تجنّـد في جنيف لصالح “عهد تونس للحقوق والحريات”
دعت منظمات وشخصيات من المجتمع المدني التونسي، لا تُخفي توجّسها من "إملاءات" تيار النهضة الأغلبي حاليا في البلاد، إلى إدماج احترام عالمية حقوق الإنسان في الدستور الجديد.
وقد وقع اختيارها على جنيف لتكون ثاني محطة لها في حملتها الأوروبية لحث المهاجرين التونسيين على التوقيع على “عهد تونس للحقوق والحريات” الذي أعلن عنه الصيف الماضي.
في العادة، يندر أن يتجنّد الشباب العربي في المهاجر الأوروبية لصالح عملية سياسية تدور أطوارها في موطنه الأصلي، ومن النادر أيضا أن تُوجّه الطاقات من أجل ترسيخ مبادئ عالمية حقوق الإنسان في الوثيقة الأساسية لبلاده أي الدستور.
في كسر لهذا التقليد، تحركت يوم 16 أبريل 2013 في جنيف ثلة من الهيئات والمنظمات من بينها
جمعية “تونسيات وتونسيون” بسويسرا و”بيت الخبرة السويسري التونسي” (تأسس يوم 17 يناير 2011)، وبدعم من جمعية طلبة العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة جنيف من أجل تحسيس أبناء الجالية التونسية المقيمة في سويسرا بمسار عملية كتابة الدستور الجديد من طرف المجلس التأسيسي الذي انتخب يوم 23 أكتوبر 2011، وحثها على التوقيع على وثيقة “عهد تونس للحقوق والحريات”.
الإجتماع الذي حضره عدد من التونسيين المقيمين في الكنفدرالية وممثلون عن بعض منظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية السويسرية، انعقد في إحدى جامعات جنيف مساء الثلاثاء 16 ابريل، بحضور شخصيات من تونس وسويسرا من بينهم الأستاذ عياض بن عاشور، أستاذ القانون الدستوري والخبير في حقوق الإنسان وسهير بلحسن، رئيسة الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان، وعبد الباسط بن حسن، رئيس المعهد العربي لحقوق الإنسان، وجان زيغلر، النائب السابق في البرلمان السويسري والعضو بالهيئة الإستشارية لمجلس حقوق الإنسان، وريمي باغاني، رئيس بلدية جنيف.
احتضن نادي الصحافة السويسرية في جنيف يوم الثلاثاء 16 أبريل 2013 ندوة صحفية تم خلالها تقديم “عهد تونس للحقوق والحريات”.
تضمنت الندوة مداخلات لكل من عبد الباسط بن حسن، رئيس المعهد العربي لحقوق الإنسان والخبير الدستوري عياض بن عاشور ودليلة مبارك، منسقة شبكة ’’دستورنا‘‘، ومحمد بن هندة، رئيس جمعية ’”تونسيات وتونسيون” بسويسرا، وسناء فنيش، رئيسة جمعية “بيت الخبرة بسويسرا”.
يوم الأربعاء 25 يوليو 2012، تم الإعلان في العاصمة التونسية عن “عهد تونس للحقوق والحريات” بمبادرة من المعهد العربي لحقوق الإنسان وبدعم من الإتحاد العام التونسي للشغل والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والنقابة الوطنية للصحافيين التونسيين والهيئة الوطنية للمحامين والجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات وعديد المنظمات الحقوقية والمدنية الأخرى.
أعلن أصحاب المبادرة أنهم يريدون أن تكون الوثيقة “تعبيرا عن تطلعات شعبنا، الذي ثار ضد الإستبداد ويسعى لتأسيس ديمقراطية تكفل الحرية“، كما تعهدوا بأن تكون “مرجعا للقيم المشتركة التي تجمعنا وتوحّدنا وقاعدة مبادئ نقيم عليها إصلاحاتنا الدستورية والقانونية وسياساتنا الإقتصادية والإجتماعية والثقافية وأداة مبدعة نطوّر بها ممارساتنا وسلوكاتنا ونحرّر بها خطاباتنا الثقافية والتربوية”.
ميثاق جامع لتطلعات “الديمقراطيين”
في ظل تعثر عملية كتابة الدستور التونسي، التي انطلقت في فبراير 2012، برزت على السطح خلافات بين الرؤى والأفكار التي يُدافع عنها أنصار التيارات اليسارية وعدد من منظمات المجتمع المدني وأطياف من المثقفين العلمانيين من جهة، وبين مطالب “إسلامية” صادرة عن أنصار حركة النهضة ومنظمات مدنية ومثقفين قريبين منها أو ينتمون إلى تيارات أخرى ذات توجّهات إسلامية أو عروبية.
هذه التجاذبات أدت إلى ظهور اجتهادات متعددة في أوساط “الديمقراطيين”، سواء كانوا في صفوف الإتحاد العام التونسي للشغل (أهم مركزية نقابية في البلاد) أو ضمن مجموعة “دستورنا” أو في “لجنة الخبراء” التي ترأسها في عام 2011 الدكتور عياض بن عاشور، أستاذ القانون الدستوري والخبير في مجال حقوق الإنسان، من أجل إعداد مشاريع تُـشدد على بعض المبادئ الأساسية سواء من الناحية السياسية أو الإقتصادية أو الإجتماعية. وقد أسفرت التجربة عن بلورة “عهد تونس للحقوق والحريات” الذي تم التوقيع عليه يوم 25 يوليو 2012 في العاصمة التونسية وإطلاق حملة دولية لدعمه انطلقت يوم 25 فبراير 2013 في باريس وكانت محطتها الثانية جنيف.
من مميزات عهد تونس للحقوق والحريات أنه من صنع العديد من مكوّنات المجتمع المدني، وقد وقع عليه حتى الآن 16 حزبا سياسيا في تونس، وعشرات الآلاف من المواطنين، فيما طالب ستون (60) عضوا في المجلس الوطني التأسيسي بإدراجه ضمن مبادئ الدستور الجديد.
السيد باسط بن حسن، رئيس المعهد العربي لحقوق الإنسان الذي يتخذ من تونس مقرا له، أشار إلى أن العهد يدعو – بالإضافة إلى مطالب الثورة التونسية بالكرامة والحرية والمساواة والعدالة – إلى إقرار جملة من المبادئ أولها “مبدأ العالمية، لأن عالمية حقوق الإنسان ليست مبدأ فُرض على الشعب التونسي من الخارج، بل إن هذا الشعب التونسي هو الذي ساهم بحضارته وثقافته وتفتحه وتمدنه في فرض عالمية حقوق الإنسان”.
أما المبدأ الثاني، فيتمثل في أن حقوق الإنسان تقع “في صلب مرحلة الإنتقال الديمقراطي” مثلما يقول بن حسن حيث “يجب أن تكون أساس عملية الإصلاح التي تتعرض لها المؤسسات وأساس مراجعة القوانين، وفي مقدمتها كتابة الدستور. كما أن حقوق الإنسان يجب أن تكون من أدوات تطبيق العدالة الانتقالية وان تكون في قلب السياسات المتعلقة بتحديد المسارات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في تونس الجديدة” على حد قوله.
المبدأ الثالث حسب مدير المعهد العربي لحقوق الإنسان هو أن “حقوق الإنسان مسؤولية مشتركة بين الجميع: أي أنها ليست مسؤولية الدولة وحدها أو مسؤولية الأحزاب أو منظمات المجتمع المدني وحدها”، أما المبدأ الرابع فيتلخص في أن حقوق الإنسان “وسيلة إدماج وليست أداة تهميش، حيث يجب أن تكون حقوق الإنسان وسيلة لمحاربة كل ما هو تهميش وإقصاء، سواء على الصعيد الإقتصادي او الإجتماعي”.
تأكيد “الطابع المدني” للدولة
من ناحيته، أوضح الدكتور عياض بن عاشور، أستاذ القانون الدستوري والخبير في مجال حقوق الإنسان، أن كتابة الدستور التونسي الجديد “أدت الى ظهور تيارين متنافسين داخل المجلس التأسيسي: تيار ذو توجه ديمقراطي مكون من أحزاب المعارضة ومعهم أحزاب من التحالف الحكومي، مثل التكتل من أجل العمل والديمقراطية والمؤتمر من أجل الجمهورية. وهناك التوجه الآخر، الذي له أغلبية نسبية والمكون من الإسلاميين التابعين لحزب النهضة. وكل من التيارين يرغب في أن تكون أفكاره وفلسفته هي المتواجدة في الدستور التونسي”.
ومن بين نقاط الخلاف القائمة بين الطرفين “محاولة التيار الحاصل على الأغلبية (حزب النهضة)، تمرير فكرة أن الشريعة هي مصدر القوانين في تونس، وهذا ما لم يتم تمريره. وحاولوا تمرير فكرة بأن المرأة مكمل للرجل، وليست متساوية معه، وهذا ما لم يُتمكن من تمريره. وما هو أخطر من ذلك، هو محاولتهم تمرير فكرة بأن المساس بما هو مقدس، يجب ان يُعاقب قانونيا بموجب أمر واضح في الدستور، وهذا أيضا ما لم يتمكنوا من تمريره”.
مع ذلك، عبر الدكتور بن عاشور عن تفاؤله بإمكانية حدوث انفراج لصالح دستور “ديموقراطي”، حيث أن آخر مسودة عُرضت في موفى الأسبوع الأول من شهر أبريل 2013، “تشير إلى التوصل إلى إجماع حول بند جديد سيتم إدراجه في الدستور الجديد، يتعلق بالطابع المدني للدولة، وهذا ما يعني في نهاية المطاف، الطابع العلماني للدولة، حتى ولو لا يتم لفظ عبارة “علماني”، لأن الطابع المدني يعني أن الدولة لا يجب أن تكون دينية”، على حد قوله.
ولدى سؤاله عما إذا كان النداء الذي وجهه مؤخرا رئيس الجمهورية المنصف المرزوقي للتسريع بالإنتهاء من كتابة الدستور يُؤشر لــ “بداية تصدع” في التحالف الثلاثي الحاكم في تونس، أجاب الدكتور عياض بن عاشور: “إن التصدعات في هذا التحالف حاصلة منذ مدة وإن الشعب بدأ يضجر من بطء تحضير مشروع الدستور. هذا البطء الذي يعود لكون المجلس التأسيسي رغب في القيام بمهام تتجاوز المهمة الموكلة له والمتمثلة في كتابة الدستور”. ويرى بن عاشور أن التحايل حصل “بسبب دستور 16 ديسمبر 2011 الصغير (أي التنظيم المؤقت للسلط العمومية في الفترة الإنتقالية)، عندما قام المجلس التأسيسي بتكليف نفسه بمهام أكثر مما كان التونسيون ينتظرون منه”، حسب رأيه.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.