مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

روبوتات سويسرية قد تشارك مستقبلاً في بعثات فضائية

ربوتات
طالب الدكتوراه في علم الروبوتات، فيليب آرم، مع الروبوت التجريبي دوبي، في المعمل بمدينة زيورخ. swissinfo.ch / Michele Andina

بدلاً من إرسال مركبة روفر ثقيلة، يقترح فريق بحثي سويسري إرسال سربٍ من الروبوتات الصغيرة في الرحلات القادمة إلى القمر أو المريخ. والهدف من ذلك، أن يتمكّن بقية الفريق من الاستمرار في القيام بالمهمة، إذا ما تعطّل أحد الروبوتات. زارت سويس إنفو معمل الروبوتات في مدينة زيورخ. ريبورتاج.

كان مستلقياً على الأرض ككلب كسول. لكن ما إن ضغط فيليب آرم، الباحث في علم الروبوتات، الزر على جهاز التحكم عن بعد، حتّى نهض “دوبي”، وبدأ يتحرك من تلقاء نفسه في اتجاه منصة خشبية.

قد يتمكّن هذا الروبوت ذو الأربعة أرجل، التابع للمعهد التقني الفدرالي العالي بزيورخ، والذي سمّي تيمّنًا بإحدى شخصيات “هاري بوتر”، مستقبلاً من جمع بيانات هامة عن الأجرام السماوية الأخرى، وذلك بغرض البحث العلمي.

وقد أدّى الاهتمام المتزايد بالقمر والمرّيخ في السنوات الأخيرة، إلى سباق محموم. حيث تشارك فيه العديد من الأمم، وكذلك بعض من أثرياء العالم. وهنا تلعب التقنيات الجديدة، والمصالح الاقتصادية والجيوسياسية للدول المنخرطة دوراً هاماً.

يضاف إلى ذلك، الاهتمام العلمي بجمع بيانات حول الجيولوجيا، والمناخ، وكذلك البحث عن مياه وعن حياة محتملة خارج الأرض. وتوجد حالياً، خطط لإرسال العديد من المهام إلى القمر وإلى المريخ، كما يتم الإعلان عن مهام جديدة باستمرار.

يقول فيليب آرم، الباحث في المعهد التقني الفدرالي العالي بزيورخ، إنّ ” المجالات الأكثر إثارة على القمر أو المريخ، غالباً ما توجد في الفوهات أو في الطبيعة شديدة الوعورة، والتي قد تكون صخرية أو منحدرة للغاية. وهنا تحديداً تتجلي فائدة روبوت ذي أرجل مثل هذا”.

فمقارنةً بمركبة روفر ثقيلة، قد تنغرز عجلاتها في تراب القمر أو المريخ، يتحرّك روبوت ذو أرجل وزنه حوالي خمسين كيلو غراماً، بخفة أكبر بكثير.

ها هو دوبي يعتلي لوحاً خشبياً ذا منحدر زلق، وإذا ما زلّ مرّة، فإنه يعيد الكرة ثانيةً بكل بساطة. “من الصعوبة بمكان جعل هذا الروبوت يسقط على الإطلاق”، يستطرد آرم ضاحكاً.

واحد من أجل الكل، والكل من أجل الواحد

علاوة على ذلك، يزيد وجود عدة روبوتات في الفريق من فرص نجاح المهمة. فبعضها غير مختص، والبعض الآخر لديه مهام محددة ومختلفة لإنجازها، كرسم الخرائط، وإيجاد بعض الصخور بعينها، والقيام بقياسات وتحاليل. إذ يمكن لعدّة روبوتات إنجاز مثل هذا العمل بشكل أسرع، وفق آرم، طالب الدكتوراه في علم الروبوتات.

ربوتات
سمي هذا الروبوت ذو الأرجل باسم العفريت دوبي في قصة “هاري بوتر”. . swissinfo.ch / Michele Andina

وإذا ما تعطّل روبوت في مجموعة ما، يمكن لباقي الفريق استكمال العمل ببساطة. “ففي ظل وجود سرب من الروبوتات، يمكن تعويض غياب أحدها أثناء إحدى المهام ببساطة أكبر”، وذلك دون الاضطرار إلى التخلي عن إكمال المهمة.

كما قد أنتجت جميع تلك الروبوتات في مكان واحد، وهو شركة “شبينوف آنيبوتيكس” (Spinoff Anybotics)، التابعة للمعهد التقني الفدرالي العالي بزيورخ. وتتولى الشركة بالفعل مهاماً في صناعات شتّى، على سبيل المثال، في مجال التفتيش عن البنية التحتية للسكك الحديدية، أو في المناطق الأمنية بالمصانع الكيماوية.

ونشير هنا إلى المجموعة البحثية بقيادة هندريك كولفينباخ، كبير العلماء في معمل “روبوتيك سيستمز” بالمعهد التقني الفدرالي العالي بزيورخ، والذي يجري فيه الباحث فيليب آرم أبحاثه أيضاً. حيث فازت هذه المجموعة، بالاشتراك مع معهد أبحاث تقنية المعلومات بألمانيا وغيره من الشركاء بسويسرا، بجائزة مسابقة الوكالة الأوروبية للفضاءرابط خارجي، والتي أجريت في أبريل 2023، وذلك من خلال سرب صغير من أمثلة تلك الروبوتات ذات الأرجلرابط خارجي.

لماذا يكون الجانب السفلي من الحجر مثيرًا للاهتمام؟

لقد كان هدف المسابقة إيجادُ المعادن وتحديدها، وذلك في ساحة الاختبار بلكسمبورغ، والتي تحاكي المناطق القطبية المظلمة من القمر. حيث عملت ثلاثة من الروبوتات معاً، واستطاعت بذلك إقناع لجنة التحكيم. كما حاز الفريق البحثي السويسري الألماني على دعم مالي، يُمَكِّنه من الاستمرار في تطوير هذه التقنية في العام القادم.

ومن اللافت في هذه المسابقة، أن جميع الفرق البحثية الناجحة قد استخدمت روبوتات ذات أرجل، بحسب كولفينباخ.

روبوتات
هندريك كولفينباخ، كبير الباحثين والباحثات في مختبر الأنظمة الروبوتية في مختبر الروبوتات بالمعهد التقني الفدرالي العالي بزيورخ . swissinfo.ch / Michele Andina

إذن، يبدو كأنّ الفكرة تتماشى مع توجّه عام. ففي المعاهد البحثية الألمانية بصفة خاصة، وكذلك في المركز الألماني للرحلات الجوية ورحلات الفضاء، يجري العمل على جعل عدة روبوتات تعمل معاً كفريق.

أما الخطوة القادمة بالمعهد التقني الفدرالي العالي بزيورخ، فيتوقع أن تشمل حالياً عدة أنظمة. إذ يمكن حتى للروبوتات ذات العجلات، أو تلك القادرة على الطيران، تكوين فريق مع دوبي، لتكون بذلك أكثر تنوّعاً في أي مهمة محتملة.

نعود إلى زيارتنا في زيورخ، حيث يجعل فيليب آرم كلبه الروبوت يُحَرِّك حجراً بركانياً بقدمه، ليرينا كيف يمكن لدوبي أن يتصرف فوق القمر.

فبسبب ما تسببه الرياح الشمسية من شدة تآكل لسطح القمر أو المريخ، يصبح الجزء الأسفل من الصخور أكثر فائدةً للبحث العلمي. فهو ليس معرضاً للأشعة الكونية، ممّا يسمح بتحليل بالغ الدقة للمعادن داخل الصخور، أكثر مما يمكن فعله على سطح القمر أو المريخ مباشرةً.

فريق بحثي متعدد التخصصات

في سياق متصل، يتمّ العمل في معمل “روبوتيك سيستمز” التابع للمعهد التقني الفدرالي العالي بزيورخ، بأسلوب متعدد التخصصات، حيث تجتمع الهندسة الميكانيكية التقليدية، وعلوم الحاسوب، والهندسة الإلكترونية، وعلم الروبوتات، كلّها هنا. وتوجد عشرات الروبوتات من ذوات الأرجل والعجلات، في انتظار مهامها التجريبية، فوق مجموعة من المناضد. أمّا كولفينباخ، فيقول إنّ فريقه يهتم بصفة خاصة بالبيئات التي تمثل تحدياً. لذلك، كثيراً ما تُجرى الاختبارات في أحد المحاجر بسويسرا.

وتنتمي إلى هذا الفريق أيضا، عالمة الفيزياء الجيولوجية الكوكبية أنا ميتلهولتس، التي تتابع مع الروبوت ذي الثلاثة أرجل “سبيس هوبر” مشروعها الخاص، الذي يحمل اسم “الوثاب القمري” (Lunar Leaper)رابط خارجي.

أرادت آنا ميتلهولس في الأصل، أن تصبح رائدة فضاء. الآن، هي تريد البحث عن مواقع محتملة للقواعد القمرية.
أرادت آنا ميتلهولس في الأصل، أن تصبح رائدة فضاء. الآن، هي تريد البحث عن مواقع محتملة للقواعد القمرية. swissinfo.ch / Christian Raaflaub

وتسعى ميتلهولتس من خلال هذا الروبوت القافز، إلى دراسة ثقب في القمر، يعتقد أنه نشأ نتيجةً لهبوط نفق تحت أرضي، أحدثته الصهارة البركانية. لذلك، قد يكون الثقب مرتبطاً بهذا النفق.

ومن شأن المعلومات التي ستسفر عنها مثل هذه الدراسات، أن تلعب دوراً في التخطيط المستقبلي لبناء قاعدة تستهدف إجراء مهام أطول، قد يتولاها البشر على القمر.

من جانبها، ترى ميتلهولتس نفعا واضحا من وجود سرب من الروبوتات. حيث تقول إنّ ” الأمر يصبح بالطبع أسهل بكثير، إذا ما استطعنا القيام بقياساتنا على مساحة أكبر، وإذا ما تمكنّا من الاقتراب من هذا الثقب، من جهات مختلفة، وبأدوات شتى”.

ولأجل توثيق هذه المهمة، يعتبر وجود فريق من الروبوتات مكسباً، ذلك لأنها تستطيع تصوير بعضها البعض، وإرسال هذه المواد المصوّرة إلى الأرض، أثناء قيامها بتجارب.

ولا يمكن بطبيعة الحال، التحكم في الروبوتات عن بعد على القمر أو المريخ، بل يجب عليها التحرك ذاتياً، والاستمرار في العمل فيما هي متصلةً بالشبكة. ذلك لأن تأخر إشارات الراديو في الوصول إلى الأرض يبلغ ما بين عدة ثوانٍ (في حالة القمر)، إلى عدة دقائق (بالنسبة للمريخ). من جهة أخرى، تقوم الروبوتات بشحن نفسها باستخدام الخلايا الشمسية.

فضلاً عما سبق، توجد بعض العوامل، التي قد تؤثر على الروبوتات بعيداً عن الأرض. فبسبب عدم وجود غلاف جوي، يصبح التحكم في الحرارة أكثر صعوبة، بحسب رأي فيليب آرم.

بالإضافة إلى ذلك، يجب مراعاة الأشعة الكونية الأقوى، على سبيل المثال في الإلكترونيات. “كما أن الجو يصبح مليئاً بالغبار، والرمال، والصخور، هناك حيث يتوجب على الروبوت التحرك قدماً.”

المزيد عن المشروع في هذا الفيديو من سلسلة “اكتشاف الفضاء”:

فكرة السرب كمشروع طويل الأمد

لهذه الأسباب، يراهن الفريق الذي يضمّ الروبوت دوبي، على المحاكاة الحاسوبية في البداية، قبل وضع نظام جديد. ففي نهاية المطاف، يجب مراعاة الميزانية أيضاً، باعتبار أنّ تكلفة هذا الروبوت قد تبلغ ثمن مركبة من الفئة المتطوّرة.

وفيما يتعلق بالتمويل، فإنه يتاح للمعمل من خلال مخصصات البحث العلمي الدولية والوطنية، وكذلك من خلال مسابقات كتلك التي فاز بها فريق المعهد التقني الفدرالي العالي في العام الماضي.

أمّا فيما يخص مشروع السرب، فإن فريق البحث يخطط له بأفق زمني طويل الأمد. “إننا، مع دوبي، نختبر تقنيات، ستصبح ذات أهمية في غضون عشرة إلى عشرين عاماً، ذلك لأنه نظام كبير ومعقد نسبياً”، كما يقول فيليب آرم.

من جهة أخرى، قد يستطيع الروبوت سبيس هوبر، الأبسط تركيباً، خلال خمسة إلى عشرة أعوام، الوثب هنا وهناك على سطح القمر. إذ اجتاز هذا الروبوت الصغير ذو الثلاثة أرجل فعلاً، اختبار انعدام الجاذبية، فيما يعرف بالطيران منخفض الجاذبية.

أثناء جولتنا، كان دوبي، ذو الأربعة أرجل، قد أرانا ما يكفي من براعته. وها هو يعود الآن للاستلقاء الكسول مرة أخرى، أو بمعنى آخر، يترك بطاريته تُشحَن، استعداداً للمهمة التجريبية القادمة.

تحرير: صابرينا فايس

ترجمة: النصّ: هالة فرّاج، نصوص الفيديو: عبد الحفيظ العبدلي وأمل المكي

مراجعة: عبد الحفيظ العبدلي، مي المهدي/أم

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية