الشرق الأوسط لا زال في انتظار تحقيق الوعــود
مرة أخرى، فشل الإجتماع التحضيري لمراجعة معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، في تحديد موعد جديد لعقد مؤتمر مناقشة المنطقة الخالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط.
في الأثناء، دفعت خيبة أمل الدول العربية والعديد من الدول الأخرى، مصر إلى الإنسحاب من المؤتمر.
كان من المفترض – وفقا لما أقره مؤتمر الأطراف في معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية سنة 2010 – أن يُعقد في عام 2012 مؤتمر يُخصّص لمناقشة إمكانية إقامة منطقة منزوعة من السلاح النووي وأسلحة الدمار الشامل في منطقة الشرق الأوسط، إلا أن تعذّر حصول إجماع على مشاركة كافة الأطراف المعنية، بسبب رفض إسرائيل، أدّى الى تأجيل عقد المؤتمر في آخر لحظة من قِـبل الدول الراعية (بريطانيا وروسيا والولايات المتحدة).
تبعا لذلك، قدِمت الدول العربية إلى الإجتماع التحضيري لمؤتمر المراجعة لعام 2015، الذي يحتضنه قصر الأمم المتحدة في جنيف من 22 أبريل إلى 2 مايو 2013 ، مصمّمة على الدفع نحو تحديد موعد جديد لا يتجاوز موفى السنة الجارية، إلا أنها لم تفلح في تحقيقه هذه المرة.
في المقابل، لا زال الوسيط (أو الميسّر الفنلندي) يعقد الآمال على إمكانية “مواصلة المشاورات بكل الأشكال: الثنائية والإقليمية والمتعددة الأطراف”، من الآن وحتى موعد انعقاد مؤتمر المراجعة المرتقب في عام 2015.
خيبة أمل عربية
ممثل تونس الذي تحدث باسم الدول العربية، ذكّر في مداخلته بأن “إقامة منطقة منزوعة من السلاح النووي ومن أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط، لم تعد مطلبا عربيا حصريا، بل أصبحت التزاما دوليا تعهّد به المجتمع الدولي… وأنه قرار تقدمت به الدول الوديعة لمعاهدة منع الانتشار النووي (بريطانيا والولايات المتحدة وروسيا)، كجزء من صفقة التمديد اللانهائي للمعاهدة”.
من هذا المنظور، يرى الجانب العربي أن الدول الراعية والدول الموقعة على معاهدة منع الإنتشار النووي، لم تُـوف بتعهداتها لعقد مؤتمر خاص بإقامة منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط، في الوقت الذي التزمت فيه الدول العربية بدعم التمديد اللانهائي لمعاهدة منع الإنتشار النووي”.
يُضاف الى ذلك، أن المشاورات التي جرت منذ اتخاذ قرار عام 2010، القاضي بتخصيص مؤتمر لمناقشة مسألة إقامة منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط، أدت في ظروف غامضة إلى تأجيل المؤتمر الذي كان مُبرمجا عقده في منتصف ديسمبر 2012 في هلسنكي بفنلندا، بعد رفض إسرائيل المشاركة فيه، وهو ما قال بشأنه المتحدث باسم دول الجامعة العربية “إننا بعد ثلاث سنوات كاملة، وصلنا الى طريق مسدود”، بل ذهب إلى حد اتهام الدول الراعية لعقد المؤتمر (أي بريطانيا والولايات المتحدة وروسيا) بـ “الإخلال بتحمّل هذه المسؤولية الواضحة، وتحركت ببطء لا يمكن تفسيره وسارعت الى تأجيل المؤتمر في الوقت الذي دعمت فيه كل دول المنطقة عقد المؤتمر، ما عدى إسرائيل، وبدون أن تحدد موعدا جديدا له”.
ويرى الممثل العربي أن “عدم الالتزام بتطبيق ما تم الاتفاق بشأنه في عام 2010، يشكك في مصداقية المعاهدة(معاهدة منع الانتشار النووي) ويقلل من أهمية تنفيذ أي التزامات تمت أو سيتم الاتفاق عليها في إطار عملية المراجعة”.
وقد انتهى المتحدث باسم الدول العربية الى مطالبة الدول المشاركة في الاجتماع التحضيري لمؤتمر المراجعة لعام 2015 “بضرورة حث الدول الراعية على العمل على تحديد موعد لعقد المؤتمر الخاص بمنطقة خالية من اسلحة الدمار الشامل في منطقة الشرق الأوسط، في موعد أقصاه نهاية عام 2013… ووفقا للمرجعيات التي حددها اتفاق عام 2010، ولا يخرج عنها”.
1960: في ستينات القرن الماضي ظهرت فكرة إقامة منطقة منزوعة من السلاح النووي في الشرق الأوسط.
1974: بدأت الجمعية العامة للأمم المتحدة في إصدار قرار بهذا الشأن في كل سنة للحث على إقامة هذه المنطقة.
1995: تم إقرار إقامة منطقة منزوعة من السلاح النووي في الشرق الأوسط، ولكن بدون تحديد موعد لذلك.
2010: في إطار مؤتمر مراجعة معاهدة منع الإنتشار النووي، تم تحديد موعد لعقد مؤتمر يُخصّص لمنطقة الشرق الأوسط قبل موفى عام 2012. في مقابل ذلك، تدعم الدول العربية التمديد اللامحدود لمعاهدة منع الإنتشار النووي.
أصبحت جميع الدول الواقعة في منطقة الشرق الأوسط عضوة في معاهدة منع الإنتشار النووي باستثناء إسرائيل.
2012: تم تأجيل عقد المؤتمر المرتقب في هلسنكي بسبب رفض إسرائيل المشاركة فيه.
2013: شهد الإجتماع التحضيري لمؤتمر المراجعة لعام 2015 توترا بين الدول العربية والدول الراعية للإتفاقية بخصوص تأجيل عقد المؤتمر الخاص بالشرق الأوسط، ومصر تنسحب من الإجتماع احتجاجا على “عدم الجدية في التعامل مع هذا الموضوع”.
2015: المؤتمر المرتقب لمراجعة معاهدة منع الإنتشار النووي قد يشهد المزيد من التوتر في صورة عدم التمكن من عقد المؤتمر المخصّص للشرق الأوسط قبل ذلك الموعد.
واشنطن: “المسؤولية تقع على عاتق دول المنطقة”
الولايات المتحدة، التي تعتبر إحدى الدول الراعية لمعاهدة منع الانتشار النووي إلى جانب بريطانيا وروسيا، تعتبر أن مسؤولية فشل عقد مؤتمر مناقشة منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط، مثلما كان مبرمجا في ديسمبر عام 2012، لا تقع فقط على عاتق الدول الراعية، بل ذهب الممثل الأمريكي الى حد تحميل دول المنطقة المسؤولية بقوله أن “الريادة في ذلك، يجب أن تأتي من دول المنطقة التي يجب أن تكون مسؤولة عن الفكرة العظيمة، الرامية الى تحقيق الظروف السياسية والأمنية، القادرة على السماح بالاتفاق حول مخطط عملي لإقامة منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل”.
وفي تبرير غير مباشر لغياب إسرائيل عن مثل هذه المفاوضات، قال الممثل الأمريكي “إن مشاركة مباشرة لكل دول المنطقة، هو العامل الضامن لنجاح عقد المؤتمر وأن مشاركة كل دول المنطقة في مؤتمر هلسنكي، مثلما يشير الى ذلك مخطط العمل للمؤتمر، لا يمكن تحقيقه إلا إذا شعرت كل دولة من دول المنطقة، بأن المواضيع الرئيسية التي تشغل بالها، سيتم التطرق لها في جدول أعمال المؤتمر”.
وفي رد الممثل الأمريكي على بعض الانتقادات الموجهة للولايات المتحدة من أنها لا تمارس ضغوطا على إسرائيل لحثها على المشاركة، قال “إن جدول أعمال المؤتمر لا يمكن فرضه من الخارج، بل أن يكون نتيجة إجماع كل دول المنطقة التي عليها ان تتعايش عند تطبيق بنود جدول الأعمال”.
بعبارة أخرى، ومن خلال تأويلات بعض المتابعين، هذا يعني: إدراج موضوع الاعتراف بإسرائيل والتطبيع معها ومراعاة احتياجاتها الأمنية المختلفة، وليس فقط المتعلقة بأسلحة الدمار الشامل، ضمن المفاوضات بخصوص منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط.
وبعد التعبير عن “تفهم أسباب خيبة الأمل لدى الجميع وبعد التذكير بتعلق الولايات المتحدة بإقامة تلك المنطقة”، وضع الممثل الأمريكي حدا لأي أمل في رؤية اجتماع جنيف الحالي، يصل الى تحديد موعد لمؤتمر مناقشة منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط بقوله بصريح العبارة “عقد المؤتمر قد يتم في أقرب الآجال إذا ما توفرت الإرادة السياسية وإذا ما توصلت دول المنطقة الى الاتفاق بخصوص جدول أعمال المؤتمر، وهذا ما لن يتحقق في هذه القاعة، رغم كبرها”.
تراجع روسي
روسيا التي تعتبر ثالث عضو في الترويكا الساهرة على رعاية اتفاقية منع الانتشار النووي، عبرت في بداية الاجتماع في جنيف للتحضير لمؤتمر المراجعة لعام 2015، عن قلقها بخصوص طريقة اتخاذ قرار تأجيل اجتماع منتصف شهر ديسمبر 2015 في هلسنكي، مما يجعل قرار التأجيل أمرا اتخذته الولايات المتحدة وبريطانيا، وليس الترويكا الساهرة على رعاية الاتفاقية.
وهذا ما أشار له ممثل تونس في كلمته باسم الدول العربية بقوله “تحيي الدول العربية الموقف المسؤول للاتحاد الروسي، الذي أدان تأجيل المؤتمر من قِبل المنظمين، وخاصة أنه أكد أنهم لا يمتلكون سلطة تأجيل المؤتمر وحمَّلهم المسؤولية بوضوح وطالب بتحديد موعد لمؤتمر لا يتعدى نهاية عام 2013”.
ويرى الممثل الروسي بأن “الاستمرار في هذا الموقف الغامض من عقد المؤتمر (بخصوص منطقة الشرق الأوسط)، يتعارض مع جهود تعزيز اتفاقية منع الانتشار النووي”، قبل أن يطالب كل الدول بتحمل مسؤولياتها، والتعبير عن أن الأمل ما زال قائما لإعادة المفاوضات إلى مسارها الصحيح”.
وكان معهد دراسات استراتيجية روسي قد عرض في لقاءٍ جانبي، مسودة مشروع يحدد آليات وشروط إقامة منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط، كمساهمة منه لإثراء النقاش.
أعربت سويسرا عن دعمها لجهود المُيسّر الفنلندي من أجل التوصل الى عقد مؤتمر بخصوص إقامة منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط، كما تحركت بنشاط في الكواليس من أجل تقريب وجهات النظر، والدفع نحو تطبيق قرارات عام 2010 بخصوص منطقة الشرق الأوسط.
تضمنت ورقة عمل تقدمت بها سويسرا للإجتماع التحضيري المنعقد في جنيف، تشديدا على أن “معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية حجر الزاوية في النظام العالمي لعدم الإنتشار النووي” وعلى أن “الحفاظ على وحدة المعاهدة أمر أساسي للأمن الدولي، ومسؤولية مشتركة لجميع الدول الأطراف فيها”.
ترى سويسرا أيضا أن “خطة العمل – بما في ذلك القرارات المتعلقة بمنطقة الشرق الأوسط – ليست هدفا في حد ذاتها، بل وسيلة محددة زمنيا للتحرك نحو التنفيذ الكامل لهذه الإلتزامات وتحويلها الى نتائج ملموسة للحفاظ على مصداقية المعاهدة”.
تشدد سويسرا أيضا على “ضرورة الترابط بين أركان نزع السلاح الثلاثة، فإذا كان قد تم تحقيق تقدم في مجال منع الإنتشار النووي، وفي مجال الإستخدام السلمي للطاقة النووية، فإنه يجب التعجيل كثيرا بالجهود المبذولة في مجال نزع السلاح النووي خدمة لمصداقية المعاهدة”.
أما بخصوص إنشاء منطقة خالية من السلاح النووي وأسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط قد عبرت سويسرا، كما جاء في هذه الوثيقة أيضا عن “تأييدها لعقد مؤتمر بخصوص إقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية ومن غيرها من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط”. وتعتبر برن أن “عقد مؤتمر كهذا يمكن أن يكون منبرا ما أحوج الشرق الأوسط إليه لمناقشة قضايا الأمن الإقليمي بطريقة شاملة”.
انسحاب مصري مفاجئ للجميع
مصر التي حضرت الاجتماع التحضيري بمجموعة من السفراء المخضرمين في مجال مفاوضات نزع السلاح، بعضهم من فترة سبعينات القرن الماضي، كانت من أنشط الدول العربية في هذا الاجتماع. لكن تدخلها أمام الجلسة الخاصة بمنطقة الشرق الأوسط مساء يوم الاثنين 29 ابريل 2013، فاجأ الجميع عندما أعلن ممثلها عن الانسحاب من الاجتماع “اجتجاجا على كون دول أخرى لا تلتزم بما فيه الكفاية من أجل إقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط”.
وجاء في بيان الخارجية المصرية أنه “لا يمكننا الانتظار الى الأبد من أجل تطبيق هذا القرار”. وقد تم تعليل هذا الانسحاب من الاجتماع التحضيري “على أنه رغبة في إيصال رسالة للعالم من أجل التوضيح بأن مصر سوف لن تقبل ما تعتبره نقص جدية في التعامل مع هذه القضية”.
وقد اثار هذا القرار المصري حيرة لدى بعض الوفود العربية، التي اكتشفت كباقي الدول المشاركة في الاجتماع التحضيري ما اقدمت عليه مصر. وقد تم تخصيص اجتماع في جامعة الدول العربية بعد ظهر الثلاثاء 30 أبريل لمناقشة ذلك.
لكن من بين التعليقات التي أثارها قرار انسحاب مصر في داخل الأوساط السياسية المصرية، نشير الى ما كتبه محمد محسوب، الناطق باسم حزب الضمير على صفحته على فايسبوك: “أخيرا تتصرف مصر كدولة كبيرة لا يجوز إهدار أو إهمال مكانتها وأنه لم يعد مقبولا أن تبقى إسرائيل بترسانتها النووية، بينما يجري تجريدنا من كل عناصر القوة”.
الإستمرار في التشاور..
من جهته، يرى المُيسّـر الفنلندي ياكو لايافا، الذي عُـيِّـن في هذا المنصب في 19 اكتوبر 2011 لمحاولة التوفيق بين المواقف ودفع الدول الى إجماع حول عقد مؤتمر بخصوص منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط أن “الدخول في مسار جدي لإقامة منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط، يتطلب قدرا من التعاون الجيد بين كل الشركاء، لأننا نتحدث عن مشروع طموح، يشمل الأسلحة النووية والبيولوجية والكيمياوية، ولا يمكن التوصل الى ذلك بدون خلق جو ثقة متبادلة ومستوى من التفاهم بين الشركاء”، لذلك اقترح الاستمرار في المشاورات بين الخبراء على المستوى الاقليمي في مجال مراقبة الأسلحة من جهة، وفي مجال إجراءات بناء الثقة من جهة أخرى، كي يكون المسار قابلا للاستمرارية”، على حد قوله .
وعلى غرار بقية المتدخلين، شدد الميسِّـر الفنلندي على “ضرورة تحديد موعد لعقد المؤتمر في أقرب وقت”، دون أن يقدم موعدا محددا لذلك. وهذا ما سينقله للمؤتمر التحضيري لمراجعة اتفاقية منع الانتشار في عام 2015.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.