انتهاكات جسيمة بمستويات متفاوتة بين الحكومة والمعارضة في سوريا
توصلت لجنة التحقيق الدولية المستقلة، المنبثقة عن مجلس حقوق الإنسان، الى أن القوات الحكومية ومقاتلي الشبيحة في سوريا، ارتكبا جرائم ضد الإنسانية.
وتوقفت اللجنة بالخصوص، عند مجزرة الحولة. ولئن اتهم أعضاؤها قوات المعارضة المسلّحة بارتكاب جرائم حرب، فإنهم أقرّوا بأن هذه الإنتهاكات لا ترتقي إلى ما ارتكبته القوات الحكومية.
لجنة التحقيق الدولية المستقلة، المنبثقة عن مجلس حقوق الإنسان، تطرّقت في تقرير من 102 صفحة نُشِـر الأربعاء 15 أغسطس 2012 في جنيف، الى أوضاع حقوق الإنسان في سوريا، التي تعرف صراعا دمويا منذ أكثر من 17 شهرا بين النظام والمعارضة، وخلصت إلى أن “الانتهاكات التي قامت بها القوات الحكومية والشبيحة، تمت بناء على سياسة دولة، وتدل على تورّط لأعلى المستويات القيادية في ذلك”.
لكن التقرير لم يستثنِ انتهاكات الجماعات المعارضة المسلحة، وأشار إلى أن المسلحين “ارتكبوا جرائم حرب، بما في ذلك القتل العمد والقتل خارج نطاق القانون والتعذيب، ولكن في مستوى لا يوازي ما قامت به القوات الحكومية والشبيحة، من حيث الخطورة والانتشار والوتيرة”.
المسؤولية في مجزرة الحولة!
وتوصلت لجنة التحقيق الدولية، التي قدمت تقريرا أوليا لمجلس حقوق الإنسان عن أحداث الحولة في شهر يونيو الماضي، رغم عدم سماح السلطات السورية لها بزيارة البلاد وعدم التوصل بتقرير لجنة التحقيق، التي نصبتها السلطات السورية للتحقيق في الحادث، من خلال الشهادات التي استمعت لها الى خاتمة ” أن الحكومة كانت مسؤولة عن مقتل المدنيين بسبب قصف الحولة، وبالأخص قرية تالدو”.
ويقول أعضاء اللجنة بعد فحص 47 استجواب من مختلف المصادر و الاستماع الى ثمانية شهود إضافيين، من بينهم ستة من قرية تالدو، ومن ضمنهم اثنان من الناجين من المجزرة “إن الكل أجمع في وصفه لمرتكبي المجزرة، على أنهم من القوات الحكومية والشبيحة، باستثناء اثنين ممن كانوا شهودا في تقرير الحكومة”.
وتقول اللجنة” إنه بالاستناد الى الدلائل المتوفرة، تم استنتاج ان عناصر وصفت ما حدث بجرائم حرب متوفرة. وأن قتل العديد من المدنيين، بما في ذلك الأطفال والنساء، كان مقصودا وله علاقة بالصراع الدائر. وأن هناك اسبابا معقولة للاعتقاد بأن مرتكبي الجرائم التي تعرضت لها مناطق إقامة عائلتي عبد الرزاق والسيد، هم من القوات الحكومية والشبيحة”.
كما ترى لجنة التحقيق “بما أن تلك الجرائم هي جزء من سلسلة من الهجمات الموجهة ضد المدنيين، فإنها تشكل جانبا من الخلاصة التي مفادها أن جرائم ضد الانسانية تم ارتكابها من قبل الحكومة والشبيحة”.
تكاثر القتل خارج نطاق القانون من الجانبين
أيضا، توصلت اللجنة من خلال تحليل أكثر من 300 استجواب حول مقتل مدنيين او مقاتلين خارج المعركة، الى أن القتل خارج نطاق القانون، تم من الطرفين، وإن بوتيرة أقل من طرف قوات المعارضة، إذ تشير اللجنة الى أن القوات الحكومية والقوات الخاصة والشبيحة أثناء محاصرتها لمعاقل المجموعات المعارضة وتفتيشها للمنازل، تقوم باعتقال كل النشطاء والفارين من الخدمة، وكل شاب او رجل في سن حمل السلاح. وتقوم بإعدام كل جريح او مقاتل من المعارضة، يقع بين يديها. وفي بعض الأحيان، يتم اعدام حتى اعضاء عائلات المقاتلين او الناشطين او الفارين من الخدمة…”.
اما فيما يخص الانتهاكات المنسوبة إلى المجموعات المعارضة، فتقول اللجنة بأنها استطاعت توثيق بعض الانتهاكات التي تم فيها إعدام أسرى تابعين للقوات الحكومية او للشبيحة، اعترفوا بأنهم شاركوا في هجمات”، وهذا ما حدث مثلا في القصير وباب عمرو والقالدية وغيرها.
وخلصت اللجنة الى أن “هناك أدلة على أنه تم قتل جنود وعناصر من الشبيحة خارج ساحة القتال، إما بعد محاكمتهم أو حتى دون ذلك. وأن ذلك يمثل دلائل تسمح باعتبار ان جرائم حرب تم ارتكابها في عدة مناسبات”. لكن اللجنة لم تعثر على اية أدلة تعزز الادعاءات التي مفادها أن مجموعات المعارضة قامت بهجمات ضد السّكان المدنيين.
اما عن ضحايا الانفجارات فتقول اللجنة: “إن ذلك قد لا يدخل في إطار صراع مسلح دولي، ويمكن معالجته بمتابعة الجناة، وفقا للقوانين السورية الداخلية، وعلى الحكومة أن تقوم بتحقيق مستقل وفقا للمعايير الدولية”.
اعتقالات، واختفاءات قسرية، وتعذيب
التقرير يؤكّد كذلك أن معلومات موثوقة توصلت إليها لجنة التحقيق الدولية في سوريا تشير الى بلوغ عدد المعتقلين في موفى شهر يونيو حوالي 2185 معتقل في 97 مكان اعتقال منتشرة عبر التراب السوري. وأن احصائيات منظمات غير حكومية تشير إلى أن العدد قد يكون بلغ 26 الف معتقل”.
وأشارت اللجنة الى أن المعتقلين ينقسمون إلى من يتم اعتقالهم لرفض تنفيذ الأوامر( في غالب الأحيان إطلاق النار على المدنيين)، وأثناء تفتيش المنازل، أو على نقاط التفتيش، أو أثناء المظاهرات. وأشار عدد ممن تم استجوابهم الى أن المفرج عنهم بعد فترة اعتقال تتراوح ما بين بضع ساعات وخمسة اشهر، يتم إرغامهم على توقيع وثيقة لا يعلمون محتواها.
أما مسالة التعذيب فيقول اعضاء اللجنة أن الشهادات التي تم الاستماع لها تشير الى أن القوات الحكومية ومصالح الأمن تلتجأ إلى أساليب تعذيب ممنهجة على كامل التراب السوري، وتتمثل في الضرب بالكابلات الكهربائية، او العصي او مؤخرة البندقية، او بالكي بأعقاب السجائر، او التعرض للصدمات الكهربائية. كما أنه يتم إخضاع المعتقل لعملية ضغط نفسي او إبقائه في وضعيات مؤلمة لفترة طويلة، فضلا عن اعتداء جنسي.
وبخصوص ممارسة قوات المعارضة للتعذيب اشارت لجنة التحقيق إلى أنها توصلت بدلائل تسمح باعتبار ان المجموعات المعارضة للحكومة قامت بمعاملات غير لائقة أثناء عملية استنطاق المعتقلين من صفوف القوات الحكومية او الشبيحة وهذا قبل اعدامهم.
وحتى ولو ان اللجنة لا زالت تحقق فيما إذا كانت عمليات التعذيب هذه تدخل في إطار حملة واسعة ضد السكان المدنيين، فإنها ترى أنها لا تشكل جريمة ضد الإنسانية ولكن يمكن أن تُتابع قانونيا على أساس أنها جرائم حرب.
القصف العشوائي والاعتداءات الجنسية
تقر لجنة التحقيق بأن ما تم في عدة مناطق من قصف لم يكن يفرق بين المدنيين والعسكريين، وأن القوات الحكومية كانت تستهدف مجموعات مسلحة صغيرة بقصف عشوائي لا تفرق فيه القذائف بين المدني والعسكري. وأن عمليات القصف كانت تتم في بعض الأحيان ضد المتظاهرين او عندما لا ترغب القوات الحكومية في المجازفة بأفرادها.
ومن المناطق التي تضررت بهذا القصف العشوائي حي باب عمرو، والقصير، والحافة، وعتاريب، وعين لروز، وسرمين، وتافتانة، وكيلي، والحولة، وعكو، وسلمى، وجبار، ومناطق أخرى. وتشير اللجنة الى وجود وثائق مصورة تشير الى استعمال قنابل عنقودية في حماه. وانه بموجب هذه الدلائل تهمة القصف العشوائي قد استكملت وثبتت وفقا لتعريف القانون الانساني الدولي.
اما العنف الجنسي المرتكب من قبل قوات النظام والشبيحة، فترى لجنة التحقيق انه تم تأكيده من قبل الضحايا او من قبل المنفصلين عن الجيش. وعلى الرغم من صعوبة الحصول على الشهادات بحكم العرف الإجتماعي، ترى اللجنة أن هذه الاعتداءات كانت تتم إما أثناء عمليات تفتيش المنازل او عند مستوى نقاط التفتيش. كما ان اللجنة مازالت تتوصل بتقارير حول استمرار عمليات العنف الجنسي في مراكز الاعتقال والتي تستعمل كوسيلة من وسائل التعذيب.
وقد دفع الأطفال ثمنا كبيرا في الصراع السوري بحيث تقر اللجنة سقوط 125 طفلا غالبيتهم ذكور في الفترة ما بعد 15 فبراير 2012 فقط. كما يتم القيام باعتقالات تعسفية في حق الأطفال، وتعريضهم للتعذيب وسوء المعاملة.
وحتى في صفوف المجموعات المعارضة، ترى لجنة التحقيق أن الأطفال يُستخدمون في عمليات جانبية مثل نقل الجرحى او نقل الرسائل، وفي بعض الأحيان يتم استخدامهم كمقاتلين.
وسيناقش مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة هذا التقرير خلال دورته القادمة المزمع عقدها في شهر سبتمبر القادم.
أشارت الحملة الدولية لشارة حماية الصحفي التي مقرها في جنيف، الى أن سوريا اصبحت أخطر من العراق بالنسبة للصحفيين.
وقد أدانت المنظمة التي تطالب بحماية الصحفيين في مناطق النزاعات، التصعيد في العنف الذي يستهدف الصحفيين ووسائل الإعلام، وظهور ظاهرة جديدة متمثلة في اختطاف الصحفيين.
وقد اشارت المنظمة الى مقتل ما لا يقل عن 25 صحفيا منذ بداية العام في سوريا.
وأدانت المنظمة كل الاعتداءات التي يتعرض لها الصحفيون السوريون أو الأجانب في سوريا، مطالبة بالإفراج عن الصحفيين المختطفين بما في ذلك فريقا تلفزيونيا حكوميا تم اختطافه من قبل مجموعة مسلحة مجهولة الهوية.
وانتهزت منظمة الحملة الدولية لشارة حماية الصحفي الفرصة لتوجيه نداء لكل من الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة ولمجلس حقوق الإنسان لكي يتخذا الإجراءات الضرورية لحماية الصحفيين في المناطق الخطرة ولكي لا يفلت مرتبكو تلك الجرائم من العقاب.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.