خبير سويسري في شؤون المناخ: “هناك حاجة لتغيير فوري للمسار الحالي”
تشكل مسألة خفض انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون إحدى الأولويات المطروحة للتباحث ضمن جدول أعمال قمة الأمم المتحدة حول المناخ التي ستعقد في نهاية نوفمبر في مدينة كانكون جنوب المكسيك. ورغم الخطورة التي تشكلها ظاهرة الإحتباس الحراري، إلا أن عددا من السياسيين لا يزالون يُسوّفون، الأمر الذي دفع فورتونات جوس، الخبير السويسري في شؤون المناخ إلى إطلاق صيحات التحذير.
وفي هذه الأثناء، تواصل كميات هائلة من غازات الإحتباس الحراري أو ما يسمى بالغازات الدفيئة، مثل ثاني أكسيد الكربون السام، تركيزها في الغلاف الجوي للأرض، حيث يقدّر بقاؤها لقرون واستمرارها في رفع حرارة الأرض. وبحسب جوس فورتونات، رئيس مركز “Oeschger” لأبحاث تغير المناخ في برن، كما قال لـ swissinfo.ch : “ينبغي على العالم تسريع وتيرة مكافحة ظاهرة التغير المناخي”. هذا، وسيناقش المؤتمر الذي سيعقد في كانكون خلال الفترة من 29 نوفمبر إلى 10 ديسمبر 2010 التدابير الواجب اتخاذها للحد من انبعاثات غازات الدفيئة، ومسألة تمويل برامج ومشاريع المحافظة على المناخ بالإضافة إلى بحث مستقبل بروتوكول كيوتو أو إمكانية تمديده.
swissinfo.ch: ما هي العقبات الرئيسية التي تقف في وجه مكافحة تغير المناخ؟
جوس فورتونات: للتغلب على المشاكل المتعلقة بالمناخ، من الضروري القيام بخفض فوري وفعلي للانبعاثات الناجمة عن الوقود الأحفوري. بيد أننا لا نجد اهتماما كافيا لا من الوسط السياسي ولا حتى الشعبي. وبعض أهم الدول، كما أن أحزابا كبيرة، لا تدعم أي إجراء في هذا الاتجاه وترفض مجرد الإعتراف بوجود المشكلة، ناهيك عن جماعات الضغط التي تبدي نشاطا حثيثا في زرع البلبلة في أوساط الرأي العام وفي إرباك الجماهير، ولا ننسى أيضا أن من سجية البشر الركون إلى العادة ومقاومة تغييرها.
هل يمكن اعتبار الأبحاث التي أجريت حتى الآن بخصوص تغير المناخ كافية؟
جوس فورتونات: بعض المبادئ الأساسية معروفة منذ عقود إن لم يكن منذ قرون، ولكن من المعروف أيضا أن النظام المناخي للأرض في غاية التعقيد، ولا يزال أمامنا الكثير لنتعلمه حول التفاعلات والآثار داخل هذا النظام نفسه، وداخل المحيطات التي تتغير حموضتها بسبب انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون. كما أن هناك مسألة تثير اهتمام الناس بشكل كبير جدا، وهي لا تزال تشكل بالنسبة لنا معضلة، وتتمثل في الفهم الدقيق والواضح لآثار تغير المناخ، سواء على المستوى الإقليمي أم الفردي، مما يحدو بنا إلى مواصلة مزيد من الدراسة والبحث.
من المعلوم أن لدى سويسرا برنامجا وطنيا خاصا بتغير المناخ، بالإضافة إلى معهدين متخصصين ومجهزين على مستوى عال، فهل يعنى هذا أن بإمكان سويسرا أن تضطلع بدور حاسم في مجال الدراسات متعددة التخصصات؟
جوس فورتونات: سويسرا بلد عريق في مجال الدراسات المتعلقة بتغير المناخ، وهي تساهم في الجهود الدولية وتشارك في المشاريع المستجدة، وللأبحاث التي تجريها مكانة علمية عالمية، ولكن، لا ينبغي لنا أن نستكين، وعلينا أن نتصرف بحكمة. من المقرر أن نصل في عام 2013 إلى نهاية المشروع الوطني لدراسات وأبحاث المناخ، ولكن، وللأسف، لا توجد حتى الآن أية خطة بديلة، هو ما يبعث على القلق. ومع أن لدينا مركزين لدراسات وأبحاث المناخ في زيورخ وبرن، إلا أننا أحوج ما نكون إلى التنسيق بين الجهات المختلفة من أجل النهوض بالدراسات والارتقاء بالأبحاث.
ما رأيك في برنامج المناخ للأمم المتحدة؟ وهل يحقق نتائج إيجابية؟
جوس فورتونات: بطبيعة الحال، يجب على كل بلد أن يقوم بخفض الانبعاثات محليا، وأن تأتي التوجيهات والحوافز من كل المستويات، سواء أكانت تجمعات أم كانتونات أم الحكومة الفدرالية. وبرأيي أن الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة بشأن تغير المناخ والتي اعتمدت في ريو دي جانيرو (البرازيل) وضعت بروتوكولا قويا يرسم الأهداف الحقيقية ويحدد المسار الصحيح. وأهم ما يدعو إليه هذا البروتوكول هو استقرار مستويات غازات الاحتباس الحراري، ولعلّ هذا الأمر صعب المنال في الوقت الراهن، ولكن لا يلوح لي في الأفق العالمي وسيلة أخرى يمكن الإعتماد عليها، ولذلك ليس أمامنا إلا أن ندعم برنامج الأمم المتحدة، وعلى جميع الأصعدة.
هل تعتقد أنه سيكون من الممكن في نهاية المطاف التوصل إلى اتفاق حول هذا البرنامج الأممي؟
جوس فورتونات: بالتأكيد، فهناك مؤشرات على أن الأمور تسير في الاتجاه الصحيح، والناس واعون بأن ثمة فرصة سانحة لحل المشكلة، وإنما هي مجرد مسألة وقت.
هل لا يزال لدينا وقت؟ الإحساس يقول بأننا يجب علينا التصرف بسرعة!
جوس فورتونات: فعلا، نحن بحاجة إلى التحرك بسرعة، والنظام المناخي لدينا يعتريه القصور والجمود أو العجز في التطوير، إذ أن كل انبعاث لكيلوغرام واحد من ثاني أكسيد الكربون يُخلّف 200 غرام، تبقى موجودة في الغلاف الجوي ولو بعد ألف سنة، ولذلك من الضروري تغيير المسار الحالي، وعلى الفور. لأننا إذا واصلنا على هذا المعدل، فمن المرجح وفقا لتقديراتنا، أن يزيد احترار الأرض عدّة درجات بحلول نهاية القرن الحالي.
سيكون في صلب المناقشات التي ستجري في كانكون مسألة الحد على المدى الطويل من انبعاث غازات الدفيئة ومسألة التكيّف مع ظاهرة الدفء العالمي وقضية تمويل دراسات ومشاريع معالجة تغير المناخ، بالإضافة إلى بحث مستقبل ما بعد كيوتو.. فما رأيكم بهكذا جدول أعمال؟
جوس فورتونات: أولا وقبل كل شيء، من الضروري على الصعيد الدولي، القيام بتدابير للحد من غازات الدفيئة مثل ثاني أكسيد الكربون وغيره. ومن المهم أيضا رسم الأهداف وتحديد الأولويات. ومن الطبيعي أن نحتاج في ذلك إلى رؤية عالمية مشتركة ونَفَس طويل. كما يجب علينا أيضا توفير التمويل الكافي الذي يسمح للبلدان الأقل نموا أن تتخذ هي الأخرى التدابير وتكون لديها فرصة التكيف مع التغير المناخي الحاصل. أنا آمل حقا أن يتم إقرار خفض الانبعاثات دون تلكؤ. ومع ذلك، لا أعتقد بأننا سنصل إلى نتائج ملموسة في كانكون، فالعديد من الدول المشاركة في القمة ترغب في الإنتظار حتى اللحظة الأخيرة، ولا ترغب في اتفاق فوري. مع العلم بأن اتفاقية كيوتو تنتهي في عام 2012.
كيف تردون على المشككين الذين لا يعتقدون بأن ظاهرة الاحتباس الحراري تمثل مشكلة حقيقية؟
جوس فورتونات: نحن البشر، نتسبب بخلل فظيع وسريع في النظام المناخي، هذه حقيقة وليست هوسا من اختراع العلماء، ولكنها نتائج مقاسة قياسا وبياناتها مدونة، وهي تظهر أن غازات الدفيئة يزداد تركيزها، وأن الطاقة الحرارية للغلاف الجوي تتغير، وأن حرارة الأرض آخذة في الإرتفاع. وقد سمحت لنا مئات الآلاف من القياسات معرفة الفترة الزمنية التي تستغرقها المحيطات في عملية الامتصاص الكيميائي لغاز ثاني أكسيد الكربون. فلا شك بأن الإحتباس الحراري ظاهرة حقيقية وواقعية.
هو رئيس مركز “Oeschger” لأبحاث تغير المناخ التابع لجامعة برن.
وهو أستاذ في معهد المناخ والفيزياء البيئية التابع لجامعة برن، ويشارك في المرحلة الثالثة من المشروع الوطني للأبحاث والدراسات المتعلقة بتغير المناخ.
ساهم بنحو 100 مقالة علمية حول ظاهرة الاحتباس الحراري.
شغل سابقا منصب نائب رئيس الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ.
تعقد الأمم المتحدة قمتها القادمة حول المناخ في كانكون (المكسيك)، في الفترة من 29 نوفمبر حتى 10 ديسمبر 2010.
يحتوي جدول أعمال القمة على مناقشة العديد من القضايا الخاصة بظاهرة تغير المناخ، ومن أهمها: الحد من انبعاثات غازات الدفيئة، والتوصل في ذلك إلى رؤية مشتركة على المدى الطويل، والتكيف مع تغير المناخ، وتأمين تمويل خاص بالتدابير اللازم اتخاذها، وكذلك مستقبل معاهدة كيوتو.
أكدت كل من الأمم المتحدة والمكسيك حصول تقدّم بشأن الدعم المالي الممنوح للدول النامية لمساعدتها على التكيف مع التغيرات المناخية، إلا أنه لا يزال هناك غياب لرؤية مشتركة لما بعد عام 2012، أي بعد انتهاء العمل بمعاهدة كيوتو، باعتبارها الأساس الذي اعتمدت عليه الأمم المتحدة في الحد من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري.
اتفقت أكثر من 120 دولة، في مؤتمر كوبنهاغن للمناخ الذي عُقد في عام 2009، على عدم السماح بزيادة درجة حرارة الأرض لأكثر من درجتين مائويتين. لكن لا يزال الخلاف قائما حول كيفية تحقيق هذا الهدف.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.