مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

سويسرا تستعد لدخول عصر المركبات ذاتية القيادة 

حافلة ذاتية القيادة
اختبرت مؤسسة "بوست بوس" (PostBus) أول حافلة ذاتية القيادة في سيون بسويسرا في عام 2016. Manuel Lopez

حصلت السيارات، أو المركبات ذاتية القيادة، التي تتحكم بها أنظمة برمجية بدلاً من السياقة البشريّة، على الضوء الأخضر للعمل على الطرق السويسرية اعتباراً من شهر مارس المقبل. لكن ما تأثير هذا القرار؟ وهل يمكن أن نشهد قريباً انتشاراً واسعاً لهذه السيارات في شوارعنا؟ 

خلُصت الحكومة السويسريّة بعد سنوات من التجارب، إلى أن السيارات ذاتية القيادة يمكن أن تفي بمتطلبات السلامة على الطرق السريعة، في ظل ظروف معينة (انظر أدناه). 

وترحب السلطات السويسرية بقرارها الأخير، بوسائل النقل ذاتية التحكم، لأنّها قد تُدخل تحسينات على نظام النقل العام، وتمثل حلاً محتملًا للاختناقات المرورية، وللحوادث التي تتسبب فيها السياقة البشريّة المتهوّرة. وتشارك العديد من البلدان الأخرى، في جميع أنحاء العالم، سويسرا هذه النتيجة.  

ومن خلال هذا التقرير، نستعرض في سويس إنفو (SWI swissinfo.ch) موقف سويسرا من وسائل النقل ذاتية القيادة، وإلى أين يمكن أن يقودنا عصر هذه التكنولوجيا. 

ما الجديد الذي ستشهده الطرق السويسرية في شهر مارس؟ 

في ديسمبر 2024، وافقت الحكومة على الدخول في مرحلة جديدة من الإدخال التدريجي للمركبات ذاتية القيادة.  

واعتباراً من 1 مارس 2025، يمكن للسيارات أن تتجوّل على الطرق السريعة السويسرية باستخدام أنظمة القيادة المستقلة، التي تسمح للسيارة بالتوجيه الذاتي، والتحكم في السرعة، والكبح. ولكن يجب أن يكون من يمسك بعجلة القيادة مستعدّا دائما لإعادة السيطرة إذا لزم الأمر.  

+ اقرأ عن التقدم البطيء ولكن الثابت لمشروع الحافلات ذاتية القيادة

وستتمتع الكانتونات (وتسمى الولايات، في بلدان أخرى) بسلطة الموافقة على طرق معينة لهذه المركبات الآليّة، التي يراقبها مركز تحكّم عن بعد. وستكون هذه المركبات عادةً حافلات، أو سيارات أجرة، أو شاحنات توصيل.  

كما سيُسمح بالوقوف الآلي، دون وجود السائق، في مواقف السيارات المخصصة لذلك.  

وقالت بيتينا زهند، رئيسة قسم السلامة المرورية على الطرق في مجموعة الاستشارات (EBP) سويسرا: ”لقد وُسّعت حدود النقل ذاتي القيادة في سويسرا“. 

كيف تبدو سويسرا مقارنة بالدول الأخرى في هذا المجال؟  

لقد نُفّذت مشروعات تجريبية على المركبات ذاتية القيادة، وأُدخلت تعديلات على التشريعات في العديد من البلدان في جميع أنحاء العالم، بما فيها معظم الدول الأوروبية.  

وتعد الصين وبعض الولايات والمدن في الولايات المتحدة، رائدة في السماح للمركبات التي تعمل دون سائق بشري (ما يسمى بالمستوى الرابع من الأتمتة، انظر المربع أدناه)، بالجولان على الطرقات العامة. 

ففي عام 2020، أصبحت شركة وايمو أول مشغل يحصل على تصريح لتسيير خدمة سيارات الأجرة دون سائق في فينيكس. وبعد عامين، مُنحت شركة “بايدو” (Baidu) الضوء الأخضر لتشغيل أسطولها في مدينتي ووهان وتشونغتشينغ الصينيتين.  

المزيد
حافلة صغيرة ذاتية القيادة ومشاة عابرون

المزيد

نحو أطر تنظيمية للسيارات ذاتية القيادة

تم نشر هذا المحتوى على في ظل تطور التقنيات التي تسمح للسيارات بقيادة نفسها ذاتيا، إلى أي مدى ينبغي أن تكون قادرة على شرح أفعالها وإعطاء إجابات فعلية لجهة تحمّل المسؤولية؟

طالع المزيدنحو أطر تنظيمية للسيارات ذاتية القيادة

وشهدت كلتا الدولتين منذ ذلك الحين، توسعاً في تشغيل أساطيل مختلفة من سيارات الأجرة في عدد متزايد من المدن.  

وخلال العاميْن الماضيين، شهدت اليابان، وسنغافورة، والإمارات العربية المتحدة، وألمانيا أيضاً، إصدار تراخيص لمركبات المستوى الرابع للتنقل على الطرق العامة.  

وتمنح الحكومة السويسرية تصاريح لاختبارات المركبات ذاتية القيادة في ظل شروط سلامة صارمةرابط خارجي، منذ منح التراخيص لشركة سويسكوم والبريد السويسري في عام 2015.   

وبعد مراجعة قانون المرور الطرقي في عام 2023، عبّرت السلطات الفدرالية عن ارتياحها الآن للسماح بمجموعة أكبر من وسائل التنقل الذاتي على الطرقات. 

ما هي الخطوات التالية في سويسرا؟  

تعود لكانتونات سويسرا الـ 26 الآن، مسؤولية تنسيق أنظمة النقل الآلي إلى جانب حركة المركبات العادية. فيقول مارتن نويبارو، كبير الهيئة الاستراتيجيّة في الرابطة السويسريّة للتنقّل الآلي (SAAM): “ندخل مرحلة انتقالية لفهم ما يعنيه هذا القانون عملياً. إذ رؤية ما يعنيه على الورق شيء،  لكن غالباً ما يكون الواقع مختلفاً بعض الشيء عند تطبيق الأفكار”.  

وتوافق بيتينا زهند على ضرورة تعلّم المزيد من النقل الآلي في المرحلة التالية. وقالت: ” يفتح ذلك الطريق أمام مشاريع تجريبية أكثر تقدماً مع مركبات مؤتمتة بالكامل لاكتساب الخبرة حول كيفية عملها ضمن التضاريس، والشوارع، واللافتات، وتدفق حركة المرور في سويسرا“.  

وتضيف قائلة: ”إن تكنولوجيا النقل الآلي في سويسرا حاليا، مناسبة تمامًا لتحسين خدمات النقل العام في المناطق النائية. وقد نحتاج إلى الانتظار عدة سنوات، قبل أن نرى تأثيرها في تقليل الازدحام المروري والحوادث “.  

المزيد
حافلة بدون سائق أمام أحد أبواب مستشفى

المزيد

اختبارات لحافلات بدون سائق حسب الطلب

تم نشر هذا المحتوى على تقوم حاليا حافلاتٌ تشبه لعب الأطفال برحلات مكوكية داخل الموقع الفسيح الذي يحتضن مستشفى “بيل – إيديه” Belle-Idée في مدينة جنيف، في إطار تجربة فريدة للنقل العام بدون سائق.

طالع المزيداختبارات لحافلات بدون سائق حسب الطلب

أما نويباور، ذو الدور الريادي في مشروع “بوست أوتو” لإدخال الحافلات ذاتية القيادة في نظام النقل العام، فيشير إلى أن لسويسرا أولويات مختلفة عن الدول الأخرى.   

ويقول: ”لا ينصبّ التركيز على سيارات الأجرة ذاتية القيادة، كما هو الحال في سان فرانسيسكو، بل على سيارات النقل التشاركي التي تنقل أكبر عدد ممكن من الركاب“.   

هل ستهيمن السيارات ذاتيّة القيادة على الشوارع في سويسرا؟  

سيستغرق الأمر سنوات عديدة أخرى قبل أن تصبح السيارات دون سائق بشري سمة شائعة، أو يتجاوز عددها عدد السيارات التقليدية.  

وفي هذا السياق، يتوقع نويباور أنه “بحلول عام 2030، قد يكون لدينا حوالي 100 سيارة ذاتية القيادة من المستوى الرابع على الطرقات العامة السويسرية، وقد يرتفع عددها إلى بضعة آلاف بحلول عام 2035. وقد لا نرى المستوى الخامس منها بالكامل، حتى عام 2035 على أقرب تقدير“. 

ويرجع السبب في ذلك جزئياً، إلى أنه مازال الكثير مما يجب علينا تعلمه عن كيفية تأثير هذه التكنولوجيا على الطرقات، قبل أن تُبدي شركات تصنيع السيارات استعدادها للمراهنة على هذه السيارات كثيرا.  

وتتصدر شركات صناعة السيارات الصينية والأمريكية حالياً، سباق إنتاج أساطيل من المركبات ذاتية القيادة، في حين تتخلف نظيراتها الأوروبية في مجال إنتاج السيارات الكهربائية، التي قد تواجه صعوبة في مواكبة المنافسة في قطاع السيارات الآلية. 

فقد أشارت دراسة استقصائية أجرتها شركة (EBP) في عام 2017 بالنيابة عن الجمعية السويسرية للاتصالات السلكية واللاسلكية، إلى وجود قبول عام بين السكان للأنظمة التي تساعد على السياقة، ولكن، لا ترى الغالبية العظمى من المشاركين والمشاركات في الاستطلاع فائدة من هذه المركبات.  

وقالت زهند إن سلوك الركاب في سويسرا، قد يكون له أيضاً تأثير في تحديد عدد الأشخاص الذين يستخدمون هذه السيارات في الرحلات الخاصة.  

وأضافت: ”لا أعتقد أن الجمهور ينتظر هذه السيارات بفارغ الصبر؛ فلا تعمل الفئات التي تركب السيارات على أجهزة الكمبيوتر المحمولة الخاصة بها كما يفعلون في القطارات. فلسويسرا نظام نقل عام جيد جداً، ما يستدعي استخدام القطار بدلا من السيارة إذا أراد الناس العمل”. 

ما هي إيجابيات النقل ذاتي القيادة؟ وما سلبياته؟  

جاء في تقرير النقل المستقبلي 2060، الذي نشره المكتب الفدرالي للطرق في عام 2020رابط خارجي: ”ستجعل المركبات ذاتية القيادة حركة المرور على الطرق أكثر أمانًا، وستحسّن من تدفقها، وتسمح باستخدام القدرات المتاحة بأكثر كفاءة“.  

وقد أصبح تحسين سعة الطرقات في سويسرا أكثر أهمية، منذ رفض خطط الحكومة لتوسيع شبكة الطرق السريعة في انتخابات نوفمبر الماضي. 

 ويتوقع التقرير أن تحسّن هذه المركبات وسائل النقل العام أيضا، لا سيما في المناطق النائية، من خلال توفير خدمات النقل من محطات القطار وإليها.  

وعلاوة على ذلك، يؤمل أن يؤدي استخدام أنظمة القيادة الآلية إلى تقليل عدد حوادث الطرقات الناجمة عن الأخطاء البشرية.  

لكن، يشير تقرير “النقل في المستقبل” أيضاً إلى بعض العيوب المحتملة: ” ستقلل المركبات الآلية من الحاجة إلى سائقي وسائقات مركبات البضائع الثقيلة، والحافلات، وسيارات الأجرة، إذا لم تستغنِ عنهم وعنهن تماماً”.   

كما يتوقّع أن يؤثر سلباً في مبيعات السيارات من خلال تقليل عدد المركبات على الطريق. 

المستوى صفر: التكنولوجيا التي توفر أنظمة التحذير أو الكبح التلقائي في حالات الطوارئ للمساعدة، وليس لتولي القيادة من السائق.  

المستوى 1: الأنظمة التي توفّر للسائق الذي يبقى ماسكا بعجلة القيادة، التوجيه، أو دعم السرعة، والكبح.  

المستوى 2: الميزات التي توفر للسائق الذي يبقى ماسكا بعجلة القيادة، كلاً من التوجيه، ودعم السرعة، والكبح في نفس الوقت (أتمتة جزئية).  

المستوى 3: القيادة الآلية في ظروف محدودة. يجب أن يكون السائق البشري جاهزاً لتولي القيادة عندما يُطلب منه ذلك.  

المستوى 4: القيادة الآلية بالكامل دون سائق بشري، ولكن في المناطق المعتمدة وبإشراف بشري عن بُعد فقط.   

المستوى النهائي: السيارة ذاتية القيادة بالكامل، وتشغل نفسها بنفسها دون أي مساعدة بشرية. 

تحرير: فيرجيني مانجان

ترجمة: عبد الحفيظ العبدلي

مراجعة: مي المهدي

التدقيق اللغوي: لمياء الواد

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية