خارجي. 

وتوفر هذه التقنية العديد من الفوائد، أبرزها تعزيز السلامة على الطرق؛ إذ تتسبّب الأخطاء البشرية في 95% من الحوادث. كما أنها تسهم بشكل كبير في تحسين جودة التنقل، خاصة للفئة المسنّة وذات الإعاقة، مما يتيح حرية حركة أكبر. ومع ذلك، لا تزال هذه التقنية تواجه تحديات ملموسة، إذ لم تصل بعد إلى مستوى من التطور يسمح لها بالعمل بكفاءة في المناطق المزدحمة، أو التعامل بسرعة مع الأحداث الطارئة وغير المتوقعة. 

ويقول مايكل ويد: “يتطلّب تطوير هذه التكنولوجيا استثمارات أكبر، والتزاماً أوسع من الشركات التي تعمل في مجال التقنيات. ورغم إحراز بعض التقدم، لا تزال سويسرا بعيدة عن المستوى المطلوب”. وعلى الصعيد العالمي، تحتل الولايات المتحدة والصين الصدارة في مجال المركبات ذاتية القيادة، حيث أصبحت خدمات سيارات الأجرة الروبوتية قيد التشغيل بالفعل. 

4- تطوير نماذج لغوية سويسرية مستوحاة من “تشات جي بي تي” 

تسعى سويسرا إلى تطوير نماذج لغوية متقدمة (LLMs) تلبي احتياجات محددة في مجالات مثل العلوم، و التعليم، والصحة، و الروبوتات، والدراسات المناخية. وبدلاً من إعادة إنتاج النماذج الشاملة مثل “تشات جي بي تي”، تركز الجهود على استغلال نقاط القوة في التخصصات التي تتميز فيها سويسرا مثل الصحة والصيدلة، حيث يمكن لهذه النماذج تقديم حلول مبتكرة، وإحداث تأثير ملموس يساهم في تعزيز هذه المجالات.  

ويوضح ويد قائلاً: “لا نحتاج إلى نموذج آخر للذكاء الاصطناعي التوليدي، بل إلى نماذج أكثر دقة وكفاءة، تكون مجدية اقتصادياً ومتوافقة مع متطلبات الاستدامة البيئية”.  

>> تلوث الحواسيب العملاقة المصممة لدعم تطوير الذكاء الاصطناعي البيئة وتستهلك الكثير من الطاقة. لكن الحاسوب السويسري أكثر كفاءة من غيره:

المزيد
حاسوب عملاق

المزيد

في سويسرا… ما هي التكلفة البيئية لحاسوب “ألبس” العملاق؟ 

تم نشر هذا المحتوى على طوّرت سويسرا مؤخرًا حاسوب “ألبس” العملاق المصمم لدعم البحث العلمي وأنظمة الذكاء الاصطناعي المعقّدة. هذا على الرغم من استهلاكها كميات هائلة من الطاقة.

طالع المزيدفي سويسرا… ما هي التكلفة البيئية لحاسوب “ألبس” العملاق؟ 

وتتعاون المعاهد الفدرالية السويسرية للتكنولوجيا، من أجل تطوير حلول مبتكرة تهدف إلى تقليل اعتماد سويسرا على الأنظمة المغلقة المملوكة تجارياً أو المحمية برمجياً. ويؤكد أنطوان بوسيلوت، رئيس مجموعة أبحاث أنظمة معالجة اللغة الطبيعية في المعهد التقني الفدرالي العالي في لوزان (EPFL) ذلك قائلا: “تمتلك سويسرا فرصة فريدة لقيادة التطورات التكنولوجية في المجالات الحيوية المؤثّرة مباشرة على المجتمع، مع التزامها الراسخ بالقيم السويسرية، وذلك بفضل بنيتها التحتية المتقدمة وكفاءة كوادرها العالمية”.  

ويتقدّم المشروع بخطى ثابتة، فطُوِّرت فعلا نماذج مبتكرة في مجالات مثل الطبرابط خارجي، مع توقعات بإطلاق إصدارات جديدة بحلول الصيف، تتضمن نموذجاً لغوياً سويسرياً وأدوات متخصصة لعلوم الطب الحيوي والأرصاد الجوية. 

ورغم هذا التقدم، يشير مايكل ويد إلى أن المبادرة السويسرية للذكاء الاصطناعي قد لا تحقّق قفزة نوعية فورية في تحسين الأنظمة القائمة، نظراً للتحديات التي تفرضها المنافسة مع دول كبرى مثل الولايات المتحدة، التي خصصت استثمارات هائلة لتطوير هذا المجال. 

ويختتم ويد قائلاً: “كحال العديد من الدول، لا تزال سويسرا تعتمد كثيرا على التكنولوجيا الأجنبية، خاصة تلك القادمة من الولايات المتحدة، ويُرجّح استمرار هذا الوضع خلال العام الحالي”.  

تحرير : فيرونيكا ديفوري 

ترجمة: جيلان ندا

مراجعة: عبد الحفيظ العبدلي

التدقسق اللغوي: لمياء الواد

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية